ما يجب أن يعرفه المدراء عن تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي

19 دقيقة
تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

بات استخدام تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي في أماكن العمل شائعاً بنسب مذهلة، وهذه التقنيات  والأدوات هي تكنولوجيات قائمة بذاتها، مثل سلاك (Slack) ويامّر (Yammer) وتشاتر (Chatter) أو تطبيقات مثبَّتة، مثل مايكروسوفت تيمز (Microsoft Teams) وجيرا (JIRA). ومن بين 4,200 شركة من الشركات التي خضعت لدراسة طموحة أجراها مركز ماكنزي العالمي للأبحاث (McKinsey Global Institute) ذكرت 72% منها أنها تستخدم هذه الأدوات لتسهيل التواصل بين الموظفين. ولما أثارت هذه النسبة اهتمامنا، طلبنا من قيادات كل من المؤسسات الكبيرة والصغيرة أن تزودنا بتفسير أعمق عن سبب لجوئها للأدوات والمنصات الاجتماعية. وكان من بين الردود التي سمعناها تفسيرات مثل “هذا ما تفعله الشركات الأخرى، فلابد أن نفعل مثلها”، و”هذا ما يجب أن تفعله إن أردت جذب المواهب الشابة”. وعلى الرغم من أننا لم نتفاجأ بتأثير ثقافة المحاكاة بين الشركات، فقد خلصت الدراسة أيضاً إلى ما يلي: كان هناك أسباب قليلة ترتكز على حجة قوية تبرر استخدام هذه الأدوات في إدارة الأعمال، وهو ما يطلبه عادةً المدراء لقبول تكنولوجيات أخرى على غرار منهجية CRM (إدارة علاقات الزبائن) أو أدوات محاكاة الكمبيوتر.

إقرأ أيضاً: كيف نفصل بين الشخصي والمهني على وسائل التواصل الاجتماعي.

وحرصاً منا على تبنِّى طريقة أكثر منهجية لتحديد قيمة الأداء التي يمكن أن تضيفها تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي للشركات، قسَّمنا الموظفين في شركة كبيرة من شركات تقديم الخدمات المالية إلى مجموعتين، ووضعناها تحت المراقبة لمدة ستة أشهر. استخدمت المجموعة الأولى منصة اجتماعية داخلية اسمها جايفين (Jive-n) في حين لم تستخدمها المجموعة الثانية.

كانت النتائج واضحة. أتيح للموظفين الذين استعملوا الأداة فرص أعلى ترجيحاً بنسبة 31% للوصول إلى زملاء ذوي خبرات تعينهم على بلوغ أهدافهم الوظيفية. كما أصبحت احتمالات تحديد هؤلاء الموظفين بدقة للأشخاص القادرين على إيصالهم بالخبراء المناسبين مرجحة بنسبة 88%. وقد حققوا هذه الفوائد بمتابعة المواضيع التي يتبادلها زملاؤهم في العمل عبر جايفين ومعرفة الأشخاص الذين يتحدثون معهم. أما المجموعة التي لم تستخدم الأداة خلال نفس المدة، فلم تُظهر أي شكل من أشكال التحسُّن في أي من المقياسين.

ومنذ ذلك الحين ونحن ندرس الأدوات الاجتماعية الداخلية في سياقات مختلفة للعمل، بما فيها الأعمال المصرفية، والتأمين، والاتصالات، والتجارة الإلكترونية، وعلوم المناخ والحوسبة. والأدلة المتراكمة التي استخلصناها من الدراسة واضحة: يمكن أن تشجع هذه الأدوات الموظفين على التعاون وتبادل المعارف عبر الأنظمة المستقلة، ويمكنها مساعدتهم على اتخاذ قرارات أسرع، وتكوين أفكار أكثر ابتكاراً للمنتجات والخدمات، وتعزيز انخراطهم في عملهم ومع شركاتهم.

فكرة المقالة بإيجاز

المشكلة

يمكن للأدوات الاجتماعية الداخلية أن تحسِّن التعاون والابتكار واتخاذ القرارات ومشاركة الموظفين، إلا أن هناك أربعة مصائد قد تقابلك: تكوِّن المؤسسات افتراضات خاطئة عن جيل الألفية الجديدة، وتجد صعوبة في التعامل مع الحدود الشخصية والمهنية، ولا تلقي اعتباراً لعملية التعلم الحاصلة، وتخرج بآراء قاصرة بالتركيز على البيانات الخاطئة.

الحل

ولكن ثمة طريقة أفضل لتحقيق الاستفادة من تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي المحتملة، وهي أن تحدد المؤسسات تحديداً واضحاً السبب وراء استخدامها، وتشجع التواصل غير الرسمي بين الموظفين، بل وأن تسترق النظر لتشجيع تبادل المعارف والتعلم فيما بينهم، وأن تحدد بوضوح قواعد السلوك. وعلى كل القادة أن يتصرفوا كما يود أن يتصرف موظفوهم.

على مدار العقدين الماضيين، كانت المؤسسات تبحث عن بعض هذه الفوائد من خلال قواعد بيانات إدارة المعارف، غير أن النجاح كان محدوداً، ذلك لأن تحديد الأشخاص ذوي الخبرات، وفهم السياق الذي اكتسبوها فيه، هما عنصران مهمان في عملية تبادل المعارف، ولا تقدم قواعد البيانات ذلك النوع من المعلومات والتواصل، في حين أن الأدوات الاجتماعية تقدمه.

ومع ذلك، فإننا وجدنا أن الشركات التي تحاول أن تكون اجتماعية، حسب التعبير الشائع، غالباً ما تقع في أربع مصائد. وفي هذا المقال سنتناول تلك المصائد ونطلعكم على التوصيات التي تساعدكم على الاستفادة مما تقدمه الأدوات الاجتماعية من إيجابيات واعدة.

المصيدة الأولى:

افتراضات خاطئة عن جيل الألفية الجديدة

تتصور قيادات الشركات أن الشباب يتنفسون الهواء عبر وسائط التواصل الاجتماعي، وهذا على حد وصف أحد كبار التنفيذيين العاملين في شركة تأمين كبيرة. وهذه النظرة لجيل الألفية الجديدة، وأسلوب حياته خارج نطاق العمل، مدعومة قطعاً بالدليل القوي، فهم الفئة النهمة في استهلاك مواقع الفيسبوك، وتويتر، وإنستغرام، وسناب شات، وريديت، وغيرها من مواقع التعارف التي لا حصر لها. ومن ثم، فإن المدراء يتوقعون منهم في أحيان كثيرة أن يكونوا مثالاً في ريادة استخدام الأدوات الاجتماعية في المؤسسة. ولكن هذا افتراض خاطئ، فقد لاحظنا من مقابلاتنا الموسَّعة والمسوح التي أجريناها على الشركة حقيقة عكس ذلك. إذ يجد هذا الجيل بالفعل صعوبة للاقتناع بفكرة استعمال الأدوات الاجتماعية لأغراض العمل، على النحو الذي قد يستعملون به الجداول أو شرائح العرض في باوربوينت، فهم يرون وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً للتعبير عن أنفسهم ووسيلة للتواصل مع الأصدقاء والأسرة. وهي جزء لا يتجزأ من حياتهم الشخصية، ولكن في ما عدا موقع مثل لينكد إن وغيره من مواقع التطوير المهني، فإن أي مواقع أخرى للعمل تكون صلتها محدودة بحياتهم الاجتماعية أو منعدمة الصلة بها.

ولعل السبب وراء ذلك هو أن قليلاً من جيل الألفية الجديدة يتعامل مع التكنولوجيات المستعملة في أماكن العمل قبل الدخول في مرحلة التعليم العالي أو التعيين في أول وظيفة جادة، وعند هذه المرحلة، يكون قد مر عدة سنوات على استعمالهم وسائل التواصل الاجتماعي. لذا فهم يتخذون الحيطة من تداخل هذين العالمين لأنهم يرغبون في أن يُنظر إليهم ويُعامَلوا على أنهم أصبحوا كباراً. وفكرة مصادقة المدير ملتصقة بذكريات المرحلة المدرسية الثانوية ومصادقة أحد الوالدين، وهي فكرة تزعجهم. كما أن كلمة اجتماعي تشير إلى ما هو غير رسمي، أي شخصي. وكما قال لنا محلل تسويقي عمره 23 سنة ويعمل في شركة كبيرة للاتصالات “أنت تدخل على هذه المواقع للتواصل مع أصدقائك. فمن الغريب أن تجد مديرك يود التواصل مع زملاء العمل أو معك على وسائل التواصل الاجتماعي خلال العمل. وذلك شيء لا أحبه”.

كان معظم المدراء الذين عملنا معهم يودون أن يستعمل موظفوهم الأدوات الاجتماعية الداخلية للتواصل حول شؤون العمل بصورة غير رسمية، ولكن ليس لمناقشة المسائل الشخصية. وهو ذلك الحد الذي لا يكترث جيل الألفية الجديدة بتجاوزه هو الآخر، إلا أنه يجد صعوبة في تصور كيف يمكن استعمال الأدوات الاجتماعية دون التطرق للمسائل الشخصية.

وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالطريقة التي يتكلم بها قادة الشركات عن الأدوات الاجتماعية التي يُدخلونها في مؤسساتهم. فقد لاحظنا تقريباً في كل مرة تقدَّم أداة جديدة أن التنفيذيين الأقدمين، الذين يحاولون تقديم رابط معرفي لإحدى التكنولوجيات المعروفة، يشيرون إلى هذه الأدوات على أنها “فيسبوك للشركة” أو “تويتر للشركة”. ولكن بعد سماع مثل هذه التعليقات من أحد المدراء، تساءل محلل البيانات الذي أشرنا إليه في الفقرة السابقة “لماذا أستعمل فيسبوك في العمل؟ لا أظن أن لدي الرغبة تحديداً أن يعرف مديري أني ذهبت إلى حفل ليلة الأمس”.

وقال 85% من الشباب المهنيين الذين شاركوا في المسوح إنهم يجدون صعوبة في استعمال الأدوات الاجتماعية في العمل. ومما يثير السخرية أن 90% من المهنيين الأقدم يعتبرون هذه الأدوات أساليب جديدة وغالباً مفيدة للتواصل مع زملائهم.

اقرأ أيضاً: ما مدى الفائدة التي تحققها شبكات التواصل الاجتماعي لشركتك؟.

المصيدة الثانية:

الإحجام عن التواصل غير الرسمي

ترتبط المصيدة الثانية بالأولى فيما يلي: لا يكترث عادةً المدراء وغيرهم من الموظفين بتبادل تفاصيل حياتهم الشخصية على الأدوات الاجتماعية في العمل. بل إن الكثير من الشركات تحظر صراحةً مناقشة المواضيع غير المتعلقة بالعمل على مواقعها الداخلية. ومع ذلك، فإننا لاحظنا أن المحرك الرئيسي لاستعمال الموظفين الأدوات الاجتماعية للشركة هو فضولهم لمعرفة ما يجري في الحياة الشخصية للآخرين. وتلك حقيقة تنطبق على كل الأعمار والمناصب.

ورغم ما يبدو للوهلة الأولى من إشكالية فكرة التلصص على الغير، أظهرت بحوثنا احتمال ضياع هذه الفرصة لأنها قد تجعل التفاعل بينهم أسهل وأكثر إنتاجية. فمن الصعب أن تشترك في حديث مع شخص لا تعرفه معرفة جيدة. بل الأصعب من ذلك أن تطلب من ذلك الشخص أن يساعدك أو يسدي لك خدمة. إذ يشعر الموظفون أنهم مؤهلون بصورة أفضل لمثل هذه المعاملات عندما تكون معرفتهم شخصية بزملائهم في العمل، وذلك بمتابعتهم وهم يتواصلون على الأدوات الاجتماعية الداخلية. مثال على ذلك ما أظهره بحثنا الذي أجريناه على شركة كبيرة للاتصالات أن الموظفين الذين يستعملون تلك الأدوات تزداد فرصهم في الحصول على معلومات ذات صلة بعملهم من زملائهم ثلاثة أضعاف غيرهم ممن لا يستعملونها.

أخبرنا سامر الذي يعمل مديراً على درجة إدارية متوسطة في قسم التسويق بشركة الاتصالات، عن قصة توضح ميزة التواصل مع زميله عمر قائلاً: “كنت أتابع على موقع تشاتر للشركة ما يرسله هذا الزميل في قسم التجارة الإلكترونية عن إحصائيات كرة القدم. ووجدتُ الأمر لطيفاً وشيَّقاً لأنها كانت هوايتي أيضاً. فدخلت على صفحته كي أرى إن كان قد كتب شيئاً عن كأس أوروبا، ووجدت تبادل رسائل بينه وزميل آخر في التسويق حول حملة ترويجية يقومان بها. وقلت في نفسي “يا الله، هذه الحملة الترويجية فكرة رائعة”. فطلبته وقدمت نفسي، وقلت له إني كنت أطارده بسبب رسائله عن كرة القدم، وتبادلنا الضحك. ثم قلت له “بالمناسبة، رأيت منشورك حول هذه الحملة الترويجية التي تقوم بها. هل بوسعك إعطائي بعض المعلومات عنها، لربما استطعت محاكاتها في قسمي؟” وكما هو الحال مع الموظفين الآخرين الذين تكلمنا معهم، كان سامر منجذباً إلى زميل معيَّن بسبب وجود اهتمام مشترك. وهو ما أمدَّه بالمادة التي هيأت له فرصة استقاء المعرفة ذات الصلة بعمله.

عندما يراقب الموظفون زملاءهم عبر الأدوات الاجتماعية الداخلية وهم يتحدثون عن هواياتهم وطريقتهم في قضاء أوقات الفراغ، فإن ذلك يؤهلهم أيضاً لتقييم مدى محبة الآخرين لهم. وهو ما أخبرنا عنه مهندس يعمل في شركة كبيرة في التجارة الإلكترونية، أنه كان يفعله في أحيان كثيرة كي “يقيِّم الأشخاص” ويحدد مستوى “الأمان” للاقتراب منهم والتحدث إليهم. وتشابهت التعليقات الأخرى، إذ إن طريقة رد الزملاء على تساؤلات الآخرين أو مزاحهم تعطي فكرة عن مدى سهولة التعامل معهم، فهي تساعد الزملاء على قياس ما نطلق عليه “مستوى الثقة المقبول” (إذا ما كان الشخص جديراً بالثقة الكافية لتبادل المعلومات معه). وهذا مهم لأن طلب مساعدة الغير لحل مشكلة هو قبول ضمني أنك لا تستطيع حلها وحدك. وهو ما قد يشعرك بالضعف، خاصةً إذا كنت تخشى من سمعة أنك تفتقر لنوع معين من المعرفة.

التعلم من خلال التأثر بوسائل التواصل الاجتماعي عملية تتم تدريجياً.

رغم ما يبدو من أهمية متابعة التواصل الشخصي وغير الرسمي بين زملاء العمل، فإن بحثنا كان يُرجعنا كل مرة إلى التناقض التالي: المحتوى الذي يجذب الأشخاص للتواصل عبر الأدوات الاجتماعية في شركاتهم، ويدفعهم للتردد عليها، قد يثنيهم أيضاً عن ذلك. ففي كثير من الأحيان، يقلق الموظفون من أن يُنظر إلى تواصلهم على هذه الأدوات أنه مضيعة للوقت، ويفترض الكثير من المدراء أن الإنتاجية تتأثر سلباً عندما يلاحظون تزايد الدردشة على هذه الأدوات. لذلك، إذا أريد للأدوات الاجتماعية الداخلية أن تحقق وعودها، فيجب أن تصبح الشركات والأفراد مستريحة لفكرة التفاعل الشخصي والمهني على الإنترنت.

المصيدة الثالثة:

عدم الإقرار بالتعلم

كان لو بلات وهو رئيس تنفيذي سابق لشركة هيوليت باكارد (آتش بي) (Hewlett-Packard) مغرماً بترديد مقولة “لو كانت شركة هيوليت باكارد يعرف ما يعرفه هيوليت باكارد، لازدادت إنتاجيتنا ثلاثة أضعاف”. وتُثبت دراستنا أن الأدوات الاجتماعية الداخلية توفر مساحة للموظفين لاكتساب المعارف بمتابعة ما يتبادله زملاؤهم. ولكن عندما طلبنا من أكثر من 400 شخص يعملون في شركات متنوعة أن يخبرونا عما تعلموه عبر هذه الأدوات، كانوا يحملقون بلا تعبير على وجوههم. وكانت أكثر الإجابات شيوعاً “لم أتعلم أي شيء”. وذلك لأن التعلم عبر الأدوات الاجتماعية يحدث تدريجياً بينما يقوم الموظفون بأعمالهم، ولذا لا يظنون أنه نوع من التعلم.

