قد يُنظر إلى حوكمة الشركات على أنها عملية غير ضرورية ومكلفة. ومع ذلك، فإن نظام حوكمة الشركات المناسب يتمتع بالعديد من المزايا. في حين أنه يمكن أن يفيد الشركات بمختلف أحجامها، فإن أهميته تعتمد على كيفية استخدام هذه الشركات له. فالحوكمة تحدد القواعد والمبادئ واللوائح التي يمكن استخدامها للتحكم والتوجيه، بل واستقطاب المستثمرين على حد سواء، وللاستفادة من حوكمة الشركات بشكل فعال، يجب استخدامها بشكل صحيح.
نشأت الحاجة إلى حوكمة الشركات بسبب العديد من حالات فشل المؤسسات في الماضي. لذلك، فإن هذه العملية تمكّن الشركات من تنظيم عملياتها بشكل أفضل. وبالفعل فإنه يمكن تطبيقها مع ضمان الشفافية على كل من العمليات اليومية للشركة؛ ما يضمن في النهاية جذب العديد من المستثمرين إليها؛ فإن مميزاتها المتعددة تتمحور حول ضمان حقوق المساهمين وأصحاب المصلحة الآخرين. وبالتالي فعندما يبحث المستثمر عن شركات للاستثمار فيها، فإنه سيفضل دائماً الشركات التي تتمتع بحوكمة مؤسسية جيدة. بهذه الطريقة، يمكن لحوكمة الشركات جذب مستثمرين جدد.
ممارسات حوكمة الشركات
تظل ممارسات حوكمة الشركات أكثر نشاطاً في البلدان المتقدمة؛ حيث تعود جذور الممارسة الجيدة في هذه الدول لقرون مضت، ويعتقد الكثيرون أن ذلك يعود لتطبيقها مبادئ الشفافية؛ ما ألهم مناطق أخرى في العالم إلى حدّ كبير. لكن تؤكد دراسة حديثة نُشرت في عام 2021 في مجلة "الحوكمة المؤسسية" (Corporate Governance) أن حوكمة الشركات في المنطقة العربية، بدأت تكتسب الزخم المطلوب، انطلاقاً من الاعتقاد بأن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في الوقت الذي تمر فيه بتغيرات اقتصادية وسياسية، لديها إمكانات كبيرة للنمو، إذ تعاونت الحكومات والكيانات الخاصة في المنطقة مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لإطلاق مبادرة منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA-OECD) بشأن الحوكمة والقدرة التنافسية من أجل التنمية؛ بهدف دعم إصلاحات الحوكمة في 19 دولة عربية.
لكن كيف يؤثر ذلك على الاستثمار في المنطقة العربية؟
جذب الاستثمارات
تؤكد دراسة إندونيسية بعنوان "تأثير حوكمة الشركات في جذب المستثمرين" (Effect of Corporate Governance on Attracting Investors) أن العديد من المستثمرين الدوليين يترددون في استثمار أموالهم إذا لم يكن هيكل حوكمة الشركات جيداً. إنهم يريدون أن يعرفوا مدى قدرة المدراء على إدارة الشركة. هناك بعض الأدوار الرئيسية المهمة لحوكمة الشركات والتي تتمثل في شفافية التقارير المالية وغير المالية للشركة، والاعتماد على مفوض مستقل ولجنة التدقيق في الشركة، حيث يريد المستثمرون أن يعرفوا بوضوح الطريقة التي يوجه بها قادة الشركة شركاتهم لتحقيق الهدف المسطر، وبالتالي لن يستثمر المستثمرون أموالهم إذا لم تملك الشركة هيكلاً واضحاً وفعّالاً. هذا هو السبب في أن تبني حوكمة الشركات قد يكون مؤثراً في الحصول على رأس المال وزيادة سعر الأسهم.
لا يزال نظام الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مختلفاً بشكل ملحوظ عن النظام الغربي، على الرغم من الزيادة الملحوظة في الخصخصة والتحرير الاقتصادي والتنويع. وتظل علاقة الملكية بالأداء غير حاسمة بشكل عام وتعتمد بشكل كبير على العينات والمقاييس المستخدمة. ومع ذلك، فقد بيّنت الدراسات أن وجود الملكية الأجنبية يحسّن أداء الشركة وفقاً لمختلف المؤشرات.
حوكمة الشركات في المنطقة العربية
توضح دراسة بعنوان "حوكمة الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: مراجعة منهجية للاتجاهات الحالية والفرص المتاحة للبحث في المستقبل" (Corporate governance in the Middle East and North Africa: A systematic review of current trends and opportunities for future research) أن عدم الثقة في المعلومات الصادرة عن المساهمين ذوي الأغلبية للجمهور والخوف من المصادرة يدفع صغار المستثمرين بعيداً، وبالتالي يؤثر سلباً في أداء المؤسسات.
وتعتمد مكونات الحوكمة على الشفافية ومدى سهولة الوصول إلى المعلومات، وهو ما يشكل الواجهة الأمامية التي يستخدمها المستثمرون الأجانب عند تقييمهم الاستثمار في أي سوق مالية. إذ يتطلب ذلك تحليل المعلومات المالية وغير المالية عند دخول السوق؛ ما يؤكد ضرورة الإفصاح عن المعلومات الخاصة بالحوكمة، فهو أمر أساسي لممارسة الرقابة باستمرار واتخاذ القرارات من قبل المساهمين، وبالتالي يعتبر من أهم المحفزات الأساسية لجذب السوق المالية.
وفقاً لتقرير "فنتشر بولس" (Venture Pulse) مكتب الدراسات "كاي بي إم جي" (KPMG). فإن صفقات رأس المال الاستثماري انخفضت بشكل كبير في عام 2016، بعد عامين من النشاط المفرط للاستثمار في الشركات في المراحل المبكرة، فالمستثمرون الأكثر خبرة في المرحلة اللاحقة لم يكونوا على استعداد للمراهنة على سوق ناشئة مشبعة. ووفقاً للمستثمرين أصحاب الخبرة، كان أحد العوائق أمام تلك الاستثمارات هو قلة الوعي لأفضل ممارسات الحوكمة.
يقول العديد من المستثمرين المغامرين أن المعرفة العملية بحوكمة الشركات لمؤسسي الشركات في المرحلة المبكرة هي عامل حاسم في تمويل المفاوضات، حيث يقول أليكس كاتز، الشريك الإداري في "إف إف فنتشر كابيتال" (ff Venture Capital): "بصفتنا مستثمرين في المرحلة المبكرة، فإن مطالبة المؤسسين باتباع أفضل ممارسات حوكمة الشركات يعتبر أمراً بالغ الأهمية لتعزيز الشفافية ووضع أساس قوي للأعمال التجارية".
الحصول على التمويل
يؤدي تحسين سياسات وممارسات حوكمة الشركات إلى زيادة وصول الشركات إلى التمويل والحصول عليه. يؤكد كلّ من "بسام فرح" و"ريدا إلياس" و"روث أجيليرا" و"إيلي أبي سعد" في دراستهم المتعلقة بحوكمة الشركات في المنطقة العربية، أن 40% من الشركات يعتبرون أن الوصول إلى التمويل يمثل عقبة رئيسية أمام ممارسة الأعمال التجارية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتظل البنوك على اطلاع دائم بسياسات الحوكمة الخاصة بعملائها وتتأكد أن إجراءات التدقيق الداخلي وإعداد التقارير تعمل بشكل فعّال من أجل الاستمرار في تقديم الدعم المالي. كما تفيد دراسة عن التمويل المصرفي وحوكمة الشركات (Bank financing and corporate governance)، أن عدم الكفاءة في العمل المصرفي يمكن أن يقلل بشكل كبير من قوة رأس المال.
على جانب آخر، فإن الشفافية هي أحد عناصر الحوكمة الجيدة للشركات، ويمكن أن تمنع فضائح الشركات والاحتيال والقضايا المتعلقة بمسؤولية الشركة. فالشركة التي تدار بشكل فعال والتي تبني هيكلها وثقافتها المؤسسية على مبادئ حوكمة الشركات تمنع الكوارث الكبرى مثل سقوط شركة "إنرون" جراء الممارسات المحاسبية المشكوك فيها.
عندما تشرع في معرفة تأثير حوكمة الشركات في جذب الاستثمار، يمكنك النظر في القضايا ذات الصلة من منظور المستثمر. فهناك اعتقاد راسخ أن النهج الذي يركز على المستثمرين أمر أساسي لتطوير إطار فعال لحوكمة الشركات. وفي نهاية المطاف، إن المستثمرين هم من يوفرون رأس المال الذي تحتاجه الأعمال التجارية من أجل النمو والمنافسة والنجاح وخلق الوظائف. إنهم الوقود الذي يحافظ على حركة محرك الاقتصاد.
في الواقع، الغالبية العظمى من المستثمرين لا يمكن تحديد مجال عملهم، فأي شخص لديه صندوق مشترك أو صندوق تقاعد. يمكن أن يستثمر بطريقة أو بأخرى، وهو ما يجعله يبحث في الأخير عن ضمانات حقيقية لأمواله، وبالتالي فإن مستوى الشفافية يعتبر دائماً من مصادر القلق بين معظم المؤسسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو ما يجب العمل عليه لتأمين مستقبل المؤسسات ودعم نمو الاقتصاد.
نُشر المقال استناداً على أبحاث من منصة ساهم