يمر العالم بعملية تحول في الكيفية التي يحصل بها على طاقته. في ألمانيا، نطلق على ذلك "إنرجيفيندا" (Energiewende) أي نقطة تحول الطاقة. (نستخدم كلمة فيندي نفسها لوصف سقوط جدار برلين وجميع التغيرات الدرامية التي صاحبته)، فماذا عن بناء الطاقة المتجددة حول العالم؟
في خضم هذا التحول، نشهد إزالة الكربون من استهلاك الطاقة، وذلك بفضل النشر واسع النطاق لمصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية. في وقت سابق من العام 2017، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه يسير قدماً وفق خطته الزمنية لتحقيق أهدافه المتعلقة بالمناخ والطاقة المتجددة الرامية إلى خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وخفض طاقة الاتحاد من المصادر المتجددة، وتحسين كفاءة الطاقة أيضاً بنسبة 20% لكل منها بحلول العام 2020.
في الوقت نفسه، نشهد أيضاً لامركزية في إنتاج الطاقة. على سبيل المثال، في ألمانيا، يوفر أكثر من 1.5 مليون منزل الكهرباء الخاصة به إما للاستهلاك الذاتي أو لتغذية الشبكة المركزية مباشرة. في العام 2015، كانت حوالي 40% من التركيبات الشمسية الكهروضوئية الجديدة مصحوبة ببطاريات. في المناطق الريفية في ألمانيا، تولت أكثر من 180 قرية للطاقة الحيوية مسؤولية توليد الكهرباء الخاصة بها. وبالمثل، في المدن، تركب جمعيات الطاقة والإسكان الألواح الشمسية الكهروضوئية على المباني متعددة الوحدات. وبحسب تقديرات الوزارة الاتحادية للاقتصاد والطاقة الألمانية، فإن حوالي 3.8 مليون شقة يمكن تزويدها بألواح شمسية كهروضوئية على أسطح المنازل. وقد أدركت الجهات الفاعلة في القطاع إمكانات التسويق وتوفير التكاليف كذلك؛ إذ تعمل شركة "بي إم دبليو" لصناعة السيارات على تشغيل مصنع تصنع فيه المركبات الكهربائية من طراز"آي 3" و"آي 8" بالإضافة إلى محطة طاقة الرياح التي تعمل بقوة 10 ميجاوات، فيما ركّب متجر بيع التجزئة الذي يقدم خصومات "آلدي زود" (Aldi Süd) الألواح الشمسية الكهروضوئية على ألف محل من محلات السوبر ماركت التابعة له. في العام 2016، أسهمت مصادر الطاقة المتجددة والمتقطعة بأكثر من 30% من إجمالي توليد الكهرباء.
إلى جانب الفوائد البيئية، هناك تداعيات كبيرة على قطاع التصنيع وعلى القدرة التنافسية الوطنية؛ فالدول التي تمكنت من الانتقال بفعالية إلى تكنولوجيات توليد الكربون المنخفض سوف تكون موطناً لحلول الطاقة التنافسية وشركات التصنيع الأكثر قدرة على مواجهة صدمة الطاقة واضطرابات الطقس.
لهذا السبب تمضي دول كثيرة في خططها الطموحة في هذا القطاع. في العام 2016، ركّبت الصين 34 جيجاوات من سعة الطاقة المتجددة العاملة على الألواح الشمسية الكهروضوئية. في يناير/كانون الثاني من العام 2017، أعلنت وزارة "الطاقة" الصينية أنها ستستثمر 361 مليار دولار للتحول من طاقة الفحم المولدة للدخان إلى مصادر للطاقة المتجددة. وتخطط الهند لتركيب 100 جيجاوات زائدة بحلول عام 2022 مقارنة بـ 4.9 جيجاوات من التركيبات الجديدة في عام 2016، وتستثمر الإمارات العربية المتحدة 163 مليار دولار في مشاريع الطاقة المتجددة التي تعوّل عليها لتغطية ما يقرب من نصف احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2050، وهو ما تهدف إليه المغرب أيضاً ولكن بحلول عام 2030. في منطقتين رئيسيتين في أستراليا، بلغ المعدل الفعلي لاختراق الطاقة الشمسية الكهروضوئية للأسطح 30%. وقد شهد عام 2015 في جميع أنحاء العالم زيادات لقدرات الطاقة المتجددة فاقت كل الأشكال الأخرى من توليد الكهرباء مجتمعة مثل الفحم والغاز والنفط والطاقة النووية.
بناء الطاقة المتجددة
بينما قد تختلف السياسة التنظيمية وطريقة التنفيذ والتطبيق من دولة إلى أخرى، إلا أن اللامركزية تشمل عادة 3 مراحل كل منها له تحدياته الخاصة:
المرحلة الأولى: إنرجيفيندا 1.0
تركز الدول في هذه المرحلة على نشر الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح أو طاقة الكتلة الحيوية أو الطاقة الحرارية الأرضية. وتشتمل الحوافز التنظيمية على آليات مثل مطالبة المرافق بالاعتماد على المصادر المتجددة في استخراج جزء صغير من الكهرباء المولدة لديها. قد يكون للدول التي بها قواعد تصنيع قوية مثل الصين أو ألمانيا هدفاً ثانوياً هو إنشاء قاعدة تصنيع محلية للتكنولوجيا المتجددة ذات الصلة.
خلال المرحلة الأولى من التطوير، تتأرجح المساهمة الإجمالية لتوليد الطاقة المتجددة دون المستويات الحرجة. ويمكن للبنية التحتية للكهرباء التعامل مع الضغط الزائد المتقطع على شبكة التوزيع، فيما يبقى العرض والطلب غير متأثرين إلى حد كبير.
المرحلة الثانية: إنرجيفيندا 2.0
دخلت بعض الدول مثل الدنمارك وألمانيا بالفعل المرحلة الثانية، التي تتميز بنصيب كبير من مصادر الطاقة المتقطعة المعتمدة على الطقس. في ألمانيا، نطلق على أكثر الأيام غيوماً في غياب الرياح الشديدة كلمة "دونكيلفلوتى" (Dunkelflaute) وهي تعني "ركود الظلام". يجب أن يكون التعامل مع مثل هذه الأيام التي ينخفض فيها توليد الطاقة من الرياح والطاقة الشمسية انخفاضاً شديداً جزءاً من معادلة المشرّعين والمعنيين في القطاع الرامية لدمج الطاقة المتجددة بشكل أكبر في نظام مصمم بالأصل لمولدات الطاقة الكهربائية الأكثر مرونة مثل محطات الغاز.
خلال المرحلة الثانية، يتعين على مشغلي الشبكات في كثير من الأحيان التدخل للحفاظ على توازن شبكة الكهرباء. على سبيل المثال، زادت التدخلات في أكبر شبكة نقل في ألمانيا تديرها شركة "تينيت" (TenneT) الخاصة من أقل من 10 تدخلات في عام 2003 إلى ما يقرب من 1,400 تدخل في عام 2015.
المرحلة الثالثة في بناء الطاقة المتجددة هي: إنرجيفيندا 3.0
لم يدخل المرحلة الثالثة أحد بعد. ونتوقع أن تجد صناعة إمدادات الطاقة الكهربائية نفسها مضطرة إلى ترك جذورها كخدمة للبنية الأساسية العامة لتصبح شركات خاصة حقيقية تملك حلولاً مخصصة لكل منتج ومستهلك. يبدو هذا نهاية طبيعية للعبة الأنماط اللامركزية الأوسع التي نلاحظها، وبالتالي، يتعين على الأسواق التي تدخل هذه المرحلة الإجابة عن سؤالين رئيسيين أولهما: من سيتحمل تكاليف البنية التحتية المرتفعة لنقل الطاقة بجهد عالٍ إذا كانت معظم الإمدادات منظمة على المستوى المحلي أو الفردي؟ وثانيهما: كيف يمكن للحكومات توجيه عملية الانتقال من البنية التحتية العامة إلى البنية التحتية الخاصة، لا سيما فيما يتعلق بالتعايش بين كل من الشبكة المركزية والحلول اللامركزية؟
ما زالت العديد من الحكومات مترددة في تعزيز الانتقال إلى هياكل لامركزية لتوليد الطاقة. الأمر ليس سهلاً كما يظهر الاضطراب المالي لشركات الطاقة الأوروبية الكبرى، لكن المرافق الكهربائية تتعلم التكيف مع هذه الحقائق الجديدة للإمداد اللامركزي. وقد بدؤوا في تقديم خدمات مجمعة وحزمات حلول بدلاً من مجرد بيع الإلكترونات بنظام كيلووات/ساعة. نعتقد أنها مسألة وقت فقط حتى تصبح المعدلات الثابتة للكهرباء هي المعيار.
تتزايد حلول القطاع الخاص لتلبية احتياجات السوق كذلك. يقوم المجمعون المزعومون الآن بتجميع مدخلات الطاقة الخاصة بمنازل الأفراد لبيعها في أسواق البيع بالجملة. ويحدد موفرو الطلبات الشركات التي يمكنها إيقاف جزء من استهلاكها للكهرباء مؤقتاً بما يزيد من مرونة الطلب للحفاظ على توازن الشبكة.
شركة مثل "ريستور" (ReSTORE)، الرائدة في تلبية الطلب في السوق الأوروبية قد جذبت أكثر من 125 مستهلكاً صناعياً وتجارياً كبيراً بما في ذلك الشركات ذات الثقل في السوق مثل شركة "توتال" (Total) للبتروكيماويات، وشركة الصلب "أرسيلور ميتال" (ArcelorMittal)، وشركة الإسمنت "هولسيم" (Holcim). ويمكن أن يصل التعويض المدفوع إلى هذه الشركات المصنعة إلى أكثر من 100 ألف يورو سنوياً لكل ميجاوات من استهلاك الطاقة الموفر.
قد تتمكن دول العالم النامي التي جاهدت تاريخياً من أجل توصيل الكهرباء إلى مناطقها الريفية من القفز إلى المرحلة الثالثة بسرعة أكبر. في هذه الأسواق، يتعرف رواد الأعمال على الفرص في غياب حلول القطاع العام. على سبيل المثال، تؤسس شركة "إس أو إل شير" (SOLshare) الناشئة في بنغلاديش شبكات صغيرة من النظير إلى النظير لتوفر الطاقة الشمسية للمنازل والأعمال، ما يمكّن الناس من أن يصيروا رواد أعمال في مجال الطاقة الشمسية لاستطاعتهم استبدال فائض الكهرباء مقابل الربح.
سواء كان ذلك عبر مبادرة مجتمعية، أو زعزعة ريادية في المشروعات، أو تكيف تقليدي للموردين، فإن تحول الطاقة العالمي مستمر وسوف يؤثر حتماً على القدرة التنافسية الوطنية والصناعية في سبيل بناء الطاقة المتجددة حول العالم. يحتفظ المصنعون ورواد الأعمال بحصة كبيرة في إدارة هذا الانتقال بفعالية سواء كانوا يقودون التغييرات بأنفسهم أو يستفيدون ببساطة من النظام اللامركزي المرن.
اقرأ أيضاً: