لماذا لا نخصص وقتاً للاستراتيجية إذا كانت من الأمور المهمة؟

4 دقائق
تخصيص الوقت للتفكير الاستراتيجي

تعرف على أهمية تخصيص الوقت للتفكير الاستراتيجي من خلال هذا المقال.

يريد كل قائد تقريباً أن يخصص وقتاً أكبر للتفكير الاستراتيجي، وقد أظهر استطلاع شمل 10 آلاف قائد من كبار التنفيذيين، أن 97% منهم قالوا إن السلوك الاستراتيجي هو السلوك القيادي الأكثر أهمية لنجاح مؤسساتهم.

وفي دراسة أخرى، قال 96% من القادة الذين شملهم الاستطلاع إنّهم يفتقرون إلى وقت للتفكير الاستراتيجي. وهذه حقيقة، فنحن جميعاً مضغوطون في الاجتماعات ومنهمكون بالرد على رسائل البريد الإلكتروني (بما معدله 126 بريداً إلكترونياً في اليوم، وفقاً لتحليل أجرته "راديكاتي غروب" Radicati Group).

في حين يُفترض أن يولي القادة أولوية لما يقولون إنه أمر حتمي، كيف نفسر هذا الاختلال الكبير بين أهدافهم المعلنة وأفعالهم؟

تخصيص الوقت للتفكير الاستراتيجي

تعد الحوافز التي تضعها الشركات، غالباً بطريقة غير مدروسة، من العوامل المؤثرة في نجاح الشركات والمسببة للضغط. وقد اكتشف باحثون أنه حتى كبار المهنيين يعانون من ضغوط ثقافية تجبرهم في كثير من الأحيان على العمل لساعات طويلة، وهو ما غالباً ما يكون تجسيداً للولاء والإنتاجية في الاقتصاد الحديث. كما أظهر أحد البحوث أن الموظفين الذين يعملون أكثر من 50 ساعة أسبوعياً يتقاضون أكثر بنسبة 6% من زملائهم الذين يعملون وفق جدول عمل عادي.

اقرأ أيضاً: 8 أسئلة صعبة لتطرحها حول استراتيجية شركتك

قد يساعدك الجلوس على مكتبك لوقت طويل في الرد على عدد أكبر من رسائل البريد الإلكتروني، ولكنه لن يساعدك من ناحية التفكير الاستراتيجي الابتكاري، إذ أظهرت دراسات أن الإنتاجية تنخفض بين أولئك الذين يعملون أكثر من 50 ساعة أسبوعياً. وبالتالي، فإن ما يعزز التفكير الإبداعي هو الأنشطة مثل المشي لمسافة قصيرة وخصوصاً في الهواء الطلق، وذلك وفقاً لدراسة أجرتها جامعة "ستانفورد". ولكن، في بيئة عمل تفضّل حضور الموظفين الدائم في المكاتب، قد يؤدي هذا السلوك إلى معاقبة صاحبه.

اقرأ أيضاً: التوازن الدقيق في إنجاح استراتيجية المنظومة البيئية المتكاملة

في السياق ذاته، ثمة عائق آخر قد يواجه التفكير الاستراتيجي وهو عائق داخلي. ففي الولايات المتحدة الأميركية على الأقل، يُعتبر الانشغال علامة على الوضع الاجتماعي، وفقاً لإحدى الدراسات. وكما تقول سيلفيا بيليزا وزملاؤها من كلية "كولومبيا للأعمال" (Columbia Business School): "من خلال إخبار الآخرين بأننا مشغولون وأننا نعمل طوال الوقت، فنحن نشير ضمنياً إلى أننا نسعى لذلك". وبالإضافة إلى المتطلبات الملحة على جدول أعمالنا، ثمة حافز يدفعنا للميل إلى هذا الصخب: إنه المؤشر على نجاحنا المهني. ولذلك قد يتردد المدراء التنفيذيون، لا شعورياً، في التخلي عن منافع الاعتزاز بالنفس التي يوفرها الانشغال.

بالنظر إلى هذه الضغوط الداخلية والخارجية التي تدفعنا نحو الانشغال وتبعدنا عن التفكير الاستراتيجي، نذكر فيما يلي ثلاث طرق يمكن للقادة استخدامها من أجل مقاومة الضغوط وتوفير هامش لهم.

أولاً، من المهم أن نتذكر دائماً أن التفكير الاستراتيجي لا يتطلب الكثير من الوقت، فهو لا يتعلق بأخذ إجازات لا نهاية لها ولا حتى بالمشاركة في خلوات قيادية. أورد هنا ما قاله لي، ديفيد ألين، الخبير في شؤون الإنتاجية، أثناء مقابلتي معه من أجل كتابي "أبرُز" (Stand Out): "لكي تأتي بفكرة جيدة، لا تحتاج إلى وقت، بل إلى مساحة، فالوصول إلى فكرة مبتكرة أو اتخاذ قرار لا يتطلب وقتاً، وإذا لم يكن لديك مساحة نفسية، فهذا لا يعني أن ذلك مستحيل بل يعني أنه دون المستوى الأمثل".

حتى مع وقت محدود، ومع القدر نفسه من المسؤوليات، ستجد أن التفكير الاستراتيجي سهل إذا استطعت تذليل العقبات من خلال القيام بأمور بسيطة مثل تدوين جميع المهام العالقة في مكان واحد، حتى تتمكن من فرزها بشكل صحيح وحتى لا يقاطعك الشعور بأنك نسيت شيئاً ما.

ثانياً، يجدر بك أن تعرف كيف تقضي وقتك. أجريت في وقت سابق من هذا العام تجربة لتتبع الوقت، حيث سجلت كيف قضيت كل نصف ساعة على مدار شهر كامل. لا يُعتبر هذا الأمر سهلاً من حيث القيام به باستمرار (فنحن معتادون على عيش حياتنا لا تسجيلها)، ولكن البيانات التي نتجت عن هذا الاختبار كانت قيمة وساعدتني في فهم أين وكيف أمضيت وقتي بدقة. ستجد أنه من الممكن جداً أن يكون لديك مهام تستطيع الجمع بينها، أو مهام تستطيع تأجيلها، أو أنه يمكنك الاستعانة بمصادر خارجية لكي تكسب ساعتين إضافيتين في الأسبوع، وهو ما يُعتبر وقتاً كافياً للخروج من حالة الهرج والمرج اليومية والتركيز على النظر في الاستراتيجية الكبرى.

وأخيراً، عندما نعي الإطار الضمني في ثقافتنا يأن "الشخص المشغول يساوي الشخص المهم"، يصبح من السهل علينا التخلص منه وتبنّي إطار آخر أكثر ملاءمة للتفكير الاستراتيجي العميق. هناك أيضاً وجهة نظر أخرى يتبناها رائد الأعمال والمؤلف ديريك سيفرز، مفادها أن "الانشغال هو ما يحدث عندما تكون تحت رحمة جدول أعمال شخص آخر".

قد يقول قائل إن الوضع الحقيقي ينبع من امتلاك القدرة على الخروج من حالة الصخب. وكما قال سيفرز في إحدى المقابلات الصوتية: "عندما يمهد الناس رسائلهم الإلكترونية بالقول "أعرف أنّك مشغول للغاية"، أجد الأمر مضحكاً؛ وعادة ما أصدمهم بالقول: "لا، لست مشغولاً، وهو يبدو وكأنني أقول: لا، لا ينبغي عليّ فعل أي شيء لأي شخص، لذلك لا أفعل شيئاً لا أريد فعله. لديّ وقت". مع تغيير طريقة تفكيرنا حيال الانشغال من أنه علامة على الوضع الاجتماعي إلى أنه علامة على العبودية، يصبح من السهل أن نقول لا للالتزامات التي لا نهاية لها (بدءاً بالمكالمات العرضية وصولاً إلى المقابلات المخصصة للإدلاء بالمعلومات) والتي تتربص لنا في مكاتبنا كل يوم.

اقرأ أيضاً: 5 استراتيجيات لإنجاز المزيد من العمل في زمن أقصر

لا يُرجّح أن تتقلص المسؤوليات الملقاة على عاتقنا في وقت قريب، بل يُتوقع أن نعمل أكثر وننتج أكثر مع تقدّمنا في الحياة المهنية ومع ازدياد المنافسة العالمية بشكل كبير. وإذا لم نضافر الجهود، ستتدلى الاستراتيجية بسهولة (مرة أخرى) إلى أسفل قائمة المهام، على الرغم من إصرارنا على أهميتها.

عندما تدرك العقبات التي تحول دون تخصيص الوقت للتفكير الاستراتيجي واتخاذ خطوات استباقية لتبني التفكير الاستراتيجي في حياتك الخاصة كما في حياتك المهنية، يمكنك النضال من أجل هدف تراه أنت و97% من القادة الآخرين على أنه أمر بالغ الأهمية.

اقرأ أيضاً: لماذا يفشل المسؤول التنفيذي في تنفيذ الاستراتيجية رغم أنه يعمل بجهد؟

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي