يُعتبر وضع مستهدفات (أهداف قابلة للقياس) لأداء المدراء التنفيذيين واحدة من المسؤوليات الأساسية التي تقع على عاتق أي مجلس إدارة. لكنّ المؤسف في الأمر هو أنّ مجالس الإدارة تعاني صعوبة في إنجاز هذه المهمة. فبين العامين 2006 و2014، غيرت كل الشركات الأميركية الـ1,000 الأكبر من حيث القيمة السوقية تقريباً وبالكامل المقاييس المدرجة في عقود الأجور مقابل الأداء الموقعة مع رؤسائها التنفيذيين لمرة واحدة على الأقل، فيما غيرت 60% منها تقريباً أكثر من مرة. وفي معظم الحالات، عكست التعديلات المدخلة التحولات الحاصلة في المتطلبات الاستراتيجية، ولكن في العديد من الحالات الأُخرى، كنا أمام محاولات لإصلاح المشاكل التي كانت هذه المقاييس بحد ذاتها قد خلقتها.
تُعتبر المشاكل المرتبطة بمستهدفات أداء المدراء التنفيذيين معروفة جيداً. إذ تشجع في غالب الأحيان على التركيز في المدى القصير فقط. فخفض الإنفاق على الأبحاث والتطوير بهدف زيادة الربحية الفصلية أو ربحية السهم، على سبيل المثال، يحد من قدرة أي شركة على طرح منتجات وخدمات مبتكرة. كما يمكن للمدراء التلاعب بالمقاييس من خلال بعض الأمور مثل تخفيض الموازنات والتوقعات لكي يضعوا لأنفسهم أهدافاً قابلة للتحقيق. فيما يلجأ بعض المدراء التنفيذيين إلى التلاعب بأرقام الأداء من خلال تسريع الاعتراف بالإيرادات أو تأجيل النفقات الاختيارية. وبالتالي، ما تحتاج الشركات إليه هو إيجاد هيكلية للحوافز تسهل عليها تحقيق المستهدفات من خلال خلق القيمة الحقيقية وليس عبر التلاعب في النظام. ويشير بحث جديد، شارك فيه اثنان منا نحن المؤلفين، إلى ذلك الاتجاه. فقد بحثت الدراسة، التي قامت على تحليل المعطيات الواردة في بيانات التوكيل (Proxy Statements) لأكثر من 900 شركة أميركية كبيرة على مدار 15 عاماً، في العلاقة بين سلوك المدراء التنفيذيين وأداء الشركة. واعتمدنا على نتائج هذه الدراسة لتحديد أربعة مبادئ لتصميم رزم تحفيزية تشجع المدراء على تقديم قيمة حقيقية ومستدامة.
المبدأ الأول: استعملوا مقاييس متعددة
تحبذ شركات كثيرة وضع مستهدفات بسيطة للمدراء التنفيذيين بهدف تقويم أدائهم في مقابل مقياس واحد تعتقد بأنه قادر على التعبير عن عدة سلوكيات. والمنطق المتبع هو على النحو التالي: إذا كان لدى الرئيس التنفيذي مقياس واحد ليركّز عليه، فإنّ كل قرار سوف يُعززه، وبالتالي كل ما عليك فعله هو اختيار المقياس الذي سيحقق لك النتائج التي تريدها. ووجدنا بأنّ العديد من الشركات متجذرة في تبني أسلوب التفكير هذا. وعندما تغيّر الشركات معايير أداء الرؤساء التنفيذيين، فإنّها في 40% من الحالات وبكل بساطة تختار مقياساً وحيداً آخر.
ولكن حتى المقاييس التي تشمل مجموعة واسعة من الأنشطة يمكن أن تنتج حالة مع الخلل عندما تُستعمل بمفردها. ولنأخذ مثلاً مستهدفات ربحية السهم، والتي تُعتبر شائعة جداً. إذا كان هناك خيار استراتيجي يؤذي نمو الإيرادات أو يؤجل إطلاق منتجات جديدة، لكنه مع ذلك يحسن ربحية السهم، فإنّ الرئيس التنفيذي الذي لديه مستهدف معيّن يخص ربحية السهم سيكون ميالاً دائماً إلى تبني ذلك الخيار لتحسين فرصه في الحصول على مكافأة أكبر.