وهذه الأدوات بالفعل وسيلة شبيهة بالتجسس أو التنصت على الآخرين، حيث تبيِّن البحوث أن الأشخاص يقضون الوقت في “استراق النظر” أو “المراقبة” عبر الأدوات الاجتماعية أطول كثيراً مما يقضونه في القيام بعملهم كمنتجين للمحتوى – أي في كتابة الرسائل، أو تبادل المعلومات، أو إعداد الوثائق ومقاطع الفيديو. وقد لاحظنا أن الأشخاص بإمكانهم اكتساب ما لا يقل عن نوعين من المعارف بهذه الطريقة: المعرفة المباشرة ومعرفة ما لديك من معارف (Meta-knowledge).

اقرأ أيضاً: مرحباً بكم في عصر وسائل التواصل غير الاجتماعي.

يكتسب الموظفون المعرفة المباشرة بملاحظة الآخرين وطريقتهم في التواصل لحل المشكلات. ولننظر إلى سلمى مثلاً، وهي عاملة تقنية في قسم تكنولوجيا المعلومات في معمل كبير من معامل بحوث الجو. صادفت مراسلات على الموقع الاجتماعي بإدارتها بين زميلها جميل وتقني آخر اسمه رائد حول كيفية حل مشكلة رئيسية للتشفير الدلالي. وقالت “أنا سعيدة لأني رأيت هذه الرسالة. فقد شرحها جميل شرحاً ممتازاً لدرجة أني تمكنت من أن أعرف كيف أطبقها”. ويتبادل الموظفون هذا النوع من المعلومات مع بعضهم بعضاً طوال الوقت، من خلال الأحاديث والرسائل الإلكترونية على هذه المنصة. ولما قرر جميل ورائد تبادل هذه الرسائل عبر الموقع الاجتماعي للشركة، كان بإمكان سلمى رؤيتها هي الأخرى، وتعلمت شيئاً مفيداً لم يكن في حسبانها.

أما الموظفون الذين يكتسبون المعرفة الأعلى، فهم لا يتعلمون كيفية القيام بشيء ما، وإنما يتعرفون على الأشخاص ذوي الخبرة التي يحتاجونها، أو الأشخاص الذين يعرفون هؤلاء الأشخاص ذوي الخبرة. ولننظر إلى سمر التي تعمل منسقة تسويق بشركة الخدمات المالية التي ذكرناها من قبل. عندما طلب منها مديرها أن تحلل اتجاهات السوق باستخدام كمية ضخمة من البيانات، لم تكن متأكدة أي طريقة أفضل لإعداد التقرير باستخدام المعلومات الموجودة في قاعدة البيانات. وبعد محاولات (لم يحالفها النجاح) للوصول إلى الصيغة الصحيحة بمجهودها الخاص، قررت أن تدخل على الأداة الاجتماعية الداخلية الخاصة بالشركة للبحث عن أي وثائق مفيدة قد يكون أحد الزملاء قد أرسلها. لم تجد أي شيء، ولكنها رأت تبادل رسائل بين موظفين في التسويق – مازن وليلى – حول تلك المشكلة تحديداً. فكان مازن يوصي ليلى بأن تتصل بزميل في إدارة التحاليل اسمه مراد، لأنه كان يعرف طريقة الصياغة الصحيحة.

وإذ شعرت سمر بالسعادة من هذه المعلومة، فقد تركت رسالة صوتية إلى مراد تطلب منه المساعدة. لم يصلها رد منه، فحاولت مجدداً اليوم التالي- ولكنه لم يُجبها. ولحسن الحظ أن ملاحظتها لما يدور من حديث بين مازن وليلى أتاحت لها معرفة ليس فقط الشخص الذي “لديه المعلومة” ولكن أيضاً الشخص الذي “يعرف غيره ممن لديه المعلومة” – وهما مكونان مهمان في المعرفة الأعلى. وعليه طلبت من مازن إذا كان بإمكانه التوسط لتعريفها على مراد. فأرسل مازن رسالة نصية إلى مراد يطلب منه أن يتكلم مع سمر حول كتابة النص، وأجاب مراد على الفور قائلاً إن بإمكانها الاتصال به خلال خمس دقائق. واتصلت به سمر، وكتب مراد النص، وفي تقدير سمر أنها وفرت ما يقارب أسبوعاً من الوقت لإعداد مشروعها.

ويتضح من ذلك أن الموظفين الذين يلاحظون التواصل بين الآخرين يلتقطون مع الوقت معلومة من هنا وهناك قد تبدو غير مهمة في البداية، ولكنهم يكوِّنون تدريجياً صورة عن الأشخاص الذين لديهم المعرفة، والأشخاص الذين يعرفون أشخاصاً آخرين لديهم المعرفة. وكما أشار الكاتب التقني كلايف طمسون، فإن استعمال الأدوات الاجتماعية شبيهة بالحملقة في لوحة فسيفسائية، حيث لا معنى لأي نقطة بمعزل عن النقاط الأخرى. ولكن عندما ترجع إلى الوراء وتنظر إلى كل هذه النقاط مجتمعة، فإنك تدرك مدى ثراء الصورة. والعملية البطيئة التي يرى من خلالها المرء النقاط المستقلة يجعل من الصعب عليه إدراك أنه بصدد عملية تعلم. وما لم يوضح المدراء صراحةً الإمكانيات التي توفرها أدوات تبادل المعارف وبناء المهارات، عندما يقدمون أدوات اجتماعية جديدة-وما لم يتوجهوا بحديثهم إلى موظفيهم عن فرص تنميتهم- فقد يكون استخدام هؤلاء الموظفين لهذه الأدوات دون المستوى الكافي، أو قد يهجرونها تماماً.

المصيدة الرابعة:

التركيز على البيانات الخاطئة

بات من السهل ملاحظة التواصل بين الموظفين وسلوكهم على الأدوات الاجتماعية الداخلية، وهو ما يجعل التعاون فيما بينهم أسهل. ولكن ليس كل ما هو واضح دليلاً على أهميته أو فائدته. ففي بعض الأحيان قد يؤدي المحتوى الاجتماعي إلى تركيز الأشخاص على البيانات الخاطئة – والتصرف على أساسها.

وتوضيحاً لهذه النقطة، سنعود إلى معمل بحوث المناخ. أدت عملية إعادة التنظيم بالمعمل إلى الجمع بين تقنيين في قسم تكنولوجيا المعلومات لم يسبق لهم من قبل التعاون. في أول الأمر، اعتمدوا على مبدأ الأقدمية كوسيلة للاستعانة بالخبرة، أي أنهم بحثوا عن المشورة من زملائهم الأقدم. وبهدف المساعدة على تبادل المعارف بطريقة أكثر فعالية، والتعرف على الأشخاص الذين لديهم المعلومات، والذين يعرفون غيرهم ممن لديه المعلومات، أدخل مدير تكنولوجيا المعلومات أداة اجتماعية بالإدارة. وكما هي العادة، كان استعمال الموظفين لها بطيئاً. ولكن مع زيادة التواصل على الموقع، بدأ الموظفون قراءة الرسائل التي يتبادلها زملاؤهم عن حلول توصلوا إليها لمشكلات في الحوسبة والشبكات على مستوى المعمل كله. وأصبح واضحاً مع الوقت أن جيل وهي أحدث تقنية بالإدارة، كانت بالفعل أكثر شخص لديه معرفة في مجالات محددة، فبدأ الزملاء يلجأون إليها للإجابة على أسئلتهم.

وبعد عدة أشهر قدمت باسمة استقالتها، وهي أقدم التقنيين التي كان يلجأ إليها زملاؤها للمساعدة والمشورة، حيث شعرت بالإحباط من عدم الاكتراث البادي عليهم بالأخذ بتوصياتها. وكانوا في منتهى الوضوح بشأن سبب تحولهم من باسمة إلى جميلة: كانت رسائل جميلة مليئة بالتفاصيل التقنية المذهلة والمفيدة. وأشار أحد الزملاء قائلاً “يبدو أن جميلة لديها معلومات غنية حقاً تساعدني على حل مشكلاتي”.

لم يكن مدير تكنولوجيا المعلومات مستاءً من مغادرة باسمة، فكان تبريره أن الأداة الاجتماعية كشفت محدودية معرفتها التي كان الجميع يظنها غير ذلك، وأبدى سروره لأن موظفيه كانوا يلجؤون الآن للشخص الأكثر مهارة للمساعدة. ولم يكد ينقضي شهران على مغادرة باسمة للشركة حتى انخفضت درجات تقييم العلماء لإدارة تكنولوجيا المعلومات انخفاضاً ملحوظاً على مستوى المؤسسة كلها. فربما لم تكن باسمة الأكثر حنكة على المستوى التقني، وإنما كانت الأكثر معرفةً على المستويين الثقافي والسياسي. إذ كانت تعرف أي المشكلات التي يقابلها العلماء يجب وضعها على قمة الأولويات، وأي التكنولوجيات يفضلها العلماء المختلفون في معاملهم.

تتيح الأدوات الاجتماعية الداخلية للموظفين على مستوى العالم فرصة الاطلاع على ما يدور في المؤسسات من حوارات.

وهكذا غابت القيمة التي تضيفها باسمة للمجموعة، لأن التقنيين حصروا تصورهم لمفهوم “الخبرة” في المعرفة التقنية. وكي ينقذ مدير تكنولوجيا المعلومات إدارته من تراجع درجات رضا العملاء، عيَّن باسمة بعلاوة 30% وبدأ في تشجيعها هي والآخرين في الإدارة على تنويع أنماط المعارف التي يتبادلونها على الموقع.

وعلى مستوى كل الشركات التي درسناها، كانت المعلومات والمعارف الأوضح في رؤيتها هي التي يُنظر إليها على أنها الأهم. وإذا لم تكن إسهامات الموظفين ونقاط قوتهم واضحة فيما يرسلونه إلى زملائهم ويتبادلونه معهم، فمن المرجح ألا تلقى اعتباراً من أحد، ومن ثم لا تستفيد منها المؤسسة. وتؤيد نتائج دراستنا القول المأثور أن ما يدوَّن يُحفظ في الذاكرة.

الاستفادة من الأدوات الاجتماعية في العمل

على الرغم من شيوع الوقوع في هذه المصائد الأربع، فإن مؤسستك ليس محكوماً عليها أن تقع فيها هي الأخرى. ففي عملنا الاستشاري، وجدنا أن السبيل كي تجني الشركات فوائد تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي مثل الأدوات الاجتماعية الداخلية، يحتم عليها أن تحدد الغرض منها، وتعزز الوعي بالسياق المحيط، وتبرز قواعد السلوك، وتقود بضرب المثل العملي.

تحديد الغرض. لا يعرف معظم الموظفين السبب الدقيق من ضرورة استعمال الأدوات الاجتماعية الداخلية. ونتيجة لذلك، قد يتجنبونها، أو يستعملونها بلا وعي، مما يؤدي إلى ضعف أدائهم بدلاً من تقويته. ومن بين الأمثلة على ذلك، مثال التنفيذيين في شركة الخدمات المالية التي أجرينا عليها الدراسة وعدم توضيحهم أن أحد أهدافهم هو توطيد العلاقات بين الموظفين. وهو ما أدى مع الوقت إلى تنامي شعور الخوف بين العديد من الموظفين من أن الإدارة قد تظن أنهم يفرطون في “الاجتماعيات” خلال العمل، بعد مشاهدة ما يتبادلونه على الإنترنت. فبادروا بالابتعاد عن الموقع، حتى وإن كانوا يرون القيمة التي كان يوفرها لهم. إذ يجب أن تُقبِل الكتلة الحرجة من الموظفين على الأدوات الاجتماعية الداخلية كي تحقق الفائدة المرجوة. ولذلك، يجب أن يشرح القادة شرحاً واضحاً المكاسب التي ستعود على الموظفين والمؤسسة ككل من تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة هذه. وقد وجدنا أن الطرق التالية هي أهم الطرق التي يمكن للأدوات الاجتماعية أن تقدم بها قيمة للمؤسسات:

تحسين سبل التعاون. من شأن الأدوات الاجتماعية الداخلية أن تمكِّن الموظفين من المشاركة على نطاق أوسع مع زملائهم، وبناء الوعي بالخبرات القائمة، وتعزيز روح التعاون بين جميع الموظفين بالمؤسسة. وهو ما حدث عندما حوَّل سامر، المدير في شركة الاتصالات، شغف زميله عمر بكرة القدم إلى شراكة منتجة. فقد حفَّز حديثهم الأول مناقشات أخرى حول قضايا مشتركة في إدارة كل منهما، لتولَد فكرة إعداد حملة دعائية إلكترونية جديدة (باستخدام خبرة سامر في التسويق) تتعلق بأحد أعمال عمر (في قسم التجارة الإلكترونية)، وأدت إلى زيادة نسبة الاحتفاظ بالعملاء فاقت 200%، وعلق عمر على هذا قائلاً “لم يسبق أن عمل أحد زملائي في إدارتي مع العاملين في إدارة التسويق. ولعلنا نستطيع أن نحقق التكامل فيما بيننا على نحو ممتاز”.

اقرأ أيضاً: وسائل التواصل الاجتماعي مناسبة للمبيعات فيما بين مؤسسات الأعمال أيضاً.

لقطة اجتماعية. يبيِّن هذا التبادل الحقيقي كيف يمكن استخدام تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي ، والأدوات الاجتماعية لحل المشكلات والتعاون على مستوى جميع الوظائف. فبعدما أثار مدير إنتاج بشركة إعلام متوسطة الحجم نقاطاً تستدعي القلق بشأن اختبار A/B، وأرسلها على سلاك، أوقف الزملاء في قسم التحليلات الاختبار، وقدموا إطاراً قيّماً للنتائج، ونظموا اجتماعاً سريعاً للبحث فيما حدث.

تعزيز تبادل المعارف. يزداد استخدام الشركات للأدوات الاجتماعية كي تحقق ميزة تنافسية من خلال تبادل المعارف باستخدام الأدوات الداخلية. وفي أحيان كثيرة تظهر هذه الفائدة بصورة طبيعية، ثم تُستخدم استخداماً استراتيجياً. على سبيل المثال، كانت مجموعة من المهندسين يعملون في شركة كبيرة للتجارة الإلكترونية قد بدأت تتبادل حديثاً مفيداً على يامّر. فقد علم أحد المهندسين في المكتب الألماني للشركة عن تطبيق تحليلي على شبكة الإنترنت نفذه محلياً مكتب الشركة في طوكيو الأكثر تطوراً. وعليه، اتصل بأحد المهندسين في مكتب طوكيو للحصول على معلومات تفصيلية حول التطبيق وما يلزم من بيئة شبكات لدعمه، ثم تبنَّى التطبيق وأبدى رضاه عنه في رسالة للمجموعة. وأعرب المهندسون الأميركيون والفرنسيون عن اهتمامهم بالأداة لسوقهم المحلي. ولما لاحظ مدير المجموعة مدى النجاح الذي حققه التطبيق في طوكيو وألمانيا، وإمكاناته المحتملة في أماكن أخرى، طلب من المجموعة أن تتبناه في كل الأسواق. ولاحظنا انتشاراً مماثلاً لتبادل المعارف بين فرق التسويق والمبيعات والشؤون القانونية.

إنشاء شركة مترابطة عالمية. غالباً ما يصعب على الموظفين العاملين في أماكن مختلفة حول العالم بناء علاقات وهوية مشتركة. وهنا يأتي دور الأدوات الاجتماعية بما تيسره من أشكال اتصال شخصي ومهني، مما يرسخ الثقة والتآلف عبر الحدود الجغرافية والثقافية. وذكر الكثير من الموظفين أن الأدوات الاجتماعية الداخلية منحتهم إطلالة على الأحاديث التي تدور في مؤسساتهم على نطاق أوسع لم يكن متوفراً لهم من دونها. وكما تشرح سهيلة التي تعمل لدى شركة من شركات التجارة الإلكترونية، حيث تقول: “بدأت أفهم ما يفعله كل شخص في المقر الرئيسي، وأنواع المشاريع التي ينفذونها، وكيف تسير أمورهم. لذا فإني أشعر بترابط أقوى معهم”. وعبَّر الآخرون بالشركة عن نفس مشاعر سهيلة، بالقول “أشعر أني أنتمي لهذه الأسرة”، و”نحن الشركة ذاتها، والأشخاص أنفسهم. نختلف في المظهر، وربما في طريقة الحديث، ولكننا نفعل الشيء نفسه في نهاية الأمر”. وفي ظل سوق عالمي يتسم بالديناميكية، يلقى هذا الإحساس بالانتماء تقدير الموظفين البعيدين.

إقرأ أيضاً: وسائل التواصل الاجتماعي أهم من أن تترك إدارتها لقسم التسويق فقط.

تجنب الازدواجية في العمل. تمنح تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي ، والأدوات الاجتماعية الموظفين فرصة تعلم المشاريع والمبادرات القائمة التي تتداخل مع مشاريعهم ومبادراتهم، ومن ثم فرصة تنسيق الجهود. وهو ما قد يقلل الازدواجية في العمل، ويوفر الوقت والمال لتوليد معارف جديدة. ففي شركة التأمين التي خضعت لدراستنا، طلب مدير من موظفة اسمها شادية توقيف العمل في مشروعها الحالي والقيام بتحليل عاجل عن سوق أفقي جديد. فقالت لمديرها أن التحليل سيتطلب على الأرجح أسبوعين عمل، وسيعطل تنفيذ مشروعها الحالي ويؤخره عن الموعد المحدد ويتجاوز الميزانية المقدَّرة له. وكان المدير على استعداد أن يدفع ذلك الثمن. عندما بدأت شادية في سبر أغوار المشكلة، تذكرت سلسلة من الرسائل على الأداة الاجتماعية الداخلية التي تبادلها الزملاء في إدارة أخرى حول مشروع كانوا ينفذونه في نفس ذلك السوق الأفقي. وبفضل هذه المعرفة الأعلى، أرسلت لهم سؤالاً إذا كان بوسعهم أن يقترحوا عليها كيف تبدأ التحليل. أجابوا عليها أنهم أكملوا تحليلاً للسوق، وسألوها إن كانت تريد أن تطلع عليه. وعندما حصلت شادية على التقرير قالت “لم أصدق ما رأيته، فقد كان بالضبط ما طلبه مديري مني. وهو ما وفر عليّ أسبوعين عمل، وعلى مشروعي مليون دولار. لم يكن لدي أدنى فكرة أنهم يعملون على هذا المشروع. ولا كان يعرف مديري ذلك”.

زيادة الابتكار. بفضل تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الاجتماعية، يمكن أحياناً أن يستعير الموظفون الأفكار والحلول من أقسام أخرى بالمؤسسة، وأن يدمجوها بطرق جديدة لابتكار منتجات أو عمليات جديدة. ومثال واضح على الابتكار ما لاحظناه في أثناء دراستنا لشركة الخدمات المالية. كان تيم الموظف في قسم تمويل العملاء يضع تفاصيل برنامج جديد للقروض. ولم يكن قد حدد بعد طريقة تنفيذ فكرته. ولكن باغته الإلهام، إذ قال لنا: “تذكرت فجأة أني رأيت تبادل رسائل بين شخصين… أحدها اسمه جابر يعمل في إدارة التسعير، ذكر شيئا – لا أتذكر السياق – حول تنوع السعر وفق عوامل المخاطر. وهو ما استرعى انتباهي، فرجعت إلى بداية الحديث بينهما، وتبيَّن لي وجود قدر من المرونة في تحديد الأسعار مرتبطاً بفئة المخاطر. وأرسلت إليه رسالة إلكترونية كي أرى ما يمكن أن أتعلمه أكثر، وهو أمر منطقي. وعليه، وضعت البرنامج مع التركيز على هذه النقطة، وقد لاقت نجاحاً حتى هذه اللحظة – ويا له من ابتكار جعلني أشعر بالفخر”.

تعطِّل الرسميات تدفق المعلومات والمعارف التي يمكن تبادلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

كان مدير تيم في غاية السعادة أيضاً. وظهر المنتج في الوقت المحدد بتكلفة أقل مما خُصِّص له في الميزانية، ومكَّن الشركة من الاستحواذ على موضع جديد بسوق تتزاحم فيه المنافسة.

تحقق تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي والأدوات الاجتماعية أعلى الفوائد عندما يطَّلع الموظفون على الأفكار والرؤى المتعمقة التي يتبادلها الآخرون في المؤسسة، لاسيما الأشخاص الذين لا يقابلونهم في الظروف العادية. ولكن التحدي هو صعوبة تركيز الانتباه على المحتوى الذي تتبادله الإدارات العديدة، حيث تختلف أهدافها، وربما لا يتضح مدى صلتها بأهداف العمل الذي يقوم به الشخص المعني. ولهذا السبب تميل المؤسسات إلى حصر الأدوات الاجتماعية داخل الإدارات. غير أن المبالغة في عزل قنوات التواصل لا يحقق الغرض المأمول من هذه الأدوات، وهو اتساع شبكة التواصل.

ما إن حددت الغرض الرئيسي لمؤسستك، ووضعت خطة لنشر الأدوات الاجتماعية، أو تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي اللازمة، عليك أن تعرض كل ذلك عرضاً واضحاً من خلال حملات تسويقية داخلية، وعبر تواصل الإدارة العليا بالرسائل، وإعداد جلسات تدريب فردية أو جماعية لحشد جهود الموظفين.

تعزيز الوعي بالسياق المحيط. مهما كان الغرض الذي تحدده للمؤسسة، فالأرجح أنك ستحققه باستعمال تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي لشحذ “الوعي المحيط بالسياق” بين الموظفين، وهو مصطلح علمي اجتماعي يشير إلى وعي التواصل والسلوك في السياق المحيط بك ولكن غير المباشر. ويمكنك عمل ذلك بطريقتين. أولاً بأن توضح للجميع أن الإدارة ترى قيمة التفاعل الودي بين الموظفين، حتى وإن كان منعدم الصلة بالعمل. ثم تدع الأمور تسير في مجراها. وتلك هي طريقة التواصل الناجح غير المتوقع بين الموظفين على مستوى المؤسسة. وإذا لاحظت بعض الدردشة على الإنترنت وبدأت تقلق من قلة الإنتاجية، أخمد هذه الرغبة الملحة في أن تحدد مواضيع التبادل بينهم في إطار “العمل فقط”. وشجع الموظفين على عمل صداقات مع زملاء جدد ومتابعتهم على الإنترنت- ويفضَّل أن يكونوا من إدارات أو أقسام أخرى – بدلاً من توجيه الانتباه فقط على أولئك الذين يتحدثون معهم بالفعل خارج نطاق الإنترنت. وبهذه الطريقة سيكوِّنون إحساساً أغنى بمعرفة الأشخاص الذي لديهم المعرفة والذين يعرفون غيرهم ممن لديهم المعرفة. أما الطريقة الثانية، فهي أن تذكِّر الموظفين من وقت لآخر بمدى فائدة استيعاب التفاصيل الخاصة بزملائهم حتى وإن كانت تبدو غير مهمة أو شيِّقة. فقد لا يتصور موظف العلاقة المباشرة لما يقوم به بملاحظته لما يقوم به زميل آخر لإبرام صفقة مع شركة للهوائيات اللاسلكية، إلا أن الاحتفاظ بذلك النوع من التفاصيل يظل مهماً، فربما تظهر فائدته في مرحلة لاحقة. وكل معلومة تسهم في تكوين صورة كاملة وواضحة عن المؤسسة.

اشرح قواعد السلوك بالتفصيل. غالباً ما تدور ثلاثة هواجس بالشركات حول سلوك الموظفين على الأدوات الاجتماعية الداخلية: أنهم يرفعون التكليف في ما بينهم بدرجة مبالغ فيها، وأن بإمكانهم تبادل المعلومات السرية، وأنهم قد يخالفون بلا قصد السياسات التنظيمية الخارجية. والهاجس الأول لا محل له، فنموذج العلاقة الذي ينشأ بين الموظفين هو التواصل غير المتكلف والقصير، وذلك لسبب وجيه: على الرغم من أن التعامل الرسمي قد يكون ملائماً لقنوات تواصل أخرى (مثل الرسائل الإلكترونية الموجَّهة إلى الرؤساء أو المذكرات الداخلية الموزَّعة على العاملين)، فإنه يعطِّل تدفق تبادل المعلومات والمعارف المراد تحقيقه على الأدوات الاجتماعية.

لكن من الضروري التعامل مع الهاجسين الآخرين، احترام السرية والالتزام باللوائح. وهذا يتطلب إدارة ما يجب إظهاره أو إخفاؤه. فليس ضرورياً أن يكون كل التواصل الاجتماعي عاماً. ويتعين على القادة توضيح أي نوع من المعلومات والبيانات محظور التوسع في تبادلها، مثلاً أرقام حسابات العملاء وتوقعات العائدات، وأي منها يمكن تبادله.

القيادة بضرب المثل العملي. ننتهي بالنقطة الأخيرة، وهي تتعلق بالإيماءات الصادرة عن سلوك الإدارة العليا. فإذا لم يشارك القادة في الأدوات الاجتماعية الداخلية، سيعزف الموظفون عنها أيضاً. وإذا كان معظم الرسائل التي يبعثها القادة مجرد إعلانات رسمية حول تغييرات في السياسة أو العاملين (وهو ما يحدث في أحيان كثيرة)، سوف ينظر الموظفون إلى الأدوات على أنها ليست إلا وسيلة أخرى تستعملها الإدارة لنشر معلومات معينة، بدلاً من اعتبارها وسيلة للتواصل مع بعضهم بعضاً. ولن يتسنى للمؤسسة تحقيق غرضها من الأدوات الاجتماعية.

وكما هو الحال مع أي مبادرة تتطلب تغييراً ثقافياً، يجب أن يكون القادة نموذجاً للسلوك الذي يودون رؤيته شائعاً في مؤسستهم. وإذا لاحظوا فكرة جيدة تنتقل على الأداة الاجتماعية في شركتهم، ينبغي أن يُشركوا الشخص الذي قدمها كي يطّلع على ما يجري من تبادل بين الموظفين لفكرته. وعندما يتبادل الموظفون معلومات لا صلة لها بالعمل، يجب أن يعبر المدراء عن اهتمامهم.

الخاتمة. قد يبدو إدخال الأدوات الاجتماعية وتقنيات وسائل التواصل الاجتماعي في أي شركة أمراً بسيطاً، فهي تطبيقات أغلبها قائم على خاصية “السُحُب” Cloud، وهكذا لا تتطلب تقريباً أي استثمار أو بنية أساسية. هذا بالإضافة إلى أن الموظفين المعاصرين لديهم خبرة في استعمال تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي في حياتهم الشخصية، وهو ما يذلل صعوبات التعلم أمام معظم الأشخاص. ولكن هناك حقيقة أكثر تركيباً وراء ذلك المظهر الخادع في شكله البسيط، كي تحقق الشركات الفوائد من المشروع الاجتماعي، عليها أن تعمل جاهدة تحسباً للوقوع في المصائد الشائعة التي ذكرناها– وهي مصائد قد تقع في فخها أكثر الشركات مغامرةً. وقد نجحت بعض المؤسسات التي خضعت لدراستنا في تطبيقها، باستخدام الاستراتيجيات الواردة في هذا المقال. ونتيجة لذلك، أصبح موظفوها أكثر مشاركةً مع شركاتهم الأخرى القائمة على مستوى العالم، وتحسَّن أداؤهم في التواصل وتبادل المهارات والمعارف، وتعززت فعاليتهم في التعاون والابتكار.

اقرأ أيضاً: إدمان وسائل التواصل الاجتماعي

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .