التغلب على تشتت الانتباه بسبب الأجهزة الرقمية

12 دقيقة
التشتت الرقمي
خبيران يدليان برأييهما حول كيفية التعامل مع التخمة الرقمية

ماذا تعرف عن التشتت الرقمي تحديداً؟ لعل التخمة الرقمية هي المشكلة الأساسية التي يتسم بها مكان العمل اليوم. فطوال الليل والنهار، وعلى الحواسب المكتبية، والحواسب المحمولة، والأجهزة اللوحية، والهواتف الذكية، نتلقى سيلاً عارماً من الرسائل والتنبيهات إلى حد يستحيل معه التركيز تقريباً حتى لو أردنا ذلك. وعندما نشعر بإغراء المماطلة، فإن التشتت الرقمي أو ما يشتت انتباهنا لا يبعد عنا أكثر من نقرة واحدة.

هذه الثقافة من الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت تترك وطأتها الثقيلة على الصعيدين المهني والشخصي. فنحن نضيع وقتنا، وانتباهنا، وطاقتنا على معلومات وتفاعلات غير هامة نسبياً، ونبقى مشغولين دون أن ننتج قيمة كبيرة. وكما أظهر الراحل كليفورد ناس وزملاؤه في جامعة ستانفورد، فإن الناس الذين يميلون بصورة منتظمة إلى التنقل بين عدة مصادر للمحتوى لا يعيرون انتباهاً، ولا يحفظون، ولا يديرون مهامهم بذات الجودة التي نراها لدى الأشخاص الذين يركزون على شيء واحد كل مرة. والنتيجة هي تراجع الإنتاجية والتفاعل، سواء في المكتب أو المنزل. تفيد مجموعة الأبحاث الخاصة بعبء المعلومات، وهي عبارة عن تجمع لا يتوخى الربح من المحترفين والباحثين والاستشاريين في قطاع الأعمال أن العاملين في حقل المعرفة في الولايات المتحدة الأميركية يهدرون 25% من وقتهم في التعامل مع تيار ضخم ومتنامٍ من البيانات مما يكبد الاقتصاد 997 مليار دولار سنوياً.

معظم الناس متفقون على الحل المتمثل في التحكم بتخمة البيانات عوضاً عن تركها تتحكم بنا. لكن كيف يمكن للمرء أن يفعل ذلك بالضبط؟ طرحنا السؤال على خبيرين. الأول هو عالم النفس لاري روزين، والخبيرة الثانية هي المتخصصة بشؤون التكنولوجيا أليكساندرا صامويل. كنا نعتقد أن التباين في خلفيتيهما سيقودهما إلى تقديم نصيحتين مختلفتين، وكنا على حق في هذا التصور المسبق. يؤمن روزين أننا يجب أن نبتعد بطريقة ممنهجة عن تيار المعلومات وأن نركز على المزيد من الأنشطة التي تمدنا بالطاقة. وتحاجج صاموئيل قائلة إن الطريقة الفضلى لمحاربة التشتت الرقمي الناجم عن الأجهزة الرقمية هي استعمال الأدوات الرقمية بطريقة استراتيجية. وإذا ما أخذنا هذين الحلين معاً، فإنهما يوفران دليلاً يساعدنا في البدء بمواجهة هذا التحدي الضخم والمتنامي.

خذوا استراحة لتجنب التشتت الرقمي

لاري روزين

اعتاد ماركو، وهو مدير يبلغ الثامنة والثلاثين من العمر ويعمل في شركة لتطبيق تعليمي أن يبدأ نهاره بتفقد هاتفه الذكي، والرد على الرسائل قبل النهوض من السرير. وعلى مائدة الإفطار، كان يقرأ الأخبار على تطبيق قناة "سي إن إن" على هاتفه، وحتى عندما يقود سيارته إلى العمل، لم يكن يقاوم فكرة النظر إلى ذاك الهاتف. في المكتب، كان انتباهه يتشتت من الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية الواردة إلى حد أنه لم يكن قادراً على إتمام المهام المهمة، وكان زملاؤه يتذمرون من إخفاقه في التفاعل أثناء الاجتماعات. كان يُمضي فترة المساء على هاتفه أو حاسوبه الشخصي عوضاً عن التفاعل مع زوجته أو أبنائه. اعترف لي ماركو بكل ذلك بعد أن ألقيت محاضرة في مدرسة أولاده، ثم طلب مني المساعدة في تغيير عاداته. طمأنته إلى أنني أستطيع تقديم يد العون له، وأن هذه لم تكن مشكلته وحده.

خلال السنوات القليلة الماضية، عكف علماء النفس على دراسة التغيرات الدراماتيكية الحاصلة مؤخراً في علاقة البشر بالتكنولوجيا. لنأخذ مثلاً دراسة أجريتها أننا وزملائي عام 2008 وكررناها في 2014‎. صنفنا المشاركين ضمن ثلاث فئات عمرية. الفئة الأولى هي جيل طفرة المواليد (الأشخاص الذين ولدوا في السنوات التالية للحرب العالمية، والفئة الثانية هي الجيل إكس (أي الأشخاص المولودون بين منتصف الستينيات وأوائل الثمانينيات) والفئة الثالثة هي جيل الإنترنت (أي الأشخاص المولودون في ثمانينيات القرن الماضي). أعطينا المشاركين قائمة تضم 66 زوجاً من الأنشطة لنعرف أياً منها كانوا يمارسونها عادة بترادف. وقد شملت الأسئلة، على سبيل المثال، "هل تدخلون إلى الإنترنت وترسلون رسائل نصية في الوقت ذاته؟" و"هل ترسلون رسالة إلكترونية وتتناولون الطعام في الوقت ذاته؟" في 2008، أجاب أفراد الفئة الأولى من جيل طفرة المواليد بـ "نعم" على 59% من الأنشطة المزدوجة وسطياً، في حين كان الرقمان هما 67% للجيل إكس، و75% لجيل الإنترنت. وفي 2014، كانت النسب أعلى: 67% لجيل طفرة المواليد، و70% للجيل إكس، و85% لجيل الإنترنت. وفي غضون ذلك، فإن أفراد "الجيل آي" (أي الأشخاص الذين ولدوا في تسعينيات القرن الماضي)، الذين أضفناهم إلى الدراسة الثانية، كانوا منخرطين بنسبة مذهلة بلغت 87% في الأنشطة المزدوجة، حتى عندما وجدوا أن نشاطاً واحداً في زوج الأنشطة كان صعباً بحد ذاته.

المؤسف في الأمر هو أن البراهين تُظهرُ أن أداء عدة مهام في الوقت ذاته ليس بالأمر الناجح دوماً. فأداء أمرين على أكمل وجه في الوقت ذاته ليس ممكناً إلا عندما يكون أحدهما على الأقل تلقائياً. إذن، نعم، بإمكانكم أن تسيروا وتمضغوا العلكة في الوقت ذاته. لكن هل بوسعكم تفقد البريد الإلكتروني أثناء المشاركة في مؤتمر هاتفي؟ هل بوسعكم تصفح الفيسبوك والقيام بعمل ذي مغزى في الوقت ذاته؟ لقد أثبت الباحثون أن مجرد وجود الهاتف يجعل الناس أقل إنتاجية وأقل ثقة، وأن الطلاب الذين يتعرضون للمقاطعة أثناء الدراسة يحتاجون إلى وقت أطول لتعلم المواد ويشعرون بتوتر أكبر. أظهرت غلوريا مارك، من جامعة كاليفورنيا في إرفاين، أن العمال يتعاملون مع مهمة معينة لمدة ثلاث دقائق تقريباً قبل الانتقال إلى شيء آخر (تواصل إلكتروني عادة) وأن العودة إلى المهمة السابقة يستغرق بحدود 20 دقيقة.

استعملوا المبادئ السلوكية لتفطموا أنفسكم عن أجهزتكم الرقمية.

فلماذا نسمح لأنفسنا أن نُصاب بهذا القدر من الشلل جراء التشتت الرقمي الناجم عن استخدام التكنولوجيا؟ يشير بعض الناس إلى الإفراط في استخدام الأجهزة الرقمية بوصفه نوعاً من الإدمان. ولكن بما أن معظمنا على ما يبدو لا يحصل على متعة كبيرة من هذا السلوك - وهذه سمة مميزة للإدمان - فإنني لا أستسيغ هذا التصنيف. ربما الأدق هو استعمال تعابير من قبيل "الخوف أن يفوتنا شيء ما" (أو "فومو" كما تُختصر باللغة الإنكليزية) و"الخوف من فقدان الاتصال بالإنترنت" (أو "فوبو" كما تُختصر باللغة الإنكليزية)، ونوموفوبيا (رهاب الابتعاد عن الهاتف المحمول) - وكلها أشكال من القلق قريبة من حدود الهاجس أو القهر. فالناس يتفقدون حواسبهم المحمولة وحواسبهم اللوحية وهواتفهم على الدوام لأنهم يخشون من تلقي معلومات جديدة بعد الآخرين، أو الإفراط في البطء في الرد على رسالة نصية أو إلكترونية، أو التأخر في التعليق على منشور/بوست على شبكات التواصل الاجتماعي وفي إبداء الإعجاب به.

ثمة عدد كبير من الدراسات التي تدعم هذا التشخيص للمشكلة. ففي مختبري وجدنا أن العديد من الناس، وبغض النظر عن عمرهم، يتفقدون هواتفهم الذكية كل 15 دقيقة أو أقل ويشعرون بالقلق إذا لم يُسمح لهم بفعل ذلك. زميلتي نانسي تشيفر أحضرت 163 طالباً إلى قاعة محاضرات وطلبت منهم الجلوس دون أن يتحدثوا أو ينجزوا عملاً معيناً أو أن يستعملوا هواتفهم، ومن ثم قومت مدى قلقهم خلال الساعة التالية. رغم أن من يستعملون هواتفهم الذكية استعمالاً خفيفاً لم يُظهروا أي تغيير، إلا أن من يستعملون هواتفهم الذكية استعمالاً معتدلاً شعروا بالذعر في بادئ الأمر وسرعان ما استقر ذلك الشعور، أما الأشخاص المعتادون على تفقد هواتفهم طوال اليوم فقد أحسوا بارتفاع كبير في الشعور بالقلق لديهم وسرعان ما تزايد هذا الشعور.

كيف نهدئ حالة القلق وبالتالي نتجنب التشتت الرقمي تحديداً؟ عندما أتحدث إلى الطلاب والأهل، والمعلمين، والقادة في قطاع الأعمال، أوصيهم باتباع ثلاث استراتيجيات، تنطوي جميعها على الابتعاد عن التكنولوجيا في بعض الأوقات لاستعادة التركيز.

أولاً، استعملوا المبادئ السلوكية لتفطموا أنفسكم عن أجهزتكم الرقمية. اسمحوا لأنفسكم بتفقد جميع أشكال التواصل الإلكتروني، ثم أغلقوا كل شيء وضعوا هاتفكم في وضعية الصامت. فعلوا المنبه ليرن بعد 15 دقيقة، وعندما يرن امنحوا أنفسكم دقيقة لتتفقدوه. كرروا هذه العملية حتى تشعروا بالارتياح بزيادة الوقت الذي تكونون فيه مفصولين عن الشبكة إلى ساعة أو بضع ساعات.

الاستراتيجية الثانية مستوحاة من أبحاث ناثانيل كلايتمان الذي اكتشف أن أدمغتنا تعمل على هيئة دورات تمتد 90 دقيقة بحيث تعيد إقلاع نشاطها من جديد في بداية كل دورة، ليس فقط أثناء النوم وإنما ونحن في حالة اليقظة أيضاً. لذلك يجب أن نأخذ استراحة لإعادة شحن بطاريتنا، إذا جاز التعبير، كل ساعة ونصف الساعة، ولاسيما إذا كنا ننجز عدة مهام في الوقت ذاته باستعمال التكنولوجيا، التي تجعل أدمغتنا في حالة من فرط النشاط. وحتى المشي لمدة 10 دقائق في الطبيعة يكفي ويترك أثراً مهدئاً لدينا. بوسعكم أيضاً أن تصغوا إلى الموسيقى، أو أن تنظروا إلى أعمال فنية، أو أن تمارسوا الرياضة أو التأمل.

أخيراً، أخرجوا التكنولوجيا من غرفة نومكم. فقد لاحظت المؤسسة الوطنية للنوم ومايو كلينك أن استعمال الأجهزة التي تبث الضوء الأزرق من شاشات إل إي دي (LED) يضر كثيراً بنومكم - الذي يعتبر فترة أساسية لتثبيت ما تعلمتموه خلال اليوم وإزالة المعلومات عديمة النفع والنواتج الثانوية السامة للنشاط اليومي للعصبونات. توصي المؤسسة الوطنية للنوم بالامتناع عن النظر إلى المواد الرقمية لمدة ساعة قبل الخلود إلى النوم، في حين تقترح مايو كلينك إخفات إضاءة الشاشات ليلاً وإبعادها مسافة 35 سم (14 بوصة) عن وجوهكم وإخراجها من الغرفة عندما تستعدون للنوم. يتمثل الهدف في منع إفراز النواقل العصبية التي تحفز دماغكم، وعوضاً عن ذلك التشجيع على إنتاج الميلاتونين الذي يسمح لكم بالراحة.

أقنعت ماركو أن يلجأ دورياً إلى فصل أجهزته، وأن يأخذ استراحات لإعادة شحن دماغه، عندما يستعمل التكنولوجيا. في بادئ الأمر كان يتمشى لفترات قصيرة خارج مكتبه ويضع هاتفه في درج في المطبخ. خلال شهر من الزمن، تمكن من تجاهل هاتفه لفواصل زمنية تبلغ نصف ساعة، وقد شعر بقدر أكبر من السعادة والطاقة، إضافة إلى أنه أصبح أكثر انتباهاً وإنتاجية.

رغم أننا نلجأ إلى التكنولوجيا لكي نخفف من قلقنا، إلا أن تلقي جرعة زائدة منها يفاقم من حالات القلق هذه. ولكي نكسر هذه الحلقة، يجب أن نحد من استخدام أجهزتنا. وقتها فقط نستطيع استعادة قدرتنا على التركيز.

فكرة المقالة باختصار

التحدي

يتعرض الموظفون اليوم إلى طوفان لا ينقطع من الرسائل الرقمية إلى حد يستحيل معه تقريباً التركيز، حتى عندما ترغبون في ذلك. وعندما تشعرون بإغراء الميل نحو المماطلة، فإن الانحراف عن المهمة التي بين أيديكم ليس أبعد من نقرة واحدة. هذه الثقافة من الاتصال الدائم بشبكة الإنترنت تترك وطأتها الثقيلة على الصعيدين المهني والشخصي.

الرد

يقدم خبيران استراتيجيتين مختلفتين اختلافاً جذرياً للسيطرة على هذه التخمة الرقمية. يقترح لاري روزين، المتخصص بعلم النفس، أن نبتعد عن سيل المعلومات وأن نركز على المزيد من الأنشطة التي تمدنا بالطاقة. وتحاجج أليكساندرا صامويل، المتخصصة بشؤون التكنولوجيا، قائلة إن الطريقة الفضلى لمحاربة التشتت الرقمي الناجم عن الأجهزة الرقمية هي استعمال الأدوات الرقمية بطريقة استراتيجية. استعملوا الأتمتة، وفلاتر الرسائل الإلكترونية، وتطبيقات قراءة الأخبار، وأدوات التحديد المسبق لمواعيد نشر المنشورات وغير ذلك من الأدوات التي تبسط عملية تقرير الأشياء التي تحتاج إلى انتباهكم.

المكافأة

إذا ما أخذتم هذه الحلول معاً، فإنها توفر دليلاً يساعدكم في البدء بالتصدي لهذه المشكلة الضخمة والمتنامية للتخمة الرقمية، مما يزيد من إنتاجيتكم وتفاعلكم سواء في المكتب أو المنزل.

حاربوا النار بالنار

أليكساندرا صامويل

بما أن التكنولوجيا تضغط على وقتنا بطرق كثيرة، ننسى أن الأدوات الرقمية يفترض بها فعلياً أن تيسر حياتنا. وإذا ما استعملناها بالطريقة الصائبة، فإنها قادرة على أداء ذلك الدور. من خلال أبحاثي الممتدة على مدار عقدين من الزمن حول كيفية استعمال الناس للتكنولوجيا، عرفت أنه ليس من الممكن محاربة النار بالنار فحسب، بل هذا أمر أساسي للغاية.

"إطفاء الأجهزة" هو ليس ببساطة حلاً منطقياً في العصر الرقمي، فمع وجود هذا القدر الكبير من العمل، والتواصل، والتفاعل الاجتماعي الحاصل على شاشاتنا، قلة من الناس فقط يستطيعون أن يتحملوا تكلفة الابتعاد عن الإنترنت لفترات طويلة من يوم عملهم (أو حتى خلال المساء وعطلة نهاية الأسبوع). وقد أظهر مسح أجرته شركة "تاتا كوميونيكشينز" (Tata Communications) مؤخراً أن الناس في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وآسيا يُمضون ما يُقارب خمس ساعات وسطياً في اليوم على الإنترنت، و64% يشعرون بالقلق عندما لا يكونون قادرين على الاتصال بالإنترنت.

تعرف تيفاني سودر، مؤسسة شركة إيليمنت ثري (Element Three) ورئيستها، وهي عبارة عن وكالة متخصصة بالعلامات التجارية والتسويق، التحدي الذي يفرضه الاتصال الدائم بالإنترنت على التنفيذي العامل في شركة في طور النمو. فبعد أن تمتعت تيفاني بالنجاح الكبير في 2011، ووقعت عقداً طويل الأجل مع زبون كبير، كانت جاهزة لإبراز هوية عامة أقوى للشركة ولنفسها. كانت تعلم أنها بحاجة إلى البدء باستعمال "تويتر"، لكن تطوير حضورها على شبكات التواصل الاجتماعي كان بمثابة مهمة جسيمة بالنسبة لشخص كان يعاني أصلاً من تخمة من الرسائل التي كانت تردها كل يوم. تقول تيفاني: "كان البريد الإلكتروني كابوساً. كنت أشعر وكأنني موظفة لدى صندوق البريد الإلكتروني ولست أعمل لنفسي".

يمكن لأدوات الأتمتة أن تبسط كثيراً من عملية تقرير الأشياء التي تحتاج إلى انتباهكم.

لم تكن التكنولوجيا هي مشكلة تيفاني، بل استعمالها لها. وحالها حال العديد من التنفيذيين الذين أراهم، لم تكن تستغل الأدوات المصممة لجعل التواصل على الإنترنت بأكبر قدر من التركيز والتواصل الممكنين.

تتمثل الخطوة الأولى في التخلي عن أسطورة "المواكبة" - وهي الاعتقاد السائد أنكم ستكونون قادرين على التعامل مع جميع رسائلكم الإلكترونية، وقراءة كل شيء هام في وسائل الإعلام، وإرسال منشورات (بوستات) ذات مغزى إلى شبكاتكم دون إخفاق. عوضاً عن ذلك، يجب أن تتمثل أهدافكم في فرز المعلومات التي تتلقونها، والحد منها، وتبسيط عملية قراءة الأشياء الهامة والرد عليها ومشاركتها مع الآخرين.

على سبيل المثال، قلة من الرسائل الإلكترونية فقط تحتاج إلى انتباه مباشر، وبعض أخبار القطاع هي ببساطة لا صلة لها بعملكم. قد يكون هناك تحد في فرض قيود على ما يردكم من رسائل إلكترونية، فمعظم الناس الذين قدمت المشورة إليهم يشعرون بالرعب من فكرة أن يفوتهم شيء ما. ولكن حالما يبدؤون بفلترة الضجيج والأشياء التي تستهلك وقتاً ولا تكون ذات فائدة، يجدون أنهم أكثر فعالية في التواصل مع الزبائن والزملاء والبقاء على اطلاع على ما هو جارٍ في مجالاتهم، وبناء سمعتهم الاجتماعية، وكل ذلك باستثمارات زمنية متواضعة.

ربما يكون البريد الإلكتروني واحداً من أكبر مصادر التشتت الرقمي فعلاً. فإذا ما كانت هناك دائماً مجموعة من الأعمال غير المنجزة التي تملأ صندوق بريدكم الوارد بالفوضى، أو إذا كنتم شديدي الانضباط في الرد على الرسائل إلى الحد الذي يجعلكم غير قادرين على إيجاد الوقت لما تبقى من عملكم، فإن أتمتة جزء من هذه الوظيفة على الأقل سيعطي ساعتها منافع كثيرة. تسمح أوتلوك و"جيميل" ومعظم أدوات البريد الإلكتروني الأخرى لكم بتحديد قواعد وفلاتر لضمان وصول الرسائل الأهم فقط إليكم فوراً. بوسعكم توجيه الرسائل الأقل إلحاحاً إلى مجلدات أخرى تلقائياً لتراجعوها في وقت لاحق.

تشمل قائمة أنواع الرسائل الإلكترونية التي لستم مضطرين على الأغلب إلى رؤيتها فوراً النشرات الإخبارية، وإيصالات الشراء، والمذكرات الداخلية الخاصة بالشركة، وإشعارات شبكات التواصل الاجتماعي، والرسائل التي تصلكم كنسخة للاطلاع فقط، وحتى طلبات الاجتماعات (إذا كانت تظهر على أجندتكم وبالإمكان مراجعتها هناك عوضاً عن ذلك). تذكروا أن هذه الرسائل لا تختفي - وإنما تقبع في مجلدات بانتظار أن تقرؤوها على راحتكم. خصصوا ساعة لهذه المهمة كل يوم أو أسبوع، بحسب المضمون.

ستسهل فلترة بريدكم الإلكتروني عملية مراجعة الرسائل التي لا تصل إلى صندوق بريدكم الوارد وفرزها وستسرع هذه العملية أيضاً. وإذا كنتم قلقين من أن تضيع رسالة هامة في خضم هذه الآلية، بوسعكم دائماً إجراء مسح سريع لكل ما تلقيتموه (اختاروا "كل البريد" أو All Mail في "جيميل"، أو اطبعوا الحرف (a) في خانة البحث في بريدكم الإلكتروني من أجل عرض الرسائل بشكل شامل).

عندما يتعلق الأمر باستهلاك الأخبار، يمكن لعملية الأتمتة أن تعطي منافع مشابهة. يطلع معظمنا على مجموعة واسعة من أخبار الوسائل الإعلامية، ونتاج القادة الفكريين، والمحادثات، ولكن إذا كنتم تبحثون في عموم أرجاء الإنترنت أو كنتم تتصفحون الكثير من منشورات (بوستات) شبكات التواصل الاجتماعي والمقالات التي لا شغل لكم بها، فإنكم بذلك تهدرون وقتكم. عوضاً عن ذلك، اجعلوا أهم المعلومات تأتي إليكم باستعمال تطبيق لقراءة الأخبار مثل "فيدلي" (feedly) (وهو توصيتي الأولى، لأنه يعمل على الحواسب والأجهزة المحمولة على حد سواء)، أو "فليببورد" (Flipboard)، أو "ريدر" (Reeder). بوسعكم متابعة مصادر أخباركم أو مدوناتكم أو نقاشات المواضيع المفضلة أو الاشتراك فيها لجمع البنود الأكثر أهمية كلها في مكان واحد. بعد ذلك خصصوا أزمنة محددة - مرة في اليوم، أو حتى بضع مرات في الأسبوع - لقراءتها.

سوف تحصلون أكبر المكاسب من هذه المقاربة إذا حددتم بالضبط أنواع المقالات التي تأتي إليكم. ولكي تحددوا طريقة لتلقي المقالات بحسب حاجتكم يمكنكم، على سبيل المثال، التجريب بمزيج من الكلمات الرئيسية، والوسوم (الهاشتاغات)، وعوامل التشغيل  في محرك بحث (مثل "الإنتاجية AND #الأتمتة") ثم حولوا نتائجكم إلى مجموعة منشورات بصيغة (RSS) أو أكثر (وهي عبارة عن أسلوب لتجميع المقالات بطريقة بسيطة في مكان واحد). لا يوفر كل محرك بحث خدمة (RSS)، والبعض منها يصعب عليك قليلاً إيجادها، ولكن عندما تصبح لديك روابط لخدمات (RSS) التي أنشأتها، بوسعك نسخها ضمن تطبيق قراءة الأخبار الذي تختاره.

تذكروا أنكم لا تستطيعون قراءة "كل شيء" ولستم مضطرين لذلك أصلاً، فأنتم تبحثون عن القصص والاستنتاجات الهامة في مجالكم، فضلاً عن محتوى إضافي قليل يمنحكم شيئاً جديداً تفكرون فيه، وشيئاً فريداً من نوعه لتشاركوه مع الآخرين.

وماذا عن نتاجكم الرقمي؟ يساعد إبداء الإعجاب على شبكات التواصل الاجتماعي، واختيار المفضلات، والتغريد في بناء مصداقيتكم المهنية ويحفز على بناء علاقات جديدة، لكن المحافظة على الحضور على الإنترنت يستغرق الكثير من الوقت. هذا هو السبب الذي يدفعني إلى توجيه النصح إلى التنفيذيين المثقل كاهلهم بالأعباء بأتمتة بعض العمل على الأقل.

إحدى الطرق السهلة هي من خلال قارئ الأخبار الذي تنشئونه. توفر معظم التطبيقات خيارات النقرة الواحدة للنشر على "تويتر"، و"لينكد إن"، و"فيسبوك". لكن من الكفاءة الأكبر أيضاً استعمال أداة مثل "هوتسويت" (Hootsuite)، أو "بافر" (Buffer)، أو "سوشيال إنبوكس" (Social Inbox)، وكلها تسمح لكم بالوصول إلى عدة شبكات من مكان واحد وتحديد موعد نشر المنشورات سلفاً. بعد أن تكونوا قد أنشأتم نظاماً من هذا النوع، بوسعكم أن تنشئوا تحديثات لأسبوع كامل خلال أقل من ساعة. أثناء قراءة القصص في قارئ الأخبار الخاص بكم، ضعوا البنود التي تستحق النشر برأيكم ببساطة ضمن طابور للنشر مع إضافة التعليقات حسب الحاجة. تضمن لكم هذه التوسعة الطبيعية التي لا تحتاج إلى جهد كبير لقراءتكم حضوراً يومياً موثوقاً على شبكات التواصل الاجتماعي حتى عندما لا يكون لديكم الوقت للبحث عن الروابط القابلة للمشاركة.

تحصد تيفاني اليوم منافع الأتمتة. فهي تعتمد على فلاتر "جيميل" لفصل النشرات الإخبارية التسويقية وإشعارات شبكات التواصل الاجتماعي عن البنود الواجبة القراءة، بحيث يكون بمقدورها عند تفقد بريدها الإلكتروني خلال اليوم أن تركز على الرسائل الأهم بالنسبة لها. وهي تنحي جانباً فترتين في الأسبوع لاستلحاق ما فاتها في البنود الأخرى، وهي تستعمل "سوشيال إنبوكس" لترسل منشورات (بوستات) بناءً على ما يمر معها في النشرات الإخبارية من معلومات حول قطاع عملها. هي لم تعد تعمل كموظفة لدى بريدها الإلكتروني، واستعادت ساعات المساء لنفسها وشركتها "إيليمنت ثري" مزدهرة ونشطة.

ليس بوسع الأتمتة أن تقضي على التشتت الرقمي الذي تتسبب به الأجهزة الرقمية، لكن بوسعها أن تساعدكم في خوض المعركة. ويمكن لفلاتر البريد الإلكتروني، وأدوات التحديد المسبق لمواعيد نشر المنشورات، وغير ذلك من الأدوات أن تبسط كثيراً عملية اتخاذ القرار بخصوص الأشياء التي يجب أن تحظى بانتباهكم. سوف يساعدكم ذلك بالشعور بتخمة أقل وفي تحسين قدرتكم على التركيز على معظم المهام ذات الأهمية، سواء في مكان العمل أو في المنزل، وسواء على الإنترنت أو بعيداً عنها.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي