إليك هذا المقال الذي يتحدث عن تسعير المنتجات الذكية تحديداً. تخيّل أنك الرئيس التنفيذي لإحدى شركات العناية بالفم وكنت تبيع منتجاً اسمه "باور برش 2000"، وهو فرشاة أسنان كهربائية جيدة. من المرجح أن نموذج الإيرادات لديك كان يركز على الربح من بيع فرشاة الأسنان بسعر زهيد مع إتاحة استبدال رأس فرشاة الأسنان نظير سعر مرتفع (ويماثل هذا عادة نموذج "ماكينة الحلاقة والشفرة" حيث تباع الماكينة بسعر رمزي والشفرات بأسعار عالية تغطي التكلفة. والآن، تستعد مجموعة البحث والتطوير لديك لطرح منتج جديد، وهو فرشاة أسنان للقرن الحادي والعشرين. فرشاة الأسنان ذكية (تمتلك وسائل استشعار مدمجة وذكاء اصطناعياً لتحديد البلاك وتسوّس الأسنان) وهي متصلة بالإنترنت من خلال تقنية البلوتوث. دعنا نسميها "سمارت كونيكت إكس إل 3000" أو (Smart Connect XL3000). مهمتك الآن هي وضع سعر لماكينة "سمارت كونيكت إكس إل 3000" أو لنتحدث بصفة عامة، عليك الاضطلاع بتحديد نموذج للإيرادات.
يعتبر نموذج الإيرادات أحد أهم عناصر استراتيجية الشركة. وهو يحدد الطرق التي تحصل فيها الشركة على تعويض عن القيمة التي تحققها منتجاتها أو خدماتها. قديماً، تكونت نماذج الإيرادات بشكل أساسي من اختيار سعر "جيد". وتُغيّر الأجهزة الذكية المتصلة بالإنترنت هذا المفهوم.
أسئلة مهمة عند تسعير المنتجات الذكية
تمتلك الشركات التي تتبع ما نسميها "استراتيجية مترابطة" (مثل تلك التي تحوّل صلتها بالزبائن من تفاعلات عابرة إلى علاقات مبنية على البيانات وتتجدد بوتيرة أعلى) مجموعة أكبر من نماذج الإيرادات لتختار منها. بمعنى آخر، يمكن أن يعتمد السعر الآن على عوامل تعذّر استخدامها في السابق للتأثير في قرار تسعير المنتجات الذكية. وللتفكير بشكل منتظم حول نماذج الإيرادات، وللتعرف على فرص التحسين، نجد أن من المفيد طرح الأسئلة الخمسة التالية:
- ما المقابل الذي يدفع المشتري من أجله؟
- متى يكون موعد الدفع؟
- مَن الذي يدفع؟
- لماذا يدفع الزبون؟
- ما العملة التي يستخدمها الزبون؟
دعنا ننظر إلى كل سؤال من الأسئلة الخمسة بالتفصيل.
غيّر المقابل الذي يدفع المشتري من أجله: نظام ربط الدفع بالأداء
يواجه الزبائن حالة من عدم اليقين تجاه مدى جودة منتج أو خدمة ما. وقد يكون الزبون مستعداً لدفع 500 دولار مقابل فرشاة أسنان تمنع التسوّس، ولكن كيف له أن يتأكد أنها ستنجح في ذلك حقاً؟ يحل نظام ربط الدفع بالأداء هذه المشكلة. لا يشتري الزبائن المنتج أو الخدمة، ولكنهم يدفعون مقابل القيمة التي تُحقَّق. وفي حالة فرشاة "سمارت كونيكت إكس إل 3000"، يمكن أن نتقاضى من الزبائن 10 دولارات شهرياً طالما بقيت أسنانهم بصحة جيدة. نموذج الإيرادات هذا ملائم الآن، لأن الجهاز المتصل بالإنترنت يسمح بمراقبة ما إذا كان المنتج قد استعمل (بشكل صحيح).
غيّر موعد سداد الدفعة: الدفع بحسب الاستهلاك
عادة ما يحصل الزبائن على الفائدة مع مرور الوقت. أنت تشتري أحذية جري وتجري بها لمسافة 500 ميل. وتستعمل فرشاة أسنانك كل يوم. وفي الوضع التقليدي، في العلاقات العابرة، يجري الدفع مقدماً. وبالطبع، يمكن أن تُرسل زبونتك 50 سنتاً لك في كل مرة تستعمل فيها فرشاة أسنانها، ولكن ذلك أمر غير عملي، ومن المرجح أنك لن تثق في أن يفعل الزبون ذلك باستمرار.
تختفي هذه المشاكل في العلاقة المترابطة. منتجك من فرشاة الأسنان المتصل بهاتف الزبون، يمكن أن يخصم 10 سنتات عن كل دقيقة استخدام. هذا هو نموذج الدفع بحسب الاستهلاك. بدأنا نرى نموذج الإيرادات هذا في الكثير من العلاقات بين الشركات. فمثلاً، لم تعد شركة "رولز رويس" (Rolls-Royce) تبيع المحركات النفاثة، ولكنها تبيع "التشغيل بالساعة" لشركات الطيران، فتتقاضى مبلغاً عن كل ساعة استخدام لمحركاتها النفاثة.
وثمة نموذج مشابه اسمه "فريميوم"، ذلك أن شركات مثل "دروب بوكس" (Dropbox) و"لينكد إن" (LinkedIn) والكثير من الشركات المطورة لألعاب الفيديو، تقدّم نسخة مجانية وتتقاضى ثمناً مقابل الاستفادة من المزايا الإضافية. وما يجعل الكثير من نماذج "فريميوم" ملائمة هو قدرتها على إدارة الدفعات الصغيرة. عدد قليل من المستهلكين مستعدون لدفع 300 دولار مقدماً مقابل لعبة فيديو يلعبونها على هواتفهم. ولكن الكثير منهم مستعدون لإنفاق 99 سنتاً كل يوم لتحديث سماتهم الشخصية في اللعبة، وشراء أسلحة خاصة فيها، وكذلك الوصول إلى مستويات مخفية، وتسريع التقدم في مراحلها. وبعد مرور عام، سيكونون قد أنفقوا 300 دولار بكل بساطة. ولكن لأن الدفعات صغيرة وتحدث في الوقت المحدد الذي يتحقق فيه الهدف ("رائع، كنتُ قادراً على الفوز في هذه المعركة والارتقاء إلى مستوى أعلى!")، يكون الزبائن سعداء إلى حد كبير بالدفع. يمكن لهذه المبالغ الصغيرة أن تصبح كبيرة شيئاً فشيئاً. وقد قُدِّر أن لعبة الهاتف الجوال المجانية «كلاش أوف كلانز» (Clash of Clans) قد ربحت أكثر من 3.5 مليارات دولار من خلال عمليات الشراء داخل التطبيق (لمنتجات عملياً لم يكلف إنتاجها شيئاً).
غيّر مَن يدفع: فكّر في بيئة عمل متكاملة وليس في سلسلة توريد
لقد نقلت البحوث في مجال الإدارة الاستراتيجية تركيزها من سلسلة التوريد إلى بيئة العمل المتكاملة. بيئة العمل المتكاملة أشمل بكثير وتتضمن جميع الشركات ذات الصلة بمنتجك. ولتحديد أعضاء بيئة العمل المتكاملة الخاصة بك، اسأل نفسك "ما الأطراف الأخرى التي ستحصل على فائدة من منتجك؟" إذا كنت تبيع فرشاة أسنان متصلة بالإنترنت ذات خاصية محاربة التسوّس وإمكانية إجراء حجوزات آلية للفحوص نصف السنوية، فربما يكون أطباء الأسنان والشركات التي تقدم خدمات التأمين الصحي على الأسنان مستعدين للمساهمة ببعض المبالغ المالية.
غيّر السبب الذي يدفع لأجله الزبائن: احرص على تلبية المزيد من الاحتياجات الأساسية
كلما فهمت احتياجات زبونك الحقيقية بشكل أفضل، يزيد اتساع مجموعة الخدمات التي يكون زبونك مستعداً للدفع مقابلها. على سبيل المثال، ربما لا ترغب إحدى زبونات شركة "نايكي" (Nike) في الجري فقط، إنما تريد إنهاء أول سباق عدو تشارك فيه. وإذا استطاعت نايكي أن تساعدها في تحقيق ذلك الهدف من خلال السماح لها بمتابعة أدائها وربطها بنادي الجري الافتراضي الخاص بها، فإن استعدادها للدفع قد يكون أعلى من مجرد الدفع مقابل حذاء. لا يشتري الزبائن فرشاة أسنان لمجرد ولعهم بعملية تدليك أسنانهم بالفرشاة، بل لأنهم يريدون الأسنان الصحية أو الابتسامة الجميلة.
غيّر نوع العملة التي يستخدمها الزبون: الدفع باستخدام البيانات
أحد نماذج الإيرادات الإضافية يمكن أن يكون توزيع الفرشاة مجاناً (أو بيعها بأقل من سعر التكلفة) والربح بالاعتماد على بيانات صحة الفم التي تجمعها. وبالفعل، توزّع الكثير من شركات الاستراتيجية المترابطة الأكثر نجاحاً منتجاتها مجاناً. وتقدم شركات "جوجل" و"فيسبوك" ولينكد إن، خدماتها مجاناً. ولكن لا يوجد شيء مجاني. يدفع المستخدمون الثمن على هيئة بيانات.
الخدمات "المجانية" خلقت حالة تشبه التهافت على الذهب، ذلك أن الشركات تحرص على جمع أكبر قدر ممكن من البيانات بكل الوسائل المتاحة. وننصح أولئك الذين يعيدون بيع البيانات بأخذ الحذر. يتطلب نموذج الإيرادات المستدام حقاً من الشركات أن توضح جيداً كيف تحقق البيانات التي تجمعها بعض الفائدة لمستخدميها. وما لم يكن ثمة تبادل منفعة، سينتهي الأمر بالزبائن بأن تتبخر آمالهم وسيقطعون اتصالهم.
ولزيادة القيمة، يحدد نظام إيرادات الاستراتيجية المترابطة الأطراف الفاعلة في بيئة العمل المتكاملة، ويفهم أهدافهم المتضاربة، ويستفيد من التكنولوجيا. تزيد القيمة إلى الحد الأقصى عندما يجري التغلب على القوى الهدّامة للمعلومات المحدودة والثقة الضعيفة والخلاف في المعاملات، وهو ما يشجع على علاقة مترابطة. وفي هذا العالم المليء بالاعتبارات، فإن أولئك الذين يركزون بشكل رئيس على تسعير المنتجات الذكية يخسرون الميزة التنافسية التي يمكن أن تمنحها علاقة مستمرة مع الزبائن.