اقرأ أيضاً: لماذا يجب عليك التوقف عن وضع الأهداف السهلة؟
يمكنكم التغلب على هذه المشكلة إذا وضعتم مستهدفات عديدة، مثل ربحية السهم و نمو الإيرادات وطرح منتجات جديدة ومستوى الاستثمار في الأبحاث والتطوير. فمن الصعب للغاية التلاعب بعدة مستهدفات مترابطة في الوقت ذاته، ويصبح الأمر أصعب مع تزايد أعداد المستهدفات. فكبار المدراء ليس لديهم الوقت الكافي لفعل ذلك ببساطة. وهذا ما أظهرته بياناتنا فعلياً: فبالنسبة للمدراء التنفيذيين الذين اضطروا إلى تحقيق أهداف عديدة للحصول على علاواتهم، كان هناك تساو في احتمال الإخفاق لتحقيق مستهدف معين أو تجاوزه. فمن الناحية الإحصائية، هذا ما نتوقع رؤيته إذا لم يحصل تلاعب. وفي المقابل، من غير المحتمل جداً إحصائياً أن يتمكن المدراء التنفيذيون من تسجيل أداء متفوق في معظم الأوقات. فهذه النتائج تُعتبر إشارة إلى أنهم يسعون بفعالية إلى إدارة الأمور بطريقة تخدم مستهدفاتهم الشخصية.
إذا كان هناك خيار استراتيجي يؤذي نمو الإيرادات، لكنّه يحسّن ربحية السهم، فإن الرئيس التنفيذي الذي لديه مستهدف معيّن يخص ربحية السهم، سيكون ميالاً دائماً إلى تبنّي ذلك الخيار.
من الضروري بمكان إضافة مستهدف يستند إلى الإيرادات بشكل بحت ضمن السلة، لأن التلاعب فيه أصعب من التلاعب بالأرباح. ولأنّ من الأسهل سد النقص بنسبة 10% في الأرباح مقارنة مع سد النقص بنسبة 10% في الإيرادات من خلال التلاعب بالمبيعات. لنفترض أنّ إيراداتك تبلغ 100 مليون دولار، وأنّ تكاليفك الإجمالية تبلغ 90 مليون دولار (ولنفترض أنها نفقات ثابتة لغرض التبسيط). فإنّ نقصاً في الأرباح بواقع 10% سيبلغ مليون دولار، وبالتالي أنت مضطر إلى إيجاد نسبة مئوية إضافية تبلغ 1% فقط من المبيعات لسد الفجوة. ولكن من جهة أُخرى، إذا كان لديك عجز بنسبة 10% في المبيعات، فإنك مضطر إلى تأمين 10 ملايين دولار إضافية.
ويُعتبر تحكم كبار المدراء التنفيذيين بالتكاليف أسهل من تحكمهم بالإيرادات. فرد فعل الزبائن تجاه خفض الأسعار (أو رفعها) هو أمر محفوف بعدم اليقين بطبيعته ويستغرق وقتاً قبل أن يصبح جلياً. لكن تخفيض التكاليف غالباً ما تمكّن معايرته بدقة كافية لضمان وصول الأرباح (وربحية السهم) إلى المستهدفات المرغوبة. ويصح هذا الأمر تحديداً في حالة التكاليف التي غالباً ما يركّز عليها المدراء التنفيذيون عند إدخال التعديلات لتحقيق مستهدفات ربحية السهم، ألا وهي مصاريف الأبحاث والتطوير، ومصاريف المبيعات والمصاريف العامة والإدارية.
عندما تضعون مستهدفات متعددة، فيجب ألا تكون مترابطة ترابطاً وثيقاً. ولا يجب اختيار الأرباح وربحية السهم كمقياسين أساسيين، على سبيل المثال، لأن سهولة تحقيق المستهدفين معاً بالنسبة للرئيس التنفيذي ستكون بسهولة اضطراره إلى إزالة العائق الخاص بربحية السهم فحسب. وثمة مزيج أفضل من المقاييس مثل الجمع بين نمو التدفقات النقدية وربحية السهم، أو نمو الإيرادات والأرباح المحققة.
ليس هناك عدد سحري للمستهدفات لتختاروه. ففي نهاية المطاف الأمر يتعلق بالمقاييس التي تعكس الأهداف الاستراتيجية للشركة. لكن هناك بعض القواعد الأساسية مثل اختيار ثلاثة إلى خمسة مستهدفات، لأنّ استعمال اثنين فقط سيعطي الفرصة للتلاعب بهذه المستهدفات، في حين أنّ أكثر من خمسة مستهدفات يمكن أن تخلق حالة من الإرباك بخصوص الأشياء التي يجب على الشركة أن تركز عليها.
المبدأ الثاني: ارفعوا العلاوات المدفوعة بمعدل ثابت، مع تعديلها بحسب المخاطر
في معظم الشركات، لا تُرفع العلاوات المقدمة مقابل الأداء بوتيرة ثابتة. فلا يتلقى المدراء التنفيذيون عادة أي علاوة حتى تكون عتبة معينة دنيا قد تحققت، ومن ثم ترتفع مكافآتهم بحدة حتى تحقيق المستهدف، والذي تميل المكافآت بعده إلى الارتفاع بوتيرة أخفض. لنأخذ على سبيل المثال خطة الحوافز التي حددتها إحدى شركات التكنولوجيا الأميركية لرئيسها التنفيذي في بيان التوكيل الخاص بها للعام 2017. فقد كانت العتبة الدنيا للرئيس التنفيذي هي تحقيق دخل تشغيلي يبلغ 295 مليون دولار، وعندها سيتلقى 50% من علاوته. وارتفعت حوافزه بحدة حتى وصول الدخل التشغيلي إلى 328 مليون دولار، حيث سينال وقتها 100% من علاوته. أما عند تجاوز هذا المستهدف، فإنّ العلاوة المقدمة لقاء تحسين الأداء كانت تنمو بوتيرة أبطأ بكثير. (راجعوا الرسم التوضيحي تحت عنوان: "المثبطات الخفية في خطط الأداء").
يشجع هذا النوع من هيكلية التعويضات على التلاعب بالأداء. فلن يكون الرئيس التنفيذي لديه حافز لتجاوز المستهدف، بما أنّ التحسين الإضافي في الأداء لا تقابله زيادة مشابهة في العلاوة التي سيحصل عليها. ويبدو أنّ البيانات تدعم هذه النقطة: ففي الشركات التي كانت العلاوات فيها تتناقص بعد مستهدف معين، كان الرؤساء التنفيذيون يميلون إلى تحقيق نتائج تعادل المستهدف الموضوع أو تتجاوزه بقليل، لكنها نادراً ما كانت تتفوق عليه بأشواط.
ولهذا السبب أوصينا مجالس الإدارة بأن تزيد العلاوات بمعدل ثابت مقارنة بالأداء. وعندما تفعل الشركات ذلك، سيكون احتمال تركز النتائج الفعلية حول المستهدف أقل. وبطبيعة الحال، أنتم لا تريدون تشجيع كبار المدراء التنفيذيين على المجازفة الزائدة ليحققوا علاوات أعلى وأعلى، ما يعني تحديد سقف للعلاوات عند مستوى أقصى معين من الأداء. لكنكم يجب أن تكونوا صريحين للغاية في تحديد سبب اختيار النقطة القصوى هذه.
ويجب على مجلس الإدارة ضمان بأن تعكس معدلات العلاوات الخطورة الموجودة في مستهدف معين. فمستهدفات ربحية السهم والعائد على الأرباح، على سبيل المثال، يمكن تحقيقها من خلال زيادة مديونية الشركة ربما بهدف إعادة شراء الأسهم. وللتغلب على ذلك، يجب على مجلس الإدارة أن يعدل العلاوات المبنية على هذه المقاييس من خلال تخفيضها إذا أصبحت هيكلية رأسمال الشركة أضعف أو إذا زادت عوامل الخطورة خلال فترة الأداء. ويجب على الخطة الإجمالية للتعويضات، إضافة إلى الاستراتيجية الضمنية التي تعكسها، أن تأخذ الخطر الذي يمكن للشركة أن تقبله بعين الاعتبار.
على سبيل المثال، يجب على المستهدفات الخاصة بالعائد على حقوق المساهمين في حالة الرئيس التنفيذي لأحد البنوك أن تُعاير بحسب مستوى رأس المال الذي يحتفظ به البنك. فتحقيق عائد على حقوق المساهمين يبلغ 10% مع نسبة رأسمال تبلغ 12% يكون أسهل من تحقيقه مع نسبة رأسمال تبلغ 15%، لذلك يجب على المستهدفات أن تتزايد باضطراد مع تراجع نسبة رأس المال.
اقرأ أيضاً: متى يتعين عليك وضع أهداف صارمة ومتى ينبغي وضع أهداف مرنة؟
المبدأ الثالث: كافئوا الأداء بالمقارنة مع المنافسين
تُحدد معظم الرزم التعويضية أهدافاً مطلقة، ما يعني بأنّ على الرئيس التنفيذي تحقيق رقم معين لكي يتلقى العلاوة. وفي واقع الأمر، أخذ استعمال الأهداف المطلقة يتزايد على نطاق واسع خلال العقد الماضي. ففي العام 2006، كانت علاوات 82% من الرؤساء التنفيذيين و89% من جميع كبار المدراء التنفيذيين مرتبطة بأهداف مطلقة، وبحلول العام 2014، ارتفع هذان الرقمان إلى 93% و98% على التوالي.
لا شك في أنها مقاربة سهلة. فيستطيع مجلس الإدارة الاعتماد على توقعات المحللين فقط لتحديد هدف معين، فيما يحصل الرئيس التنفيذي على رقم واضح لقياس التقدم المحرز بناء عليه. فإذا كنت تتحلى بما يكفي من الشجاعة، في المرة القادمة التي تدخل فيها إلى مكتب أحد المدراء التنفيذيين، أسأله ما إذا كان لديه على كمبيوتره برنامج حي لتتبع سعر سهم الشركة لحظة بلحظة.
لكن الأهداف المطلقة لا تقود الشركات بالضرورة إلى مكافأة الأداء. فلنفترض بأنّ مجلس الإدارة قرر بأنّ المستهدف المناسب هو نمو الإيرادات بنسبة 2%. عند وجود مقياس مطلق، ستكافئ الشركة الرئيس التنفيذي الذي ينمّي الإيرادات بمقدار 2%، على الرغم من أنّ القطاع ربما ينمو بنسبة 7% بالإجمال، ولكن لن تكافئ الرئيس التنفيذي الذي رفع الإيرادات بنسبة 1.5% رغم أنّ القطاع سجل انكماشاً بنسبة 3%، وعلى الرغم من أنّ الرئيس التنفيذي الثاني أدى أداء أفضل.
فإذا ما انتقلت مجالس الإدارة نحو المستهدفات النسبية، ستكون قادرة على تجنب هذا النوع من المشاكل بالكامل. فالمستهدفات النسبية تصعّب التلاعب أكثر، لأن أداء المنافسين لن يكون معروفاً حتى يعلنوا عن نتائجهم، وهو أمر يحصل غالباً بعد مرور أسابيع أو أشهر على نهاية فترة الأداء. ولا يمكن لكبار المدراء التنفيذيين العودة إلى الوراء في تلك اللحظة من الزمن. وبالتالي، تُعتبر أفضل طريقة للتغلب على المنافسين هي السعي الحثيث لتحسين أداء الشركة. وتدعم الأبحاث هذه الخلاصة. ففي الحالات التي طُلب فيها من الرؤساء التنفيذيين تحقيق مستهدفات نسبية، كان أداء الشركة إما أعلى بقليل من المستهدف النسبي أو أدنى منه بقليل مع تساوي الاحتمالات، وهو ما يمكن للمرء أن يتوقعه في غياب عملية التلاعب.
تسمح المستهدفات المطلقة للمدراء بالبقاء في منطقة الراحة التي يركنون إليها، بحيث يركّزون على الأشياء التي يستطيعون التحكم فيها بسهولة، مثل الإنفاق على الأبحاث والتطوير، أو المصاريف الإدارية والعمومية، أو إبرام عقد كبير. ولن يكون لديهم أي حافز لإنجاز أشياء تتجاوز ذلك. أما المقاييس النسبية، في المقابل، فتشجع على التركيز على الخارج: فمن أجل التفوق في الأداء على المنافسين، يجب على المدراء التنفيذيين أيضاً أن يدرسوا وضعهم عن كثب ويجدوا السبل التي تسمح لهم بالتمايز عن هؤلاء المنافسين. وعلى الرغم من أنّ هناك خطراً بأن يتسبب تركيز بعض الشركات على المنافسين باعتمادها الزائد على المقايسة (benchmarking)، إلا أنّ هناك عنصراً موازناً في المقابل ألا وهو أنّ واحدة منهما على الأقل ستكون دائمة الابتكار. وإذا ما أراد الرئيس التنفيذي تحقيق المستهدفات النسبية الموضوعة في عقده، فلا يستطيع تقليد تلك الابتكارات فحسب، وإنما سيكون مضطراً إلى خلق ميزة خاصة بشركته.
عند وضع المستهدفات النسبية، أنتم بحاجة إلى التفكير ملياً لتحديد المنافسين الذين تريدون أن تحذو حذوهم. كما أنّ مجموعة المقارنة هذه يجب أن تستند إلى استراتيجية الشركة. فإذا كانت الشركة لاعباً أساسياً ضمن قطاع وصل إلى مرحلة النضوج والتشبع، يجب أن تقيس أداءها بصورة أساسية في مقابل أداء منافسيها الكبار. وإذا ما كانت الشركة آخذة بالتوسع ضمن منطقة جديدة، بوصفها أساس استراتيجيتها، فيجب أن تقيس أداءها مقابل أداء المنافسين الأصغر حجماً والأحدث عهداً في القطاع. وسوف يكون العدد المثالي هو أكثر من منافس واحد أو اثنين (لأن ذلك سيسهل كثيراً على الرئيس التنفيذي أن يقيس أداءه مقابل الآخرين) وأقل من عشرة منافسين (بما أنّ أداء المنافسين يجب أن يُجمّع ضمن رقم واحد لغرض المقارنة).
وبطبيعة الحال فإنّ العدد الدقيق للمنافسين الذين تقيسون أداءكم مع أدائهم سوف يتوقف على عدد الشركات المدرجة في البورصة والموجودة في القطاع المعني، ولا بأس في اختيار شركات أكبر أو أصغر، شريطة تعديل المقاييس لكي تأخذ بالحسبان الفروقات الموجودة مع شركتكم. على سبيل المثال، إذا كنتم شركة صغيرة تنافس تجمعاً كبيراً من الشركات، بوسعكم استعمال النتائج في المجال المحدد الذي تنافسون هذا التجمع فيه لتكون هي المقياس (إذا كانت نتائج هذه الشركات مفصلة بهذا القدر من الدقة)، أو تقدير حجم إسهام القسم الذي تنافسونه في الأداء الإجمالي لهذا التجمع من الشركات.
المبدأ الرابع: استعملوا مستهدفات غير مالية أيضاً
توصيتنا الأخيرة هي إدراج مستهدفات لا ترتبط ارتباطاً مباشراً بالمبيعات والأرباح في أي عقد من عقود الأداء الخاصة بالرئيس التنفيذي. وعلى الرغم من أنّ الأبحاث التي نستند إليها في صياغة هذا المقال لم تقس صراحة تأثيرات المستهدفات غير المالية، لكن من الواضح أنّ العديد منها يصعب التلاعب فيه. بادئ ذي بدء، غالباً ما يكون الزمن المطلوب لوضوح نتائج القرارات المرتبطة بها طويلاً جداً. فالاستثمار في تدريب الموظفين، على سبيل المثال، لا يُترجم على شكل زيادة في إنتاجية هؤلاء الموظفين إلا بعد مرور فترة طويلة من الزمن. إضافة إلى ذلك، تُعتبر العديد من المقاييس غير المالية، مثل العلامة التجارية، والسمعة، وترتيب الشركة على مؤشرات الاستدامة، موضوعة من وكالات خارجية، ومن الصعب جداً على المدراء التلاعب فيها.
فما هي المقاييس التي يجب أن تأخذوها بالاعتبار؟ تُعتبر مقاييس من قبيل مستويات رضا الزبائن والموظفين (والتي تحددها مسوح ذات قاعدة عريضة) قيمة لأنها توفر مؤشرات رائدة بخصوص مدى استدامة استراتيجية الشركة على المدى البعيد. فإذ كان الزبائن والموظفون لا يتجاوبون مع القيم الأساسية التي تطرحها الشركة عليهم، سيكون من الصعب استدامة نمو الإيرادات والأرباح أو الوصول إلى قوى عاملة متفاعلة إيجاباً مع عملها. فمجموعة خطوط آلاسكا للطيران (Alaska Air Group)، على سبيل المثال، صنّفت أداء رئيسها التنفيذي بناء على مدى رضا الزبائن، في حين أنّ شركة مثل كامبيل للحساء (Campbell Soup) تضع مدى تفاعل الموظفين مع العمل ضمن مقاييس الأداء الخاصة برئيسها التنفيذي. أمّا شركة فيزا فإنها تربط الأداء الفردي لمدرائها التنفيذيين بـ"العلاقات العميقة" ومدى كونها "صاحب العمل المفضل بالنسبة للموظفين".
برأينا، من الأهمية بمكان بالنسبة لكل مجلس إدارة أن يدرس إدراج مقياس يتعلق بمدى احترام الرئيس التنفيذي لقيم الشركة، ومدى تجسيده لهذه القيم. فإذا لم يعكس كبار المدراء التنفيذيين هذه القيم، سيحذو سائر أنحاء المؤسسة حذوهم على الأغلب، وهو ما يترك تأثيرات كارثية على الأداء.
لعلّ الطريقة الفضلى لقياس مدى الالتزام بالقيم هي من خلال الحصول على الآراء الشاملة من الأقران، والمرؤوسين المباشرين، وأعضاء مجلس الإدارة، وكبار الزبائن، والشركاء الخارجيين، وغير ذلك من الجهات المعنية المرتبطة بالشركة. تطبّق شركة "سكوتس ميراكل غرو" (ScottsMiracle-Gro) مبدأ التأثير الشخصي في العلاوات التي تقدمها لمدرائها التنفيذيين كمكافأة على أدائهم، حيث يقاس هذا التأثير الشخصي بالاستناد إلى "تقويم ذاتي لسمات القيادة الفعالة مثل تطويرالفريق، وتجسيد ثقافة الشركة، والتطوير والنمو الشخصيين"، وذلك بحسب ما ورد في بيان التوكيل الخاص بها للعام 2017.
أخيراً، تُعتبر المقاييس غير المالية الخاصة بالأداء في المجالين البيئي والاجتماعي وفي مجال الحكومة حاضرة في أذهان العديد من أعضاء مجالس الإدارة. ففي العديد من الشركات، هناك ارتباط قوي بين الأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة على المدى القصير، والأداء المالي للشركة على المدى البعيد. فإذا ما كانت الشركة تتمتع بسمعة عطرة بوصفها رائدة في المجال البيئي، مثلاً، فإنّ ذلك يحسّن ولاء الزبائن تجاهها، ويُمكّنها من تقاضي علاوة سعرية معينة. وفي مثل هذه الحالات، يُعتبر ربط جزء من التعويضات بمقاييس الأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة طريقة عظيمة لدفع الرئيس التنفيذي للتفكير في المدى البعيد. لكن لجان التعويضات يجب أن تكون متنبهة إلى خطر احتمال لجوء الرؤساء التنفيذيين إلى التلاعب بمقاييس الأهداف البيئية والاجتماعية وأهداف الحوكمة لتجاوز مستهدفاتهم بحيث يكون بوسعهم تبرير تلقي علاوة إذا ما واجههم نقص في الأداء المالي الحالي.
لا تُعتبر وضع رزمة تعويضات تلتزم بالمبادئ الإرشادية الأربعة مهمة سهلة بالنسبة لمجلس الإدارة. فأعضاء هذا المجلس بحاجة إلى إجراء حوار موسع بخصوص المقاييس المتعددة (المالية منها وغير المالية على حد سواء)، والتأكد من توافقها مع استراتيجية الشركة وقيمها، ومعايرتها مع شهية المخاطرة لدى الشركة، واختيار مجموعة قرينة مناسبة للمقايسة معها.
ولكن في نهاية المطاف، أليس هذا هو الواجب الأساسي لأي مجلس إدارة؟ فإذا ما كان مجلس الإدارة يستعمل رزم التعويضات المقدمة إلى المدراء التنفيذيين كطريقة لتعزيز الاستراتيجية التنافسية للشركة وإدارة المخاطر فيها، سيكون ذلك أفضل وأفضل حتى. فهذا الأمر لن يكون أكثر فعالية في تبيان الاستراتيجية والأساس المنطقي المعتمدين في تقديم العلاوات إلى كبار المدراء أمام المساهمين فحسب، وإنما سوف يضمن أيضاً تنفيذ كبار المدراء التنفيذيين لأدائهم في مقابل الأهداف الصحيحة. ولنتذكّر ما يلي: سوف يبذل المدراء التنفيذيون قصارى جهدهم لتحقيق أي أهداف موضوعة. لذلك يجب وضع المستهدفات التي تناسب الشركة.