إليكم هذه القصة المتعلقة بتنفيذ رغبات المرضى في مرحلة الاحتضار. لقد عُثر على السيد محمود المسّن والمصاب بمرض رئوي مزمن على أرض مطبخه من قِبل أحد الجيران الذي شاهد جسده الممدد على الأرض من خلال نافذة مفتوحة، ولاحظ أطباء الطوارئ أنه يعاني من نبض ضعيف وانخفاض في مستوى الأكسجين، وأفادت تحاليل المختبر وصور الأشعة في قسم الطوارئ أنه كان يُعاني من فشل في الجهاز التنفسي نتيجة إصابته بالتهاب الرئة، وبدأ بسرعة في تلقي علاج بالمضادات الحيوية والسوائل عبر الوريد، ومع ذلك، أصبح تنفسه أكثر ضعفاً أثناء إقامته في قسم الطوارئ. ولم يتمكن الطبيب المشرف على السيد محمود من الوصول إلى تفاصيل تاريخه الطبي أو قراراته في مرحلة الاحتضار، لأن لدى المستشفى وطبيب الرعاية الأولية أنظمة سجلات طبية إلكترونية مختلفة. وتعرض السيد محمود في وقت لاحق إلى سكتة قلبية في قسم الطوارئ، وهو ما تطلب إجراء عملية إنعاش وتنبيب ونقل إلى وحدة العناية المركزة.
لم يكن أحد من أسرة محمود حاضراً، ولم تكن حتى ابنة السيد محمود على علم أنه قد وقَّع على إذن طبي مسبق يُفصّل قراراته في مرحلة الاحتضار، فضلاً عن توفر نسخة من الوثيقة في مكتب طبيب الرعاية الأولية التابع له على بعد بضعة أميال أشارت إلى عدم رغبته في أن يُجري إنعاشه في المقام الأول.
قد يبدو هذا السيناريو المزعج مألوفاً لدى معظم المتخصصين في قطاع الرعاية الصحية. وقد وجدت دراسة أجريت عام 1995 أن ربع المرضى الذين أعدّوا توجيهات صحية مسبقة جرى الالتزام بتوجيهاتهم في أثناء فترة إقامتهم في المستشفى. ووجدت دراسة أخرى أُجريت في عام 2003، أن 35% من مكالمات الطوارئ من مرافق الرعاية طويلة الأجل المخصصة للمرضى الذين يعانون من السكتة القلبية كانت للمرضى الذين قدّموا توجيهات مسبقة بعدم إنعاشهم.
اقرأ أيضاً: بناء ثقافة الشفافية في الرعاية الصحية
ومن المسلم به على نطاق واسع أن تخطيط الرعاية المسبق (ACP) هو عنصرٌ أساسيٌ في قرارات المرضى وأطبائهم وأسرهم بشأن الرعاية في مرحلة الاحتضار. وتشتمل الجهود المبذولة لتعزيز المشاركة في هذه المحادثات على إدخال رموز فواتير جديدة لتحفيز أطباء الرعاية الصحية الأولية على مناقشة تخطيط الرعاية المسبق، فضلاً عن جهود المناصرة الشعبية لتسليط الضوء على أهمية مناقشة قرارات مرحلة الاحتضار. ومع ذلك، تفشل هذه الجهود الرامية إلى الترويج لإعداد وثائق الرعاية المتقدمة في معالجة مشكلة مهمة، ألا وهي كيفية الوصول إلى هذه الوثائق.
وقد شملت محاولات معالجة هذه المشكلة تثبيت المستندات على باب الثلاجة، وارتداء أساور معيّنة تسرد تفضيلات الشخص فيما يخص عملية الإنعاش. وتحاول مشاريع الأعمال الحرة أيضاً سد هذه الفجوة. على سبيل المثال، يتيح تطبيق "جوين كيك" joincake.com للمستخدمين الإجابة عن سلسلة من الأسئلة المتعلقة بتفضيلات مرحلة الاحتضار ومشاركتها مع أُسرهم عبر الهاتف الذكي أو الكمبيوتر. وتخزن شركة ناشئة أخرى تُدعى "إيفر بلانز" Everplans، وهي عبارة عن أرشيف للمحتوى الرقمي، توجيهات الرعاية المسبقة مقابل رسم شهري.
وطورتْ بعض الأنظمة الصحية، مثل "جامعة ميشيغان" (University of Michigan)، بروتوكولات من شأنها إخطار مقدمي الرعاية الصحية بتقارير السجلات الطبية الإلكترونية غير المكتملة وتقديم استمارات توجيهات الرعاية المسبقة للمرضى لملئها في المنزل أو بمساعدة عامل في مجال الخدمات الاجتماعية. ويتحمل المرضى مسؤولية تذكر إحضار الاستمارة المكتملة معهم في زياراتهم التالية. ويجري بعد ذلك نسخ التوجيهات في السجلات الطبية الإلكترونية.
توصيات متعلقة بتنفيذ رغبات المرضى في مرحلة الاحتضار
وفي حين تُعتبر هذه البروتوكولات بمثابة خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أنها لا تعالج مشكلة أساسية واحدة: فعندما يجري قبول مريض ما في مستشفى مختلف عن ذلك الذي اعتاد زيارته، من غير المرجح أن يتمكن الأطباء في المستشفى الجديد من الوصول إلى هذه المعلومات. وبالنظر إلى الحالة الحالية غير المترابطة للرعاية الصحية، توجد حاجة إلى حلول مبتكرة جديدة. وإليكم بعض التوصيات:
إعداد سجل وطني
ربما حان الوقت لننظر بجدية في تطوير سجل إلكتروني وطني، إما بتمويل من هيئات حكومية مثل وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأميركية، أو بالتنسيق من قبل كيان غير ربحي.
فيمكن لمثل هذا السجل الوطني محاكاة عدد من المبادرات على مستوى الدولة. على سبيل المثال، يضمن سجل "أوامر الطبيب في علاج إدامة الحياة" في ولاية أوريغون إتاحة تفضيلات المرضى فيما يخص العلاج الذي يديم الحياة في مؤسسات الرعاية. ولا تُعتبر "أوامر الطبيب في علاج إدامة الحياة" مستندات قانونية مثل توجيهات الرعاية الصحية المسبقة، وإنما هي أوامر مُوقّعة من قبل الطبيب ينفّذها مرضى من المرجح وفاتهم خلال العام المقبل. ويتيح هذا السجل لموظفي السجلات الطبية الإلكترونية الحصول على استمارات "أوامر الطبيب في علاج إدامة الحياة" الخاصة بالمرضى وتنفيذ رغباتهم في هذا الصدد.
وكانت النتائج مذهلة، فوفقاً لدراسة حديثة نُشرت في "مجلة نيو إنغلاند الطبية"، (New England Journal of Medicine) توفي حوالي ثلثي سكان ولاية أوريغون في المنزل، مقارنة بأقل من 40% من المرضى على المستوى الوطني. علاوة على ذلك، لجأ هؤلاء المرضى إلى وحدات الرعاية المركزة على نحو أقل في آخر 30 يوماً من حياتهم، وكانوا أكثر عرضة للعودة إلى منازلهم عند نقلهم إلى المستشفى في الأشهر الأخيرة من حياتهم.
اقرأ أيضاً: كيف تشجع الأطباء على المشاركة في جهود الرعاية الصحية المبتكرة؟
وقد تُمثّل عدة سجلات وطنية أخرى نموذجاً لإدخال القرارات الطبية. على سبيل المثال، تتبع برامج مراقبة الأدوية بوصفة طبية وصفات العلاج التي تضم مواد خاضعة للرقابة في الوقت الآني لامتلاكها قواعد بيانات إلكترونية تديرها الدولة. ويمكن للأطباء التحقق من قواعد البيانات هذه للتأكد من أن المرضى الذين توصف لهم العقاقير المخدرة أو مركبات البنزوديازيبينات لا يحتالون على الأطباء لدعم إدمانهم. وتُحدَّث سجلات التبرع بالأعضاء وزراعة الأعضاء الوطنية الأخرى بشكل منتظم بالمعلومات الخاصة بالمرضى للسماح بالحركة الديناميكية وفق قائمة الأولويات، ويستشير الأطباء هذه السجلات بانتظام في اتخاذ القرارات السريرية للمرضى.
إشراك القطاع العام
تتطلب استدامة المبادرة الناجحة وجود قاعدة مالية مستقرة ومقر إداري. ومن غير الواقعي الاعتماد على القطاع الخاص لتقديم هذا الدعم بمرور الوقت، بل لا بدّ من إشراك القطاع العام. على سبيل المثال، جرى تطوير سجل ولاية أوريغون عن طريق الأعمال الخيرية الخاصة، إلا أن الدولة تمول عملياته اليوم، مع خطة خيرية قيد الإعداد. ومن الجهود المماثلة الأخرى سجل وصية الحياة الأميركي، وهي مؤسسة خاصة استفادت حكومات ولاية فيرمونت وواشنطن ونيفادا من نماذجها وخدماتها لإنشاء سجلات خاصة بولاياتها تديرها وتمولها بنفسها. وبالمثل، في حين يشارك القطاع الخاص في شراء الأعضاء، تُدار السجلات الوطنية للمرضى الذين ينتظرون عمليات زراعة أعضاء مختلفة من قِبل الدولة.
ويمكن أن يضمن دعم الحكومة الفدرالي الاتساق الإداري لهذا المسعى. وتستخدم الدول مصطلحات مختلفة لوصف وثائق التوجيهات الصحية المسبقة، مثل "الأوامر الطبية في علاج إدامة الحياة" في نيويورك، و"الأوامر الطبية لنطاق العلاج" في كولورادو، و"أوامر أطباء لويزيانا لنطاق العلاج" في لويزيانا، على سبيل المثال لا الحصر، وهو ما يسفر عن زيادة الارتباك فقط. ويسمح المعيار الوطني بنشر السجل بطريقة أكثر فاعلية، وهو ما يساعده في اكتساب الأهمية والتأكد من إمكانية الوصول إليه عبر حدود الولاية. وقد تزيد مشاركة الطبيب أيضاً إذا تم وضع مثل هذا السجل على المستوى الفيدرالي، خصوصاً إذا كان مصحوباً بإجراءات تنظيمية تُشجع الأطباء على التحقق منه بشكل روتيني، لا سيما في الحالات الحرجة.
تشجيع استخدام رموز الفواتير للتخطيط المسبق للرعاية
للحكومة الفدرالية مصلحة في ضمان نشر التوجيهات الصحية المسبقة التي تمنع الرعاية الباهظة الثمن التي لا يريدها المرضى. فقد شكّل برنامج الرعاية الطبية "ميديكير" (Medicare) نسبة 15% من ميزانية الحكومة الفدرالية عام 2016، ومن المتوقع أن ترتفع النسبة إلى 17.5% بحلول عام 2027. في الحقيقة، من المتوقع أن يجري استنزاف الصندوق الاستئماني للتأمين لبرنامج الرعاية الطبية "ميديكير" بحلول عام 2029. ويمكن أن يساعد خفض معدل الإقامة في المستشفى في مرحلة الاحتضار في ضمان استدامة برنامج الرعاية الطبية للأجيال القادمة.
إن مجرد تسليم المرضى وثيقة التخطيط المسبق للرعاية وترك عبء إكمالها عليهم قد يُحقق عائدات منخفضة. يعتمد نجاح السجل الوطني على بذل المرضى وأسرهم والأطباء في كل مكان جهداً منسقاً لنشر السجل وجعله أداة مجدية. ورغم أن رموز الفواتير التي أنشأتها مراكز الرعاية والخدمات الطبية للحث على إجراء محادثات التخطيط المسبق للرعاية تحفز مقدمي الرعاية على مناقشة تفضيلات العلاج مع المرضى، إلا أن الرموز غير مستخدمة حالياً.
عزز الحلول المحلية
يجب أن تستثمر النظم الصحية في الترويج للحلول المبتكرة في مجتمعاتها المحلية. ويتمثّل أحد هذه الجهود المجتمعية للنظام الصحي في برنامج "احترام القرارات" للدكتور برنارد باد هامس الذي أُطلق في مدينة لاكروس في ولاية ويسكونسن. ويعتمد هذا البرنامج على تقديم منهاج معتمد لتدريب غير الأطباء على تسهيل التخطيط المسبق للرعاية. واحتل نجاح مدينة لاكروس عناوين الصحف من حيث إكمال 96% من سكانها وثائق التوجيهات المسبقة مقارنة بنسبة 30% على الصعيد الوطني. وكان التأثير على نفقات الرعاية الصحية مثيراً للإعجاب، فقد بلغ متوسط تكلفة المريض خلال السنتين الأخيرتين من حياته 18,159 دولاراً في مدينة لاكروس، مقارنةً بمبلغ 26,000 دولار على الصعيد الوطني. إضافة إلى الفوائد الاقتصادية، يمكن للمرضى ضمان عدم وجود تباينات بين قراراتهم المحددة وخطط رعايتهم اللاحقة.
ويقع على عاتقنا واجب أخلاقي يتمثّل في احترام قرارات مرضانا، والتأكد من أنهم يغادرون هذه الحياة بكرامة واستقلالية. لقد عانى السيد محمود دون داع، رغم أنه اتخذ الترتيبات المناسبة التي اعتقد أنها سوف تمنع الرعاية الجدية غير المرغوب فيها. وحان الوقت للتأكد من أن تجربته هي استثناء صغير وليست المعيار الكامل في ما يتعلق بتنفيذ رغبات المرضى في مرحلة الاحتضار.
اقرأ أيضاً: