إذا أردت تحفيز الموظفين فتوقف عن الوثوق بحدسك

4 دقائق
تحفيز الموظفين

كيف يمكنك تحفيز الموظفين بفعالية؟ قليلة هي الموضوعات التي نالت اهتماماً في مجال إدارة المواهب أكثر مما حظي به التحفيز. ويعرف التحفيز بأنه المحاولة المقصودة للتأثير في سلوكيات الموظفين بغية تحسين أدائهم، ومن ثم الارتقاء بفعاليتهم المؤسسية. والواقع أن التحفيز هو إضافةً إلى الموهبة، الدافع الأساسي لأداء العمل؛ ذلك أنه يُحدد مستوى الجهد والمثابرة اللذين سيبذلهما الموظف. ومن الواضح أيضاً أن الموظفين الأعلى أداءً يميلون إلى الظهور والتألق بسبب حوافزهم بقدر ما يتألقون بسبب مواهبهم.

ولكن، رغم أن علم التحفيز قوي وراسخ، فمن النادر تطبيقه على ممارسات الإدارة الواقعية التي تنزع إلى الاعتماد على حدس المدراء وتجاربهم الشخصية. ولعل هذا هو ما دفع بيتر دراكر للإعراب عن أسفه إذ قال: "إننا لا نعلم شيئاً عن حقيقة التحفيز، وجلّ ما يمكننا فعله هو مجرد تأليف كتب تتحدث عنه".

أثبت استطلاع عالمي شارك فيه أكثر من 50 شخصاً، من بين 1.2 مليون موظف من ألف شركة مدرجة ضمن قوائم مجلة "فورتشن"، أن حافز الموظفين في 85% من المؤسسات — لا تنسَ أن هذه من أفضل الشركات على مستوى العالم — يتراجع بحدة بعد مرور 6 أشهر لهم تحت إمرة مدرائهم. وبتعبير آخر، إن أغلب الموظفين يتحمسون ويبدون اهتمامهم بالعمل عندما يتقلدون مهام منصب جديد، غير أن المدراء يحطمون روحهم المعنوية في غضون أشهر قليلة لا غير. ويتسق ذلك مع الدراسات التي تشير إلى أن المدراء يؤدون دوراً محورياً في تحديد مدى اهتمام الموظف بالعمل من عدمه.

ومع ذلك، فإن الحل بسيط بدرجة مذهلة: إذا أردت تحفيز الموظفين، فعليك الكفّ عن اتباع حدسك، وتبني منهجاً يرتكز على البيانات. وبتعبير آخر، تعامل مع التحفيز كعلمٍ لا كفن، إن لم يكن لشيء فلأن قليلاً جداً من الناس، بمن فيهم المدراء، بارعون بالفطرة في تحفيز الآخرين. وتبدأ هذه العملية بالإقرار بعيوب الممارسات التحفيزية التقليدية، والطعن بالدليل الدامغ في الخرافات التي تكمن وراءها.

أسباب فشل طرق تحفيز الموظفين

لماذا تبوء أغلب الممارسات التحفيزية بالفشل؟ هناك 4 أسباب أساسية في رأينا، وهي كالتالي:

اتباع منهج مُبسط لوضع الأهداف

على الرغم من أن وضع الأهداف هو أسلوب دُرس بشكل جيد لدفع عجلة تحفيز الموظفين والأداء، فإنه ليس بالبساطة التي يفترضها الممارسون. على سبيل المثال، أثبتت البحوث أن الأهداف بعيدة المنال أو (الأهداف الطموحة) تؤتي ثمارها إذا كان العمل يعتمد على المعاملات، مع إمكانية تعيين المدخلات والنتائج بدقة وعناية. وفي المقابل، عند تحفيز شخص ما يضطلع بمهمة معقدة أو مهمة فكرية أو إبداعية، فإن مطالبته بأن "يبذل قصارى جهده" ستحقق نتائج أفضل. علاوة على ذلك، فإن الأهداف عادة ما ترتبط بمُحفزات خارجية، ولكن أثبتت البحوث أن تلك المحفزات قد تضعِف الحافز والأداء إذا كان الموظفون متحفزون فطرياً لإنجاز المهمة.

تقييمات الأداء المُتحيزة

يبدو أن أغلب المدراء لديهم نزعة طبيعية لمكافأة الموظفين الذين يشبهونهم، ربما كطريقة مشروعة وغير مباشرة للإعجاب بأنفسهم (ضربٌ من النرجسية بالنيابة). ويفضي هذا إلى تقييمات أداء مشوهة، ويضر بالتنوع، ويخلق مناخاً مجحفاً ومدفوعاً بالسياسة بدرجة كبيرة. وحتى عندما يكون الموظفون المُفضلون لدى المدراء من بين أولئك الأعلى أداء أو الأعلى إمكانات، فإن الموظفين الذين لم يحالفهم الحظ بالقدر الكافي لمواءمة "طرازهم المفضل" ستخيب آمالهم وسيتراجع أداؤهم. إذا أصبح المدراء على دراية بهذا التحيز داخل المجموعة، فستجدهم متحفزين أكثر للبحث عن بيانات موضوعية لتقييم إمكانات موظفيهم وأدائهم. وما سيدركونه على الأرجح هو أن حيز الاختلاط بين الموظفين الأكثر فعالية والموظفين المحبوبين أصغر بكثير مما كانوا يظنون. وحقيقة الأمر أن هناك غالباً علاقة سلبية بين موهبة المرء وبين جدارته بالحب، وخاصة لأن عديمي الموهبة غالباً ما يكونون بارعين في التظاهر بالكفاءة.

طبيعة العمل المملة

على الرغم من أن منهج وضع أهداف وعناصر مُساءلة مميزة قد يساعد المؤسسات على تقسيم العمل إلى مكونات محددة وقابلة للقياس ومتوقعة، فإن هذا الشكل من أشكال الإدارة العلمية قد يجعل الوظائف أكثر تكراراً وبعثاً على الضجر. وهذه مسألة إشكالية لأن التحفيز يذكيه في المقام الأول القيمة الفطرية التي يجدها الموظفون في العمل نفسه. والواقع أن الأبحاث تُعلِمنا بأن المكافآت الخارجية (كالمال) لا تساعد كثيراً في تشكيل عازل ضد خيبة الأمل أو المهام المملة، وأثبت علماء النفس أنه رغم أن العمل الذي ينطوي على تحدٍ يمكن أن يكون مثيراً ومحفزاً، فإن العمل المرهق أو الممل يستنزف القوى أياً كان وضعها. وعليه، فرغم أن عدداً كبيراً من المدراء يرون أن دورهم ينحصر في تحفيز الآخرين بخطاباتهم الحماسية أو كلماتهم الملهمة أو حفلات البيتزا التي يُقيمونها، نجد في الواقع أن الطريقة المثلى، التي يستطيع القائد من خلالها أن يدفع عجلة التحفيز، تتمثل في تصميم الوظائف تصميماً جيداً، ووضع الناس في الأدوار المناسبة لهم. وهذا يعني الاهتمام الشديد بخصائص العمل الوظيفية والنفسية، مع ضمان أنها تلبي المحفزات الأساسية لكل موظف وتساعد كل شخص على تحقيق شيء يراه ذا مغزى. إن تحفيز الفريق، مثله مثل أي شيء آخر، يتعاطى بطريقة ما مع أسلوب إدارة الشخصيات.

الملاحظات العقيمة

هناك فجوة مذهلة بين الأدلة الأكاديمية الغزيرة التي تدعم أهمية الملاحظات الدقيقة البناءة باعتبارها دافعاً مهماً للتحفيز والأداء وبين الجودة المتدنية للملاحظات التي يتلقاها أغلب الموظفين في العمل. والواقع أن الكثير من الملاحظات تصيب الموظفين فعلياً بخيبة الأمل، حتى عندما تكون الركيزة على الجوانب الإيجابية للأداء. على سبيل المثال، رغم أنه من المغري تشجيع الناس على التركيز على نقاط قوتهم، هناك فوائد جمة من تحديد عيوب المرء وفجوات أدائه — فكيف يمكن أن نتحسن بخلاف هذه الطريقة؟ وعلى الجانب الآخر، نجد أن ربّ العمل الذي يُغالي في النقد، أو الذي يُنهك مرؤوسيه بالطلبات، يمسي مرهقاً، وما من مكاسب مالية مهما بلغت يمكن أن تعوض ذلك.

وأخيراً، رغم أن التقنية وتحليلات البيانات تحدث ثورة في العديد من مهام العمل، تميل ممارسات قسم الموارد البشرية إلى التخلف عن الركب. إن نزوع المدراء لتحكيم حدسهم، بدلاً من البيانات والعلم، أمر شائع في كل مكان، ويحدّ من التقدم الحقيقي في تحسين الأداء الإداري. ربما ستكون التقنية في المستقبل أداة إدارة أكثر فعالية من المدراء البشر. وحتى ذلك الحين، سيكون تحفيز الموظفين وإشراكهم في العمل، بغية حل المشكلات المعقدة بأفكار إبداعية، عاملاً فارقاً مهماً بين الموظفين البشر ومنافسيهم من غير البشر.

اقرأ أيضاً:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي