يُعد تشارلز أرمسترونغ، البالغ من العمر 36 عاماً، قائداً بالفطرة من نواحٍ كثيرة، فهو بارع ومبدع وحيوي ونشط وشخص عبقري من الناحيتين الاستراتيجية والمالية، إذ ترقى سريعاً عبر المناصب بسبب مواهبه الفذة في مجال الأعمال، وقدرته المؤكدة على تحقيق النتائج الجوهرية، وكان في بعض الأحيان يتنقل من مؤسسة إلى أخرى للقفز عبر السلّم الوظيفي. بيد أن وظيفته الحالية على المحك الآن، فقد اكتشف للتو، عبر عمله رئيساً لأحد الأقسام في إحدى شركات المنتجات الاستهلاكية الدولية، تراجعاً كبيراً في إنتاج منتج جديد جرى الترويج له على نحو مكثف، إذ تأخرت آلاف الطلبات، واعترى العملاء الغضب، وهبط سعر سهم الشركة منذ انتشار هذه الأخبار، فما فوائد تأخير الترقية؟
الأمر الأسوأ من ذلك هو أن هذه الأزمة كان يمكن تفاديها كلياً. إذ ربما كان بوسع أرمسترونغ تقدير تحديات العمل مع فريق متعدد التخصصات لتطوير هذا المنتج المحدد، لو أنه فهم قيمة إقامة علاقات مع زملائه، ووجده مرؤوسوه شخصاً ودوداً. ولربما علِم بهذا التأخير المحتمل قبل أشهر بدلاً من علمه به في اللحظات الأخيرة، إذ كان بإمكانه تأجيل حملة إعلانية على الصعيد الوطني، ووضع التوقعات مع المستثمرين. بل إنه ربما يعثر على سبيل لحل المشكلات وإطلاق المنتج في الوقت المحدد. ولكن على الرغم من قدرة أرمسترونغ على إبهار رؤسائه بموهبته وذكائه، إلا أن زملاءه ومرؤوسيه كثيراً ما ينظرون إليه على أنه متباهٍ بنفسه ومتعصب ومنعزل.
فوائد تأخير الترقية
وربما يكون الأمر الأسوأ أنه ليس على دراية تامة بالكيفية التي ينظر بها الآخرون إليه، ولا يشغل باله بشدة القدر الذي يعرفه عن ذلك، فهذه العلاقات ليست أولوية بالنسبة إليه، إذ يفتقر أرمسترونغ، شأن العديد من المدراء الشباب الموهوبين الآخرين، إلى الكفاءات العاطفية التي تمكّنه من العمل بشكل أكثر فاعلية كجزء من فريق. والآن يبدو أن مدراءه قد قوّضوا مسيرته المهنية بشكل غير مقصود، بعد أن قاموا بترقيته بسرعة كبيرة، قبل أن يتمكن من تطوير مهاراته في بناء العلاقات التي يحتاجها.
تغيير طريقة التعاطي مع الأمر
ما حدث مع تشارلز أرمسترونغ هو ظاهرة شائعة بشكل متزايد، إذ قابلنا، في السنوات العشر الماضية، العشرات من المدراء الذين وقعوا ضحية لمزيج ضار من طموحهم ورغبة مدرائهم في التغاضي عن نقص مهاراتهم في التعامل مع الأشخاص. (قمنا بتغيير اسم أرمسترونغ، وكذا الصفات التعريفية الأخرى، كما هو الحال مع جميع الأمثلة الموجودة في هذه المقالة، لحماية هويات الأشخاص المشاركين في هذا البحث). وفي الواقع، يبحث معظم المدراء التنفيذيون عن أشخاص أذكياء ونشطين، ويولون اهتماماً أكثر لإنجازاتهم بدلاً من نضجهم العاطفي. وفضلاً عن ذلك، فهم يعلمون أن موظفيهم ذوي الأداء الأفضل يمتلكون خيارات، فإنْ لم يحصلوا على الوظيفة التي يبتغونها في إحدى الشركات، من المؤكد أنهم سيحصلون عليها في شركة أخرى. فلِمَ المخاطرة بفقدانهم لصالح منافس عبر تأخير ترقيتهم؟
يبحث معظم المدراء التنفيذيين عن أشخاص أذكياء ونشطين، مع إيلاء اهتمام أكثر لإنجازاتهم بدلاً من نضجهم العاطفي.
الجواب هو أن ترقيتهم يمكن أن تنطوي على مخاطر أيضاً، إذ إن وضع هؤلاء المدراء غير المتمرسين في مناصب السلطة بسرعة كبيرة يسلبهم فرصة تطوير الكفاءات العاطفية التي تتحقق مع مرور الوقت واكتساب الخبرة، وهي الكفاءات من قبيل القدرة على التفاوض مع زملائهم، والتحكم بعواطفهم في أوقات حدوث الأزمات، أو كسب الدعم لإحداث التغيير.
ويمكن أن يَسعد الرؤساء بذكاء هؤلاء المدراء وبشغفهم، وربما يرون فيهم نسخة أصغر من أنفسهم، لكن من المرجح أن ينظر إليهم الزملاء والمرؤوسون على أنهم متعجرفون ومستهترون أو منعزلون، على أقل تقدير. وهنا تكمن المشكلة، ففي مرحلة ما من الحياة المهنية للمدير الشاب، عادة على مستوى نائب الرئيس، تصبح الموهبة الفطرية والطموح المحدد أقل أهمية من القدرة على التأثير والإقناع.
وما لم ينظر كبار المسؤولين بعين التقدير إلى هذه الحقيقة ويجعلوا الكفاءة العاطفية أولوية قصوى، فسيستمر هؤلاء المدراء ذوو الإمكانات العالية في الفشل، وغالباً ما ينطوي ذلك على تكاليف باهظة تتكبدها الشركة.
أظهرت الأبحاث أنه كلما ارتقى مدير في المراتب الوظيفية، أضحت المهارات الشخصية في القيادة أكثر أهمية لنجاحه. وقد تبيّن لزملائنا في مركز القيادة الإبداعية أن حوالي ثلث كبار المدراء التنفيذيين يخرجون عن مسار الارتقاء الوظيفي أو يتوقفون في مرحلة ما. ويرجع هذا في أغلب الحالات إلى القصور العاطفي مثل عدم القدرة على بناء فريق أو التحكم في العواطف في أوقات الشدة. وقد رأينا رأي العين، خلال 55 عاماً من التدريب والتدريس، كيف يخاطر المدير الشاب بحياته المهنية عندما يفشل في تطوير الكفاءات العاطفية. بيد أن المشكلة لا تكمن في الشباب في حد ذاته، بل تكمن في عدم النضج العاطفي، الذي لا يأتي بسهولة أو بصورة تلقائية، كما أنه ليس أمراً تتعلمه من الكتب. إنه أمر مرهون بأن تفهم أهمية العلاقات على المستوى الفكري وتتعلم أساليب مثل الإصغاء باهتمام. وهي مسألة أخرى بالكامل لتطوير مجموعة كاملة من الكفاءات الشخصية مثل الصبر والانفتاح والتعاطف. وينطوي النضج العاطفي على تحول أساسي في الوعي بالذات والسلوك، وهذا التغيير يتطلب الممارسة والاجتهاد والوقت.
اقرأ أيضاً: هذا ما يجب فعله إن لم تحصل على الترقية
ويُقر مدير أرمسترونغ أن ترقيته للمدير الشاب ربما كانت سابقة لأوانها، ويقول "كنت مثل تشارلز عندما كنت في عمره، لكنني كنت مديراً وليس رئيساً لقسم. ومن السهل ارتكاب الأخطاء والتعلم عندما لا تكون في مثل هذا المنصب الكبير. أريده أن ينجح وأعتقد أنه يمكن أن يكون رئيساً تنفيذياً رائعاً في يوم من الأيام، لكنه أحياناً يعرضني للخطر. فهو واثق من نفسه لدرجة تمنعه من الإصغاء إلى الآخرين". لذا، يقدم المدراء التنفيذيون، في العديد من الحالات، خدمة لموظفيهم وللشركة بتأخير ترقية مدير شاب ومنحه الفرصة لتطوير مهاراته الشخصية. وعادة ما يُسفر تأخير صعود المدير بما يكفي لصقل خبرته عن قائد أكثر فاعلية واستقراراً.
وستتناول هذه المقالة خمس استراتيجيات لتعزيز الكفاءات العاطفية، وإعادة توجيه المدراء الذين يدفعون ثمن فتور علاقاتهم مع زملائهم أو عدم وجودها. ولا تُعد هذه الاستراتيجيات معقدة للغاية، بيد أن تنفيذها وحمْل الأشخاص على تغيير سلوكياتهم الراسخة يمكن أن يكون أمراً في غاية الصعوبة. إذ اعتاد العديد من هؤلاء المدراء على تلقي الأوسمة، وغالباً ما يكون من الصعب عليهم سماع الرسائل الصعبة أو التصرف بناءً عليها. ويمكن أن تضطر إلى إرضاء نفسك بانتصارات صغيرة وقبول زلات من حين لآخر، لكن التحدي الأكبر يكون هو التحلي بالانضباط لمقاومة سحر الشباب والجهلاء، بالامتناع عن ترقيتهم قبل أن يكونوا مستعدين، والاستمرار على هذا النهج حتى لو هددوا بالاستقالة.
تعميق تقييم الأداء بطريقة 360 درجة
ربما لا تكون طريقة تقييم الأداء بطريقة 360 درجة بطريقة تنفيذها التقليدية، عبر استبياناتها ومقاييسها الموحدة في التصنيف، محددة أو مفصلة بدرجة كافية لجذب انتباه المدراء الذين يفتقرون إلى الخبرة، والذين يتفوقون في المقاييس الأساسية، ولكنهم يعانون عندما يتعلق الأمر بالتحديات الأقل بروزاً في إقامة العلاقات. وسيستفيد هؤلاء المدراء من عملية أعمق وأكثر شمولية تتضمن وقتاً لمناقشات التفكير والمتابعة.
وهذا يعني، على سبيل المثال، إجراء مقابلة مع مجموعة أكبر من زملاء المدير الشاب ومرؤوسيه وإعطاءه الفرصة لقراءة الردود الحرفية على الأسئلة المفتوحة. ويمكن لمثل هذه التعليقات المفصلة والواسعة أن تساعد الشخص على رؤية لنفسه على النحو الذي يراه عليه الآخرون، وهو أمر لا بد منه للمدير الشاب الذي يفتقر إلى الوعي بالذات لفهم أوجه القصور لديه.
وقد شهدنا هذا الافتقار إلى الوعي بالذات لدى بيل ميلر، وهو نائب الرئيس في شركة برمجيات يبلغ من العمر 42 عاماً، ويُعد هذا المجال بيئة تحظى فيها القدرات الفنية بتقدير كبير. وكان ميلر في مستوى متقدم من الذكاء الناصع، بيد أنه لم يُعطِ أبداً نقاط قوته التقدير بشكل كامل. لذا بذل جهداً مضاعفاً، عاماً بعد عام ومهمة تلو مهمة، في تعلم تعقيدات مجال العمل، متجاهلاً علاقاته مع زملائه عن غير قصد. واعتبر زملاؤه في العمل ذكاءه وفطنته في العمل من بين الأفضل في الشركة، بيد أنهم وجدوه شخصاً منعزلاً ويصعب التعامل معه. ولذا، شككت الإدارة العليا في قدرته على قيادة نوع التغيير الاستراتيجي الذي يتطلب تحفيز الموظفين على جميع المستويات.
اقرأ أيضاً: ماذا يحصل عندما لا تنال الترقية للوظيفة التي تريدها؟
ولم يكن ميلر قادراً على قبول أنه لم يعد بحاجة لإثبات ذكائه إلى أن خضع لمراجعة تطويرية متعمقة بطريقة 360 درجة، أي أنّ بوسعه عدم الشعور بالقلق في هذا الصدد، والعمل بدلاً من ذلك على تقوية علاقاته الشخصية. وبدأ ميلر يلاحظ بعد أشهر من العمل الجاد من أجل بناء علاقات أقوى مع موظفيه، أنه يشعر بمزيد من المشاركة في اللقاءات الاجتماعية العابرة مثل المحادثات التي تجري في الممرات.
وكان آرت غرينجر، وهو مدير أول في شركة للإسمنت والخرسانة، يبلغ من العمر 35 عاماً، يعد بشكل عام نموذجاً لدى مرؤوسيه المباشرين. وكان معروفاً أيضاً أنه يتبنى موقفاً دفاعياً عندما يقوم زملاؤه أو رؤساؤه بالاستفهام بشأن أداء وحدته أو حتى مناقشته. واكتشف غرينجر، من خلال عمليات تقييم الأداء بطريقة 360 درجة، أنه على الرغم من أن الجميع كانوا يعتبرونه ملتزماً ومركّزاً على تحقيق النتائج وبارعاً من الناحية التقنية، إلا أنهم كانوا يعتبرونه أيضاً مبالغاً في الحماية، ويزعمون أنه كان يقاوم أي إجراء أو قرار قد يؤثر على قسمه.
وحتى موظفوه كانوا يشعرون أنه يبقيهم معزولين عن بقية الشركة، بعد أن قال إنه راجع جميع المذكرات بين الأقسام المختلفة، ولم يدعُ أشخاصاً من أقسام أخرى في الشركة لحضور اجتماعات قسمه، وكان ينتقد المدراء الآخرين بصورة علنية. ولم يعترف غرينجر بأنه يلزمه أن يتغير إلا عندما سمع أن موظفيه يتفقون مع ما كان رؤساؤه يخبرونه به لسنوات. ومنذ ذلك الحين، كان يحضر لمقابلة أعضاء الإدارات الأخرى بصفتهم حلفاء محتملين، كما حاول إعادة تحديد فريقه ليشمل أشخاصاً من جميع أنحاء الشركة.
وتجدر الإشارة إلى أن العديد من هؤلاء المدراء الشباب الأذكياء غير معتادين على سماع النقد. ولذا، يمكن أن يستبعدوا التعليقات السلبية، إما لأن هذه التعليقات لا تتوافق مع ما سمعوه في المناقشات السابقة، أو لأنهم موغلون في غرورهم، أو يمكن أن يستنتجوا أنّ بوسعهم "حل" المشكلة على الفور، فقد تمكنوا، على أي حال، من حل معظم المشكلات التي واجهوها في الماضي. بيد أن تطوير الكفاءات العاطفية يتطلب الممارسة والتعاملات الشخصية المستمرة. والخبر السار هو أنك إذا نجحت في إقناع هؤلاء المدراء بأن هذه المشكلات تهدد حياتهم المهنية، فقد يُظهرون الحماس نفسه حيال تطورهم العاطفي الذي يجلبونه إلى مشاريعهم الأخرى. ولهذا السبب يكتسب تقييم الأداء بطريقة 360 درجة قيمة كبيرة، فعندما تتعدد مصادره ويكون على نحو مستمر، فمن الصعب تجاهله.
تأجيل ترقية المدراء الشباب
عندما تجري ترقية الأشخاص باستمرار ضمن مجالات خبرتهم، فلن يضطروا إلى الابتعاد عن مناطق شعورهم بالراحة، لذا من النادر أن يضطروا إلى طلب المساعدة، لاسيما إذا كانوا بارعين في حل المشكلات. وبناءً على ذلك، ربما يصبحون مستقلين بشكل مفرط، ويخفقون في بناء العلاقات مع الأشخاص الذين يمكن أن يستفيدوا منهم في المستقبل. وفضلاً عن ذلك، ربما يعتمدون على السلطة التي يوفرها المنصب بدلاً من تعلم كيفية التأثير على الأشخاص. ويمكن أن تنجح عقلية القيادة والسيطرة في مواقف معينة، خصوصاً في الإدارات الدنيا إلى المتوسطة، ولكنها عادة ما تكون غير كافية في المناصب العليا، عندما تكون العلاقات بين الزملاء بالغة الأهمية، ويعتمد النجاح على القدرة على تحريك القلوب والعقول أكثر من القدرة على تطوير حلول الأعمال.
