ما ثقافة الإلحاح الزائف في العمل وكيف تتغلب عليها؟

7 دقائق
الإلحاح الزائف
هنريك سورنسن/غيتي إميدجيز
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: تمثل الضغوط الناتجة عن الإلحاح الزائف (False Urgency) تحدياً كبيراً في مكان العمل، لكنها في الوقت نفسه تشجع على تعزيز ثقافة الاستجابة السريعة للمشكلات. عندما تكون المهام جميعها مستعجلة وطارئة، تتضاءل فرصة إنجاز الأعمال الإبداعية والعميقة، التي تزدهر عادةً عندما يتاح لنا الوقت والمجال للتفكير والابتكار. في هذا المقال، يقدم المؤلف نصائح تساعدك في التركيز على المهام المستعجلة والضرورية بالفعل في مؤسستك، وبالتالي، سيتمكن فريقك من تحقيق نتائج متميزة والحفاظ على أداء عالٍ على المدى الطويل.

في الوقت الحالي، أصبحنا قادرين على التواصل الفعال والتعامل بمرونة في العمل أكثر من أي وقت مضى؛ إذ نعمل بسرعة عالية لمواجهة أعباء العمل والبقاء ضمن دائرة المنافسة في سوق العمل. يوجد شعور مستمر بالإلحاح والحاجة إلى إنجاز المهام بسرعة وفي وقت قصير.

أحياناً، يبدو أن الكثير من النشاطات والمهام المكثفة في المؤسسات هي ضرورات ملحة زائفة ولا تبدو ضرورية وملحة، أي إنها نشاطات غير إنتاجية وتستنفذ الجهود والموارد دون أن تسفر عن تقدم فعلي أو نتائج ملموسة. على الرغم من وجود ضرورات ملحة زائفة في أي بيئة عمل تقريباً، فإن الظروف الراهنة، مثل جائحة كوفيد-19 وزيادة التواصل وتوقعات الاستجابة السريعة، عززت وجودها بطريقة تدريجية وغير ملحوظة.

حتى القادة العظماء يخلقون ضرورات ملحة زائفة بطريقة غير مقصودة، وبالتالي، يمكن أن يلحقوا الضرر بالروح المعنوية للفريق، ما يتسبب في ارتفاع مستوى التوتر والإجهاد، وبالتالي، يؤثر سلباً على أدائهم. لنأخذ مثالاً عن شخص يدعى وسام، الذي دفعه مستوى أدائه العالي إلى تحديد مواعيد نهائية ضيقة جداً لإنجاز المهام، ما يضع ضغطاً زائداً عليه وعلى فريقه. أما سلمى، فإن التفاني الذي تتميز به يجعلها مترددة في مواجهة القيادة العليا، ما يتسبب في زيادة العمل الإضافي بصورة مفرطة على فريقها. أما طارق، فإن روحه التنافسية أدت إلى عمل فريقه لساعات إضافية بسبب استكشافه لأفكار واتجاهات جديدة.

بالطبع، أنت ترغب في أن يتصرف فريقك بإلحاح حقيقي بشأن الأمور الأهم. لكن في بعض الأحيان، يمكن الخلط بين الإلحاح الزائف والإلحاح الحقيقي؛ إذ يعكس كل منهما مستوى مرتفع من الاستعداد والنشاط. مع استمرار ارتفاع مستوى التوتر والإرهاق لدى القادة والموظفين بصورة مثيرة للقلق، يجب على القادة إدراك الفرق بين الجانبين والعمل على التخلص من الإلحاح الزائف والتركيز على ما هو ضروري لنجاح العمل.

إليك كيفية ضمان عدم خلق الإلحاح الزائف بطريقة غير مقصودة في فريقك وتجنب الآثار السلبية الناتجة عنه.

تعرّف إلى مؤشرات وجود الإلحاح الزائف 

لا يوجد قائد يتعمد اختلاق الإلحاح الزائف، لكن يمكن أن تتسلل هذه الثقافة دون وعي وتصبح عادة تترسخ في ثقافة الفريق. يبدأ التغلب على الإلحاح الزائف بالتعرف على علاماته: هل تعاني أنت وفريقك حالة مستمرة من التوتر والاستجابة العاجلة للمشكلات والضغوطات؟ هل تجد نفسك تعتذر عن مواجهة حالة طارئة جديدة؟ هل لديك أنت وفريقك الوقت الكافي لإنجاز العمل الحقيقي في المساء أو في عطلات نهاية الأسبوع؟ هل تلقيت ملاحظات تشير إلى أنك بحاجة إلى إعطاء أولوية أكبر للمهام؟ في حال وجود أي من هذه المؤشرات، فمن الممكن أنك تشكل إلحاحاً زائفاً بطريقة غير مقصودة.

يجب أن تدرك أنه نظراً للسلطة الوظيفية التي تتمتع بها، يمكن أن تتسبب طلباتك والأفكار التي تقدمها بطريقة عابرة، بالإضافة إلى ردود الفعل غير المقصودة في دفع فريقك نحو العمل. مع مرور الوقت، ربما يبدأ فريقك في توقع احتياجاتك والتصرف فوراً دون أن تطلب منهم ذلك. يؤدي هذا التنقل السريع والاستجابة الفورية إلى حجب الأعمال الأهم، كما يسبب التوتر المستمر في العمل والاحتراق الوظيفي، ما يؤدي إلى استنزاف طاقة الفريق.

حدد مصدر الإلحاح

يعكس الإلحاح الزائف رغبة حقيقية في النجاح، لكنه يكون غالباً مرتبطاً بمشاعر القلق. على سبيل المثال، كان وسام يشعر بالقلق من عدم قدرة فريقه على تقديم عمل عالي الجودة وبسرعة كبيرة، ما يؤدي إلى خيبة أمل العملاء الداخليين والتأثير على سمعة الفريق . تخشى سلمى أيضاً من التعبير عن مواقفها، لأن ذلك يمكن أن يجعلها تبدو غير ملتزمة ويؤثر على علاقاتها مع الفريق التنفيذي. كان طارق يشعر بالقلق من احتمال تأخره وفريقه عن مواكبة التطورات والابتكارات الجديدة في مجالهم، ما يؤدي إلى تراجع قدرتهم على المنافسة.

اسأل نفسك: “ما المصدر الأساسي للإلحاح الذي أشعر به؟” إذا كان مصدره القلق، فربما تكون لديك معتقدات أو أفكار تعوقك وتحول دون تبني سلوكيات منتجة وفعالة. وبالتالي، فإن سبيلك للخروج من هذا الوضع هو تحدي افتراضاتك وإعادة صياغة هذه المعتقدات. على سبيل المثال، أعادت سلمى صياغة معتقداتها وتغيير وجهة نظرها؛ إذ كانت تعتقد أن المواجهة ستجعلها تبدو غير ملتزمة وتلحق الضرر بعلاقاتها، لكنها أصبحت تؤمن أن النقاش بأسلوب محترم يمكن أن يشير إلى انخراطها بالعمل ويعزز الاحترام المتبادل بين الأشخاص المعنيين”. في النهاية، تتشكل أفضل الأفكار غالباً في خضم النقاشات الحماسية.

يمكن أن يرسّخ القادة أيضاً، عن غير قصد، ثقافة تنظيمية أوسع تتسم بالإلحاح الزائف، ويتجاهلون التساؤلات حول الوضع الحالي وصحة هذه الثقافة أو أثرها على الفريق والمؤسسة. بغض النظر عن مصدر الإلحاح الزائف، فإن مسؤوليتك تجاه تحسين الأمور لفريقك تظل ثابتة.

التحديد الصارم للأولويات

تنتشر صعوبة تحديد الأولوية للأمور المهمة على حساب الأمور المستعجلة على مستوى العالم، كما إنها عامل أساسي في خلق الإلحاح الزائف. تظهر الأبحاث أننا نعطي الأولوية للمهام ذات المواعيد النهائية الأقرب، بغض النظر عن أهميتها الفعلية. عندما نحاول تحسين الوضع، فإننا نلجأ غالباً إلى تكثيف الجهود أو الاستثمارات لحل المشكلة بدلاً من التفكير في إزالة العوامل غير الفعالة، بالإضافة إلى ذلك، نواجه ما يسمى “مغالطة التكلفة الغارقة” التي تجعلنا نكره التخلي عن الجهود التي استثمرنا فيها بالفعل. عند تعرضنا للضغوط، ننشغل بإنجاز المهام المستعجلة وننسى غالباً التركيز على الأمور الأهم.

إن ابتعادك عن الضغوط من خلال إنشاء مسافة تباعد نفسي هو أحد الأساليب التي يمكن أن تساعدك في التفكير بطريقة شمولية والتركيز على الأهداف الأساسية. للتفكير بوضوح واتخاذ قرارات صائبة، يمكنك أن تتخيل نفسك بعيداً عن الوضع الحالي أو أن تتصور أن الحالة التي تواجهها تحدث في فترة زمنية منفصلة، أو تخيل وجود شخص آخر يتولى المسؤولية في الوضع الحالي. على سبيل المثال، يمكن أن تسأل نفسك: “إذا تخيلت أنه مر عام من الآن، ما الأمر الأهم الذي يجب أن نركز عليه الآن؟” أو “إذا كان هذا الفريق يعمل تحت إشراف شخص آخر، كيف أنصحهم بتحديد الأولويات التي يجب التركيز عليها؟”

بالإضافة إلى ذلك، ركز بصورة متعمدة على الفوائد المحتملة للتخلي عن الأفكار والمساعي التي استثمرت فيها الوقت أو المال أو الجهد. اسأل نفسك: “ما مزايا التخلي عن تلك الأفكار؟ ما العواقب المترتبة على عدم تعليق جهودنا؟” ربما يكون من المفيد إنشاء تذكيرات تشير إلى فوائد الاستغناء عن بعض الأفكار والجهود. شجع فريقك على وضع قائمة بالأمور غير الضرورية التي يمكن الاستغناء عنها أو التوقف عن تنفيذها في العام المقبل.

توظيف التسويف الاستراتيجي

يحمل التسويف عادة دلالة سلبية، لكن يمكن أن يكون مفيداً عند استخدامه بطريقة هادفة ومقصودة. يتضمن التسويف الاستراتيجي البدء بمهمة ما وعدم الانتهاء منها حتى يحين موعد تسليمها تقريباً، ما يسمح لك ولفريقك بالتفكير في هذه المهمة تدريجياً وبهدوء والتخلص من الاندفاع غير الضروري للأعمال ذات القيمة المنخفضة أو التي لا تسهم في تحقيق النتائج المرجوة. يوفر هذا الأمر الوقت لاستكشاف الأفكار المتباينة وظهور الأفكار الجديدة، ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الإبداع والابتكار والحصول على منتج نهائي أفضل.

ربما تتطلب هذه الاستراتيجية تغيير توقعات الأشخاص بشأن الجداول الزمنية وإعادة هيكلة العلاقات مع أصحاب المصلحة، كما حدث مع وسام. عندما أتاح وسام لنفسه ولفريقه مزيداً من الوقت لإكمال طلبات أصحاب المصلحة، نجح في إدارة توقعاتهم بفعالية من خلال التواصل معهم وإبلاغهم مسبقاً بالجداول الزمنية المحددة لإنجاز المهام وتوضيح الأسباب التي تستدعي التأخير. مع مرور الوقت، أدى ذلك إلى تغيير توقعات أصحاب المصلحة وتقليل اعتمادهم على فريقه لحل مشكلاتهم بسرعة، ما سمح بتنفيذ العمل بطريقة مستدامة دون الشعور بالتسرع أو الضغط الزائد، وبالتالي، الحصول على منتج نهائي أفضل.

تقييم الطلبات الخارجية وتوفير وقت إضافي لفريقك

يمكن أن يكون تدفق الطلبات التي نتلقاها في العمل أمراً مرهقاً. ربما يكون بعض هذه الطلبات عاجلاً حقاً، لكنّ معظم الأمور يمكن تأجيلها والتعامل معها في وقت لاحق. بصفتك قائداً، يجب عليك حماية فريقك من الإلحاح الزائف الناجم عن الطلبات الخارجية.

على سبيل المثال، لنفترض أن مديرك طلب منك أو من فريقك مهمة جديدة. على الرغم من أنك ترغب في إظهار استعدادك للتعاون، فإن القادة غالباً يكونون غير مدركين للجهد والتنازلات اللازمة لتلبية مطالبهم. بدلاً من الموافقة بسرعة على الطلب الجديد، يمكنك القول: “نحن على استعداد لفعل ما يلزم بالطبع، لكن هل أنت مساعد لمناقشة التنازلات أولاً؟” في النهاية، إن مراعاة التكاليف والفوائد المترتبة على مسارات العمل المختلفة هو جوهر التفكير الاستراتيجي وهو أمر أساسي في القيادة التنفيذية الفعالة.

إذا كان أعضاء فريقك يتعاملون مع العديد من الطلبات الخارجية، فقدم لهم إرشادات واضحة حول الطلبات التي يجب عليهم تلبيتها وامنحهم القدرة على التساؤل حول الطلبات التي تحمل جداول زمنية غير واقعية أو تتعارض مع مهام الفريق. على الرغم من ذلك، يجب عليك أن تدرك أن أعضاء الفريق ربما يترددون في مواجهة أصحاب المصلحة الخارجيين وكبار القادة. لذلك، عزز جهودهم من خلال تقديم المساعدة باستمرار وتوفير الدعم لتوضيح أسباب الرفض أو التأجيل لأصحاب المصلحة الخارجيين بطريقة مدروسة.

تعزيز ثقافة الإلحاح الحقيقي لدى الفريق

اعمل مع فريقك على وضع معايير وقواعد تعزز وتيرة العمل بطريقة مناسبة ومستدامة. من الأفضل وضع معايير معينة لتحديد المهام العاجلة، مثل المواءمة الاستراتيجية واحتياجات العملاء الأساسية والمخاوف المتعلقة بالسلامة، بالإضافة إلى مراجعة هذه المعايير بانتظام لإعادة تقييم الأولويات وتحديد حالات الإلحاح الزائف. يجب أيضاً إنشاء قنوات اتصال مناسبة وتحديد توقعات منطقية لزمن الاستجابة بناء على مستوى الطوارئ أو الأهمية. على سبيل المثال، يمكنك تعيين زمن استجابة قدره 24 أو 48 ساعة لرسائل البريد الإلكتروني ما لم تُحدد الرسالة على أنها عاجلة. في حال عدم وجود قاعدة واضحة، من المرجح أن يترك الفريق المهام الأخرى التي يعملون عليها للرد على رسائل البريد الإلكتروني، حتى لو لم تكن هذه الرسائل طارئة أو مستعجلة.

امنح فريقك حرية تقييم مدى الأهمية الفعلية للمهام وتقديم ملاحظات حول حالات الإلحاح الزائف. من الصعب على العديد من الأشخاص مواجهة المدير، لذلك، يجب توفير بيئة آمنة نفسياً لهم للتعبير عن آرائهم وملاحظاتهم. عندما يتساءل أعضاء الفريق عن المواعيد النهائية، يجب أن تكون مستعداً للاستماع إليهم وتقدير ملاحظاتهم واحترام وجهات نظرهم، حتى إذا كنت لا تزال مصراً على الموعد النهائي.

تمثل الضغوط الناتجة عن الإلحاح الزائف تحدياً كبيراً في مكان العمل، لكنها في الوقت نفسه تشجع على تعزيز ثقافة الاستجابة السريعة للمشكلات. عندما تكون المهام جميعها مستعجلة وطارئة، تتضاءل فرصة إنجاز الأعمال الإبداعية والعميقة، التي تزدهر عادةً عندما يتاح لنا الوقت والمجال للتفكير والابتكار. سيساعدك استخدام هذه النصائح على التركيز على المهام المستعجلة والضرورية بالفعل في مؤسستك، وبالتالي، سيتمكن فريقك من تحقيق نتائج متميزة والحفاظ على أداء عالٍ على المدى الطويل.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .