كيف تستخدم المستشفيات نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية؟

6 دقائق
استخدام نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية

يخضع أداء الطبيب ونتائجه بشكل كامل للقياس والتبليغ بصورة مطردة. ولكن عملية جمع البيانات يمكن أن تكون محبطة، وقد ازدادت شكوك العديد من الأطباء تجاه قيمتها الطبية. فكيف يمكن استخدام نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية؟

بالنسبة إلى هؤلاء الأطباء، ربما يبدو قياس النتائج مجرد شرط آخر لنيل مستحقاتهم، أو مهمة يتعين التزامهم بها. ومع ذلك، فإن قياس نتائج الاستبانات المبلّغة من المرضى - أي وصف المرضى بأنفسهم لأعراضهم وحالاتهم الجسدية وجودة حياتهم - يمكن، بل ويجب، أن يكون أداة إكلينيكية. خلال عام 2016، أطلقت المؤسسات الدولية والحكومات موجة من التصريحات لإعلان الالتزام بجعل نتائج استبانات المرضى عنصراً رئيساً في تقييم الجودة. ومع تحوّل برامج قياس النتائج من كونها مبادرات فردية تقودها المستشفيات لتصبح جهوداً شاملة تقودها الدولة من القمة إلى القاعدة، فإنه من الضروري أن ينخرط الأطباء في عملية التغيير، وأن يفهموا قدرة قياس نتائج الاستبانات على تحسين مستوى الرعاية الصحية التي يقدمونها.

كيفية استخدام نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية

سنستعرض هنا 3 أمثلة لأطباء يستخدمون قياس نتائج الاستبانات لتحسين مستوى الرعاية الصحية. ذلك أن استعراض مثل هذه النجاحات يُعدّ طريقة فاعلة لإقناع بقية الأطباء.

تيسير الحوار وتطوير الاستبانات

واجه الدكتور شهزاد نيازي، الطبيب بمستشفى "مايو كلينك"، مشكلة. فقد أراد تصميم برنامج إلكتروني لقياس نتائج الاكتئاب والقلق كي يرصد بشكل منهجي مجموعة معايير القلق والاكتئاب المحددة من قِبل الاتحاد الدولي لقياس النتائج الصحية (ICHOM)، وهي مجموعة من نتائج الاستبانات المبلّغة من المرضى والنتائج السريرية (الإكلينيكية) التي تهم المرضى أكثر من غيرها. ومع ذلك، أدرك أنه إذا ركّز فقط على قيمة استخدامات الاستبانة للإبلاغ عن النتائج، فليس من المرجح أن يتبنى زملاؤه الأطباء هذا البرنامج. لهذا صمّم الدكتور نيازي برنامجه بحيث يركز على استخدام النتائج لتحسين جودة النقاشات في مجال الرعاية السريرية وإنتاجيتها، وكذلك يقلل من الوقت المطلوب للتوثيق، وهي أمور هامة جداً بالنسبة إلى الأطباء. في نهاية المطاف، ينوي استخدام بيانات النتائج من برنامج القياس ليقارن أداء قسمه بأداء بقية الأقسام بهدف إيجاد طرق للتطوير، لكنه لم يروّج لذلك باعتباره الفائدة الأساسية.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لهندسة الغرف والأجهزة في المستشفيات أن تساهم في إصلاح الرعاية الصحية؟

يجيب المرضى عن الاستبانات التي قُدّمت لأول مرة في عيادة الدكتور نيازي النفسية في يناير/كانون الثاني من عام 2016، ومن ثم تُستخدم لملء تقارير الاستبانة المؤتمتة. تحدد التقارير مخاوف المرضى والأعراض الهامة التي يعانون منها في جوانب مثل الاكتئاب والقلق والألم والدعم الاجتماعي ودرجة الاعتلال الوظيفي. قللت منهجية الاختبار التكيُّفي الحاسوبي والمنطق المتفرع منها العبء المُلقى على كاهل المرضى الذين يستكملون الاستبانة. تُصنف الأعراض المنفردة في كل مجال، كالنوم والشهية والطاقة والتركيز، باستخدام الترميز اللوني: أحمر (حاد)، أو برتقالي أو برتقالي فاتح أو أخضر (غير موجود أو طفيف)، للإشارة إلى أهم المخاوف بالنسبة إلى المرضى. كما أن بيانات الاستبانات التي جمعها الدكتور نيازي متاحة بشكل فوري في مركز الرعاية، لتقود بذلك عملية التفاعل الإكلينيكي برمتها، وتؤسس لوضع خطة علاجية بحسب الأولويات التي أشار إليها المريض. وقد اكتشف فريق الدكتور نيازي أن دعوة المرضى للإفادة بشأن مجموعة معيارية من النتائج تيسِّر مناقشة الموضوعات التي ربما يتم التغاضي عنها أو يكون الحديث عنها صعباً. علاوة على ذلك، يتيح جمع البيانات الموسّعة خلال الزيارات التالية مراجعة نتائج العلاج خلال زيارات المتابعة كي يستطيع المرضى رؤية مدى تقدم حالاتهم.

