يلتزم أقل من ثلث الأميركيين فقط في وظائفهم في أي عام. وما زالت هذه النتيجة ثابتة دون تغيّر منذ عام 2000، وهو العام الذي بدأت به مؤسسة غالوب (Gallup) تقييم الالتزام الوظيفي في مكان العمل في الولايات المتحدة وإعداد تقارير عنه.
تُعرّف مؤسسة غالوب الموظفين الملتزمين بأولئك الذين لديهم ارتباط قوي بأعمالهم وأماكن عملهم، ويشعرون بالحماس لأداء مهامهم على أكمل وجه. لكن معظم الموظفين اليوم لا يُبدون اهتماماً بالغاً بأعمالهم، ويؤدون مهامهم دون تركيز، ولا يبالون بأدائهم أو أداء مؤسساتهم، ما يؤثر سلباً على العوامل الاقتصادية المؤثرة، مثل النمو والابتكار.
ويقدم التقرير الأخير لمؤسسة غالوب، "حالة المدير الأميركي"، تحليلاً شاملاً للصفات التي تميّز المدراء الفعالين، ويستكشف الروابط المهمة بين المواهب والالتزام ونتائج الأعمال المهمة، مثل الربحية والإنتاجية. وبحسب بحوثنا، تُفسِّر سلوكيات المدراء نسبة تصل إلى 70% من التباين في درجات الالتزام الوظيفي. واستناداً إلى الوضع المقلق بشأن مدى الالتزام الوظيفي في الولايات المتحدة اليوم، من الطبيعي ألا ينجح معظم المدراء في خلق بيئات عمل يشعر فيها الموظفون بالتحفيز أو حتى الراحة في أثناء العمل. وأظهرت دراسة أجرتها مؤسسة غالوب على 7,272 شخصاً بالغاً في الولايات المتحدة أن واحداً من كل اثنين من البالغين قرر ترك وظيفته للابتعاد عن مديره بهدف تحسين جودة حياته الشخصية في مرحلة ما من مساره المهني؛ وفي الواقع، وجود مدير سيئ هو ضربة مزدوجة، إذ إنه يجعل الموظفين يشعرون بالتعاسة في أثناء العمل، وقد ترافقهم تلك المشاعر إلى منازلهم حتى، ما يزيد من مستوى الضغط عليهم ويؤثر سلباً في رفاهتهم العامة.
لكن لا يكفي أن تصنّف مؤسسة ما مديرها بأنه "سيئ" أو "جيد"، بل عليها فهم دوره في خلق بيئة تشجع على الالتزام الوظيفي أو تقوّضه. وفي دراسة أخرى شملت 7,712 شخصاً بالغاً في الولايات المتحدة، طلبت مؤسسة غالوب من المشاركين تقييم أداء مديرهم في مجموعة محددة من السلوكيات تضمنت التواصل الفعال، وإدارة الأداء، ومواطن القوة الفردية؛ ترتبط هذه السلوكيات بمستوى الالتزام الوظيفي، وهي توفر للمؤسسات رؤى ثاقبة أفضل تساعدها على تطوير مدرائها ورفع مستوى الأداء العام للأعمال.
التواصل المكثّف
التواصل هو أساس أي علاقة صحية غالباً، بما في ذلك العلاقة بين الموظف ومديره. وأظهرت مؤسسة غالوب بالفعل أن التواصل المستمر يرتبط بمستويات أعلى من الالتزام الوظيفي، سواء كان وجهاً لوجه أو عبر الهاتف أو عبر الوسائط الإلكترونية. على سبيل المثال، يكون الموظفون الذين يعقدون اجتماعات منتظمة مع مدرائهم أكثر التزاماً بمعدل 3 مرات في وظائفهم مقارنة بالموظفين الذين لا يعقدون اجتماعات منتظمة معهم.
ووجدت مؤسسة غالوب أيضاً أن مستوى الالتزام الوظيفي أعلى بين الموظفين الذين يتواصلون يومياً مع مدرائهم، سواء كان التواصل وجهاً لوجه أو عبر الهاتف أو وسائل التواصل الرقمية. كما أن المدراء الذين يستخدمون مجموعة متنوعة من وسائل التواصل، بما في ذلك التواصل وجهاً لوجه وعبر الهاتف ووسائل التواصل الإلكترونية، هم الأفضل في تعزيز التزام الموظفين. أما فيما يتعلق بتواصل الموظفين مع مدرائهم، فأفاد الموظفون الذين يُبدون التزاماً بأعمالهم بأن مدراءهم يردون على مكالماتهم أو رسائلهم خلال 24 ساعة، وأنهم على دراية تامة بالمشاريع أو المهام التي يعملون عليها بفضل التفاعلات المتواصلة بينهم.
لكن هذه التفاعلات البسيطة بين المدراء والموظفين ليست كافية بذاتها لتحقيق أقصى درجات الالتزام، بل يزداد شعور الموظفين بقيمتهم عندما يتواصل مدراؤهم معهم لمناقشة الجوانب الشخصية من حياتهم أيضاً، وليس للحديث عن أدوارهم ومسؤولياتهم في العمل فحسب. وتكشف دراسة مؤسسة غالوب عن أن الموظفين الذين يشعرون بأن مدراءهم يهتمون بالجوانب الشخصية في حياتهم يكونون أكثر التزاماً بوظائفهم.
ويبذل أفضل المدراء جهوداً متضافرة بالفعل للتعرف على موظفيهم ومساعدتهم على الشعور بالراحة والثقة في التحدث عن أي موضوع، سواء كان متعلقاً بالعمل أو الحياة الشخصية. وفي الواقع، مكان العمل الإنتاجي هو ذلك الذي يوفر الأمان للموظفين ويتيح لهم تجربة أفكار جديدة، وتحدي أنفسهم، وتبادل المعلومات، ودعم بعضهم لبعض. ويكون أعضاء الفريق في هذا النوع من بيئة العمل مستعدين لمنح المدير والمؤسسة فائدة الشك. لكن لن يتحقق أي من تلك الجوانب الإيجابية إذا لم يشعر الموظفون بالاهتمام من جانب إداراتهم.
يمتلك المدراء الفعالون بالفعل مهارة تحفيز الموظفين وبناء علاقات حقيقية معهم. في حين قد يجد أولئك الذين لا يتواءمون مع منصب الإدارة صعوبة في التعامل مع جانب تطوير العلاقات الشخصية مع الموظفين. ويدرك أفضل المدراء بالفعل أن لكل فرد في الفريق احتياجات وتجارب وتحديات مختلفة، سواء في بيئة العمل أو على الصعيد الشخصي. وعندما يُبدون اهتماماً بالجوانب الشخصية لموظفيهم، يقدمون لهم ما يلبي هذه الاحتياجات من الدعم والإرشاد، ويشجعونهم في الوقت نفسه على تقديم أداء عالٍ.
جعل ممارسة إدارة الأداء مستندة إلى أهداف واضحة
تمثّل إدارة الأداء مصدر إحباط كبير للموظفين الذين يجدون صعوبة في فهم أهدافهم الشخصية أو ما يُتوقع منهم في العمل بالضبط، فيواجهون صعوبة في تحديد أولوياتهم ويشعرون بالانفصال عن الهدف العام للمؤسسة. بالنسبة لهؤلاء الموظفين، تبدو مراجعات الأداء السنوية والمناقشات التطويرية إجبارية وغير مجدية، ويجدون صعوبة في التفكير في الأهداف المستقبلية عندما يشعرون بعدم اليقين حيال ما يحمله لهم المستقبل.
ومع ذلك، عند تطبيق إدارة الأداء بفعالية، يصبح الموظفون أكثر إنتاجية وقدرة على الإبداع، ما يزيد بدوره من الربحية. توصلت مؤسسة غالوب إلى أن الموظفين الذين يتمتع مدراؤهم بمهارات قوية في إدارة الأداء يكونون أكثر التزاماً في العمل من الموظفين الذين يواجه مدراؤهم صعوبات في إدارة هذه المهام.
ووجدت في بحثها الذي شمل استبياناً ضم 12 سؤالاً أيضاً أن وضوح التوقعات هو احتياج أساسي للموظفين وأمر مهم لتحسين الأداء. قد تبدو مساعدة الموظفين على فهم مسؤولياتهم مهارة أساسية يجب على المدراء التمتع بها، لكن في الواقع يحتاج الموظفون إلى أكثر من وصف وظيفي مكتوب لفهم دورهم في المؤسسة كاملاً. ولا تقتصر مهمة المدراء الفعالين على إبلاغ الموظفين بواجباتهم فحسب؛ بل تتضمن التواصل الدائم معهم حول مسؤولياتهم وتقدمهم في العمل. كما أن محادثاتهم المهمة لا تنحصر في مراجعات الأداء التي تُعقد مرة واحدة في السنة فقط.
ويُشير الموظفون الذين يُبدون التزاماً بأعمالهم بالفعل، مقارنة بغيرهم من الموظفين، أن مدراءهم يساعدونهم في تحديد أولويات الأعمال وأهداف الأداء، ويحمّلونهم مسؤولية أدائهم. وتحمّل المسؤولية بالنسبة لهؤلاء الموظفين يعني معاملة الموظفين جميعهم بعدالة، أو خضوعهم للمعايير نفسها، ما يتيح للموظفين الذين يقدمون أداءً متميزاً التألق.
التركيز على مواطن القوة بدلاً من مواطن الضعف
أجرى باحثو مؤسسة غالوب دراسة على السلوك البشري ومواطن القوة لعقود من الزمن، واكتشفوا أن تعزيز مواطن قوة الموظفين هو نهج أكثر فعالية من التركيز المفرط على مواطن الضعف. والثقافة المبنية على تعزيز مواطن القوة هي تلك التي تسهّل على الموظفين تعلّم أدوارهم، وتزيد كفاءتهم، وتحسّن جودة أدائهم، وتعزز التزامهم في شركاتهم فترة أطول، وتزيد اندماجهم ومشاركتهم في العمل. وفي الدراسة الحالية، تعبّر غالبية كبيرة (67%) من الموظفين الذين يؤكدون أن مدراءهم يركزون على مواطن قوتهم أو السمات الإيجابية لديهم عن التزامهم بالعمل، مقارنة بنسبة 31% فقط من الموظفين الذين يؤكدون أن مدراءهم يركزون على مواطن ضعفهم.
عندما يساعد المدراء موظفيهم على النمو وتطوير قدراتهم من خلال مواطن قوتهم، يتضاعف مستوى التزامهم. ومن الخطوات التي يمكن للمدير اتخاذها من أجل موظفيه تعيينهم في وظائف تتيح لهم الاستفادة من مواهبهم الطبيعية، وتوفير الفرص لهم لاكتساب المهارات الجديدة والمعرفة اللازمة التي تساعدهم على تطوير مواطن قوتهم والاستفادة منها.