لنبدأ
من الصفر أم من المليار؟
خلف الحبتور بدأ عمله موظفاً في شركة محلية، ثم أسس شركته الخاصة في مجال هندسة الإنشاءات عام 1970 أي مع بداية تأسيس دولة الإمارات نفسها، وبذلك فهو يربط قصة حياته بكفاح دولة الإمارات وصعودها من دولة بلا موارد إلى دولة أحسنت استثمار مورد النفط وموقعها الجغرافي، وحولت صحرائها إلى واحة تهوي إليها أفئدة العالم.
محمد العبار، بدأ عمله موظفاً حكومياً أيضاً، ثم حصل على بعثة حكومية فتحت عيونه على تجربة سنغافورة، فعاد منها رائد أعمال متحمس لتقليد التجربة السنغافورية في تأسيس الشركات العقارية، ولكنه لم يبدأ من الصفر كما بدأ الحبتور، بل بدأ من مليار درهم. هذا المليار كان 30% منه من حكومة دبي التي دخلت معه كمساهم، كما دخل الكثيرون في هذا تجميع هذا المبلغ الذي كان رأس المال التأسيسي لشركة إعمار عام 1997.
بين رجل الأعمال التقليدي ورائد الأعمال
خلف الحبتور من حيث النشأة والتأسيس يدخل ضمن فئة رجال الأعمال التقليديين الذين بنوا أنفسهم من الصفر، فهو رجل يمتاز بالذكاء والشغف بالعمل. ففي حين تسلم الكثيرون من الإماراتيين المساعدات المالية التي قدمتها لهم الحكومة الإماراتية في بدايات تأسيسها مع تدفق الثروة النفطية، وذهب كثيرون بأموالهم يحملونها فوق رؤوسهم ولا يعرفون ماذا يتصرفون بها، كما يذكر رجل الأعمال محمد عبد الجليل الفهيم في كتابه "من المحل إلى الغنى"، فإن بعضهم كانت لديه العقلية التجارية والتفكير المستقبلي الذي جعله يستثمر أمواله في مشاريع مازالت ناجحة إلى اليوم، وهو ما ينطبق على الحبتور.
محمد العبار كان رائد أعمال، لا يعيبه أنه لم يبدأ من الصفر، بل بدأ من المليار، وهنا يمكنك أن ترى ما يسمى النمو الأسّي أو "Scalability" في العقليات التجارية، حيث ترى أن فارق الربع قرن بين تأسيس الحبتور لشركته وتأسيس إعمار العبار، قد انعكس على اختلاف القدرة على حشد الاستثمار والمستثمرين بناء على عوامل متعددة ترفع الصفر الذي بدأ به الحبتور إلى مليار.
وهذا هو النمو الأسّي الذي ينقل به رواد الأعمال، الأعمال التقليدية إلى مستوى آخر.
الحبتور ينحت في الصخر والعبار يغرف من بحر
لا تستطيع إلاّ أن تحترم قدرة الحبتور على بناء مؤسسته الخاصة، بعقلية استثمارية من الصفر وبجهوده الخاصة، وكان عليه أن يحفر في الصخر ليبني مشاريعه ويبني سمعته في وقت لم يكن لدى رجل الأعمال الإماراتي تاريخ من العمل في قطاعات الإنشاء والهندسة ولا حضور في الأسواق، وكان الكثيرون يميلون إلى الشركات الأجنبية.
ولا تستطيع إلاّ أن تعجب بالذكاء الوقّاد لمحمد العبار، وهو الرجل الذي امتلك مهارات تسويق نفسه، وبيع أفكاره قبل أن يبيع مشاريعه، فاستطاع حشد مليار درهم من الحكومة ومجموعة مساهمين وثقوا به شخصياً وبطموحه. حتى أن العبار نفسه يكرر في أحاديثه التي يلقيها في عدد من المؤتمرات، بأنه جمع المبلغ التأسيسي الضخم لتأسيس إعمار من أشخاص ومؤسسات آمنوا به، فلم يكن والده مطوراً عقارياً، ولم يسبق للعبار نفسه أن بنى حجراً واحداً قبل إعمار.
وبينما كان الحبتور ينحت في الصخر كان العبار يغرف من بحر. وهذا انعكس على طريقة الإدارة لكليهما. ويمكنك أن تقارنها بنموذج إدارة رجل الأعمال التقليدي الملتزم بمبادئ الإدارة الصحيحة والتي يسير عليها ويحترمها الحبتور، فهو رجل اجتماعات، وحوكمة، وعمل مؤسسي برغم أن مجموعته مازالت تصنف عائلية ولم تدرج في الأسواق المالية، بينما يتصرف العبار بعقلية رائد الأعمال الذي يمشي مسرعاً ويكسر الأشياء، فهو ضد الاجتماعات، وقد يخسر نحو ثلث رأسمال الشركة في خطأ استثماري وتمر الخسارة "مرور الكرام"، وهذه بالمناسبة إحدى انتقادات الحبتور للعبار.
وهكذا يتصرف العبار بعقلية رائد الأعمال المتفرد العنيد والتي يشبه فيها ستيف جوبز و إيلون ماسك، رغم أنه شركته على عكس الحبتور مدرجة في سوق الأوراق المالية منذ تأسيسها.
اختلاف طريقة الإدارة
كان الحبتور يلمح سابقاً إلى بعض رجال الأعمال المحظوظين الذين لم يختبروا خشونة الحياة، ووصلوا إلى الثراء بالطرق السهلة. يومها كانت التخمينات تذهب يميناً وشمالاً لتوقع المقصود بذلك. ولكنها كانت المرة الأولى التي يدخل فيها الحبتور في نقاش علني "صحي وليس شخصي" كما قال في تغريدته حول محمد العبار. حيث اعترض على طريقة العبار في الإدارة من خلال اعتراضه على نظرية العبار في أن الاجتماعات "مضيعة للوقت".
العبار القادم من عقلية رائد الأعمال سريع الحركة، سريع التغيير، والذي يطبق مبدأ "الزعزعة - Disruption"، يمكنه بكل بساطة اعتماد نماذج إدارية ونسفها سريعاً إذا لم تنجح دون أن يرف له جفن، فهو الذي قرر خلال فترة كورونا أنه سيلغي الألقاب الإدارية بين الموظفين في شركته، ثم تراجع عن هذا القرار بعدما تبين له أنه تسبب في تراجع التحفيز لدى الموظفين.
وهو الذي قرر تطبيق الإرادة المسطحة في الشركة والتي "تشبه سوق السمك" كما يقول، حيث لا تعرف السكرتيرة من المديرة ولا تفرق بين مراكز الموظفين، لكنك تجدهم كما يقول في قمة الأداء.
قصة الاجتماعات
بالنسبة للاجتماعات، فقد كان العبار على الدوام يتصرف كرائد أعمال يهمه الانخراط في العمل دون الانشغال في القيل والقال. من وجهة نظره، له فقد كان أقصى نموذج مقبول للاجتماعات هو نموذج "Stand Up Meeting" أي الاجتماع وقوفاً، وهو اجتماع سريع لمناقشة أي أمر واتخاذ القرار بشأنه أو منحه المسار اللازم. وقد كتبت عن هذا النموذج ضمن سلسلة عقلية محمد العبار التي شرحتها في ثلاث مقالات في هارفارد بزنس ريفيو. ثم جاء العبار في كلمة ألقاها مؤخراً ليعلن نسف الاجتماعات من أساسها وأنها مضيعة للوقت، وأعلن تحديه لمن يثبت أنه يستفيد من الاجتماعات، موكداً فكرته التي يكررها دوماً بأن عليك أن تعرف شغلك وتقوم به، ولست بحاجة للاجتماع بعد ذلك.
بينما ينتمي الحبتور إلى طريقة الإدارة التقليدية المؤسسية التي لا تقبل اختراق الأنظمة. تلك الطريقة التي تعرف أن قواعد الإدارة الناجحة كما يقول، "هي العمود الفقري لأي تخطيط وتنفيذ ناجح، إلا إذا كانت تُدار بطريقة عشوائية أو تُستغل لأحاديث جانبية، وهنا يكون العيب فيمن يدير الاجتماع، وليس في الاجتماع نفسه" بحسب تعبيره.
و يقول الحبتور: في شركتي، أبدأ يومي مع كبار المدراء قبل الساعة 7:30 صباحاً باجتماع مختصر، لا يتجاوز 30 دقيقة، نناقش فيه المستجدات، نتفق على الخطوات القادمة، ونحدد المسؤوليات. مثل هذه الاجتماعات هي التي تضمن سير العمل بانضباط وكفاءة.
من هو المستثمر البراغماتي
والمفارقة الأخرى بين الرجلين، يمكن إعطاؤها عنوان "البراغماتية".
محمد العبار، وتأسيساً على مبدأ عقليته كرائد أعمال هو شخص براغماتي، لا يتمسك بالقواعد التقليدية ولا بمبادئ قد يعتبرها غيره مقدسة. فهو رجل لا يتأثر بالأحداث السياسية، فقد يستثمر في دولة يعتبرها البعض ذات نظام حكم غير مرحب به من ناحية حقوق الإنسان من وجهة النظر الغربية، مثل بعض دول شرق أوروبا. كما أنه قد يدخل بجرأة في مبادرات استثمارية خطرة سياسياً، فقد حاول في عام 2005 التدخل كمستثمر لمساعدة الفلسطينيين في غزة عبر زيارة إسرائيل، لكن خطوته أُسيء فهمها كما قال فتوقف المشروع.
بينما يظهر الحبتور كرجل أعمال راسخ التأسيس، يمشي وفقاً للقواعد والتقاليد، فهو يتفاعل بوضوح مع الأحداث السياسية، ويتأثر بما يحصل في محيطه العربي من أحداث ومواجهات، ويقدم مواقفه بشكل واضح ولكنه لطيف. فهو لا يؤمن بالبراغماتية، ولا يقدم التنازلات، إلا في إطار المفاوضات المقبولة، ولذلك لم يتردد علي سبيل المثال في إعلان وقف كافة استثماراته في لبنان بشكل حاسم بعدما وصل لمرحلة من اليأس من الوصول إلى حل بشأن تحريك أمواله المستثمرة في لبنان. لو كان العبار البراغماتي، ربما كان توصل إلى "صفقة" مع الحكومة اللبنانية وخرج بما أرداه في النهاية.
كيف تبدأ يومك؟
يبدأ خلف الحبتور يومه بزيارة مزرعته في الخوانيج في دبي القديمة، ويطمئن تقريباً كل صباح على الدجاج والحيوانات التي يربيها في المزرعة، ثم يذهب للاطمئنان على أعماله. بينما يبدأ العبار صباحه بزياره مشاريعه العقارية في مرسى علم في مصر وغيرها، ليشرف بنفسه على العمل كأي رائد أعمال يشمر عن ساعديه. كما يقوم بنفسه في الترويج والدعاية لبعض مشاريع شركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي كأي رائد أعمال يفرح مع كل لبنة يبنيها.
من تختار؟
هل يمكنك اختيار طريقة الإدارة التي تفضليها بين تجربة الرجلين؟
لا أظن أنك ستصل إلى جواب يتضمن "صح وخطأ"، لأنك إن نظرت للنتيجة، ستجد أن الرجلين تمكنا من بناء إمبراطوريتين عقاريتين عابرتين للحدود.
وهذا يعيدنا للسؤال الذي كثيراً ما تطرحه قصص النجاح وأساليب الإدارة المختلفة والتي نعرضها في هارفارد بزنس ريفيو. هل بعضها صحيح وبعضها خاطئ؟
الجواب لا: كلها صحيحة، ما دامت انتهت بالنجاح. ويمكنك اختيار ما يناسبك منها وما يناسب ظروفك وعقليتك.