يعطي المرضى هذا البرنامج تقييماً مرتفعاً، كما نال إعجاب أطباء مستشفى "مايو"، فمعالجة اللغات الطبيعية ومولدات التقارير المؤتمتة المصمّمة بشكل استراتيجي توفر وقتهم: في المتوسط، 15 دقيقة لكل تقييم مبدئي لكل مريض. أما البرنامج فيحوِّل ردود الاستبانة إلى فقرات وصفية مخصَّصة لكل مقدم رعاية باستخدام مفرداته الخاصة ليستكمل بفاعلية نحو 75% من السجل الإكلينيكي. استخدم فريق الدكتور نيازي منهجية تكلفة النشاط على أساس الوقت لإثبات الجدوى الاقتصادية لهذا البرنامج، وهم حالياً يجمعون البيانات لتقييم أثره في نتائج المرضى. وقد امتدت خواص عديدة للبرنامج بالفعل إلى مقدمي رعاية آخرين بمستشفى "مايو".

تشجيع إجراء المناقشات الصعبة وطلب المشورة

رأى الدكتور جيمس ويليغ من جامعة ألاباما في برمنغهام (University of Alabama at Birmingham) إمكانية أن تحسِّن أدوات استبانة المرضى من جودة النقاشات الإكلينيكية وتقديم الرعاية الصحية في عيادته لعلاج مرض الإيدز. كما كان مدركاً لوجود فوائد للأطباء أيضاً نتيجة جمع نتائج الاستبانات، لكنه كان مهتماً بشكل أكبر بكيفية تحسين الرعاية الصحية التي يقدمها للمرضى حالياً. وبعد 3 سنوات من تطوير البرنامج، أصبح الدكتور ويليغ وزملاؤه يستخدمون نتائج استبانات المرضى الإلكترونية لإثارة الموضوعات التي غالباً ما تُهمل أو يتم تجنبها في الاستشارات الإكلينيكية، ورصد مؤشرات الميول الانتحارية، والاستعانة بالعلاج النفسي أو بخطة علاجية شاملة لتحسين مستوى السلامة وتقديم الرعاية الصحية الفاعلة للمرضى.

اقرأ أيضاً: كيف يمكن لمقدمي الرعاية الصحية التأكد من تنفيذ رغبات المرضى في مرحلة الاحتضار؟

في عيادات معالجة الإيدز، يمكن أن تكون الموضوعات المرتبطة بالجانب الطبي مُستنكَرة ومخزية، لذا ربما يتجنبها المرضى والأطباء على حد سواء. يمكن أن تساعد أدوات استبانة المرضى في فتح هذه الموضوعات. وقد اكتشف الدكتور ويليغ أن ثلثي المرضى الذين أقدموا على الانتحار قد شوهدوا في مكان يقدم الرعاية الصحية خلال الشهر الذي سبق انتحارهم. واستنتج أن إجابات الاستبانة ربما تنقذ أرواح المرضى عن طريق إشارتها إلى أعراض الاكتئاب والقلق المُهمَلة فضلاً عن علامات الأفكار الانتحارية. تعاون الدكتور ويليغ مع الدكتورة هايدي كرين من جامعة واشنطن (University of Washington) لتصميم نموذج يمكن أن يكشف الميول الانتحارية بناءً على إجابات استبانات مرضى العيادات الخارجية، واقتراح التدخل المناسب لها.

كما استعان الفريق ببيانات نتائج استبانة المرضى لتحديد العوامل المرتبطة بفكرة الانتحار، مثل حدة الاكتئاب أو تعاطي المخدرات في الوقت الراهن. وتستخدم العيادة حالياً الاستبانات لرصد العلامات التحذيرية أو الأعراض المقلقة لفحص المرضى ذوي الميول الانتحارية، وكذلك مؤشرات العنف الأسري. عند تحفيز النظام، فإنه ينبّه عضواً من الفريق النفسي للانضمام إلى الدكتور ويليغ في غرفة الفحص من أجل الدعم والمشورة والمتابعة. ويحسِّن هذا النظام بشكل ملحوظ من القدرة على رصد الميول الانتحارية، وتحويل المريض إلى الرعاية الطبية المناسبة، وربما أيضاً جدوى التكاليف الشاملة للعناية بمرضى الإيدز من خلال تقديم العلاج النفسي في الوقت المناسب.

كما ظهر عدد من الفوائد غير المتوقعة لقياس نتائج استبانات المرضى بفضل هذا البرنامج. فالمراقبة الفورية لوقت انتهاء الإجابة عن الاستبانة تنبه الفريق الإداري حين يواجه أحد المرضى صعوبة في استكمال الاستبانة (ربما بسبب عدم قدرته على القراءة والكتابة)، كما يزوّد النظام الفريق بوسائل لمساعدتهم. علاوة على ذلك، يستخدم الأطباء الأكاديميون في الجامعة إجابات الاستبانات لمتابعة المرضى المؤهلين للدراسات الإكلينيكية التي تستهدف معالجة الألم وتعاطي المخدرات، والالتزام بالأنظمة العلاجية.

التوفيق بين التوقعات وتحسين الرعاية الصحية

بعد ملاحظة الاهتمام الشاسع باستخدام بيانات نتائج الاستبانات لتقديم رعاية صحية مخصصة وإشراك المرضى في اتخاذ القرارات الطبية، شرع الدكتور جون سبرتوس من معهد القلب بوسط أميركا التابع لمستشفى "سانت لوك" في كنساس سيتي، ميزوري، بتصميم خوارزميات للتنبؤ بنتائج علاج الأزمات القلبية. وقد استطاع الدكتور سبرتوس باستخدام أدواته الخاصة لاستبانة المرضى والبيانات التي جمعها من آلاف المرضى الخاضعين للتجارب السريرية، الاستفادة من بيانات النتائج لتحسين جودة القرارات، وتقليل القلق المرتبط بقرارات العلاج، وتقديم المشورة للمرضى وأسرهم بشأن نتائج الرعاية الصحية المتوقعة.

منذ عام 2002، دأب الدكتور سبرتوس وزملاؤه على ربط بيانات استبانات جودة الحياة بنتائج علاج الأزمات القلبية والسكتات الدماغية. تقيِّم "استبانة اعتلال عضلة القلب بكنساس سيتي" (KCCQ) أعراض الأزمة القلبية المُبلّغة من المريض، بما في ذلك ضيق التنفس والإعياء. يستخدم أحد نماذج الدكتور سبرتوس بيانات استبانة كنساس سيتي وغيرها من حالات المريض السابقة للجراحة للتنبؤ باحتمالية النجاة وجودة الحياة بعد 6 أو 12 شهراً من تغيير الصمام الأورطي عبر القسطرة. ومن خلال إدماج الضرر الحادث لجودة الحياة في تعريف النتيجة الضعيفة، يعطي البرنامج الأولوية لأكثر ما يهم المرضى ويساعدهم في فهم مخاطر التدخل الجراحي بصورة أفضل وكذلك توقعات شفائهم. وكذلك من خلال تقديم نتائج تنبؤية شاملة وتقرير بالمخاطر، يساعد البرنامج الأطباء والمرضى وأسرهم في اتخاذ القرار بشأن إجراء جراحة تغيير الصمام الأورطي عبر القسطرة أو اللجوء إلى علاج بديل.

اقرأ أيضاً: كيف تشجع الأطباء على المشاركة في جهود الرعاية الصحية المبتكرة؟

هذا العمل هو امتداد لجهود سبرتوس لدمج احتمالات المخاطر الخاصة بكل مريض (المحتسبة بناءً على سمات المريض) في إقرارات الموافقة المُخصَّصة التي تحسِّن فهم المرضى للمخاطر التي سيواجهونها ومساهمتهم في اتخاذ القرارات مع أطبائهم. وقد أدت زيادة وعي المرضى بصلاحية وملاءمة التدخلات العلاجية بالشكل الذي ينتج عنه تعديل سلوكهم في اتخاذ القرارات، إلى انخفاض ملحوظ (45% فأكثر) في النتائج السلبية خلال علاج الأزمات القلبية (مثل النزيف والفشل الكلوي الحاد).

وعلى الرغم من أن تركيز برامج القياس ينصب غالباً على فوائدها طويلة الأجل، فإن احتمالية استخدام الأطباء والمرضى بيانات النتائج حالياً لا تقل أهمية. وفي الوقت الراهن، ما زالت برامج كالتي استعرضناها هنا مقتصرة على مجموعة صغيرة من الرواد، لكن هناك احتمالات كبيرة بمحاكاتها وتطويرها.

أما مهمتنا اليوم في ما يتعلق باستخدام نتائج استبيان المرضى لتحسين الرعاية الصحية فهي ضمان أن تُعيد الحكومات والمستشفيات التركيز على أهداف جهود جمع النتائج من البيانات لضمان إعطاء الأولوية لاستخدامها في تحسين الرعاية السريرية. ذلك أن قدرة تلك البيانات أيضاً على دعم برامج ضمان الجودة طويلة الأجل تُعدّ ميزة جوهرية، لكنها يجب ألا تكون الهدف الأساسي لجهود جمع النتائج.

اقرأ أيضاً: عودة ثقافة شفاء المرضى إلى مراكز الرعاية الصحية

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي