التغلب على صعوبات التعاون بين الأقسام: نصائح وإرشادات فعّالة

7 دقيقة
التعاون بين الأقسام
يلو دوغ برودكشنز/ غيتي إميدجيز

ملخص: يشير بحث أجرته شركة غارتنر (Gartner) إلى أن 78% من قادة المؤسسات يواجهون ما نسميه "معوّقات التعاون"، مثل كثرة الاجتماعات وملاحظات الزملاء وعدم وضوح صلاحيات اتخاذ القرار وإهدار الوقت في الحصول على موافقة أصحاب المصلحة. تتفاقم هذه المشكلة لأن الشركات تنفذ ما يصل إلى 5 أنواع من المبادرات والبرامج المعقدة في الوقت نفسه؛ إذ يمكن أن يتطلب تنفيذ كل منها تعاون 5 إلى 8 أقسام مختلفة في الشركة ومشاركة 20 إلى 35 عضواً في الفريق. يؤدي تعدد المبادرات التي تتطلب تخصيص موارد كبيرة إلى ظهور تعقيدات أساسية واسعة النطاق في عمليات الشركة تعوق العمل المشترك. لذلك، توصي شركة غارتنر باتباع الاستراتيجيات الآتية لتحسين قدرة الفرق على التعامل مع متطلبات هذا التعقيد: 1) توسيع ممارسات توافق القادة التنفيذيين لتشمل المستويات التكتيكية الأدنى في المؤسسة؛ 2) تطوير المهارات الاستراتيجية والشخصية للموظفين؛ 3) البحث عن معوّقات التعاون داخل الأقسام أو الفرق.

إن تحقيق نمو الشركة هو عمل جماعي بامتياز، فهو يعتمد على بيانات وتكنولوجيات وخبرات من الأقسام المختلفة. ينطبق هذا الأمر تحديداً لأن الابتكار التكنولوجي والذكاء الاصطناعي يقدمان مصادر إيرادات ونماذج أعمال جديدة، ما يتطلب تعاوناً كبيراً بين الأقسام المختلفة لتنفيذها بنجاح.

كشف استطلاع أجرته شركة غارتنر مؤخراً وشمل أكثر من 400 من قادة الأعمال أن غالبية الشركات تنفذ ما يصل إلى 5 أنواع من المبادرات والبرامج المعقدة في الوقت نفسه. على سبيل المثال، قد تعمل إحدى المؤسسات على تصميم تجارب العملاء عبر قنوات متعددة، وفي الوقت نفسه تجمع بين وظائف المبيعات والتسويق وتعمل على صياغة استراتيجيات جديدة للنمو الرقمي. يمكن أن يتطلب تنفيذ كل من هذه البرامج تعاون 5 إلى 8 أقسام مختلفة في الشركة ومشاركة 20 إلى 35 عضواً في الفريق. يؤدي تعدد المبادرات التي تتطلب تخصيص موارد كبيرة إلى ظهور تعقيدات أساسية واسعة النطاق في عمليات الشركة تعوق العمل المشترك.

من الضروري جداً تنظيم هذا الوضع المعقد والفوضوي الذي تواجهه الشركات. عموماً، تشير أبحاث شركة غارتنر إلى أن 78% من قادة المؤسسات يواجهون ما نسميه "معوّقات التعاون"، مثل كثرة الاجتماعات وملاحظات الزملاء وعدم وضوح صلاحيات اتخاذ القرار وإهدار الوقت في الحصول على موافقة أصحاب المصلحة.

وجدنا أنه عند ارتفاع مستوى معوّقات التعاون، تنخفض احتمالية تجاوز المؤسسات لأهدافها المتعلقة بالإيرادات والأرباح بنسبة 37%، ما يؤدي إلى فشلها في تحقيق الأهداف الأساسية التي تسعى إليها من خلال خطط العمل الطموحة والجهود المشتركة بين الأقسام المختلفة. أصبحت مشكلة معوّقات التعاون منتشرة بصورة مرتفعة وخطيرة لدى معظم المؤسسات.

التوافق بين القيادات التنفيذية وحده لا يكفي لمعالجة هذه المشكلة

هل تمكن مواجهة هذه التحديات وتعزيز التعاون؟ بالطبع يمكن تحقيق ذلك، لكن ليس بالطريقة التي يتصورها معظم الأشخاص. عندما تتعثر الجهود المشتركة بين الأقسام المختلفة، يحاول القادة عادة تحسين التوافق على المستوى التنفيذي، معتقدين أن الاتفاق الواسع النطاق على الأهداف والأولويات في قمة الهرم الإداري سينعكس إيجاباً على الموظفين في المستويات الأدنى. بمجرد تحقيق التوافق على مستوى الإدارة العليا، يتخذ القادة خطوات إضافية لدعم جهودهم في كسر الحواجز الوظيفية، وذلك من خلال الاستثمار في أنظمة مشتركة وإنشاء أدوار جديدة تتطلب التعاون والعمل المشترك بين الأقسام.

للأسف، توصلت الأبحاث التي أجرتها شركة غارتنر إلى أن هذه الممارسات لا تسهم في التغلب على معوّقات التعاون. في الواقع، يشير عدد قليل من الشركات التي شملتها دراستنا، والتي لا تتمتع بمستويات عالية من التوافق على مستوى الإدارة التنفيذية، إلى أنها تواجه معوّقات وصعوبات ضئيلة فيما يتعلق بالتعاون بين الأقسام المختلفة. يمكن القول إن الحفاظ على مسافة وحدود واضحة بين الأقسام المختلفة قد يؤدي إلى تقليل الخلافات فيما بينها، لكن من المحتمل أيضاً أن يؤدي ذلك إلى انخفاض مستوى الابتكار.

لا تزال المؤسسات التي تركز على التعاون بين الأقسام تواجه حقيقة مفادها أن العمل بين الأقسام المختلفة يظل عملية محبطة ومعقدة ومليئة بالمناورات السياسية والصراعات الداخلية حتى في الشركات التي تتميز على صعيد الإدارة وعمليات التشغيل وتتمتع بوجود علاقات قوية بين المسؤولين التنفيذيين. يعترف المشاركون في الاستطلاع الذي أجرته شركة غارتنر على اختلاف مستوياتهم، بدءاً من الموظفين المبتدئين وصولاً إلى كبار القادة، بأنهم يتجاهلون أحياناً الأقسام الأخرى أو يباشرون العمل وتنفيذ المهام دون توضيح الأهداف. تؤدي مثل هذه الممارسات المتكررة والعرضية إلى زيادة معوّقات التعاون إلى حد كبير.

في النهاية، لا تؤثر محاولات المسؤولين التنفيذيين لإصلاح بيئة التعاون الواسعة النطاق تأثيراً حقيقياً على أرض الواقع، لأنهم ببساطة بعيدون جداً عن المشكلات الحقيقية وتفاصيل العمل. يجب على القادة البحث عن حلول داخل أقسامهم وضمن نطاق مسؤولياتهم لتعزيز التعاون بدلاً من الاعتماد على جهات خارجية أو على الإدارة العليا لحل هذه المشكلات.

حددت شركة غارتنر عدة استراتيجيات يمكن أن تساعد قادة الأعمال على تجهيز فرقهم لتلبية متطلبات الديناميات المؤسسية المعقدة:

توسيع ممارسات توافق القادة التنفيذيين لتشمل المستويات التكتيكية الأدنى في المؤسسة.

يمكن غالباً توسيع نطاق الممارسات اللازمة لتحقيق توافق المسؤولين التنفيذيين، مثل بناء العلاقات وتوضيح المسؤوليات، لتشمل المستويات الأدنى في المؤسسة.

على سبيل المثال، حوّلت شركة الاتصالات إنفينيرا (Infinera) الثقة إلى أولوية أساسية على مستوى الشركة كلها، وذلك من أجل تحسين ديناميات التعاون. بدلاً من الاعتماد على نمو الثقة طبيعياً وبطريقة عفوية، يستخدم الرئيس التنفيذي والقادة التنفيذيون لشركة إنفينيرا "مصفوفة الثقة" (trust matrix) لتسجيل العلاقات المهمة ومتابعتها سواء على مستوى الإدارة التنفيذية العليا أو بين فرق القيادة في المستوى الأدنى. يجري تحديث التقييمات مرتين سنوياً وتكون واضحة وشفافة تماماً بالنسبة لأعضاء فريق القيادة التنفيذية، ما يشجع على الصراحة وتحمّل المسؤولية.

تعتقد شركة إنفينيرا أن القيمة الأساسية لهذا النهج تنبع من قدرته على تحفيز التفكير والمناقشة حول الأسباب التي تؤدي إلى تقييمات معينة، ما يساعد على الكشف عن مصادر التوتر التي قد تمر دون أن يلاحظها أحد. تساعد التقييمات والأسباب التي تؤدي إليها على تحديد المجالات التي توجد فيها المعوّقات وتحث الفرق على مناقشة المشكلات التي تعرقل نجاح التعاون. على الرغم من أن الإدارة العليا تقترح حلولاً محددة لمواجهة التحديات، مثل إعادة توزيع الموارد أو تحسين التواصل، فمن المتوقع من قادة الفرق أنفسهم معالجة مشكلات العلاقات هذه ووضع خطط عمل ملموسة للتعامل معها.

يستطيع القادة تقييم المجالات التي يواجه فيها التعاون بين الفرق والأقسام المختلفة بعض المشكلات من خلال الفهم العميق لحالة العلاقات المهمة داخل المؤسسة. في البداية، يجب على المسؤولين التنفيذيين التواصل مع نظرائهم في الأقسام الأخرى الذين يدركون بالفعل أهمية مجال عملهم في تحقيق الأهداف المشتركة. يجب بعد ذلك جمع الملاحظات في مستند مشترك، بحيث تستطيع الأطراف المعنية كافة الاطلاع عليه، ثم عقد اجتماع لمناقشة الأسباب التي أدت إلى تقديم هذه الملاحظات. يمكن أن تستفيد الفرق العاملة ضمن أقسام محددة أيضاً من هذه الممارسة لمراقبة ديناميات العمل المشترك فيما بينها.

تطوير المهارات الاستراتيجية والشخصية للموظفين.

توصل البحث الذي أجرته شركة غارتنر إلى أنه يمكن تقليل معوّقات التعاون من خلال مجموعة من المهارات، التي تشمل:

  • مهارات التأثير على الآخرين، مثل بناء الثقة والمناورة السياسية داخل بيئة العمل والحكم الظرفي (الحكم على الأمور وفقاً للظروف والمواقف).
  • مهارات التفكير النقدي، مثل حل المشكلات أو التفكير المنظومي.
  • المهارات التقنية، مثل معرفة البيانات واستخدام الأدوات أو المنصات.

تساعد هذه المهارات الفرق على التعامل مع ديناميات المجموعة المعقدة، وفهم كيفية ارتباط أجزاء مختلفة من المشروع معاً واستخدام لغة ومصطلحات مشتركة للتواصل الفعال، ولا سيما في المشاريع التقنية. وجد البحث الذي أجرته شركة غارتنر أن مجرد تقديم الدورات الافتراضية عند الطلب، وهو أمر منتشر في معظم الشركات، ليس كافياً لبناء هذه المهارات. يتطلب ترسيخ المهارات الجديدة ممارسة عملية موجهة وإرشاداً وثقافة فريق ترى أن التعلم هو ضرورة حتمية، وهذا المستوى من الأولوية الوظيفية لا يتوافر في العديد من المؤسسات.

لنأخذ مثالاً مفيداً على ذلك من شركة خدمات مالية مقرها في النمسا. خضع بنك رايف آيسين بانك إنترناشيونال الدولي (Raiffeisen Bank International) لعملية تحول تكنولوجي كبيرة لتحقيق رؤية الشركة فيما يتعلق بالتفاعل مع العملاء بناءً على البيانات. بعد 4 أشهر من البحث في فجوات المهارات والصعوبات التي تواجه عمليات تحول مماثلة، صمّم قادة التحول في البنك برنامجاً تعليمياً يوازن بين الأسس النظرية ومشورة الخبراء والممارسة العملية. يعمل الموظفون جنباً إلى جنب مع نظرائهم في الأقسام الأخرى لممارسة مهارات جديدة وتطبيقها، مثل تصميم رحلة العميل واستخدام منهجية أجايل (Agile) في العمل، تحت إشراف مسؤول التدريب (الذي يكون عادةً من الشركاء المورّدين). يمنح نموذج التدريب هذا المتعلمين فرصة لممارسة المهارات التقنية والمهارات التعاونية بين الأقسام المختلفة في الوقت نفسه.

يكافئ بنك رايفايزن مشاركة الموظفين المستمرة في برنامج التعلم من خلال تطبيق الألعاب ومنح الجوائز والتقدير الواضح من القيادة. لقد حقق البنك نجاحاً من خلال الاستثمار في تعلم موظفيه؛ إذ يتعاون الموظفون، الذين أكملوا البرنامج، بفعالية أكبر لإكمال مزيد من الأعمال التقنية داخل الشركة، ما يؤدي إلى خفض التكاليف وزيادة الإيرادات.

البحث عن معوّقات التعاون داخل الأقسام أو الفرق.

لا تقتصر معوّقات التعاون على الجهود المشتركة بين الأقسام المختلفة. يتطلب الجزء الأخير من الحل فهماً راسخاً لكيفية إنجاز العمل في الوقت الحالي، ويشمل ذلك العقبات المربكة والمهام المرهقة. يستطيع القادة في الأقسام المختلفة التركيز أولاً على تحسين التعاون الضروري للعمل بدلاً من التعاون الذي يكون مفيداً لكنه غير أساسي، مع إعطاء الأولوية للمشاركة في المجالات التي يمكن أن تحقق فيها الفرق تأثيراً واضحاً.

خذ على سبيل المثال مؤسسة سلسلة توريد عالمية كبيرة، حيث قادت مسؤولة رؤى الزبائن وقائدة التسويق تحولاً وظيفياً على مدى عدة سنوات لتطبيق مبدأ رفض الطلبات غير الأساسية بوضوح وحزم والتركيز على الأولويات الحقيقية بدلاً من ذلك، ومن أجل دعم هذا التغيير الثقافي، بدأت بتقييم كيفية عمل شركاء الأعمال مع قسم التسويق، وقد عملت مع نظرائها من المسؤولين التنفيذيين لتحديد المبادرات المرتبطة بالأولويات الاستراتيجية للشركة، ووجدت أن غالبية المشاريع المعتمدة لم تكن مرتبطة بتلك الأولويات. في تلك المرحلة، أصبحت تمتلك دراسة جدوى واضحة لتدقيق العمل بطريقة أعمق داخل قسم التسويق.

كانت الخطوة التالية تتمثل في رسم خرائط تفصيلية للعمليات والوصول إلى فهم شامل لكيفية إنجاز العمل في مشاريع التسويق النموذجية. بفضل هذه المعلومات، أصبح بإمكان فريق التسويق أن يوضح لشركاء الأعمال أن بنداً واحداً من البنود المدرجة في خطة مشروعهم يترتب عليه غالباً تنفيذ أكثر من 40 مهمة تسويقية مختلفة. ساعدت هذه الشفافية فِرق المشروع على تقييم مستوى أولوية الطلبات بدقة أكبر وتحديد نطاق الجداول الزمنية للمشروع وفهم دور التسويق في تحقيق قيمة إضافية.

في الوقت نفسه، درّبت القائدة أعضاء فريقها على اكتشاف ميولهم الشخصية لإرضاء الناس ووضع الحدود المناسبة في تعاملهم مع الطلبات المختلفة. بالإضافة إلى ذلك، عقدت ورش عمل ركزت من خلالها على كيفية التواصل مع أصحاب المصلحة المختلفين لرفض طلباتهم بطريقة محترمة ومناسبة لطبيعة العلاقة معهم. تعلّم خبراء التسويق أيضاً تقديم بدائل واقعية أو تسهيل حلول الخدمة الذاتية، مثل العمل مباشرة مع وكالة أو مورّد، بدلاً من تنفيذ المهام جميعها بأنفسهم.

نتيجة لذلك، نجح أعضاء فريقها في إعادة التفاوض بشأن دورهم في البرامج المشتركة مع الأقسام الأخرى، وأصبح الجميع ينظر إليهم الآن بوصفهم شركاء أعمال يمتلكون دوراً مؤثراً في اتخاذ القرارات التجارية المهمة والحاسمة.

تتطلب الأعمال التجارية في الوقت الحالي درجة عالية من التعاون بين الأقسام المختلفة لتحقيق أي هدف مهم تقريباً. عندما تتعثر الجهود المشتركة بين الأقسام، وهو أمر طبيعي ومتكرر، يتعين على المؤسسات تشجيع الأقسام والفرق على تطوير مواهبها وتحسين عملياتها الداخلية. من خلال ذلك سيتمكن الموظفون من النجاح في البيئات الصعبة بطبيعتها.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي