ملخص: كانت أساليب تقييم القيادات القائمة على استطلاعات الرأي تعد بتوحيد طرق تقييم القادة في المؤسسات، لكن بيانات استطلاعات الرأي تعكس التحيزات الشائعة وتعززها. يقترح المؤلفون 3 استراتيجيات يمكن اتباعها عند وضع أسئلة استطلاع الرأي من أجل محاولة تصحيح تحيزات أسلوب تقييم القادة هذا. 1) اطلب من الموظفين تقييم قائد مثالي قبل تقييم قائدهم الفعلي، 2) طالب من يقدمون التقييمات بتقديم أمثلة نوعية محددة لكل سلوك يخضع للتقييم، 3) احرص على إنشاء "احتكاك" في أثناء عملية التقييم كي تدفع المشاركين للتمهل والانتباه إلى التحيز المحتمل.
أصبحت الاستبانات التي تُجرى حول القيادات واسعة الانتشار في المؤسسات اليوم، فاستطلاع الرأي هو أداة شائعة لقياس الإمكانات القيادية والمساعدة في اتخاذ القرار بترقية الموظف أو منحه علاوة إضافية وفهم الثقافة القيادية في المؤسسة.
ساهم الشعور العام بعدم الرضا عن العمليات القديمة القائمة على الحكايات التي كانت تترافق مع كثير من الاعتبارات الذاتية في التوجه نحو تبني التقييمات القائمة على استطلاع الرأي لتقييم القيادات. فالاستبانات التي ترسل إلى القادة وموظفيهم أو التقييمات بطريقة 360 درجة تعد بنتائج موضوعية بدرجة أكبر بناء على افتراض أن البيانات التي تولدها تعكس الواقع بصورة أكثر دقة.
لكننا نعلم أن بيانات استطلاع الرأي لا تزال تعكس التحيزات الشائعة. وهي تشمل الأمثلة التالية: يُمنح الرجال تقييمات إيجابية أكثر من النساء عموماً؛ يُعتبر الرجل طويل القامة قائداً أفضل من الرجل قصير القامة؛ يُمنح القائد صاحب البشرة البيضاء تقييمات إيجابية أكثر من القائد صاحب البشرة الملونة؛ يُمنح القائد الذي يتمتع بالجاذبية وفقاً للمعايير التقليدية والذي يكون وجهه بارز العظام حادّ الملامح تقييمات أفضل؛ يحظى القائد الذي يحمل قيماً مماثلة لقيم مقدّم التقييم (سواء كانت سياسية أو عقائدية أو غيرها) بتسامح أكبر. ثمة خلل جوهري في هذه التقييمات، وهذه القائمة هي قمة جبل الجليد ليس إلا.
إذا لم تشكل استطلاعات الرأي حول القيادات قياساً دقيقاً لسلوكيات القائد، فما الذي تقيسه فعلياً؟ إنها تقيس كفاءته المتصورة بدلاً من سلوكياته القيادية الفعلية. استغرق الباحثون الأكاديميون عقوداً من الزمن لفهم أهمية هذا الاختلاف عند تقييم النساء في المناصب القيادية. تتعامل المؤسسات عادة مع بيانات توضح إلى أي درجة يتصور الموظفون أن شخصاً ما هو قائد جيد، ولا توضح ما إذا كان سلوك هذا الشخص يجعله قائداً جيداً بالفعل. هذا مهم لأنه مع مرور الوقت قد يتبين أن القائد الجيد في تصور موظفيه هو في الحقيقة عديم الكفاءة بدرجة كبيرة. على سبيل المثال، بينت الأبحاث أن الشخص النرجسي يتمتع عادة بصورة القائد الجيد لكن ليس بالضرورة أن يكون كفؤاً حقاً.
هذا المفهوم الخاطئ ليس حكراً على المهنيين، ففي الحقيقة يعيد الباحثون في مجال القيادة حول العالم النظر في استخدامهم للاستبانات لدرجة أنهم يخصصون أقساماً كاملة من المجلات العلمية المرموقة لمناقشته. فالعلم يؤكد لنا بصورة متزايدة ضرورة تحسين قدراتنا على فهم سلوكيات القائد الفعلية وتفسيرها.
بطبيعة الحال قد لا تكون أساليب التقييم البديلة المتاحة للباحثين عملية في مكان العمل، مثل المراقبة (حيث تتم مراقبة سلوكيات القائد عن قرب وتسجيلها) وأساليب القياس غير المباشرة المتمثلة في جمع البيانات عن القائد في الخفاء (مثل مراقبة محتوى بريده الإلكتروني أو تحليلات الشبكة) والتجارب (حيث يتم تعريض مجموعات من المشاركين إلى سلوكيات قيادية مختلفة). من المحتمل أن تدوم استطلاعات الرأي حول القيادآت إلى حد ما، ويجب أن نفكر ملياً في طريقة وضع هذه الاستبانات وتفسيرها من أجل الحدّ من التحيز قدر الإمكان.
وإحدى الطرق للحدّ من التحيز هي تشديد الانتباه إلى طرق طرح أسئلة الاستبانات وفقاً لنظرية الاختبار الكلاسيكي. مثلاً، هذا يتضمن طلب أمثلة عن سلوكيات محددة وعدم الاكتفاء بالتقييمات العامة مثل "قائدي هو شخص منصف" أو "قائدي هو شخص داعم". فهذه التعليقات الشاملة تدل عموماً على إعجاب مقدمها بالقائد ليس إلا.
تصحيح تحيزات أسلوب تقييم القادة
على الرغم من أن إدخال هذه التعديلات يساعد في رفع دقة استطلاعات الرأي حول القيادات، فخطورة التحيز لا تزال قائمة. لكن ليس عليك أن تكون خبيراً في الإحصاء أو باحثاً كي تنشئ استطلاعاً للرأي حول القيادات يحدّ من خطورة التحيزات الشائعة. نقترح الاستراتيجيات الثلاث التالية التي يشكل كل منها وسيلة لإرغام المشاركين في استطلاع الرأي على التفكير في أجوبتهم ملياً وتفادي التحيز الضمني الذي يؤثر في أجوبتهم عادة.
1. اطلب من المشاركين تقييم قائد مثالي قبل تقييم قائدهم الفعلي
عندما نقيّم قادتنا يمكن أن نتأثر بوجهات نظرنا حول القيادة المثالية. مثلاً، عندما نقوم بتقييم ذاتي، يكون الشخص الذي نرغب في أن نكونه (ذاتنا المثالية) هو ما يوجه تقييماتنا عادة وليس ما نفعله فعلاً (ذاتنا الفعلية). ويمكن لأمر بسيط مساعدتنا في التغلب على هذا التحيز، وهو أن يقوم القائد بتقييم ذاته المثالية (شخصيته التي يتمناها) قبل تقييم ذاته الفعلية (شخصيته الواقعية الحالية). وهذا سيؤدي إلى زيادة كبيرة في الترابط الإيجابي بين تقييم القائد لذاته وتقييم الآخرين له، ما سيجعل عملية التقييم أكثر دقة. ولن تصبح التقييمات الذاتية أكثر دقة فقط وإنما ستقدم أفكاراً حول طريقة تطوير الشخص كقائد أيضاً.
وبالمثل، فإن مطالبة المشاركين في الاستبانة بتقييم ميزات قائد مثالي قبل تقييم قائدهم الفعلي ستؤدي إلى تنحية بعض نظراتهم المتحيزة للقائد. وعدا عن اكتساب بيانات أكثر دقة من استطلاعات الرأي، فإن تذكير الموظفين بتأثير تصوراتهم على التقييمات قد يتعدى استطلاع الرأي ليساعدهم على ملاحظة التحيز في المهام القيادية الأخرى (مثل اختيار الموظفين في المشاريع وإدارة الأداء وجلسات المراجعة).
2. طالب المشاركين بتقديم أمثلة نوعية محددة عن كل سلوك يخضع للتقييم
مثلاً، عندما يُسأل الموظفون عن فرص التطوير التي يقدمها قائدهم، يجب أن يُطلب منهم تقديم أمثلة محددة. فاضطرار الموظف إلى تقديم أمثلة ملموسة سيدفعه إلى التفكير ملياً في الجودة الفعلية لهذه السلوكيات ومدى تكررها. من جهة، سيساعد هذا التفكير الموظفين على ضبط درجات التقييم التي يمنحونها لقائدهم، وبالتالي ستصبح صحيحة أكثر. ومن الجهة الأخرى، فإن المطالبة بدعم درجات التقييم هذه بأمثلة ملموسة سيساعد القائد الذي يخضع للتقييم على فهم تأثير سلوكه على الآخرين بدرجة أكبر، وبالتالي تزداد إمكانية الاستفادة من هذه التقييمات في تطويره.
قد يصعب على الموظفين تقديم أمثلة ملموسة عن سلوك القائد، لاسيما إذا كانت المعلومات حساسة كما هو الحال في السلوك المسيء. ومن أجل ضمان أن يتوخى الموظفون الصدق في أجوبتهم، يجب أن تثبت المؤسسة لهم أن هوياتهم ستبقى طي الكتمان وأنها ستراعي الخصوصية والسرية في تعاملها مع أجوبتهم. مثلاً، يجب أن تذهب التقارير إلى قسم الموارد البشرية كي يتم تجميعها والإشراف عليها قبل إعادتها إلى القائد الخاضع للتقييم.
3. أنشئ ما تسميه جينيفر إيبرهاردت "الاحتكاك" في أثناء التقييم
تظهر التحيزات عندما يصنع الإنسان قرارات سريعة استناداً إلى الاستدلال الآني بدلاً من البيانات الموضوعية، ودفع الموظفين للتمهل وإدراك التحيزات المحتملة قبل تقييم القائد سيذكرهم بضرورة بناء تقييماتهم على سلوكيات محددة.
وينبغي لإدخال تعديلات ومحفزات على الاستبانات، مثل صناديق الحوار ورسائل التحذير أو التأكيد التي تظهر قبل تقييم القائد وبعده، أن يتيح للمشاركين تقييم تفكيرهم وتقليل التحيزات. مثلاً، قبل أن ينهي الموظف تقييم قائده يجب تذكيره بأن التحيز الضمني يؤدي إلى سلوك تمييزي غير مقصود ولكنه مهمّ ويعود بتبعات سلبية على هذا القائد. اتبعت شركة "نكست دور" لشبكات التواصل الاجتماعي القائمة على الجوار هذه العملية بنجاح، فالخطوات التي اتخذتها كي ترغم المستخدمين على التمهل عند تقديم تقارير عن النشاطات المشبوهة أدت إلى تقليل حالات التنميط العنصري على المنصة بنسبة 75%.
عندما تطبق هذه الاستراتيجيات المقترحة فستميز بين السبب الذي يجعل الموظفين ينظرون إلى القائد على أنه كفؤ وما يجعله كفؤاً فعلاً. بطبيعة الحال فإن الكفاءة المتصورة والكفاءة الحقيقية كلتيهما ضروريتان للقيادة الجيدة، لكن تحديد الفرق بينهما سيتيح للمؤسسة ترقية شخص يقود بكفاءة لكنه لم يكتسب صورة القائد بعد، وبذلك سيحظى بفرصة ليكون قائداً وسيتمكن تدريجياً من تغيير تصورات الآخرين ضمن المؤسسة عما يجب على القائد الجيد فعله، وبالتالي سيوائم صورة القائد المثالي مع سلوكيات القيادة الفعّالة ضمن المؤسسة.
ما دام الإنسان يراقب ما حوله فسيرتكب الأخطاء في ملاحظاته لأنه بطبيعته لا يستطيع فهم المعلومات على نحو موضوعي بل يحاول جعلها تبدو منطقية على الفور، وهذا سيستمر في تشويه البيانات حتى وإن بذلنا جهدنا للحدّ من ذلك. وبالتالي فنحن جميعاً مسؤولون عن تصحيح تحيزات أسلوب تقييم القادة حفاظاً على مصلحة المؤسسات والموظفين الذين يعملون فيها.