يتواصل غالبية موظفي الشركات معاً في أيامنا هذه عبر وسائل التواصل الاجتماعي مثل "فيسبوك"، و"لينكدإن" (LinkedIn)، و"إنستغرام" (Instagram). وبلا شك من بين شبكة معارفهم هناك موردين وعملاء مهمين وكذلك عملاء مستقبليين. لذا ينبغي أن يكون فهم شبكة علاقات موظفيك وتشكيلها وقياسها من العناصر الأساسية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية الخاصة بالموارد البشرية في شركتك، ولكن ماذا عن تسريح موظف محوري من العمل؟
وفقاً لبحث أجراه بول أدلر وسيوك-وو كوون في "جامعة جنوب كاليفورنيا" (University of Southern California)، شبكة علاقات الموظفين المكوَّنة جيداً تشكل بصفة أساسية "رأس المال الاجتماعي" للشركة، نظراً لجميع الأصول أو الموارد التي يمكن حشدها من خلال تلك الشبكة. قد يترتب على القرارات التي تتخذها شركتك عواقب مقصودة أو غير مقصودة وبدورها ستجتاح شبكة العلاقات سريعاً. لنأخذ على سبيل المثال حالة تسريح أحد الموظفين أو مجموعة من الموظفين من الشركة. فلنفترض أنك، بناءً على تحليلات أجريتها، وجدت أن الموظف الذي تريد تسريحه لديه علاقات وثيقة مع بعض العملاء الأساسيين أو موظفين ذوي تأثير كبير. كيف ستتجاوز هذا الموقف وتسيطر على أي عواقب قد تنتج عن هذا التسريح؟
تسريح موظف محوري
السؤال الأهم هو كيف تشكل شبكة علاقات الموظف وتستفيد منها عند اتخاذ القرار بالتسريح. أولاً، التزم بإجراء تحليل مع إخفاء المصادر لكي تحترم الخصوصية دائماً. على سبيل المثال، إذا كنت تحلل رسائل البريد الإلكتروني، يجب أن تفحصها فيما يتعلق بالمرسل والمتلقي فقط وليس فيما يتعلق بالمحتوى! كما أنه يجب الاتفاق فيما بين أصحاب المصلحة على اتفاقيات عدم الإفصاح قبل إجراء أي تحليل.
تتمثل الخطوة التالية في رسم مخطط لشبكة علاقات الموظف. من الواضح أن الدوائر تمثل الموظفين، إلا أن الروابط بين تلك الدوائر لا يمكن تحديدها بسهولة. رغم ذلك يمكن تحديدها بناءً على مصدرين من المعلومات: أنماط التواصل (على سبيل المثال، رسائل البريد الإلكتروني ومكالمات برنامج سكايب) والمشاريع المشتركة. ويمكن قياس تلك الروابط باستخدام إطار "الحداثة والتردد والقيمة النقدية" (RFM) الذي قدمه جي جيه. قال كولينان عام 1977 ما يلي: تشير الحداثة إلى الوقت الذي تم فيه تبادل رسائل البريد الإلكتروني أو المشاريع المشتركة، بينما يشير التردد إلى مدى تواتر رسائل البريد الإلكتروني أو المشاريع المشتركة، أما القيمة النقدية، أو التكاليف، فتشير إلى متوسط حجم رسائل البريد الإلكتروني (سواء بالكيلوبايت أو بالميغابايت) أو متوسط الوقت الذي استغرقته المشاريع المشتركة.
بمجرد رسم مخطط لشبكة علاقات الموظف، يمكن تحليلها باستخدام العديد من المقاييس الوصفية. هناك مقياسان لوصف الأثر الاجتماعي والأثر التنظيمي للموظف، وهما "الوسطية" (betweenness) و"القرب" (closeness). وسنوضح كلاهما من خلال "شبكة الطائرة الورقية" (kite network)، وهو نموذج لشبكة سُميت بهذا الاسم لأنها على شكل طائرة ورقية، وقد عرضها في الأصل ديفيد كراكهاردت في كلية جونسون للإدارة بجامعة "كورنيل" (Cornell) عام 1988. (انظر المخطط الموضح أدناه). تحدد "الوسطية" كم عدد المرات التي وجد فيها الموظف على أقصر مسار بين موظفَين آخرَين في الشبكة، أما "القرب" فيقيس متوسط المسافة من موظف ما إلى جميع دوائر الموظفين الأخرى في الشبكة. الموظفون أصحاب الوسطية المرتفعة (مثل لؤي في الشكل الموضح أدناه) وسطاء بين المجتمعات، وهو ما يعد ضرورياً من ناحيتي الابتكار وزيادة الفاعلية. أي أن هؤلاء الموظفين بمثابة جسور. والموظفون أصحاب الدرجة العالية من القرب (مثل بهاء وصفاء في المخطط الموضح أدناه) هم الأقرب لجميع الأشخاص الآخرين، ما يعني أنهم في الوضع الأمثل لرصد تدفق المعلومات عبر الشبكة بأكملها. كما أنهم أيضاً يعتبرون أطرافاً فاعلة أساسية عندما يتعلق الأمر بتكوين العلاقات والتعاون. بمعنى آخر، هم بمثابة الغراء الذي يحافظ على تماسك جميع عناصر الشبكة معاً.
نرى أن مقياسي الوسطية والقرب ينبغي أن يكونا من الأدوات الأساسية في مجموعة الأدوات التي يستخدمها أي مدير لقسم الموارد البشرية في اتخاذ القرارات، من منظور استباقي (بمعنى تخفيف آثار المخاطر) ومنظور تفاعلي (بمعنى الحد من الضرر) على حد السواء. فعند اتخاذ قرارات التسريح، يجب توخي الحذر عندما تتعلق هذه القرارات بموظفين ذوي وسطية عالية مثل (لؤي). فهؤلاء الموظفون يربطون المجموعات ببعضها، وبالتالي إذا تم تسريحهم قد يقطعون اتصال أجزاء ضرورية من شبكة الموظفين الخاصة بهم من الناحية الوظيفية (أي يفصلون لورا وفؤاد عن بقية الشبكة، على سبيل المثال). ولكن يمكن التخفيف من حدة المخاطر استباقياً من خلال تحليل الشبكة وقياسها، وتحديد مواطن الضعف (أي الموظفين ذوي الوسطية العالية)، واستخدام المعلومات التي تم استقاؤها عند اتخاذ قرارات بشأن أعضاء فريق المشروع الجديد أو ربما حتى عند تعيين موظفين جدد، بهدف بناء العلاقات اللازمة بين مجموعات الموظفين المترابطين معاً ولكن على نحو غير وثيق. ومن منظور الحد من الضرر، يجب أن يصاحب القرار بتسريح الموظفين أصحاب الوسطية العالية بناء جسور التواصل والتعاون اللازمة بين المجموعات المنفصلة عن بعضها. ملاحظة جانبية: قد تستفيد سياسات الاستبقاء من تحليل شبكة العلاقات من خلال تصميم مسارات مهنية معدة خصيصاً للموظفين أصحاب الوسطية العالية.
يُعد مقياس القرب عاملاً ينبغي أيضاً رصده وتقييمه بحرص. لأن تسريح الموظفين الذين لديهم درجة قرب عالية (مثل بهاء وصفاء) يُعد قراراً محفوفاً بالمخاطر لأنهم في موضع يجعلهم عُرضة للإصابة بما يعرف بالعدوى الاجتماعية. وبشكل أكثر تحديداً، قد يؤثروا على الموظفين الرئيسيين بكلامهم السلبي، وهو ما سيؤدي بدوره إلى استنزاف محتمل في المواهب. وللحد من آثار المخاطر، يجب أن تتجنب إدارة الشركة الدوائر القريبة من بعضها بشكل قد يشكل خطورة، وأن تهدف إلى توزيع متماثل (أو أقل تمركزاً) لدرجة القرب بين جميع الموظفين في شبكة القوة العاملة. وفي حال كان هناك حاجة إلى تسريح موظفين ذوي درجة قرب عالية، يجب على إدارة الشركة أن تتدخل بصورة استباقية لضمان النشر المناسب للمعلومات الضرورية والدقيقة المتعلقة بقراراتها للحفاظ على تماسك قوتها العاملة.
وفي نهاية الحديث عن موضوع تسريح موظف محوري من العمل، وكما هو الحال في أي عملية تحليلية أو تقنية مزعزعة، من المهم أن تبدأ على نطاق ضيق ولكن أن تفكر على نطاق واسع. تركز المناقشة المطروحة في هذا المقال بشكل كبير على فهم شبكة موظفيك فيما يتعلق بالتحليلات الوصفية. ومن الواضح أن الخطوات المقبلة سوف تنطوي على استغلال ذلك لأغراض تنبؤية، أي لتتنبأ بالاضطرابات بين الموظفين أو مدى تواصلهم مع بعضهم البعض، أو حتى لاتخاذ قرارات التوظيف. بل والأكثر طموحاً هو أن تربط شبكة الموظفين بشبكة العملاء أو الموردين بشكل مباشر. فمن شأن ذلك أن يكشف بالصدفة عن رؤى جديدة حول العلاقة بين تسريح الموظف وخسارة العميل، وهو ما سيسمح للشركة بخلق ميزة تنافسية غير مسبوقة.
اقرأ أيضاً: