أعلنت شركة نتفليكس الأحد الماضي (12 يونيو/حزيران 2022) أنها ستنتج الجزء الثاني من مسلسل "لعبة الحبار" (Squid Game)، وكان الجزء الأول الذي أُصدر في سبتمبر/أيلول عام 2021 قد تربع على عرش المسلسلات الأكثر شعبية في تاريخ الشركة في ظرف 12 يوماً فقط بعدد ساعات مشاهدة تجاوز 1,65 مليار ساعة.
إطلاق الجزء الثاني من هذا المسلسل الكوري الجنوبي يعد منطقياً من زاوية الأعمال، فمنطق الرأسمالية يقضي بتوسيع الأعمال الناجحة وإعادة الاستثمار فيها، حيث يكون هذا التوسع بناء على تحليل المنتج نفسه ودورة حياته، وهنا تبرز "مصفوفة بوسطن كونسلتينغ جروب" (BCG Matrix) كإحدى أدوات التحليل "الكلاسيكية" التي يُعتمد عليها لاتخاذ قرار التوسع من عدمه، ويمكن تصنيف مسلسل "لعبة الحبار" وفقاً لهذه المصفوفة ضمن فئة "المنتجات الساطعة أو النجوم" (Stars)، وهي فئة المنتجات التي تتمتع بمعدل نمو مرتفع في السوق، وحصة سوقية معتبرة، تحقق الكثير من الإيرادات وبالتالي وجب الاستثمار فيها أكثر؛ أما فيما يخص الأسواق التي سيُستثمر فيها، فتبرز أداة تحليل استراتيجي هي الأخرى تعد "كلاسيكية" وتُسمى "مصفوفة أنسوف" (Ansoff Matrix)، تُساعد في الكشف عن فرص نمو الشركات على المستوى الكلي، وتتكون مـن بعديْن أساسيين هما: الأول يتعلق بالمنتج، ويتضمن المنتج الحالي والمنتج الجديد، والبعد الثاني يتعلق بالسوق، ويتضمن السوق الحالي والسوق الجديد، وتقاطُع هذيْن البُعدين يُفضي إلى أربعة خيارات إستراتيجية للنمو، يمكن تمييز من ضمنها خيار "تطوير المنتج" (Product Development)، ويتضمن تقديم منتجات جديدة مطوّرة للأسواق الحالية من أجل المحافظة على الحصة السوقية الحالية على الأقل، وهو خيار يصف بوضوح اللجوء للجزء الثاني المرتقب من المسلسل.
نتفليكس تقدم أول مسلسل واقعي مستوحى من "لعبة الحبار"
أعلنت نتفليكس أيضاً عن عمل جديد هو برنامج واقعي مستوحى من المسلسل بعنوان "لعبة الحبار: التحدي" (Squid Game: The Challenge)، يضم 456 مشاركاً على أمل الفوز بجائزة تقدر بنحو 4.56 مليون دولار، وهي أضخم جائزة مالية تقدم في أي برنامج واقعي على الإطلاق، والسيناريو مستمد بالكامل من المسلسل، بما في ذلك عدد المتسابقين، لكن بالتأكيد لن تكون عقوبة الخاسر الموت وإنما الإقصاء فقط.
من الواضح أن نتفليكس لا تنوي الاكتفاء بالتوسع في المجال نفسه، وإنما استغلال أيضاً الفرصة التي توفرها العلامة التجارية المميزة لهذا المسلسل، لذلك، ومن زاوية تسويقية، لجأت لخيار استراتيجي تلجأ إليه الشركات عادة عندما تطلق منتجاً جديداً بعلامة تجارية موجودة مسبقاً بحيث لا يُشترط أن يكون المنتج الجديد مشابهاً للمنتجات الموجودة بالفعل، ويُسمى "توسيع العلامة التجارية" (Brand Extension) أو "تمديد العلامة التجارية" (Brand Stretching).
من أمثلة الشركات الشهيرة التي تحمل منتجاتها المتمايزة العلامة نفسها شركة "ديتول"، إذ تشترك كلها في العلامة التجارية وميزة التطهير ضد الجراثيم على الرغم من اختلاف تطبيقات هذه المنتجات، مثل الصابون المطهر لليدين، وسوائل تنظيف الأرضيات، واللصاقات الطبية، وصابون اليدين السائل، ومعجون الحلاقة. لكن في حالات أخرى مثل شركة "بيك" (Bic)، فمنتجاتها تنتمي لميادين أعمال (SBU) مختلفة كلياً، لكنها تحمل العلامة التجارية نفسها مثل الأقلام وشفرات الحلاقة والولاعات. حالة "لعبة الحبار" تشبه أكثر حالة "ديتول" إذ إن المسلسل والبرنامج الواقعي قائمان على السيناريو ذاته تحت مظلة علامة تجارية موحدة. من مزايا توسيع العلامة التجارية:
- يمكن للعميل وضع توقعات معينة للمنتج الجديد بناءً على خبرته السابقة من منتجات نفس العلامة التجارية.
- يسهل إقناع المستخدمين (المشاهدين في حالة نتفليكس) بطلب كميات معتبرة من المنتج الجديد لأنه معروف بالفعل لدى جزء معتبر من الجمهور المستهدف.
- انخفاض تكاليف التسويق الناجمة عن التعريف بالعلامة التجارية الجديدة لأنّ العميل يعرفها وقد كوّن بالفعل صورة ذهنية عنها.
- منع العميل من التحول لاستخدام منتج المنافسين طالما يوجد منتج مشابه من العلامة التجارية المفضلة لديه.
يطلق على العلامة التجارية الموسّعة بهذه الحالة اسم العلامة التجارية الأم، وهي بمثابة علامة رئيسية تُسمى بها كل المنتجات الفرعية التي تطلقها الشركة.
الجدير بالذكر التطرق للفرق مع "توسيع تشكيلة المنتجات" (Product Line Extension)، وهو خيار استراتيجي تسويقي مشابه يقوم على إدخال منتج واحد أو عدّة منتجات جديدة في تشكيلة المنتجات الحالية، على أن تختلف الجديدة منها من حيث السعر والجودة، وأن تحمل نفس العلامة التجارية التي تُعدّل من حيث الاسم أو الشكل أو غير ذلك لإظهار خصائص التشكيلة الجديدة، أو ابتكار علامة جديدة كلياً مثل تشكيلة سيارات "لكزس" (Lexus) الفاخرة التابعة لشركة "تويوتا" (Toyota)، فهو مفهوم تسويقي قريب أكثر لوصف إطلاق الجزء الثاني من المسلسل.
بطبيعة الحال، توجد الكثير من الخيارات الأخرى لاستغلال النجاح الذي حققه المسلسل، فمواقع التسوق الإلكتروني على سبيل المثال عرضت ما لا يقل عن 10 منتجات لها علاقة بالمسلسل، على غرار القمصان والأحذية، ثم إن كوريا الجنوبية نفسها تستفيد من نشر ثقافتها وتعزيز مكانتها كـ "قوة ناعمة" في آسيا، وحتى الممثلين أنفسهم يستفيدون ويغدون بين عشية وضحاها نجوماً نتيجة لملايين الأشخاص الذين يشاهدونهم في ظرف وجيز جداً، أو ما يُطلق عليه "تأثير نتفليكس".
اقرأ أيضاً: عندما تفشل استراتيجية التدويل: فيلم "أصحاب ولا أعز مثالاً"