لماذا تحتاج الشركات الناشئة إلى مسرعات النمو؟ تجارب من السعودية

7 دقائق
كروم المشورة
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

مما لا شك فيه أن الشركات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) تؤدي دوراً حيوياً في الاقتصاد السعودي، إذ تشكل 99.5% من جميع الشركات في المملكة و28% من الناتج المحلي الإجمالي، وتسهم بنسبة تفوق 70% من إجمالي فرص العمل. تعتبر الشركات الصغيرة والمتوسطة محركاً أساسياً لسوق العمل في المملكة العربية السعودية. إذ تقدر الإحصائيات أن كل شركة صغيرة أو متوسطة تُنشى 10 وظائف بالمتوسط، ما يسهم إسهاماً كبيراً في توفير فرص العمل للشباب وتحسين مستوى البطالة.

التحديات التي تواجهها الشركات المتوسطة والصغيرة الناشئة في التمويل 

تُعَدُّ مشكلة صعوبة الوصول إلى التمويل أحد أهم التحديات التي تُواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية. وفقاً لتقرير “مراقبة الشركات الصغيرة والمتوسطة” الصادر عن منصة “منشآت” في الربع الرابع من عام 2022، فإن واحدة فقط من كل 32 شركة صغيرة ومتوسطة الحجم (SMEs) في المملكة العربية السعودية تتلقى التمويل؛ أي 3%؜ من الإجمالي مقارنة بالمتوسط العالمي 41%. وهذا يمثل عائقاً كبيراً أمام نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث إنها غالباً ما تعتمد على التمويل الخارجي لتوسيع عملياتها وتوظيف موظفين جدد. ويرجع ذلك إلى عدد من العوامل، بما في ذلك حجم الشركة الصغير جداً والحاجة إلى تقديم ضمانات مالية والإجراءات الائتمانية المعقدة.

وبناءً على دراسة أجرتها شركة كيه بي إم جي (KPMG) في عام 2020، فإن 50% من الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية تواجه صعوبة في الحصول على التدريب والاستشارات. ويرجع ذلك إلى القيود المالية التي تواجهها هذه الشركات.

وأظهرت دراسة منشورة في جامعة القصيم بعنوان: “المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة العربية السعودية: التحديات – المعالجات”، أنه إلى جانب مشاكل التمويل والبيروقراطية، تعاني المنشآت الصغيرة والمتوسطة نقصَ الدعم الاستشاري ومشاكل التسويق.

“الحاضنات والمسرعات: منصة لانطلاق الشركات الصغيرة والمتوسطة ولكن؟”

تؤدي الحاضنات والمسرعات دوراً أساسياً في دعم اقتصاد الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة، إذ تقدم مجموعة متنوعة وثرية من الخدمات والبرامج التي تعزز نمو الشركات الناشئة وازدهارها.

ووفرت الحاضنات والمسرعات الوصول إلى الأسواق بسلاسة، ومكّنت الشركات الناشئة من الاستفادة من العلاقات والموارد التي تقدمها هذه المؤسسات للوصول إلى الأسواق بفعالية. وبناءً على دراسة أجرتها شركة كيه بي إم جي في عام 2020 ونُشرت في تقرير “مراقبة الشركات الصغيرة والمتوسطة” الصادر عن منصة “منشآت” في الربع الرابع من عام 2022، أظهرت أن الشركات الناشئة التي تشارك في برامج الحاضنات والمسرعات أكثر تمكنناً في جمع التمويل بنسبة 30% مقارنة بالشركات التي لا تشارك في هذه البرامج.

كما تقدم الحاضنات والمسرعات الدعم الإداري للشركات الناشئة، مثل خدمات المحاسبة والخدمات القانونية. وفي إحصائيات عام 2022، وصل عدد الحاضنات والمسرعات في المملكة العربية السعودية إلى أكثر من 100.

ولكن على الرغم من هذا النجاح المبدئي، يظهر جلياً أن الخدمات المُقدمة من قبل الحاضنات و المسرعات المحلية مصممة على نحو خاص للشركات الناشئة في مرحلة الفكرة أو البذرة، و تفتقر إلى الخدمات التي تحتاج إليها الشركات المتوسطة والصغيرة في مراحل النمو والتوسع. كما يُلاحظ أن هذه البرامج لا تولي اهتماماً كافياً لربط المستفيدين بالقطاع أو الصناعة المعنية، ما يؤدي إلي ضعف التوجيه الاستراتيجي للشركات المشاركة.

علاوة على ذلك، يظهر أن الإرشاد المُقدم هو إرشاد مبدئي يبتعد عن الواقع وتحديات القطاع الذي تعمل فيه الشركة. كما أن الخدمات المساندة المُقدمة تكون مبدئية، والبرامج قصيرة ومحتواها سطحي على الأغلب، ما يقلل من فعاليتها في دعم تطور الشركات النامية.

والأهم من ذلك، فإن هذه الحاضنات والمسرعات لا تقدم خدمات متكاملة لجعل الشركات جاهزة للاستثمار، ما يُعد نقصاً في تلبية احتياجات الشركات المقبلة على التوسع. وتتسم مؤشرات قياس الأثر التي تُستخدم بأنها بعيدة عن واقع قياس فاعلية البرنامج، ما يُعيق القدرة على تحديد النتائج الفعلية وتحقيق الأهداف المستهدفة بدقة.

برنامج سكيل: الموسعة الأولى في المملكة العربية السعودية 

لسد الثغرات التي لاحظناها في برامج الحاضنات والمسرعات المحلية، صممنا وأطلقنا برنامج سكيل (SCALE) من كروم المشورة، وهو برنامج متكامل لتحقيق النمو المتسارع عن طريق التوسع المنظم والمدروس للشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة على غرار برامج الموسعات العالمية (Scalerators)

الموسعة سكاليتور (Scalerator) هو مصطلح ابتكره المدير المؤسس لمنصة بابسون لنظام ريادة الأعمال الأستاذ دان إيزنبرج بالاشتراك مع الأستاذ فيني أونيما وفريق سكاليتور منذ عام 2009. وهو برنامج يستهدف رواد الأعمال الذين لديهم حماس عالٍ وطموح ويديرون شركات في مرحلة التوسع تتراوح مبيعاتها بين 3 و15 مليون دولار.

يتميز برنامج سكيل (SCALE) من كروم المشورة بتركيزه على فئة الشركات التي تعدت مرحلة البذرة وإثبات المنتج حيث إن منتجاتها حققت مبيعات لفترة تزيد على العام وأثبتت وجود طلب عليها بما لا يقل عن مليون ريال، وكل ما تحتاج إليه هو التمويل لغرض التوسع والانتقال إلى مرحلة نمو أكبر. ما يعني أن المؤسسين تعدّوا احتياج الدعم المبدئي من خدمات المحاسبة ودراسات السوق المبدئية واختبار السوق والعلامات التجارية وغير ذلك. حيث إن أغلب هذه الشركات قد رسخت علاماتها ومنتجاتها ولديها فرق إدارية وقوائم مالية لفترة لا تقل عن سنة وهي من شروط التقدم للبرنامج.

لقد عملنا في كروم المشورة على تشغيل البرنامج واختباره بنجاح واضح على عشرات من الشركات الناشئة خلال السنوات الخمس الماضية. كما أعددنا البرنامج إعداداً احترافياً لتوسيع نطاق الشركات في مرحلة النمو؛ الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم من أي قطاع. يتميز برنامج سكيل (SCALE) عن غيره من البرامج بإمكانية تصميم المنهجية لتناسب احتياجات القطاع وكذلك الشريك الداعم من القطاع، الذي يمثل فئات شتى من أصحاب المصلحة والمستفيدين وهو ما تفتقده العديد من البرامج الحالية.

وتتنوع المقاصد من رعاية برنامج مثل سكيل (SCALE) من كروم المشورة بتنوع الشريك الداعم من القطاع أو القطاعات السوقية التي يعملون بها. فالبرنامج يتميز بتصميمه المخصص لتحقيق الأهداف لكل شريك داعم على حدة، إذ يصلح لتحضير الشركات المشاركة في البرنامج للاستثمار، أو تحقيق أهداف مسؤولية اجتماعية أو التحفيز لنمو القطاع.

ركائز برنامج سكيل الراسخة

يرتكز البرنامج على ركائز متينة تضمن تعزيز فرص النجاح وأولها جاهزية الاستثمار، إذ يضمن هذا العنصر أن تكون الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة مجهزة بمجموعة شاملة من أدوات الاستثمار التي يطلبها المستثمر أو الممول، مثل غرفة البيانات والنموذج المالي الديناميكي، ما يمكّنها من جذب المستثمرين وتأمين التمويل اللازم لتنمية الأعمال.

وضعنا الركيزة الثانية للبرنامج وهي “خلق الشراكات”، لأننا نؤمن بأن إنشاء الشراكات بين الشركات الناشئة والمتوسطة والصغيرة وعمالقة الصناعة يعد عنصراً أساسياً في النجاح، إذ يسهّل تطوير صفقات المبيعات مع الشركاء الاستراتيجيين وهو ما يسمح بالوصول إلى أسواق جديدة وتوسيع قاعدة عملائها وتعزيز إمكانات النمو.

أما الركيزة الثالثة التي يتميز بها البرنامج عن غيره فهي التوجيه من قِبل خبراء وممارسين بارزين في الصناعة التي تنتمي إليها الشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة، ويعد عنصراً أساسياً في رحلتها نحو التوسع والتميز، ما يوفر لها رؤى وإرشادات ودعماً عملياً من القطاع نفسه الذي تعمل فيه على وجه التحديد، وبالتالي مساعدتها على التنقل بين ديناميكيات الصناعة التي تنتمي إليها وتسريع نموها. هذا الدعم ليس عاماً بل هو متخصص يحتوي على خبرات المرشدين العملية في السوق الذي تعمل فيه هذه الشركات، بالإضافة إلى خبرات فريق كروم المشورة المتخصص في الاستثمار المبكر، ما يختصر عليها سنوات من التجارب التي تكلف مالاً وجهداً من دونه قد يُقضى على بعض الشركات في مهدها ما لم تجد المرشد المناسب.

من خلال هذه الركائز يقدّم برنامج سكيل (SCALE) نهجاً شاملاً ومخصصاً لتوسع الشركات في مرحلة النمو، ما يسمح لها بالتغلب على التحديات واستغلال الفرص وتحقيق نمو وتأثير كبير في صناعاتها المعنية.

دراسة حالة: برنامج يمناك قصة نجاح مميزة ونموذج مشرف

أطلقنا في كروم المشورة بالتعاون مع مؤسسة عالم صافولا برنامج “يمناك” ليكون امتداداً لجهود مجموعة صافولا في دعم الشركات المتوسطة والصغيرة في قطاع الأغذية والسلع الاستهلاكية (FMCG) ولتكون المجموعة هي الشريك الداعم في هذا القطاع للنسخة الأولى من البرنامج، إذ تعد مجموعة صافولا من أكبر الشركات السعودية في مجال الأغذية والسلع الاستهلاكية ما يشكل عامل جذب في حد ذاته للمتقدمين إلى البرنامج، جلهم كان يحلم بفرصة لقاء أي مسؤول من هذه الشركة، فكان البرنامج بالنسبة لهم فرصة أكثر من ذهبية للحصول ليس على لقاء فحسب، بل على لقاءات وإرشاد متخصص وصفقات في بعض الأحيان.

يهدف برنامج يمناك (الذي استقى اسمه من الأخذ بيمين الشركات الصغيرة للنجاح من قِبل عالم صافولا) إلى تقديم الدعم والاستشارات للشركات الصغيرة والمتوسطة العاملة في هذا القطاع، ما يسهم في تعزيز نموها وازدهارها وذلك باستخدام منهج سكيل (SCALE) الذي طورته كروم المشورة. أطلق برنامج يمناك في يونيو/حزيران عام 2022 وتقدم للدفعة الأولى أكثر من 300 شركة سعودية جرت تصفيتها إلى 20 شركة ناشئة نامية تخدم كل حلقات سلسلة إمداد قطاع الأغذية والسلع الاستهلاكية.

فمن شركة طورت لوح الطاقة محلياً بنكهات تمور المملكة وشركة أخرى تختص في تقنيات الطعام المتقدمة والدهون النباتية، بهدف رفع معايير منتجات الطعام السعودية وفقاً للمواصفات الدولية. وكذلك شركة تمتلك ما يفوق على 55 فرعاً من المقاهي المختصة مع خطة طموحة للتوسع على مستوى المملكة العربية السعودية.

أتيحت للمتنافسين فرصة قضاء أربعة أشهر مع مجموعة صافولا وكوكبة مميزة من الخبراء والمرشدين في الصناعة، كما أتيح لهم حضور العديد من ورش العمل والمحاضرات، ومن ثم قُدمت لهم المساعدة لتجهيز غرف بياناتهم ونماذجهم المالية بإشراف خبراء كروم المشورة.

أما معايير التصفية النهائية فكانت التنافس بين الشركات العشرين بتجهيز المعلومات اللازمة لبناء النموذج المالي وغرفة البيانات في مدة شهر، بعد أخذ التدريب المكثف الأولي على كيفية فعل ذلك، وهي فترة قياسية لصعوبة هذا العمل الذي كان بحد ذاته أكبر دليل على أن الشركات التي نجحت في هذا الاختبار نضجت واستوعبت التدريب واستحقت تلك الشركات العشر الخدمات القيّمة التي قدمها البرنامج لها في المراحل التالية. وتعد هذه الطريقة المبتكرة طريقة مختلفة جوهرياً عن أي برنامج آخر ينتهي بجوائز أو هدية مالية لمجرد إتمام الحضور. علما بأن إنشاء غرفة البيانات والتقييم للشركة خدمة ثمينة لا تقل قيمتها السوقية عن 20 – 30 ألف دولار أميركي وهي بحد ذاتها جائزة تستخدمها الشركات للحصول على التمويل مستقبلاً.

أما عن أثر البرنامج فكان الجائزة الحقيقية في نهاية البرنامج وهو نجاح الشركات في جذب صفقات من جميع الممولين وشركات الأغذية وليس من مجموعة صافولا فحسب التي لم تستغل البرنامج للاستحواذ على الاستثمار بل فتحت المجال للسوق للمشاركة وهو ما حدث بالفعل. نفتخر بأن أكبر دليل على نجاح البرنامج قد أتى من رد فعل السوق وليس من أي معيار نظري آخر إذ تكللت هذه الرحلة بعروض للمستثمرين والشركاء من عمالقة صناعة الأغذية والمنتجات الاستهلاكية حصل خلالها الخريجون على ما يفوق 10 ملايين دولار من الاستثمار والتمويل وأكثر من 4 من العقود التجارية والشراكات مع مشاريع عملاقة.

وفي شهادته عن التجربة الناجحة للتعاون قال المدير التنفيذي لمؤسسة عالم صافولا الدكتور بندر عرب: “يسرني أن أشارككم الفوائد الكبيرة التي جناها برنامج يمناك الذي نُفذ بالتعاون مع برنامج سكيل من كروم المشورة لتطوير الشركات الناشئة والصغيرة. وفيما يخص قياس الأثر من هذا البرنامج في إطار المسؤولية الاجتماعية، يجدر بنا التركيز على كل من الأثر الاجتماعي والاقتصادي المحقق على الفئة المستهدفة. نظراً لأن الفئة المستهدفة تنتمي إلى القطاع الاقتصادي، فإن قياس الأثر يعتمد بالأساس على التأثير الإيجابي الذي ينعكس على نشاطها الاقتصادي. يُمكن تحليل هذا التأثير من خلال النظر إلى توسيع نطاق الشركات المستفيدة ونشاطها وزيادة حجمها رأسمالياً. ويُمكن أيضاً التركيز على زيادة عدد العملاء الذين يستفيدون من منتجات هذه الشركات أو خدماتها وهذا ما عزز النتائج والنجاحات التي تحققت على أرض الواقع”.

وقال مؤسس شركة زاد الشرقية، فراس الدبيان، عن تجربته في برنامج “يمناك” بأن البصمة المميزة لبرنامج يمناك عن غيره تتمثل في الفهم العميق لكل قطاع على حدة وصياغة برنامج ناجح يناسب الاحتياجات الأساسية لهذا القطاع بعينه، “وفي حالتنا كان هذا القطاع هو قطاع التجزئة، ما أتاح لنا فرصة ذهبية للقاء العديد من الشركات الكبرى والمستثمرين وتوقيع عقود معهم، ما أسهم بفاعلية في تنفيذ خطتنا الاستراتيجية في التوسع وهذا يمكّننا من رؤيتها تتحول إلى واقع ناجح”.

  1. وشارك مؤسس شركة طاولة السلطة، سلمان البشري، تجربته، قائلاً: “انطباعنا عن البرنامج رائع جداً، وجدنا بصفتنا رواد أعمال إجابات لتساؤلات نبحث عنها منذ سنة ونصف. استطعنا أن نلتقي بخبرات عالمية ومحلية تضيف لنا كماً هائلاً من المعرفة التي لا تقدر بثمن”.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .