دراسة حالة عن الالتزام بالاستراتيجية وتحقيق المبيعات: إحدى شركات تصنيع مصابيح الشوارع ذات التقنية المتقدمة تدرس تطبيق استثناء بخصوص نموذج الاشتراكات التي تبنّته مؤخراً في عملياتها.
الالتزام بالاستراتيجية
كان كاميرون بيرك يسير مع ابنه الصغير ذات ليلة في إحدى المتنزهات فقال ابنه: "هناك مصباح آخر، ولكنه لا يعمل أيضاً!".
شعر كاميرون بالندم لأنه راح يلعب هذه اللعبة مع ابنه غراهام الذي لم يتجاوز أربع سنوات. لقد أنتجت شركته "لوميسكيب" (Lumiscape) مصابيح ذكية لإنارة الشوارع يمكن التحكم بها عبر الشبكة، وقد تم تركيب هذه الأضواء في العديد من الولايات الأميركية ومن بينها كليفلاند، حيث يتواجد كاميرون الآن في زيارة لوالديه. لقد قرّر كاميرون وابنه أن يذهبا للمشي في متنزه فوريست هيل قبل أن يحين موعد النوم، وقد تحدى الأب ابنه أن يعدّ جميع المصابيح التي يمكنه رؤيتها. وأثناء ذلك اكتشفا أن ثلاثة من المصابيح التي تصنعها الشركة لم تكن على ما يرام. قال كاميرون لنفسه: "حتى مدينتي لا تستطيع التعامل مع مصابيحنا بالشكل الصحيح!"، ومضى يلحق بابنه عند ساحة اللعب في الحديقة. لطالما أخذ كاميرون على نفسه أن لا يقلق نفسه بأمور العمل أثناء قضاء الوقت مع ابنه، ولكنه لم يستطع تجاهل ما رآه.
لقد مضت ست سنوات منذ أسّس كاميرون شركة لوميسكيب. خطرت له حينها فكرة تصنيع مصابيح إنارة للشوارع بتقنية (LED)، تستخدم إشارة شبكة الهاتف المحمول لإشعار دائرة الأشغال العامة عند الحاجة لتغيير اللمبة. لقد كان كاميرون مساعداً لعمدة فيلادلفيا في ذلك الوقت، وكانت تلك أول وظيفة عمل بها بعد تخرجه من كلية فيلانوفا، وكان يدرك تماماً مقدار الوقت الذي كان يقضيه العمال التقنيون لتوثيق ومتابعة الشكاوى بخصوص مصابيح الشوارع المعطلة. ولكن رؤية كاميرون للموضوع كانت أبعد من ذلك: لقد جرى تصميم منتجات لوميسكيب بحيث تكون قادرة على تجميع مختلف أنواع البيانات، كالبيانات المتعلقة بدرجة الرطوبة، والحركة، وأي أنشطة متعلقة بالهزات الأرضية، بالإضافة إلى قدرتها على تحسّس الأشعة فوق البنفسجية الطويلة والمتوسطة وتعديل الإنارة حسب الحاجة لتوفير استهلاك الكهرباء. لقد كان من المتوقع أن يساعد هذا النظام المبتكر في تقليص معدلات استهلاك الطاقة بالإضافة إلى الحد من تكاليف الصيانة، مما سينعكس إيجاباً على مستوى رضا المواطنين عن أداء الجهات المسؤولة.
اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة
يقع المقر الرئيسي للشركة في فيلادلفيا، ولها شبكة من العملاء في معظم الولايات الأمريكية وبعض الدول الأوروبية.
كان كاميرون يشعر بالرضا بخصوص كفاءة عمل النظام في بعض المدن. ولكن الأمر كان مختلفاً في هذه المدينة حسب ما بدا له. وقد رأى وسمع عن حالات مشابهة في مدن أخرى عن إساءة الاستخدام. فبعض الجهات كانت قد اشترت هذه المصابيح ولكنها لم تفلح في الاستفادة بشكل كامل من مزاياها التقنية، مما يعني أنها لم تحقق غرضها الأساسي وهو توفير الطاقة. وثمّة جهات أخرى استخدمت مع هذا النظام لمبات الصوديوم ذات الضغط العالي بدل استخدام مصابيح (LED) الحديثة. بل إن بعض العملاء لم يتمكنوا حتى من استكمال تركيب جميع المصابيح التي اشتروها من الشركة. لقد أدرك كاميرون أن من الصعوبة على حكومات الولايات المحلية أن يغيروا طريقة أدائهم لأعمالهم بالرغم من سلامة مقاصدهم.
وعلى ضوء ما سبق من حالات، قررت إدارة الشركة العام الماضي الانتقال من نموذج المبيعات إلى نموذج الاشتراكات. أي بدل أن تبيع الشركة المصابيح وتترك أمر إدارتها لمؤسسات الدولة المعنية، فإنها ستؤجر هذه المصابيح مقابل تكلفة شهرية تغطي خدمات الشركة التي تتضمن التركيب والصيانة ومتابعة البرمجيات الخاصة بالمصابيح.
كما قامت الشركة في ثلاثة مواقع بتجربة برنامج يربط المصابيح بالإنترنت لتقدم خدمة إنترنت لاسلكي مجانية في الأماكن العامة.
وقد أقرّ مجلس إدارة الشركة بالإجماع المقترح الذي تقدم به كاميرون ورئيسة العمليات في الشركة ستاسي هاميكو والذي يقضي بالانتقال إلى إستراتيجية الاشتراك بدل البيع المباشر. فهذه الخطة ستمنح المنصة التقنية للشركة فرصة للنمو خاصة مع زيادة التوجه نحو تطوير المدن الذكيّة. كما أن هذه الاستراتيجية ستعني زيادة قدرة الشركة على التحكم بمنتجاتها وعلامتها التجارية بالإضافة إلى ضمان تدفق نقدي ثابت للشركة مما سيزيد من تقييمها لدى المستثمرين في المستقبل.
كان غراهام يطلب من أبيه دفع الأرجوحة بشكل أقوى وهما في الحديقة، وعندها رنّ هاتف كاميرون. ظن أنها زوجته التي تحضر مؤتمراً في إحدى ولايات الساحل الغربي، ولكنه كان تنبيهاً لرسالة نصية وردته من ستيسي تقول: "هيوستن مستعدون للتعاون مجدداً، ويرغبون بشراء 5,000 مصباح".
لقد كانت هيوستن واحدة من أولى المدن التي تعاملت مع شركة لوميسكيب قبل ست سنوات من الآن. لقد طلب مدير المدينة في البداية 6,000 مصباح إنارة، ثم تراجع وطلب 1,000 مصباح فقط لأسباب تتعلق بمخصصات المدينة المالية. ولكن نيل هارت، مدير المبيعات في الشركة، استمر في التواصل معه آملاً أن يتوصل إلى صفقة أكبر من المصابيح في مرحلة لاحقة. ويبدو الآن وفق ما ورد في رسالة ستيسي أن هذا ما سيحدث. ولكن المشكلة الوحيدة أمام هذه الصفقة هو أن لوميسكيب توقفت عن البيع المباشر لمصابيح إنارة الشوارع ضمن إستراتيجيتها الجديدة.
لقد عادوا
في وقتٍ متأخر من تلك الليلة، وبعد أن نام غراهام، اتصل كاميرون بستيسي. وأخبرته بأنها تلقّت نسخة من رسالة بالبريد الإلكتروني أرسلها مدير مدينة هيوستن إلى نيل جاء فيها أنه قد نجح في الحصول على الموافقة اللازمة لشراء 5,000 مصباح إنارة آخر. وقالت ستيسي أن مدير المدينة ذكر أنه "قد توفّر لديهم فائض في الميزانية الخاصة بالأعمال العامة بالإضافة إلى بعض المبالغ الأخرى من الميزانية الفيدرالية ويجدر بهم استخدامها".
أجاب كاميرون بينما كان يهز رأسه "التوقيت سيئ للغاية"، وسأل ستيسي عمّا إذا كان نيل قد ذكر لهم أي معلومات بخصوص إستراتيجية الاشتراك التي تبنتها الشركة مؤخراً، فأجابته ستيسي بأنه لم يتكلم معهم بعد بهذا الخصوص. وأضافت: "لقد افترضنا جميعنا أن الصفقة قد فشلت. لقد كانت المدينة ضمن قائمة العملاء ولكن كانوا بصراحة في أسفل هذه القائمة".
