إليك هذا المقال الذي يسلط الضوء على سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالاقتصاد الدائري تحديداً. مع تمرير الاتحاد الأوروبي لحزمة الاقتصاد الدائري الجديدة (Circular Economy Package) في أبريل/نيسان من العام الحالي، تحاول العديد من الشركات الأوروبية في هذا الوقت الامتثال فيما يتعلق بإعادة استخدام المنتجات التي تنتجها لأطول فترة ممكنة. ليس الاتحاد الأوروبي وحده من يبحث عن طرق لإقناع الشركات بإعادة التدوير، إذ تدعم غرفة التجارة الأميركية الشركات في تطوير الاقتصاد الدائري، فضلاً عن تطوير الصين – مثل أوروبا – لسياسات وتشريعات حول الاقتصاد الدائري. من السهل رؤية ما تعتقد البلدان أنها ستكسبه من هذه الجهود، حيث تعتقد مؤسسة إلين ماك آرثر (Ellen MacArthur) وماكنزي وأكسنتشر أن تمكين الاقتصاد الدائري سيحقق وفوراً بمبالغ تصل إلى تريليونات الدولارات، فضلاً عن أهميته بشكل خاص في حماية البيئة.
ولكن عندما يتعلق الأمر بتنفيذ استراتيجية اقتصاد دائري، تواجه شركات عديدة تحديات جدية، حيث عادة ما تواجه واحداً على الأقل من الحواجز الأربعة التالية: عدم القدرة على الوصول إلى منتجاتها في السوق، أو عدم القدرة على تجديد المنتجات المستخدمة أو إعادة تدويرها بطريقة فعالة من حيث التكلفة، أو عدم تصميم المنتجات بطريقة متوافقة مع إعادة التدوير، أو نظرة العملاء المتدنية للمنتجات المجددة أو المعاد تصنيعها.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: مفهوم التأجير التمويلي
ونركز نحن الأكاديميون والممارسون بدورنا على اقتصاد استعادة المنتج وإدارة أصول دورة الحياة، حيث بدأنا بالمشاركة حالما أدركنا مدى تشابك موضوع إدارة الأصول واسترداد المنتج في التطبيق العملي. لقد شعرنا بالقلق حول عدد الشركات غير القادرة على الاستفادة بشكل كامل من الاقتصاد الدائري، لذا بدأنا بالنظر إلى العقبات التي تواجهها الشركات التي أخفقت في تنفيذ تلك التوصيات، ثم نظرنا تجاه كيفية قيام بعض الشركات بالتغلب عليها. ولقد مكنتنا مجموعات المهارات المشتركة (الخبرة الأكاديمية في التأجير، واختيار إصدار نماذج معيارية والتجديد، والخبرة العملية في إدارة الأصول واسترداد المنتجات) من تحديد ثلاث منهجيات يمكن فيها للشركات تحقيق اختراق في المجال.
المنهجيات الثلاث
وجدنا أنّ الشركات التي نجحت في بناء اقتصادات دائرية نفذت ثلاثة أمور: (1) وضعت جميعها معماريات لتصنيع منتجات معيارية؛ (2) قامت بتأجير بعض منتجاتها على الأقل بدل بيعها؛ و(3) وسّعت عمليات التجديد لديها.
يمنح تصميم المنتجات بشكل معياري للشركات القدرة على استبدال بعض المكونات وتجديد البعض الآخر، بدل تجديد المنتج – أو التخلص منه – بالكامل، فضلاً عن كونه يقلل من تكلفة التجديد. فكثيراً ما تستهلك عملية تفكيك المنتجات غير المعيارية الكثير من الوقت للشركات، إلا أنه من السهل تفكيك المنتجات المعيارية وتجديدها.
ويحل التأجير أيضاً مشكلة الوصول عبر إنشاء تدفق موثوق للمنتجات لإعادة تجديدها، حيث يعمل برنامج التأجير القابل للتوسع على منع المنافسة من بائعين خارجيين من خلال التحكم في الأصول وتقليل التكاليف اللوجيستية وتلك الخاصة بالتجديد. كما يسمح للشركات بالحفاظ على القيمة المتبقية من المنتجات غير المستأجرة، ويمكن أن يجعل المنتجات أرخص بكثير بالنسبة للعملاء.
وأخيراً، فإنّ الاستثمار في بنية تحتية خاصة بالتجديد يعطي الشركة مزيداً من السيطرة على القيود الفنية المرتبطة بإعادة تجديد أو ترميم المنتجات، إذ يسمح لها بتصميم المنتجات مع إدراج قابلية تفكيكها لاحقاً، ما يقلل من تكلفة التجديد. كما أنّ الوصول إلى العمالة الماهرة أمر مهم لأنه يمنح الشركة المرونة لتجديد أكبر عدد ممكن من المنتجات، حتى عندما تُعاد في حال أسوأ من المتوقع. ويساعد إنشاء بنية تحتية للتجديد الشركات على الاحتفاظ بأكبر قدر ممكن من القيمة في منتجاتها، كما يقيّم العملاء المنتجات التي يتم تجديدها من قبل الشركة المصنعة الأصلية بشكل أعلى من تلك التي يتم تجديدها من أطراف خارجية. ومن خلال جلب هذا إلى داخل الشركة، يمكن للشركات التأكد من رؤية عملائها المرتفعة لمنتجاتها.
غالباً ما تتبنى الشركات التي لا تنجح في بناء اقتصادات دائرية بعضاً من هذه الأساليب، ولكنها لا تقوم أبداً بتبنيها معاً بشكل منسّق. إنّ مزج الطرق الثلاث معاً هو ما يحسّن من الوصول إلى المنتجات، ويقلل التكاليف، ويزيد القيمة للمستهلك. وتقوم معاً بخلق الحجم اللازم لتمكين اقتصاد دائري مربح.
قصتا نجاح
قمنا من خلال عملنا في إدارة أصول دورة الحياة في شركة دي إل إل (DLL)، والتي تعمل مع العديد من الشركات التي تنفذ الاقتصاد الدائري بتحديد هذه المنهجيات. كما تمكنا، عبر عملنا مع عملائها، من تحديد ثلاث شركات لديها اقتصاد دائري ناجح يمكننا التعلم منه. وظهرت هذه الطرق الثلاث من أنماط رأيناها عبر جميع الشركات الثلاث والتي واجهت مجموعة حواجز مشتركة ونجحت في تخطيها بطرق مشابهة.
كان مثالنا الأول: شركة جيه إل جي إندستريز (JLG Industries)، وهي شركة لديها مصنع معترف به عالمياً لتصنيع معدات الرفع المستخدمة في الإنشاء والصيانة. ولسنوات، قدمت الشركة منتجات محدودة مجددة كانت تنتجها عبر عملية تجديد مخصصة. وبما أنّ الشركة لم تكن تملك سيطرة تذكر على إعادة المعدات القابلة لإعادة التجديد، فإنها لم تكن ترى وجود أسباب كافية لبناء منشأة تجديد يمكن أن تعمل على نطاق واسع.
قامت الشركة ببدء تنفيذ اقتصادي دائري في عام 2013 عبر إطلاق برنامج إدارة الأصول والذي أنشأ تدفقاً متوقعاً للأصول المستخدمة واستثماراً مبرراً في منشأة التجديد القابلة للتوسع. وسمح هذا للشركة بتقديم منتجات تم تجديدها بتكلفة أقل لعملائها. ثم بدأت في التركيز على المنتجات ذات البنى البسيطة والمعيارية والتي كانت أرخص في إعادة تجديدها من المنتجات الأكثر تكاملاً. بعد فترة وجيزة، طورت عرضاً للتمويل من أجل المعدات التي تم تجديدها يماثل الضمان والخدمة المقدمة للمنتجات الجديدة. أدى هذا إلى خلق قيم متبقية أعلى، وخفّض تكاليف المستهلكين بنسبة 35%، وسمح للشركة بتوسعة سوقها بشكل كبير.
في قصة نجاح أخرى، أقنعت فيليبس هيلث كير (Philips Healthcare) العملاء بأنّ المنتجات المجددة توفر نفس الجودة والاعتمادية السريرية حالها حال تلك الجديدة. وتقوم الشركة، الرائدة عالمياً في مجال الأجهزة الطبية ومعدات التشخيص، بتصميم العديد من المنتجات بشكل معياري وقدمت منذ وقت طويل للعملاء خيارات مجددة في إطار خط "دياموند سيليكت" (Diamond Select) الخاص بها. وأرادت فيليبس زيادة هذا النشاط التجاري لخدمة قطاعات حساسة أكثر للأسعار في السوق.
تمكنت فيليبس من استرداد المزيد من الأصول بشكل أسرع عبر إطلاق خدمة تأجير للمعدات الجديدة، في مقابل بيعها بشكل نهائي، ولم تعد شركة فيليبس مضطرة للتفاوض مع العملاء – في هذه الحالة، مدراء المستشفيات – لاستعادة المعدات اللازمة للتجديد، حيث كان يتم إعادتها بنهاية عقد الإيجار. ومن خلال هذه العملية، قامت ببناء تدفق مستمر من المعدات المجددة عالية الجودة المتاحة بسعر في المتناول، مع تقديمها لنفس الضمان الخاص بالمعدات الجديدة. ونتيجة لذلك، تمكنت فيليبس من جذب مجموعة أوسع من العملاء وتوسعة سوقها.
توضح لنا هذه الأمثلة عن سياسة الاتحاد الأوروبي الخاصة بالاقتصاد الدائري أنّ بإمكان الشركات اتخاذ إجراءات محددة لكسر الحواجز التي تمنعها من الاستفادة من الاقتصاد الدائري. ونتائج القيام بذلك واضحة وتتمثل في قدرة الشركات على توسعة أسواقها والحد من نفاياتها. ونظراً لدخول المزيد من الشركات مجال الاقتصاد الدائري، إما طوعاً أو نتيجة للامتثال للقوانين الحكومية، فإنّ هذه الدروس تقدم دليلاً عملياً حول إمكانية العناية بالأعمال مع حماية البيئة.