كيف تساعد شخصاً في تطوير ذكائه العاطفي

5 دقائق
تنمية الذكاء العاطفي للغير

إذا كنت واحداً من الأشخاص غير المحظوظين الذين يتعين عليهم التعامل مع زميل لا يفقه شيئاً أو مع مدير فظ، فأنت لست وحدك. المؤسف في الأمر أن الكثير من الناس في أماكن العمل يفتقرون إلى الذكاء العاطفي الأساسي. حيث يبدو وبكل بساطة بأنهم لا يمتلكون الوعي الذاتي والمهارات الاجتماعية الضرورية للعمل في شركاتنا المتعددة الثقافات التي تتسم بالتعقيد والتحرك السريع. وهؤلاء الناس يحولون حياتنا، نحن البقية، إلى جحيم.

فكيف يمكنك تنمية الذكاء العاطفي للغير؟ وما الذي بوسعك فعله لتغيير هؤلاء الناس وجعل مكان عملك أكثر صحة وسعادة وإنتاجية؟ وفي جميع الأحوال، من هو المسؤول عن إصلاح هؤلاء الناس؟

تنمية الذكاء العاطفي للغير

إذا كان أحد هؤلاء الأشخاص الغريبين اجتماعياً أو ذوي الطباع السيئة يعمل تحت إمرتك مباشرة، فمن واجبك عملياً أن تفعل "شيئاً ما". هم يخرّبون فرق العمل ويدمرون الإنتاجية، بالإضافة إلى تدمير المعنويات. هم عبارة عن قنابل موقوتة صغيرة تنفجر في أوقات لا تتخيلها أبداً ما يجعلهم يهدرون وقتك ويبددون طاقة الجميع. فهم يجب أن يتغيروا أو يغادروا.

وإليك تفسير للمشكلة: من الصعب على المرء أن يطور ذكاءه العاطفي لأن ذلك مرتبط بالتطور النفسي والمسارات العصبية التي تنشأ طوال حياة الإنسان. وهناك حاجة إلى بذل الكثير من الجهد لتغيير العادات الراسخة المرتبطة بالتفاعل البشري – بالإضافة إلى الكفاءات الأساسية مثل الوعي الذاتي وضبط النفس العاطفي. وهناك حاجة إلى الاستثمار في الناس لتغيير سلوكهم وتطوير ذكائهم العاطفي، وإلا فإن ذلك لا يحصل على الإطلاق. ومن الناحية العملية، هذا يعني بأنه ليس لديك أدنى فرصة في تغيير الذكاء العاطفي لشخص ما، "ما لم يكن هو يريد التغيير".

يفترض معظمنا بأن الناس سوف يغيّرون سلوكهم عندما يطلب منهم ذلك شخص يمتلك السلطة (كأن تطلب أنت ذلك منهم بصفتك مديراً لهم). ولكن في حالة التغيير والتطوير المعقدين، فإن من الواضح وضوح الشمس في كبد السماء بأن الناس لا "يحافظون" على التغيير عندما يُوعدون بحوافز مثل إيكال مهام جيدة إليهم أو منحهم مكتباً أفضل. وعندما يُهدّدون أو يُعاقبون، يتحولون إلى أشخاص ذوي طباع سيئة ويتصرّفون بأسلوب فظ للغاية. وبالتالي فإن عمليات إدارة الأداء القائمة على مبدأ العصا والجزرة والمقاربة السلوكية التي يستندون إليها تتّصف بعيب عميق، ومع ذلك فإن معظمنا يبدأ (وينتهي) هناك، حتى في أكثر المؤسسات ابتكاراً.

اقرأ أيضاً: كيف تعزز الذكاء العاطفي لديك ولدى الآخرين؟

غير أن هناك خطوتين مفيدتين تماماً في هذه الحالة، الخطوة الأولى هي مساعدة الناس على إيجاد رؤية عميقة وشخصية جداً تخصّ مستقبلهم، ومن ثم مساعدتهم، الخطوة الثانية هي معرفة كيف قد تحتاج طرق عملهم الحالية بعض التعديل إذا كانوا يريدون الوصول إلى ذلك المستقبل المنشود. هاتان الخطوتان الأوليان في "نظرية التغيير المتعمّد" لريتشارد بوياتزيس – وهي نظرية كنا نختبرها مع عدد من القادة لسنوات. وفقاً لبوياتزيس، وبحسب ما أكد عملنا مع القادة، إليكم كيف يمكن للناس حقاً البدء في تغيير قدرات معقدة مرتبطة بالذكاء العاطفي والحفاظ على هذا التغيير:

في الخطوة التالية، يجب أن تعرفوا ما الذي يجري فعلياً: ما هو الوضع الحالي للذكاء العاطفي لهذا الشخص؟ عندما يكون لدى الشخص حلم قوي يراوده ويمدّه بالقدرة، فإنه يكون قوياً بما يكفي ليتولّى الأمر على عاتقه ويبحث عن الحقيقة. فإذا كنت مرشداً حقيقياً له الآن، فإنك ستكون محطّ ثقته وهو سيصغي إليك. ومع ذلك، فإن هذا لا يكفي على الأغلب. عليك أن تجد طريقة لجمع الآراء من الآخرين، إما من خلال استعمال أداة شاملة لجمع الآراء مثل الاستبيان المعروف بـ "استبيان الكفاءة العاطفية والاجتماعية" (ESCI)، أو عملية "الدراسة الذاتية لأسلوب القيادة" التي وصفناها في كتابنا "كيف تصبح قائداً مسموع الكلمة" (Becoming a Resonant Leader)، وهي تمنحك الفرصة للتحدث مباشرة مع الأصدقاء الموثوقين حول ذكائهم العاطفي وغير ذلك من المهارات. أولاً، أعثر على الحلم.

إذا كنت تلعب دور المرشد مع الموظف، فيجب عليك أولاً مساعدته في اكتشاف ما يعتبره مهماً في الحياة. عندها فقط يمكنكما الانتقال إلى جوانب العمل والتي تعتبر مهمة لهذا الشخص. بعد ذلك ساعد هذا الموظف في صياغة رؤية واضحة ومؤثرة عن المستقبل تشمل علاقات قوية وإيجابية مع العائلة والأصدقاء وزملاء العمل. لاحظ هنا أنني أتحدث عن لعبك لدور "المرشد" مع موظفك وليس ممارستك لدور "المدير" معه. لأن هناك فرقاً كبيراً بين الاثنين.

بعد أن يصبح لديك الحلم والواقع، يأتي وقت تحليل الفجوة بينهما ووضع خطة للتعلم. ولاحظ هنا أنني لم استعمل عبارة "خطة إدارة الأداء"، أو حتى "خطة التطوير". فخطة التعلم تختلف من حيث أنها ترسم مساراً مباشراً يمتد من الرؤية الشخصية إلى ما يجب تعلمه مع مرور الوقت للوصول إليها – أي إلى التطوير الفعلي للمهارات.

تعتبر أهداف التعلم "كبيرة". ولنأخذ على سبيل المثال حالة مدير تنفيذي أعرفه. فعلم الرغم من أنه كان شخصاً موهوباً، فقد كان معرضاً لخطر الطرد من عمله بسبب افتقاره الواضح إلى الاهتمام بمن هم حوله. كان يريد ما يريده بأي ثمن، والويل لك إن وقفت في طريقه. ولم يكن يبدو بأنه مستعد للتغيير حتى اتضح له أخيراً بأن أسلوبه الجارف لكل ما في طريقه بات جزءاً من سلوكه في المنزل أيضاً ومع أطفاله. وهذا الأمر لم يكن متوافقاً إطلاقاً مع الحلم الذي يراوده بأسرة سعيدة متحابة يعيش أفرادها جنباً إلى جنب طوال حياتهم.

اقرأ أيضاً: هل الذكاء العاطفي لديك حقيقي أم أنه يخدم مصالحك فقط؟

تعزيز قدرة "التعاطف مع الآخرين"

بناء على ذلك، وبما أنه كان يمتلك حلماً ومع وجود واقع بشع أخذ يطلّ برأسه في مكان العمل وفي البيت، فقد قرر العمل على تطوير قدرته على التعاطف مع الآخرين، حيث يُعتبر "التعاطف مع الآخرين" أحد أهداف التعلم ومن أصعب وأهم الكفاءات التي يمكن للمرء أن يطورها. فالقدرة على التعاطف مع الآخرين من الناحيتين العاطفية والفكرية هي أمر يتحدد في مرحلة مبكرة من حياة الإنسان، وبعد ذلك يتعزز مع مرور السنين. وقد كان لدى هذا الشخص أساس جيد للتعاطف مع الآخرين في طفولته، لكن الشدة التي تعرض لها في حياته المدرسية والقيود التي خضع لها في شركة استشارات إدارية كانت ترتكز على مبدأ الارتقاء في العمل أو الخروج من الشركة، جعلت هذا الشعور بالتعاطف مع الآخرين ينقص لديه. وقد احتاج إلى أن يتعلّم من جديد كيف يقرأ الناس ويهتم لأمرهم. وقد كان قادراً على النجاح في ذلك. نعم استغرق الأمر وقتاً طويلاً، لكنه أنجز الأمر في نهاية المطاف.

قد يبدو ذلك عملاً شاقاً ومجهداً بالنسبة لموظفك، ويمكن أن يكون كذلك. ولكن إليك الجزء الأخير والمهم من النظرية والذي يُعتبر أساسياً. أنت وهو لا يمكنكما إنجاز المهمّة بمفردكما. فالناس يحتاجون إلى الناس – ولاسيما الناس اللطفاء والداعمين – عندما يريدون الانطلاق في رحلة لتطوير الذات. هل أنت جاهز لمساعدة موظفيك؟ هل تساعدهم في العثور على أشخاص آخرين داعمين، إضافة إليك أنت، سيقدّمون لهم المساعدة عندما تتراجع ثقتهم بأنفسهم أو عندما يواجهون نكسات حتمية؟

تطوير المرء لذكائه العاطفي

يمكن أن يكون تطوير الذكاء العاطفي للفرد هو ما يصنع الفرق بين النجاح والفشل في الحياة والعمل. وإذا كنت المسؤول عن المساهمات التي يقدمها الأشخاص للفريق ولمؤسستك، فأنت على المحك لمساعدة هؤلاء (الكثيرين) الذين يواجهون تحديات في مجال الذكاء العاطفي، والذين يعانون من نقص فيه، يشكلون خطراً على الآخرين. إنها مسؤوليتك

ولكن ماذا لو لم تكن المدير؟ بوسعك أيضاً أن تقدم مساعدة كبيرة إلى زملائك. تنطبق كل هذه القواعد على الطريقة التي يتغيّر الناس بها. كل ما عليك فعله هو العثور على مدخل آخر إلى الموضوع. بحسب تجربتي الشخصية، يبدأ هذا المدخل من خلال محاولتك خلق مساحة آمنة مع ذلك الشخص وخلق حالة من الثقة بينكما. حاول أن تجد شيئاً تحبه في ذلك الشخص وأخبره بأنك تحبّ هذا الجانب فيه. اعترف له بالفضل حيث يكون هذا الاعتراف مستحقاً (فمعظم هؤلاء الأشخاص يشعرون بشيء من عدم الأمان). كن لطيفاً معه. بعبارة أخرى، استعمل ذكاءك العاطفي لمساعدته على الاستعداد للعمل على ذكائه العاطفي.

أخيراً، إذا لم ينفع أي مما سبق من أجل تنمية الذكاء العاطفي للغير، فيجب ألا ينتمي هؤلاء "الأشخاص الإشكاليين" إلى فريقكم، أو حتى إلى مؤسستكم إذا كنت مديراً، فهذا هو الوقت المناسب لمساعدتهم في المضي قدماً في الحياة بكرامة.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي