عندما تفشل استراتيجية التدويل: فيلم “أصحاب ولا أعز” مثالاً

4 دقائق
استراتيجية التدويل
shutterstock.com/mustafaclk
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

تأسست منصة “نتفليكس” الأميركية عام 1997، وفي غضون عقدين من الزمن، تربعت على عرش شركات الترفيه والخدمات التلفزيونية من حيث عدد المشتركين، وأصبح لها صدى واسع وتأثير نفسي واجتماعي وحتى اقتصادي لما تعرضه من مسلسلات وأفلام ووثائقيات، وابتُكر مصطلح خاص لوصف هذا التأثير وقدرة نتفليكس في تحويل بعض الممثلين إلى نجوم بين عشية وضحاها نتيجة لملايين الأشخاص الذين يشاهدونهم في ظرف زمن وجيز، اسمه “تأثير نتفليكس“.

صدر أول فيلم لنتفليكس باللغة العربية في 20 يناير/كانون الثاني 2022، وهو فيلم بعنوان “أصحاب ولا أعز”، ليثير جدلاً واسعاً ويصبح هاشتاغ الفيلم ضمن قائمة الأعلى تداولاً بالعالم العربي في غضون ساعات من طرحه.

الفيلم هو نسخة عربية من الفيلم الإيطالي “غرباء بالكامل” (Perfetti Sconosciuti) الصادر عام 2016، والذي أُنتج منه 18 نسخة سابقاً في بلدان مختلفة بلغاتها الأم مثل إسبانيا وفرنسا وهنغاريا، لكن النسخة العربية تعرضت لانتقاد لاذع لأنها ببساطة مأخوذة حرفياً من النسخة الإيطالية دون أي تغيير أو إبداع، والأهم من ذلك دون تكييفها على بيئة المجتمع العربي وعلى ثقافته وعاداته، فمن زاوية الأعمال، خطوة إعادة إنتاج نسخة خارج البلد الأم تدخل ضمن “استراتيجية التدويل” (Internationalization Strategy)، وحجر الزاوية الذي تقوم عليه هذه الاستراتيجية هو إعادة تكييف المنتجات مع البلد المضيف، خاصة إن كانت ذات طبيعة يمكن أن تؤثر في قيم المجتمع. قد تلجأ الشركات متعددة الجنسيات إلى تدويل منتجات “نمطية” (Standard) بهدف تحقيق مجموعة من المزايا أهمها “اقتصاديات الحجم”، مثل شركة “فيريرو روشيه” (Ferrero Rocher) التي تستخدم إعلاناً موحداً للشوكلاتة في جميع البلدان، وهو ملائم ويحقق الهدف الترويجي دون المساس بأي ثقافة مجتمعية، لكن بصفة عامة، الشركات الكبرى تدرس بدقة طبيعة الصناعة والمنتج ومدى ملاءمتهما قبل الإقبال على خطوة التدويل، فنجدها تصنف الصناعات المحتملة للتدويل ضمن 4 فئات رئيسية هي باختصار:

  • صناعات محلية: مثل الخدمات البريدية والنقل الحضري، وهي غير ملائمة للتدويل.
  • صناعات “متعددة المحلية” (Multi-Domestic): وهي الصناعات التي تكون فيها المنتجات متمايزة حسب كل بلد مضيف، وتستلزم غالباً حضور الشركات المنتجة محلياً، فقطاع الفندقة الفاخر مثلاً يسيطر عليه مجموعة من العلامات العالمية، غير أنّ هذه العلامات يجب أن تكون حاضرة بمدرائها من أجل السهر على احترام معاييرها محلياً.
  • صناعات دولية مصدِرة: صناعات يكون فيها الإنتاج في مكان محدد، ثم تُصدّر هذه المنتجات عبر مختلف بلدان العالم، وعادة ما تتميز هذه المنتجات باقتصاديات الحجم وسهولة نقلها بواسطة مختلف وسائل النقل، مثل الإنتاج الزراعي كزيت الزيتون الذي يُنتج في جنوب إسبانيا.
  • صناعات دولية معقدة: تتميز باقتصاديات الحجم وطلب متجانس نسبياً عبر العالم، ويكون فيها تدفق السلع بين مختلف فروع الشركات متعددة الجنسيات مرتفعاً جداً، إذ عادة ما تعمل هذه الشركات على نقل جزء من عملية الإنتاج إلى البلد المضيف، على أن تزوده بباقي عناصر الإنتاج من الفروع الأخرى مثل صناعة السيارات وصناعة الدواء.

بمجرد قراءة أنواع هذه الصناعات، يتضح أن الإنتاج السينمائي الموجه للبلد المضيف ينتمي للفئة الثانية القائمة على تمايز المنتجات حسب البلد المضيف، وهو ما أهمله منتجو الفيلم وتعرضوا نتيجة لذلك لوابل من الانتقادات من قبيل “فيلم لا يمثل المجتمع العربي” و”الترويج للمثلية الجنسية” و”لا يمثل مشاكل المجتمع العربي ويخالف قيمه” و”فيلم مقلد تقليداً أعمى”؛ لذلك نادراً ما تقع الشركات الكبرى في خطأ كهذا، بل نجدها تولي اهتماماً بالغاً لأذواق المستهلكين المحليين وتبذل في سبيل ذلك أموالاً طائلة حتى تبتكر ما يلائم مجتمعاتهم. على سبيل المثال، كيّفت شركت “بيل” (Bel) مختلف علامات الجبنة التي تنتجها حيث نجد جبنة “كيري” (Kiri) في الشرق الأوسط حصراً بذوق “اللبن”، ونجد علامة “البقرة الضاحكة” بذوق التوابل والأعشاب في أوروبا الشرقية، وبذوق الفواكه في بعض مناطق أميركا، وبذوق “الإمنتال” في بلجيكا وجمهورية التشيك؛ أما شركة “لوريال” (L’Oréal)، فأنشأت مختبراً بمدينة شيكاغو مخصصاً لإنتاج منتجات التجميل الموجهة لأصحاب البشرة الداكنة، كما تمول مركزاً خاصاً بالبحث والتطوير في مدينة شنغهاي يهتم حصراً بدراسة خصائص بشرة الآسيويين وشعرهم.

فيما يلي أمثلة أخرى لشركات رائدة في تكييف منتجاتها حسب أذواق المستهلكين المحليين:

1- شركة كريم (Careem): يعتقد كثيرون أن شركة كريم للنقل استنسخت نموذج عمل “أوبر” (Uber) فقط، لكن في الحقيقة “كريم” فعلت أكثر من ذلك بكثير، لا سيما بهدف التأقلم مع البيئة العربية؛ فهي شركة تركز على الاحتياجات والتحديات والمشاكل المحلية، ومن ثم تعمل على حلّها، لذلك ففهم الثقافة الخاصة بكل بلد كان أمراً محورياً في مسيرة “كريم” التي أصبحت واحدة من أسرع الشركات التكنولوجية نمواً في المنطقة، حيث امتدّ انتشارها بعد مرور 5 سنين فقط إلى أكثر من 80 مدينة في 13 دولة في المنطقة.

مدثر شيخة، الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك، يوضح هذه النقطة في مقابلة حصرية مع هارفارد بزنس ريفيو: “وجدنا أن عدم امتلاك الكثيرين للبطاقات الائتمانية في المنطقة أمر يحدّ من إمكانيات نموّنا، ما دفعنا لإطلاق خيار الدفع نقداً، وهو خيار استخدمه 90% من نحو 12 مليون شخص ركبوا مع “كريم” على مدار خمس سنوات. ورغم أن خدمة الدفع النقدي قد تبدو بسيطة، إلا أن ما يحدث خلف الكواليس لدعم هذه الخدمة يعتبر مهمة معقدة وفيها الكثير من المحاذير”، ثم يضيف في سياق شرح خصوصيات المنطقة العربية “هنالك العديد من العملاء لا يرتاحون لاستخدام التطبيقات أو التكنولوجيا في منطقتنا، لذا أنشأنا مراكز اتصال لمن يود طلب “كريم” عن طريق الهاتف عوضاً عن استخدام التطبيق. كما تفهمنا خصوصية رقم الهاتف بالنسبة لبعض الزبائن في المنطقة، فأضفنا مؤخراً خدمة حجب الرقم، تتيح للزبون خياراً في التطبيق يسمح له الاتصال بالكابتن (وهو الاسم الذي نطلقه على السائق) دون كشف الرقم له، وهذه ميزة مهمة مع الأخذ بعين الاعتبار أن أكثر من 70% من مستخدمي كريم في السعودية هم نساء يفضلن عدم مشاركة أرقامهن إلا مع معارفهن وأقاربهن”.

2- ماكدونالدز (McDonalds): بأكثر من 36 ألف مطعم وحضور في أكثر من 100 بلد، تعدّ ماكدونالدز “شركة عالمية” بامتياز، وهي تعمل دون توقف على ابتكار منتجات وخدمات جديدة تلائم كل مجتمع تخدمه، فهي تكيّف قوائم طعامها باستمرار بحيث تقدم لحماً “حلال” في البلدان المسلمة، ولا تقدم لحم البقر في الهند، وتقدم حصراً مخبوزات الـ “كرواسون” في فرنسا، كما أنها تدرس عادات الفئة المستهدفة بدقة، وتصمم وفقاً لذلك منتجاتها ومطاعمها، لذلك تكون في أميركا صغيرة لأنها تستهدف السائقين ومن يطلبون وجبات لأخذها معهم، بينما في الدول النامية، مثل مدن جاكرتا ومومباي، فالفئة المستهدفة هي طلاب الجامعات والمراهقين، فتكون المطاعم واسعة فيها مع توفير وسائل الراحة لتمضية وقت طويل فيها مثل الإنترنت والتكييف.

بالعودة لفيلم “أصدقاء ولا أعز”، كان يمكن تلافي كل هذه الزوبعة لو لم يكتف المنتجون بـ “تعريب” الفيلم الأجنبي، وعملوا على تكييفه وفقاً لتفضيلات الجمهور العربي وأذواقه عن طريق إضافة تفاصيل في السيناريو والديكور والحوار تكون مميزة بالمجتمع العربي، تعكس فعلاً الواقع المعاش في البلدان العربية، أو حذف ما لا يمثل الجمهور العربي في غالبيته العظمى من عبارات مستخدمة أو طريقة التفكير أو الممارسات غير المألوفة، مع الاحتفاظ بالفكرة الرئيسة للفيلم.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .