قال رئيس قسم الاستراتيجيات في شركة لتكنولوجيا المعلومات، بعد أن ضرب كفاً على كف متعجباً ومذعوراً: "لا أصدق أننا فعلنا ذلك".
لم أقل كلمة واحدة. كل ما فعلته أني عرضت له ولبقية فريق القسم التنفيذي مجموعة من الإعلانات من شركات أخرى. لقد اخترتهم بعناية عن قصد طبعاً. كانت بعض تلك الإعلانات موجهة بشكل مباشر للنساء، والبعض الآخر مصمم بشكل خاص للرجال. حتى هذه اللحظة يبدو الأمر مقبولاً. ودون تدخّل مني، سرعان ما رأى كل المدراء، رجالاً ونساء، الفرق بين الإعلانات. ثم عرضت لهم إعلانهم الخاص- عندما انكمش رئيس الاستراتيجيات وأسند ظهره إلى الكرسي مستنكراً. لم يكن يدري أن إعلانهم الذي كان على وشك أن يطلق جهازهم الجديد في السوق العام كان توجهه ذكورياً بامتياز. وكانوا يعتقدون أنه مقبول.
ما لم تدرج الشركات في ثقافتها وتواصلها مع المجتمع مسألة المساواة بين الجنسين بشكل واع، فإن الكثير منهم يميلون في نهاية الأمر نحو التفضيل الذكوري. يعتقد معظم المدراء والشركات أنهم حين يتحدثون فإنهم حياديون في مسألة التمييز بين الجنسين، وأن تعابيرهم "بجدارة" مفهومة ومحفزة لكل نوع بالتساوي. وبما أن معظم الفرق القيادية العليا يهيمن عليها الذكور، فغالباً ما ينعكس ذلك في نهاية الأمر، خاصة عندما يظهَرون أو يتحدثون.
اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: ما هو التوجيه الإداري؟
وسواء كانوا يؤهلون الأشخاص أم يُعدون خطابات رؤساء الأقسام التنفيذية، في الإعلانات أم في الرسائل التسويقية، فإن الشركات تميل في حديثها إلى الأسلوب النمطي، حتى وإن كان فريق التسويق فيها غالبيته من النساء. فالطريقة التي يتحدث بها رجال الإدارة تنعكس على حديث الموظفين مع بعضهم، وبالتالي حديثهم مع الزبائن والعملاء. وبذلك معظم الشركات التي يسيطر على قطاعاتها عادة الذكور (كتقنية المعلومات والمال والقانون ومعظم الصناعات الثقيلة) يحظون بالذكورية ويتحدثون بها دون أن يقصدوا ذلك، وإن كانوا يدّعون أنهم يدعُون إلى التوازن والمساواة.
والإعلانات أداة ضخمة لتشكيل الوعي التمييزي بين الجنسين. وبمراقبة إعلانات شركة ما تعطي دليلاً قوياً على ما تظهره معتقدات هذه الشركة. وهنا يُصدم كثير من الرؤساء التنفيذيين لقضية لم تكن في بالهم.
إليك هذه التجربة، وسترى طرفي نقيض من المسألة. إعلانات موجهة للذكور وأخرى للإناث، ثم انظر إلى إعلان مؤسستك، في أي طرف تقف مؤسستك، وأين ترغب بالوقوف؟
راقب الإعلان الأول عن شراب الطاقة "ريد بول" (Red Bull) وهو من أفضل الأمثلة على التوجه إلى "الرجل الحقيقي". فالإعلان يثير بشكل مؤثر البطل اللاشعوري المتطلع إلى الذكر النمطي، وهو أحد طرفي نقيض. فهو عن الاستقلالية والمقدرة المرنة والشجاعة والثقة بالنفس والاكتفاء الذاتي. فهو يقول بوضوح أن الرجال أبطال والنساء لسن كذلك.
والآن انظر إلى الطرف الآخر، حيث إعلانات مستحضرات النظافة الجميلة "بروكتر آند غامبل" "بي آند جي" (P&G) وهي تحرك كل مشاعر الأمومة. (وعندما أعرض هذا الإعلان على نساء المكتب فإنهن غالباً ما يتأثرن به). إنه الإعلان الذي يوحد أمهات العالم حول فكرة الرعاية والدعم والمحبة والتشجيع والاكتفاء الذاتي الذي يعتمد على رعاية الآخرين. وهنا الآباء غائبون عن المشهد.
انظر الآن إلى إعلان مؤسستك (أو خطاباتك أو موقع الشركة الإلكتروني). هل رموزها أو لغتها أو أفكارها أو صورها يغلب عليها الطابع الذكوري أم الأنثوي؟ هل تخاطب الجنسين أم تميل إلى أحدهما؟
إذا كان الخطاب يميل إلى أحد الجنسين، فهل هو مقصود أم غير مقصود؟ على كلٍ، إعلانا "ريد بول" و "بي آند جي" يسعيا من الناحية الاستراتيجية إلى هدف تسويقي مختار ومركز عليه.
وقد يكون مربحاً بالنسبة لـ "بي آند جي" في التفكير في البيع للآباء كما يفكرون في البيع للأمهات. وبالنسبة لإعلان "ريد بول" أن يعرفوا أن البطولة يمكن ظهورها في الأنثى أيضاً. بعد كل ذلك، التركيز فقط على نصف البشر في الكرة الأرضية يمكن أن يقلص الأسواق، ومن قدرتهم على التأثير إلى النصف.
والجدير بالذكر أن بعض الشركات قد بدأت عن عمد بتغيير ثقافتها وأفكارها ورسائلها لتكون أكثر توازناً بين الجنسين، وبهذا ضاعفت من طرق الوصول إلى الزبائن عما كانت عليه. انظر على سبيل المثال إلى هذين الإعلانين من مايكروسوفت: الأول من عام 2013 وهو عن آلات لا يتدخل بها البشر، تقليدي ومفرداته ذكورية وعقلانية، فولاذية ذات حدّين وعالية الأداء. لا أحد في الإعلان يشوه حلم السيطرة والإتقان.
والإعلان الثاني في عام 2015 وهو رؤية عالمية للأمل، ومن كل الأنواع من البشر، ويعطى مسحة من ابتكار متقن. (إنه يعرض آباء وأمهات أكثر من أي إعلان رأيته في حياتي).
مِن أيّ إعلاني مايكروسوفت تفضّل الشراء؟ وما هو الإعلان الذي يجعلك تفضل العمل في مايكروسوفت؟ ومَن تفضل أن يصبح ثقافةُ مؤسستك، الأولَ أم الثاني؟
الإعلانات والمواقع الإلكترونية والتوظيف ونسب التمييز بين الجنسين في القيادة هي انعكاس مرئي للمكنونات الداخلية للشركات. ولم يكن الأمر اعتباطياً أن ثقافة الشركة التي أنتجت الإعلان الثاني رئيسها التنفيذي ساتيا ناديلا وله الفضل في هذا التحول، وليس اعتباطياً أيضاً أن ثلاث نساء في مايكروسوفت هنّ الآن ضمن فريق الرؤساء التنفيذيين الاثني عشر.
ليسن الصعب أن يصبح الإنسان حيادياً في مخاطبته الجنسين، فالأمر يأتي عن طريق التصميم. فهل تتحدث أنت إلى كل المواهب والى كل السوق؟ إن لم تكن كذلك، فلم لا؟