كيف يمكن تغيير سلوك المدير الذي يثير الخوف في العمل؟

7 دقيقة
سلوك الإساءة
سيريغراف/غيتي إميدجيز

يعتقد الكثيرون أن على القادة اتباع نهج حازم لتوجيه مؤسساتهم في المسار الصحيح، أو أن عليهم التمتّع بمهارة في الترهيب واستخدام أساليب التنمر لتحقيق أهدافهم. في نهاية المطاف، يعتقد الكثيرون أن العقلية الحازمة ضرورية لتولي دفّة القيادة في الشركات الكبرى، خاصة تلك التي تضم أعضاءً متمردين أو تتمتع بأنظمة إدارة صارمة أو تكون بيئة العمل فيها مضطربة. لا شك في أن بعض هذه الأفكار صحيحة، لكن هذا لا يعني أن القيادة المُسيئة فعالة. الواقع هو عكس ذلك تماماً؛ فعلى الرغم من أن القيادة المسيئة قد تُسفر عن نتائج عملية على المدى القصير، فإن عواقبها على المدى الطويل قد تكون أكثر ضرراً، سواء على الموظفين أو على المؤسسة عموماً.

عندما درستُ العلاقات بين المدراء والموظفين في الولايات المتحدة والصين، لاحظت أنه عندما يستخدم القادة العنف اللفظي في التعامل مع مرؤوسيهم، فإن ذلك يحفّز المرؤوسين على التفكير في طرق أفضل   لأداء مهامهم اليومية ويعزز أداءهم في اليوم التالي. بيّنت أبحاث سابقة أيضاً أن الموظفين يحاولون حل المشكلات التي يواجهونها في العمل بعد تعرضهم للإهانة العلنية من المدراء، خوفاً من الترهيب والعقاب القادمين.

لكن نتائج هذه الأبحاث لا تعكس الواقع كما هو؛ فالفوائد التي وثّقتُها كانت مؤقتة وحصل عليها عدد قليل فقط من المرؤوسين الذين يعتقدون أن القادة يسعون لتحقيق نتائج أفضل في العمل. الأهم من ذلك هو أني لاحظت عند تقييم الأداء اليومي الإجمالي المرصود أن أداء المرؤوسين الذين تعرضوا للإساءة من مدرائهم كان  أسوأ بكثير في المتوسط من أداء أقرانهم الذين لم يتعرضوا للإساءة خلال فترة الدراسة التي استمرت أسبوعين. بالمثل، لاحظت في مشروع بحثي منفصل درست فيه العلاقات في نطاق زمني يتراوح بين شهر وسنة أن أداء الموظفين الذين يتعرضون لسوء المعاملة، حتى لو من حين لآخر، يصبح أسوأ بكثير من المتوقع على المدى الطويل ويتّبعون سلوكيات عمل سلبية وسلوكيات عدوانية على نحو متكرر، كما أن التزامهم تجاه مدرائهم وشركاتهم يكون منخفضاً. يبدو أن الآثار القصيرة الأجل الناجمة عن إساءة المدراء، التي تبدو وظيفية، تؤدي إلى عواقب سلبية طويلة الأجل على المؤسسات.

ما يثير الاهتمام هو أن المدراء يجهلون غالباً هذه العواقب الوخيمة الخفية ولكن البالغة الأهمية. يغفل المدراء والمدراء التنفيذيون غالباً عن التداعيات السلبية التراكمية للسلوك الترهيبي. بالنتيجة، لم تُحقق الشركات سوى نجاحات ضئيلة في التوصل إلى حلول مناسبة للحد من سلوك الإساءة والترهيب لدى المدراء. بالإضافة إلى ذلك، قد تؤدي بعض البرامج التي تسلط الضوء على السلوكيات المعتادة المحددة، مثل تدريبات التنوع، إلى نتائج عكسية؛ إذ قد يشعر المدراء بأن كلاً من استقلاليتهم السلوكية وحريتهم في العمل بالطريقة الملائمة باعتقادهم مقيّدة، ما يدفعهم إلى مخالفة هذه المبادئ عمداً لحماية استقلاليتهم الإدارية.

تشير أبحاثي وأبحاث آخرين إلى أنه على الرغم من هذه العقبات، يمكن الحد من سلوكيات القيادة المؤذية عند تطبيق نظام ترغيب فعّال وجماعي في مكان العمل. في هذا النظام، يشجّع المدراء التنفيذيون والموظفون من مختلف مستويات التراتبية الهرمية المؤسسية القادة على اتباع سلوك القيادة البنّاء بثلاث طرق من خلال: برنامج تقييم القيادة الذي يركز على العمليات، وبرنامج تدريب قيادي قائم على المواقف، وبرنامج الحماية الذاتية للموظفين. سأتحدث الآن عما لاحظته عند تطبيق هذه البرامج والأدلة التي اكتشفتها والتي تُثبت نجاحها.

تطوير القدرات القيادية للترغيب بالسلوك البنّاء

برامج تقييم القيادة التي تركز على العمليات. تواجه الشركات غالباً صعوبة في تحديد القادة المسيئين الذين يتّبعون سلوك الترهيب في الوقت المناسب، ويعود ذلك على نحو رئيسي إلى أن أغلبية الشركات تقيّم أداء القائد بناءً على المعايير المالية والتصورات الذاتية، متجاهلة الآلية التي يطبقها المدراء لتحقيق النتائج. يتمتع العديد من المدراء المؤذيين غالباً بأداء عالٍ ومهارات إدارية عالية.

لمعالجة هذه المشكلة، يركز برنامج تقييم القيادة الذي يركز على العمليات على الإجراءات المحددة، سواء الشخصية أو المتعلقة بالعمل، التي يتخذها المدراء لتحسين الأداء الجماعي. قد يكون هذا البرنامج فعالاً جداً في تبديد الآثار الوهمية للنتائج وتحديد الإجراءات التدخلية  القيادية الضرورية. برنامج التقييم والملاحظات الخاص بالرؤساء التنفيذيين في شركة آرو إلكترونيكس (Arrow Electronics)، كما وصفه الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك في مقال نشره موقع هارفارد بزنس ريفيو عام 2008، هو مثال مناسب.

أولاً، اجتمع أعضاء مجلس الإدارة المستقلون في الشركة على انفراد مع ثلاثة مدراء تنفيذيين لمناقشة كفاءة الرئيس التنفيذي في قيادة فريقهم التنفيذي وتحفيزه، ولتحديد إن أسهم الرئيس التنفيذي في بناء ثقافة تدعم رسالة الشركة وقيمها، بالإضافة إلى مناقشة أسئلة أخرى تتعلق بعملية القيادة. بعد ذلك، قارن أعضاء مجلس الإدارة ملاحظاتهم وناقشوا المشكلات مع الرئيس التنفيذي في اجتماع مجلس الإدارة. لكنهم لم يكتفوا بتسليط الضوء على المشكلات، بل قدموا أيضاً أفكارهم ومقترحاتهم حول تحسين الأداء.

يتوافق النهج الذي تتبعه شركة آرو إلكترونيكس مع الأفكار الأساسية لنظريات تطوير القدرات القيادية التي تُبرز أهمية إجراء تقييمات وتقديم ملاحظات باستمرار، تتمحور حول الإجراءات والعمليات، في الوقاية من السلوكيات القيادية غير السليمة وتحفيز السلوكيات القيادية البنّاءة. في هذه الحالة، تزوّد الملاحظات المستمدة من برنامج التقييم الرئيس التنفيذي بتوجيهات مناسبة في الوقت المناسب لتعديل السلوكيات القيادية بهدف بناء فريق تنفيذي أكفأ وتحقيق نتائج أفضل. يساعد ذلك أيضاً على الوقاية من تطور بعض مشكلات القيادة الدقيقة البسيطة ولكن المؤثرة إلى أزمات إدارية.

تبين الأبحاث التأثير الإيجابي الكبير لبرامج التقييم؛ إذ وثّقت دراسة أجراها سكوت ديرو ونيد ويلمان على 60 مديراً من كبار المدراء ومدراء الإدارة الوسطى أن الملاحظات الواقعية والمتكررة التي يقدمها الزملاء حول العمليات التي يطبّقها القادة تساعد المدراء الذين يواجهون تحديات كبيرة في العمل على زيادة وعيهم بسلوكياتهم القيادية غير الفعالة، كما أنها تمكّنهم من تعديل الطرق التي يتعاملون وفقها مع أداء موظفيهم ومشكلاتهم الشخصية باستمرار وعلى نحو ملائم أكثر، ما يؤدي إلى بناء فرق عمل تتمتع بقادة ذوي كفاءة.

برامج التدريب القيادية القائمة على المواقف. تلاحظ أغلبية الشركات أن مبادرات التدريب القيادية غير مُجدية؛ إذ إنها لا تشهد التحولات المتوقعة من المدراء والمسؤولين التنفيذيين إلا نادراً. يعود ذلك إلى حد كبير إلى أن المدراء يواجهون صعوبة غالباً في الاستفادة من خبراتهم التدريبية الإفرادية التي أجروها خارج مكان العمل في عملهم الفعلي. لكن البرامج التي تركز على التعلم المستمر وتوفر فرص التطبيق وتقدم توجيهات مخصصة للقادة تبعاً لظروفهم فعالة ومفيدة بصورة خاصة في حثّ المدراء على الامتناع عن الإساءة والترهيب.

أحد الأساليب البسيطة والعملية هو التأمل القيادي والإجراءات التدخلية التي تهدف إلى التغلب على السلوكيات السلبية، وهو أسلوب أستخدمه على نحو متكرر في دورة تطوير المهارات القيادية التي أجريها. أطلب أولاً من المدراء تذكّر موقف أساؤوا فيه إلى مرؤوسيهم ثم تدوين ما فعلوه وأسبابه والمشاعر التي انتابتهم. بعد ذلك، أطلب من المدراء تدوين عواقب سلوكياتهم (الوظيفية وغير الوظيفية)، سواء على أنفسهم أو على المرؤوسين. أخيراً، أطلب من المدراء التوصل إلى ثلاثة طرق بديلة أفضل للتعامل مع الموقف المعني في حال تكراره. بعد ذلك، أوزّع المدراء في مجموعات ثنائية وأطلب منهم مشاركة تجاربهم والطرق البديلة التي توصلوا إليها؛ إذ يجب على المدير المستمع تقديم ملاحظاته واقتراحاته حول هذه البدائل أو اقتراح طرق بديلة أخرى قد تكون أكثر فعالية وتحفيزاً.

وثّق الباحثون فوائد تدريب التأمل الذاتي القيادي هذا في دراسة شبه تجريبية استمرت 9 أشهر وشملت 173 عاملاً بالغاً شاركوا في سلسلة من 4 عمليات محاكاة لتطوير القدرات القيادية ضمن البرامج التدريبية لماجستير إدارة الأعمال. عقد المشاركون خلال الدراسة اجتماعات فردية مع الباحثين بعد كل محاكاة، واستمر كل اجتماع نحو 40 دقيقة. طلب الباحثون من المشاركين في المجموعة التجريبية تقديم شرح منهجي لمدى كفاءتهم المتصورة بصفتهم قادة في المحاكاة، وكذلك للأخطاء التي ارتكبوها والطرق التي يمكن تطبيقها لتحسين أدائهم. حدد المشاركون أيضاً الإجراءات التي خططوا لاتخاذها بهدف تحسين أدائهم في المحاكاة التالية.

من ناحية أخرى، ناقش المشاركون في مجموعة الضبط ما فعلوه عموماً في المحاكاة الأخيرة على نحو عشوائي. لاحظ الباحثون أن قدرة أفراد المجموعة الأولى على تصحيح السلوكيات القيادية السابقة غير الفعّالة أكبر، وأنهم تمتعوا بمستوى أعلى من مهارات القيادة في نهاية جلسات المحاكاة الأربع. قد تفيد برامج التدريب التأملية المشابهة كثيراً في حثّ المدراء على تصحيح سلوكياتهم الخاطئة تجاه مرؤوسيهم وتطوير مهاراتهم القيادية.

برامج الحماية الذاتية للموظفين. تستطيع الشركات أيضاً تنفيذ برنامج استباقي يسهّل التكيف الجماعي للموظفين إذا تعرّضوا للسلوكيات المؤذية من القادة. تشير الأبحاث حول سلوك الاعتماد على السلطة والتبعية لها إلى أن مرؤوسي القائد المؤذي قادرون على العمل معاً لإعادة تغيير آليات توزع السلطة بينهم وبينه  والحد من سلوكياته المسيئة.

إحدى الطرق الفعالة التي يستطيع وفقها الموظفون حماية أنفسهم هي تشكيل تحالف مع زملائهم الذين يعانون سوء المعاملة من المشرفين، والتنسيق فيما بينهم للحد من الدعم والموارد التي يحصل عليها مدراؤهم لتحقيق الأهداف المهمة. تستطيع الشركات تحفيز تشكيل هذه التحالفات من خلال التشجيع على تنفيذ برامج تعليم الموظفين والدعم المتبادل أو تنفيذها بنفسها. يجب أن تكون هذه البرامج مستقلة عن المدراء ومخصصة حصرياً للموظفين، كما يجب أن تمكّنهم من مشاركة خبرات العمل ووضع استراتيجيات جماعية لمكافحة سلوكيات القيادة المؤذية. على سبيل المثال، يستطيع الموظفون إجراء سلسلة من استراحات الغداء المنتظمة لتوضيح إساءات المدراء ومناقشة طرق للحد من شعور المدراء بالتفوق والوقاية من الإساءة في المستقبل. بمجرد أن يكتسب الموظفون قوة جماعية أكبر، سيصبحون أكثر قدرة على دفع المدراء إلى اتخاذ إجراءات تصالحية لتصحيح ديناميات علاقاتهم المتوترة.

بالإضافة إلى ذلك، يستطيع الموظفون التعلّم من الآخرين خلال هذه البرامج واكتساب مهارات ومعارف وقدرات قيّمة في العمل. يعزز ذلك قيمتهم العملية ويزيد اعتماد مدرائهم عليهم. هذا مهم لأنه عندما يزيد اعتماد المدراء المسيئين على الموظفين، تزيد قدرة الموظفين على طلب تغيير السلوكيات غير اللائقة التي يتبعها المدراء وحثّهم على تبني سلوكيات قيادية بنّاءة. تبين نتائج الأبحاث المستندة إلى بيانات استقصاء متعدد الموجات شمل 343 مديراً من كبار المدراء ومدراء الإدارة الوسطى وموظفيهم أنه إذا طبّق الموظفون الاستراتيجيات المذكورة أعلاه لتعزيز نفوذهم، فإن تعرّضهم للإساءة من مدرائهم يقل بمقدار كبير لاحقاً.

تستطيع المؤسسات أيضاً إجراء برامج التنمية الذاتية التدريبية للموظفين لتوجيههم فيما يتعلق بتطبيق بعض أساليب التأثير الضمني بهدف مقاومة إساءة المدراء على النحو الملائم عند تعرضهم لسوء المعاملة. أحد الأساليب المُجدية المعتمدة على نتائج ملهمة لأحد المشروعات البحثية التي أجريها حالياً هو استخدام التحفيز القائم على الحقائق. عند مواجهة الترهيب والمواقف المسيئة، يميل الموظفون تلقائياً إما إلى المواجهة وإما إلى الصمت. مع ذلك، لا يبدو أي من الاستجابتين فعالاً، ويمكن بدلاً من ذلك تدريب الموظفين على تهدئة الموقف على نحو هادف من خلال توضيح أن سوء المعاملة يؤثر في قدرتهم على إنجاز العمل بفعالية. لا شك في أن تطبيق هذا الأسلوب ليس سهلاً؛ لكن التحفيز القائم على الحقائق يساعد المدراء الذين يتبعون سلوك الترهيب على إدراك أن سلوكهم مسيء وغير مقبول، ويدفعهم في النهاية إلى خفض الضرر المستمر.

التأثيرات الواسعة للإساءة

لا يقتصر تأثير السلوكيات المؤذية التي يتبعها القادة على الموظفين؛ إذ إنها تسبب أيضاً أضراراً نفسية غير متوقعة للمدراء أنفسهم. اكتشفت أنا وزميلي في دراستين يوميتين أجريناهما لدراسة استجابة المدراء لسلوكياتهم القيادية المسيئة أن المدراء يشعرون عادة بالذنب وبأنهم غير أخلاقيين بعد الصراخ على مرؤوسيهم أو إذلالهم. يخفف المدراء شدة هذه المشاعر السلبية بالتكفير عن أخطائهم من خلال إيلاء المزيد من الاهتمام لاحتياجات الموظفين الذين تعرضوا للإساءة وتوفير الموارد الإضافية والتوجيه الإضافي لهم في العمل. على الرغم من أن هذه التصحيحات الشخصية اللاحقة قد تساعد المدراء على الشعور بأنهم أخلاقيين مجدداً، فإنها تخفض كفاءتهم في النهاية لأنها تهدر وقتهم وطاقتهم في إجراءات تلهيهم عن مهامهم الأخرى الأهم.

يثبت ذلك صحة فكرتي الرئيسية: الإساءة والترهيب ليسا أسلوبين فعالين للتأثير بالنسبة للقادة، حتى أولئك الذين يتمتعون بالكاريزما العالية. على الرغم من أن بعض المواقف تستدعي إقالة القائد، تستطيع الشركات في الكثير من الحالات تصميم مجموعة من البرامج لتغيير سلوك القادة الذين يتّبعون الترهيب من خلال تحفيزهم على اتباع سلوكيات القيادة الواعية والتنموية والملهمة. تعتمد برامج التحفيز هذه على الجهود الجماعية لأعضاء المؤسسة عبر مختلف مستويات التراتبية الهرمية، وهي تهدف إلى تطوير ديناميات تفاعلية بنّاءة بين المدراء والموظفين بدلاً من فرض عقوبات صارمة على القادة المسيئين "العظماء".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي