ملخص: يرى الخبراء أن مفهوم الميزة التنافسية من أهم المفاهيم في عالم الأعمال وأكثرها شيوعاً، نظراً لارتباطه الوثيق باستمرارية المؤسسة والحفاظ على تنافسيتها، فأي شركة لا تُميّز نفسها بميزة واضحة سواء كانت التكلفة المنخفضة، أو الجودة المرتفعة، أو الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة، أو غيرها، مآلها ببساطة للزوال في عالم تشتد فيه المنافسة يوماً بعد يوم. يسلّط هذا المقال الضوء على مجموعة من المفاهيم التي تبيّن تطور الميزة التنافسية على مر عقود من الزمن: 1. دورة حياة الميزة التنافسية، 2. الميزة النسبية، 3. الميزة التنافسية المستدامة، 4. نموذج الماسة.
ساد مفهوم "الميزة النسبية" (Comparative Advantage) في الاقتصاد والأعمال منذ ظهور أعمال ديفيد ريكاردو خلال ثلاثينيات القرن الماضي حتى ظهور مصطلح الميزة التنافسية عام 1939 من قِبل الاقتصادي شامبرلين، وبحسب مايكل بورتر؛ فإن الميزة التنافسية تنشأ عندما تكتشف الشركة طرقاً جديدة لإشباع حاجات العملاء يمكن تجسيدها ميدانياً، وتكون أكثر فعالية من طرق المنافسين؛ أي بمجرد إحداث ابتكار بمفهومه الواسع. أما فيليب كوتلر فيؤكد أنها ميزة للشركة على المنافسين تكسبها عن طريق تقديمها قيمة أكبر للمستهلكين، إما من خلال أسعار أقل وإما من خلال تقديم منافع أكبر تبرّر السعر الأعلى. وباختصار، هي قدرة الفرد أو الشركة أو البلد على إنتاج سلع وخدمات تلبي الحاجات نفسها، لكن بسعر أقل من المنافسين أو بجودة ومزايا أفضل. بلغ الاهتمام بالمزايا التنافسية ذروته عقب نشر أعمال بورتر في الثمانينيات، واستراتيجياته العامة التي تمكّن من اكتساب ميزة تنافسية في سوق معينة. وفيما يلي 4 من أهم المصطلحات التي تبيّن تطور الميزة التنافسية منذ ظهورها:
1. دورة حياة الميزة التنافسية (Competitive Advantage Life-cycle)
تمر الميزة التنافسية بدورة حياة المنتجات الجديدة نفسها تقريباً، ويمكن حصر أهم مراحل حياتها فيما يلي:
- مرحلة التقديم: هي أطول مرحلة تمر بها الشركة التي أنشأت ميزة تنافسية جديدة، لأنها تحتاج إلى الكثير من التفكير والاستعداد البشري والمادي والمالي، وتنتشر الميزة التنافسية مع مرور الزمن على نحو أوسع، ويعود ذلك إلى القبول الذي تحظى به من العدد المتزايد من المشترين.
- مرحلة التبنّي: تستقر الميزة التنافسية نسبياً في هذه المرحلة من حيث الانتشار والتوسع، نظراً لأن المنافسين بدؤوا بالتعرف والتركيز عليها، وتكون الوفرات الإنتاجية في هذه الفترة في قمتها.
- مرحلة التقليد: يتراجع نطاق الميزة وتتجه شيئاً فشيئاً إلى الاستقرار والركود، وذلك لأن المنافسين قلدوها، وبالتالي تتراجع أسبقيتها، ما يؤدي إلى انخفاض في الكمية المنتجة.
- مرحلة الضرورة: في هذه المرحلة، تظهر ضرورة مُلحة لتحسين الميزة الحالية وتطويرها بسرعة، أو إنشاء ميزة جديدة على أسس تختلف تماماً عن أسس الميزة الحالية التي تتعرض للتدهور المستمر، وإذا لم تتمكن الشركة من التحسين أو الحصول على ميزة جديدة، فإنها تفقد أسبقيتها تماماً ومن ثم يصعب البقاء في دائرة التنافس، فالتغيير في هذه المرحلة ضروري من أجل البقاء والاستمرار.
ومن خلال هذه المراحل المختلفة، يجب على الشركة أن تتابع من كثب دورة حياة ميزتها التنافسية، وأن تتعرف على الوقت المناسب لتجديدها وإدخال التعديلات المناسبة عليها، أو حتى إنشاء ميزة جديدة، لأن أي ميزة تنافسية لا تدوم إلى الأبد، بل هي ذات طبيعة ديناميكية متغيرة، وتتطلب المراقبة الدائمة والتحسين المستمر.
2. الميزة النسبية (Comparative Advantage)
هي قدرة الفرد أو الشركة أو البلد على إنتاج السلع والخدمات بتكلفة فرصة بديلة أقل من المنافس. تظهر الميزة النسبية بوضوح في التجارة الدولية، حيث تصدّر الدول المنتجات التي يمكنها إنتاجها بكفاءة نسبية أعلى من الدول المنافسة، ويمكن قياس تلك الكفاءة من خلال مقارنة تكاليف الإنتاج لمنتج معين بين عدة دول. ومن أجل تعزيز الميزة النسبية، تلجأ الدول إلى عدة أساليب مثل الاستثمار في التكنولوجيا أو تطوير مهارات العمال أو اعتماد طرق الإنتاج الحديثة. ظهرت نظرية الميزة النسبية في كتاب "حول مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب" (On the Principles of Political Economy and Taxation) لأستاذ علم الاقتصاد الإنجليزي ديفيد ريكاردو في عام 1817 عندما وضع النظرية الكلاسيكية للميزة النسبية التي تشرح لماذا تلجأ الدول إلى الاستيراد حتى عندما يكون عمّالها قادرين على إنتاج جميع السلع بكفاءة عالية.
3. الميزة التنافسية المستدامة (Sustainable Competitive Advantage)
لا تكتفي الشركة بحيازة ميزة تنافسية، بل تسعى إلى تطويرها وحتى تغييرها إذا لزم الأمر، لأن العديد من العوامل تؤثر فيها وتحدّ من استمراريتها، على غرار سطوع تكنولوجيا جديدة، وظهور حاجات جديدة لدى المستهلكين أو تغيّرها، وتغيّر تكاليف المدخلات، وظهور قطاع جديد في الصناعة، والتغيّر في القيود الحكومية. حدد الباحث جاي بارني مجموعة من خصائص الموارد التي تضمن للشركة استمرارية ميزتها التنافسية، ويمكن تلخيصها فيما يلي:
- موارد الشركة نادرة وقيّمة: يتطلب هذا توليفة خاصة من الموارد المادية والبشرية والتنظيمية، فإن كانت هذه الموارد غير نادرة ومتاحة لعدد كبير من الشركات، فإن هذا من شأنه أن يحد من استمرارية الميزة التنافسية بسبب قدرة الشركات المنافسة على إنشاء ميزة مماثلة، وتكون موارد الشركة قيّمة عندما تجسد الاستراتيجية بفعالية ولا يكون لها بديل.
- موارد الشركة غير قابلة للتقليد التام: تكون الموارد القيّمة والنادرة مصدراً لميزة تنافسية مستمرة فقط إذا لم يتمكن المنافسون من تقليدها بصفة كليّة، وتكون غير قابلة للتقليد التام إذا توافرت فيها 3 خصائص، وهي:
- الظروف التاريخية الخاصة بالشركة: أي الظروف الخاصة التي مرّت بها الشركة في الماضي، إذ إن استغلال بعض المصادر المرتبطة بفترة زمنية معينة يجعل هذه الميزة غير قابلة للتقليد بسهولة، لأن الشركات المنافسة التي لم تستغل الظرفين الزماني والمكاني اللذين خلقا هذه الفرصة، لن تتمكن من استغلالهما بسهولة مجدداً.
- غموض الميزة التنافسية: يرجع الغموض الذي يعتري الميزة التنافسية إلى عدم قدرة الشركات المنافسة على فهم كيفية استغلال الشركة لمواردها، وبالتالي فإن المصدر الحقيقي لهذه الميزة يكون مبهماً، وتتساءل هذه الشركات المنافسة هل هذه الميزة مصدرها من الموارد المعروفة التي تحوز عليها الشركة أم أن هناك مصادر أخرى غير معروفة.
- التعقيد الاجتماعي الذي تتميز به الشركة: يمكن أن يتميز الكثير من الموارد داخل الشركة بالتعقيد الاجتماعي، مثل العلاقات الاجتماعية بين الموظفين، والعادات الثقافية السائدة داخل الشركة؛ وهي خصائص يصعب جداً تقليدها، لأنها مرتبطة بالجانب الإنساني وتنشأ مع مرور الوقت.
4. نموذج الماسة (Diamond Model)
يسميه الخبراء أيضاً "نظرية الميزة التنافسية الوطنية" (Theory of National Competitive Advantage)، وهو مصطلح ابتكره مايكل بورتر وذكره لأول مرة في كتابه "الميزة التنافسية للأمم" (Competitive Advantage of Nations)، وهو نموذج في شكل "ماسة" (مخطط ثماني الأوجه)، يركز على شرح سبب التنافسية الدولية العالية التي تتمتع بها بعض الصناعات الموجودة في بلدان معينة دون غيرها، كما يشرح سبب القدرة الابتكارية المستدامة لبعض الشركات الموجودة في بعض البلدان أو المنتمية إلى صناعات معيّنة دون غيرها.
يؤكد بورتر أن قدرة أي شركة على المنافسة في الساحة الدولية تعتمد أساساً على مجموعة مترابطة من المزايا الموجودة في الموقع الذي تنشط فيه، والمتوافرة حصراً في بعض الصناعات أو البلدان، وهي المزايا التي تمكّن الشركات المحلية من الابتكار والتحديث المستمر الضروريين للتوسع الدولي.
يتضمن شرح المكونات الأساسية الأربعة لنموذج الماسة ما يلي:
- سياق استراتيجية الشركة وشدة المنافسة.
- شروط الطلب المحلي.
- قطاعات ذات صلة وقطاعات داعمة.
- نوعية المدخلات.
إن تفاعل العوامل الأساسية الأربعة بعضها مع بعض يؤدي إلى تأثير متبادل يظهر في العوامل الفرعية، وهي بدورها تمثّل 4 أوجه أخرى؛ أي ما مجموعه 8 أوجه، وهو أصل التشبيه بالماسة ذات الثمانية أوجه.
سواء كانت الميزة التنافسية على المستوى المؤسسي أو الوطني أو حتى الشخصي، فيجب عدم إغفالها، فإن لم تكن لديك ميزة تنافسية فاعمل على بناء واحدة، وإن كانت لديك واحدة فالخطر أكبر ويجب العمل المستمر على استدامتها وتنويعها.