سأل كاميرون ستيسي بعدها إن كانت تعتقد أن لديهم فرصة لمناقشة الخطة الجديدة، فأجابته بأن نيل يعتقد أن هذا مستحيل رغم أن نموذج التسعيرة الجديدة ستكون أفضل وأوفر لهم، وخاصة مع انخفاض المبلغ بالنسبة لقسم المشتريات. فإذا كانت إدارة المدينة قد استغرقت هذه الفترة الطويلة للحصول على موافقة لإجراءات الشراء، فيستحيل قطعاً أن يرجع مدير المدينة مرة أخرى ليقترح على بقية المسؤولين خطة الاشتراكات هذه.
اقرأ أيضاً: 5 خرافات حول الاستراتيجية
كان كاميرون في حيرة كبيرة من أمره. الأمر من الناحية الحسابية بسيط للغاية: 5,000 مصباح بسعر 600 دولار للمصباح الواحد يعني 3 ملايين دولار في صفقة واحدة. ستكون هذه أكبر صفقة مبيعات في تاريخ لوميسكيب حتى تلك اللحظة بعد أن حققت عائدات العام الماضي بقيمة 30 مليون دولار.
ولكن الشركة قد التزمت مؤخراً بإستراتيجية الاشتراكات وكانت أسباب هذا الانتقال مقنعة. وكان كاميرون وستيسي نفسهما قد استخدما مثال الصفقة المتأخرة مع مدينة هيوستن للدلالة على أن بيع المصابيح للعملاء بشكل مباشر لا يقدّم لهم المنافع التي يطمحون إليها وأن ذلك لا يمنح الشركة المقدار الكافي من التحكّم والسيطرة على المنتج. لقد تطلّب الأمر عدة سنوات حتى تمكنت المدينة من تركيب الدفعة الأولى من المصابيح، بل إنها لم تتمكن أصلاً من تركيب مصابيح الإنارة الألف بأكملها. والأسوأ من ذلك هو أن المدينة لم توظف ولم تدرّب أي شخص ليتولّى مسؤولية التعامل مع البرمجيات الخاصة بهذه المصابيح.
أخبرت ستيسي كاميرون بأن أندرو لوويل، المدير المالي في لوميسكيب قد شرع فعلاً بتحضير اتفاقية الشراء. وكان هذا متوقعاً جداً في نظر كاميرون، لأن أندرو قد عارض الاعتماد بشكل حصري على عقود الاشتراك مع العملاء، وكان رأيه بأن على مهندسي الشركة أن يقدموا منتجاً للعميل بسمات تسهّل عليه استخدامه بالطريقة السليمة، وقال أنه كان يجب على كاميرون تحفيز المهندسين بشكل أكبر لفعل ذلك قبل الانتقال إلى النموذج الجديد المقترح. لقد ارتأى أندرو أن تعتمد الشركة على نموذج البيع والتأجير في آنٍ معاً بما يضمن تحقيق الدخل للشركة من جميع المصادر المحتملة على أن يجري الانتقال إلى نموذج الاشتراك بشكل تدريجي إن كان هناك داعٍ لذلك.
ولكن ستيسي وكاميرون أصرا على رأيهما واختلفا مع أندرو. فقد كان هنالك العديد من العملاء الذين لم يحسنوا استخدام المصابيح بما يحقق الفائدة المرجوة منها، وكان من الواضح أن إستراتيجية البيع لم تكن تحقق أهدافها. وبالنظر إلى عمليات إعداد الموازنة في الكثير من مجالس إدارة المدن، فقد كان من الأيسر بكثير الدخول في هذا السوق بامتلاك نموذج عرض واحد. فالمسؤولين الرسميون إن اضطروا للتعامل مع خيارين، فإن هذا سيعني ضرورة أن يناقشوا الأمرين مع جميع الجهات المعنية الأخرى مما يعني وقتاً مضاعفاً لإتمام الصفقة.
قالت ستيسي لكاميرون إنها سترسل رسالة بالبريد الإلكتروني لأندرو تخبره بأن يتريث. فوافقها كاميرون وقال: "لا بد كذلك من الدعوة لاجتماع عاجل صباح الغد لاختيار ومن ثم الالتزام بالاستراتيجية التي سنتبعها".
فسألت ستيسي قلقةً: "وهل ستسافر عائداً لحضور الاجتماع؟"
"كلا، لن أسافر، ولكني أعتقد أن الأمر لا يحتمل التأجيل. لا بدّ من إجراء اجتماع فيديو عبر الإنترنت. لا نريد أن نخسر اهتمام هيوستن بنا".
في الصباح التالي
جلس كاميرون في المطبخ في بيت والديه وفتح شاشة حاسوبه المحمول ليرى عليها أندرو ونيل وستيسي من غرفة الاجتماعات في مقر الشركة في فيلادلفيا.
قال كاميرون: "أعتذر عن عدم تمكني من التواجد معكم في الشركة، هل صورتي واضحة؟"
أجاب أندرو: "نعم الصورة واضحة، وكذا التجهم الواضح على وجهك يا كاميرون. تذكر، هذه أخبار جيدة".
قال نيل: "أتفق تماماً مع أندرو، لقد تمكنا أخيراً من نيل اهتمامهم".
رد أندرو: "يبدو أننا سنحصل على هذه الصفقة معهم".
تدخّل كاميرون وقال: "ليس بهذه السرعة، لن نستطيع أن نبيع 5,000 مصباح بعد أن بذلنا كل جهودنا من أجل استراتيجيتنا الجديدة. لدينا الكثير لنحققه هناك".
فأجاب أندرو: "إن الانتقال إلى نظام الاشتراكات إستراتيجية مناسبة للمدى البعيد. لقد كنا نعرف أن الانتقال إليها لن يكون بتلك السهولة. ما تزال العديد من المدن تمتلك المصابيح، ولن نعمد إلى استعادتها وشرائها منهم. سيتطلب الأمر سنوات عديدة حتى ينتقل عملاؤنا إلى نظام الاشتراك. فلا مانع أبداً من إجراء بعض الاستثناءات وعقد الصفقة مع هيوستن".
أبدى نيل موافقته لأندرو، في حين سأل كاميرون: "ولكن ألا تعتقد أنه من المربك الحديث مع العملاء المحتملين بخصوص نظام الاشتراكات وهم يعلمون أننا قمنا للتو ببيع 5,000 مصباح لمدينة هيوستن؟"
فقال نيل: "من الممكن توضيح الأمر إليهم بطريقة ما". فعلقت ستيسي قائلة: "ولكن هذا يعطي انطباعاً للعملاء بأن شركتنا لا تمتلك إستراتيجية واضحة، وأننا نتبع سياسة انتهازية. إن هذه فرصتنا لاختبار نموذجنا الجديد، فإن استطعنا إقناع هيوستن به فإن هذه ستكون قصة نجاح عظيمة لنا، ليس أمام العملاء وحسب بل أمام المستثمرين أيضاً".
فردّ نيل قائلاً: "لقد فكرت بالموضوع، ولكني أعتقد أن هذه الفكرة لن تنجح. لقد أخبرَنا مدير المدينة أنه يتوفّر لديه 3 ملايين دولار لينفقها هذا العام، كيف يمكن أن نترك هذا المبلغ يضيع من بين أيدينا؟"
فضمّ أندرو صوته إلى صوت نيل، بدا واضحاً أن أندرو كان شديد الاقتناع برأيه كأي مدير مالي جيد يهتم بموارد الشركة. ولكن هذا لم يمنع كاميرون من إبداء تردّده بخصوص التراجع بهذه السرعة عن الاستراتيجية التي اعتمدتها الشركة قبل فترة قصيرة.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإنجاز المزيد من العمل في زمن أقصر
أدرك أندرو ما يفكر به كاميرون وقال له: "أعرف أنني وعدتك بدعم قرارك في حال اعتماد هذا النموذج، ولكني ما زلت لا أرى مانعاً في الاعتماد على الطريقتين. إن كان هنالك عملاء مختلفون يرغبون في الحصول على أشياء مختلفة، أفلا يحتّم علينا ذلك أن نلبي احتياجاتهم وفق رغباتهم؟"
فأجابت ستيسي: "ليس إن كان هذا يعني أن منتجنا لن يظهر على نحو جيد في حال استخدامه وتركيبه. كما أن العميل لن يتمكن من الاستفادة من التحديثات التي سنستمر في تقديمها على المنتج. لا بد علينا من حماية سمعة علامتنا التجارية".
أسند كاميرون ظهره على الكرسي وأخذ يتابع الثلاثة وهم يتجادلون بينهم. كان يعرف أن عليه اتخاذ القرار بشأن هذه القضية، ولكنه ما زال متردّداً ولم يحسم رأيه.
المصابيح لا تعمل
في تلك الليلة خرج كاميرون مجدداً إلى متنزه فوريست هيل وحده. كان يحتاج إلى تنفس بعض الهواء النقي، وكان والداه سعيدين في اللعب مع غراهام في البيت. جلس كاميرون على أحد المقاعد في المتنزه ونظر أمامه فرأى أحد المصابيح يضيء بشكل متقطّع، وعرف من طريقة الإضاءة أن العمال استخدموا لهذا المصباح لمبة غير مناسبة له. وهذا يعني أن هذا المصباح بالإضافة إلى سوء الإضاءة والشعور السيئ الذي يتركه لدى كل من يمرَ من جانبه، فإنه كذلك لا يوفر الطاقة كما هو مفترض.
نهض ليعود أدراجه إلى المنزل ولكنه لاحظ أنه أحدهم قد كتب بواسطة البخّ على قاعدة أحد المصابيح "المصابيح لا تعمل" وكان ابنه قد لاحظ هذه العبارة من قبل أيضاً. لقد بدا لكاميرون أن جميع المؤشرات تلهمه أن على لوميسكيب إدارة منتجها بشكل أفضل. فإن كانت المدن غير قادرة على صيانة المصابيح بنفسها، فإن على الشركة تقديم العون لها من خلال إدراج خدمات البرمجيات في خطة الاشتراكات، بحيث تقوم الشركة بتركيب المصابيح، وتنصيب البرمجيات وتحديث المصابيح حين يتم تطوير إضافات جديدة عليها، وكل ذلك في حزمة واحدة غير مكلفة.
لقد أيقن كاميرون بأن نظام الاشتراكات هو السبيل الأفضل للشركة، لأن هذه هي الطريقة التي تمنح قيمة أعلى للعملاء، فهي تقلل من الاعتماد عليهم لضمان نجاح المنتج، كما أنها تضمن مصدراً مستداماً من الدخل للشركة. إنه النموذج الأفضل الذي سيساعد الشركة على رفع قيمتها قبل أن تسعى للحصول على تمويل جديد.
ولكن هل بإمكان فريق إدارة الشركة أن يضيّع فرصة لكسب 3 ملايين دولار تكاد تكون في أيديهم؟ هل كان أندرو محقاً في مقترحه حول اعتماد كلا النموذجين؟ هل يجدر بهم المضيّ قدماً في عملية البيع هذه ومن ثم الانتقال إلى الالتزام بالاستراتيجية الجديدة بشكل كامل؟
هل تعتقد أن على لوميسكيب أن تبيع المصابيح لمدينة هيوستن؟
رأي الخبراء
سكوت بيرنز، الرئيس والشريك المؤسس في شركة GovDelivery
لقد كان حدس أندرو في مكانه، وأنا أرى أن لوميسكيب قد ارتكبت خطأ فادحاً حين قررت اعتماد إستراتيجية الاشتراكات، ولكن الغلطة ستكون أفدح لو رفضوا التعامل في هذه المرحلة مع عميل يود شراء منتجاتهم. إن النجاح في جلب إمكانات جديدة في السوق المعقّد للأعمال مع الحكومة يتطلب المزج بين الالتزام بالاستراتيجية وانتهاز الفرص. لو كنت أنا صاحب القرار فيما يتعلق بهذه الصفقة، فسأعمل على إتمامها ثم سأبحث فيما بعد عن سبل لإقناع المسؤولين في هيوستن للانتقال إلى نموذج الاشتراكات.
أرجو ألا يساء فهمي هنا، فأنا في الوقت ذاته معجب جداً بنموذج الاشتراكات الذي طوّره كاميرون وستيسي، خاصة بالنظر إلى أن معظم العملاء من القطاع العام. فالاشتراكات قد تضمن مصدر دخل مستدام للشركة وهي طريقة لتجاوز التكاليف العالية المترتبة على عمليات استحواذ العملاء في دوائر البيع الطويلة مع الجهات الحكومية. والشركة التي أعمل بها "غوف ديليفري" (GovDelivery) لها تجربة في نموذج الاشتراكات منذ عقد من الزمن تقريباً، وأعتقد أن هذا النموذج يحقق الكثير من المصالح ويحفز الشركات على تقديم القيمة المرجوّة للعملاء وتضمن عمليات التجديد وترفع من القيمة الاستثمارية للشركة نفسها. نحن نقدم منصة رقمية وحلول برمجية على شكل ملحقات (add-on) للتواصل مع المواطنين وخدمتهم. وتستخدم الهيئات الحكومية في الولايات المتحدة وأوروبا هذه المنصة لأداء الكثير من الأنشطة مثل تشجيع الناس على زيارة العيادات لتلقي اللقاحات الخاصة بالانفلونزا أو إعلامهم بخصوص حالة تتطلب تبنّي حيوان أليف أو حتى تشجيعهم على افتتاح أعمالهم الخاصة.
ولكن لوميسكيب قد ترتكب حماقة كبيرة في حال ألزمت نفسها بإستراتيجية واحدة بشكل صارم. إن تشجيع العملاء على قبول النموذج الجديد واعتماده سيتطلب الكثير من الوقت والجهد. وفي هذه الحالة، فإن بإمكان الشركة أن تبرم العقد مع مدينة هيوستن لبيعها 5,000 مصباح، وتضيف العنصر الخاص بخدمة الاشتراك كخدمة مجانية بادئ الأمر ليكون ذلك بمثابة عرض مبدئي للفكرة.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإيجاد مكان عمل يحتضن الجميع
لقد تعلمت من تجربتي في عالم الأعمال أن الحكومة ستشتري بالطريقة التي تروق لها، ولن تستطيعَ عادة أن تقفَ حائلاً أمام خيارها. فأنا لست راضياً عن الطريقة التي تعاملت بها شركتي مع عملائها عند انطلاقها. فمن العام 2000 حتى العام 2006 كان النمو بطيئاً في الشركة، وكان ذلك بسب تجاهلنا للمعلومات التي تفيد بأن العملاء قد كانوا أكثر ميلاً لدفع تكاليف الخدمات مقارنة بالدفع لمنتجات تقدم إليهم على نظام الاشتراكات. أما اليوم فإن أعمالنا في مجال الخدمات تشهد نمواً كبيراً.
يجب السماح الآن للشركات التي لديها القدرة على الاستثمار في مصابيح لوميسكيب أن تقوم بذلك، وخاصة إن كانت هنالك طلبات بحجم طلب هيوستن. لقد كان أندرو محقاً تماماً حين رأى أن الشركة بحاجة إلى تلبية احتياجات عملائها أياً كانت، مع التركيز في الوقت نفسه على تعزيز قيمة نموذج الاشتراك المقترح، بهدف جعله الخيار الأفضل والأنسب في نظر العميل بدلاً من جعله الخيار الوحيد. إن النموذج المرن الذي يأخذ جميع المتغيرات بعين الاعتبار يتيح للعملاء المضي قدماً على مراحل، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها الهيئات الحكومية عادة.
إن تضييع الصفقة مع مدينة هيوستن مقابل الالتزام بالاستراتيجية الجديدة للشركة لهو خلطٌ للأولويات بحيث يصبح التأكيد على مبدأ بسيط أهم من نمو الشركة. وأعتقد أن مجلس الإدارة الناجح هو المجلس الذي يقدّر المزايا التي تجلبها المرونة في هذه الحالات. كما أن العملاء الآخرين لن يشتكوا إذا ما اكتشفوا أن هيوستن قد اشترت 5,000 مصباح، وعلى لوميسكيب أن تمتلك القدرة على التفريق بين العروض التي تحصل عليها كل مدينة أو دولة.
إن فرض نموذج الاشتراكات على العملاء بهذه الطريقة لن يجدي نفعاً، على المدى القريب والبعيد أيضاً، وإن على لوميسكيب أن تأخذ المكانة التي تنتظرها وعملت جاهدة لبلوغها وتحصل على هذه الصفقة. يقول أحد الزملاء الذين أقدّرهم، وهو رئيس تنفيذي لإحدى الشركات: "لا تسمح لإستراتيجيتك أن تعيقك عن كسب المزيد من الأموال".
جاك كوتنر، الرئيس والرئيس التنفيذي لشركة "بيغبيلي" (Bigbelly)
يجدر بكاميرون ألا يرضخ للضغوط وأن يرفض إتمام الصفقة مع مدينة هيوستن بالطريقة التي تريدها المدينة. ويجب على كاميرون وفريقه أن يتواصلوا مع المسؤولين في المدينة لعرض أفضل الحلول للمشكلة الماثلة أمامهم. فإن كانت لوميسكيب راغبة في تثبيت إستراتيجيتها على المدى البعيد، فإنه حريّ بها ألا تقدّم أي استثناءات عليها.
إن هذه الحالة شبيهة إلى حد ما بإحدى التجارب التي عايشناها في بيغبيلي. فقد كانت الشركة في البداية مهتمة بإنتاج صناديق القمامة خاصة بضغط القمامة وتدويرها. ومع مرور السنوات عمدنا إلى تطوير نموذج الأعمال في الشركة عن طريق الاعتماد على تقنية الاتصالات الحديثة وقمنا بربط محطات الضغط التابعة للشركة ببعض البرمجيات التي تساعد العملاء على مراقبة وتحسين عمليات إزالة وتدوير النفايات العامة. ثم توقفنا عن بيع سلات المهملات وبدأنا ببيع حلول متكاملة في مجال التدوير وإدارة النفايات.
وهكذا يجب على كاميرون التفكير بشركة لوميسكيب، فهي لم تعد تبيع المصابيح، وإنما تحولت إلى بيع أنظمة أكثر سلامة لإضاءة المتنزهات والشوارع. وإن كانت المصابيح لا تعمل بعد تركيبها فهذا يعني أن العملاء لا يحصلون على القيمة المتوقّعة من المنتج. لقد قمنا باعتماد نموذج الاشتراك في بيغبيلي وذلك لأنه يأخذ كافة العناصر الخاصة بالمنتج أو الخدمة بعين الاعتبار، وهذا يساعد العميل على الحصول على حلول مستدامة وذات قيمة أعلى. نحن نرى أن هذا يسمح للعملاء باكتساب مهارات أكبر ليصبحوا أكثر قدرة على الاستفادة من كافة الجوانب التقنية في البرمجيات المقدمة لهم. كما أن أعمال الصيانة تتمّ بشكل أفضل مع زيادة مستوى التفاعل مع المنتج مع الزمن. كل هذا يؤدي إلى زيادة مستوى رضا وسعادة العميل بالإضافة إلى تحسين جودة المنتج الموجود في الشارع.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإنجاز المزيد من العمل في زمن أقصر
يقول مدير مدينة هيوستن أنه بحاجة إلى 5,000 مصباح بشكل فوري. فإن كانت المدينة عازمة حقاً على شراء هذه المصابيح، فإن آليات نموذج الأعمال لن تشكل فرقاً كبيراً لمدير المدينة، وقد يكون بإمكان نيل إقناعه بنموذج الاشتراكات عن طريق توضيح منافع هذا النموذج.
إنني أنصح كاميرون بعدم التراجع عن إستراتيجيته لإتمام الصفقة مع هيوستن، كما أن اعتماد كلا النموذجين ليس أمراً جيداً. حين يرى العملاء وجود خيارين اثنين ولا يمتلكون فهماً عميقاً للتفاصيل، فإنهم سيتوجهون عادة نحو الخيار الذي يشتمل على تعقيدات أقل، وبالنسبة للقطاع العام فإن هذا يعني الإقدام فوراً على الشراء المباشر دون نظام الاشتراكات. ولكن النقطة التي يجب توضيحها لهذا العميل هو أن المصباح ليس سوى جزء محدود من القيمة والمزايا الأخرى التي تقدمها لوميسكيب لعملائها.
لقد واجهنا هذه المعضلة مراراً في بيغبيلي، وكنا دوماً بدلاً من أن نُقدم على عملية البيع، نعمل على تثقيف العميل بطبيعة عروضنا وتوضيح الصورة له بشكل أفضل ليدرك أننا نقدّم طريقة شاملة ومتكاملة للتعامل مع النفايات والتدوير. فكنا نحاول جهدنا ونختبر التوجهات الموجودة في السوق، ويمكن أن أقول بصراحة أننا حققنا نجاحات كبيرة في إقناع الناس بأننا من خلال نموذج الأعمال الذي لدينا نضع مصالحهم في مقدمة أولوياتنا.
قد تكون هنالك اعتبارات أخرى لدى شركة لوميسكيب، فقد تفكر الشركة بأنها لن تحقق أرباحها الربعية المتوقعة، أو أن معدل النمو فيها قد يتراجع. وقد لا تمتلك الشركة حقاً القدرة على تضييع أو تأجيل الحصول على صفقة تبلغ قيمتها ثلاثة ملايين دولار، ولكن هذا لا يعني كذلك أنها لا تملك سوى الموافقة المباشرة على بيع المصابيح لمدينة هيوستن، بل يمكنها محاولة إقناع المسؤولين دفع مبلغ الاشتراك مقدماً. عندها ستحصل المدينة على الخدمات نفسها، ولكن الدفع سيكون وفق خطة زمنية مختلفة. حين غيرنا نموذج أعمالنا في شركتنا، كنا ندرك أن هناك اختلافات بين العملاء على مستوى الميزانيات المتوفرة لديهم، وقد انعكس ذلك على خطط الدفع التي كنا نقدمها لكل عميل.
يجب أن تتجاهل شركة لوميسكيب الاعتبارات قصيرة المدى عند التفكير بهذا القرار وأن تركّز نظرتها على المدى الطويل. إن التغيير صعب على الجميع، ولكن لا يجدر بالشركة أن تتراجع عن نموذجها بسبب ذلك، وإنما عليها أن تقدم حلولاً طويلة المدى من شأنها تقديم المنافع المرجوّة للمدينة على المدى القريب وعلى مدى سنوات طويلة بعد ذلك. يتوجب على كاميرون ألا يتراجع عن قراره وأن يحاول مساعدة مدينة هيوستن كذلك على الإقدام على الخيار الأصح.
تعليقات قراء هارفارد بزنس ريفيو عن الالتزام بالاستراتيجية
لا تعقّد الأمور
إن بيع المصابيح لمدينة هيوستن بهذه الطريقة سيعيق اعتماد الاستراتيجية الجديد، كما أن العثور على صفقة جديدة أخرى قد يكون صعباً كذلك، وستكون النتيجة الإساءة إلى سمعة العلامة التجارية للشركة.
ديان إيشر، مدير قسم تطوير الأعمال في شركة دوللي.
هل يمكن الاتفاق على فترة تجربة؟
لو رفض المسؤولون في مدينة هيوستن نموذج الاشتراكات، فإن على شركة لوميسكيب أن تعقد هذه الصفقة ولكن أن تصرّ على أن تكون الشركة مسؤولة عن عمليات الصيانة الشاملة للمصابيح في فترة تجربة، وهذا يساعد على عرض مزايا نموذج الاشتراكات بشكل عملي.
جيمز فيتزباتريك، مختصّ تحليل الطاقة في شركة شيل للطاقة في أمريكا الشمالية.
لا ضرر في الإقدام على عملية البيع
إن القرار سهل للغاية: لا بدّ من بيع هذه المصابيح، ولن يكون هنالك أي ضرر على سمعة الشركة، ولن يشعر أي عميل بأنه خُدع، وليس هنالك أي قيمة مجتمعية قد تم تجاهلها أو قواعد أخلاقية جرت مخالفتها. ولكن هذا لا يعني إطلاقاً ترك إقناع مدينة هيوستن بوجود نموذج أفضل لهذه العملية، ولكن من دون أن تصر عليها كثيراً إلى حدّ إزعاج مدير المدينة.
جون بيرغر، صاحب شركة (ONTWAR) للاستشارات.
اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإيجاد مكان عمل يحتضن الجميع