وننصح عملاءنا في بعض الأحيان بتوسيع نطاق مهارات المدراء الشباب عن طريق تكليفهم بأدوار متعددة التخصصات خارج مساراتهم الوظيفية المتوقعة. وهذا الأمر يختلف عن التناوب التقليدي للموظفين في مناصب العمل، الذي قوامه قضاء الموظفين وقتاً في مجالات وظيفية مختلفة لتعزيز معرفتهم بالعمل وتوسيع نطاقها. وبالأحرى، يُكلَّف المدير بدور ليس له سلطة مباشرة كبيرة. ومن شأن هذا التكليف مساعدته على التركيز على تطوير مهارات أخرى مثل التفاوض والتأثير على زملائه.
ولننظر في حالة شيلا ماكنتاير، وهي مديرة إقليمية للمبيعات في شركة تقنية. وجرت ترقية ماكنتاير سريعاً إلى مصاف الإدارة لأنها تفوقت في المبيعات باستمرار على زملائها شهراً بعد شهر. وبدأت، في أوائل الثلاثينيات من عمرها، تطمح في الحصول على ترقية أخرى، وكانت هذه المرة لنائبة الرئيس. بيد أن مديرها، رون ماير، لم يكن يعتقد أنها مستعدة بعد لذلك، إذ شعر ماير أن ماكنتاير لديها مزاج حاد وصبر محدود حيال الأشخاص الذين تعتبرهم أقل رؤية. لذا، فقد علّقَ ترقيتها على الرغم من الأداء الرائع الذي كانت تحققه، وأوكل إليها مهمة خاصة على مدار العام، وهي رئاسة فريق يبحث عن فرص البيع المتبادل.
ولإقناعها بتولي الوظيفة، لم يوضح فحسب أن هذه الوظيفة ستساعدها في توسيع نطاق مهاراتها، بل إنه وعدها بمكافأة مالية كبيرة في حال نجاحها، كما لمّح إلى أن الترقية التي تطمح إليها يمكن أن تعقب ذلك. وبذلت ماكنتاير جهداً متواصلاً دون توقف. وكان عليها أن تستخدم قدراتها المتواضعة في الإقناع لكسب تأييد المدراء في الأقسام الأخرى. بيد أن فريقها، في نهاية المطاف، قدّم استراتيجية عبقرية للبيع المتبادل نفذتها الشركة خلال العام التالي.
والأمر الأهم أنها أقامت علاقات قوية مع عدد من الأشخاص المؤثرين في جميع أنحاء المؤسسة، وتعلمت الكثير عن قيمة رؤى الآخرين وخبراتهم. وحصلت ماكنتاير على الترقية إلى منصب نائبة الرئيس في نهاية المطاف، ومما كان مصدر ارتياحها أيضاً أن مرؤوسيها الجدد الآن لا ينظرون إليها بصفتها مندوبة مبيعات متفوقة فحسب، بل أيضاً بصفتها مديرة ذات علاقات وطيدة بوسعها التفاوض إنابة عنهم.
ومن شأن هذه المهام مع فريق متعدد التخصصات – دون سلطة واضحة أو علاقات جلية مع المسار الوظيفي – أن تكون مهمة عسيرة، إذ ليس من السهل إقناع المدراء الشباب بالقيمة الثمينة التي تنطوي عليها هذه المهام، كما أنه ليس من السهل مساعدتهم على استخراج المعرفة اللازمة منها. وفي حال شعر المدراء بالتهميش، فمن الممكن ألا يلتزمون بها. هل تذكرون بيل ميلر، نائب الرئيس الذي أهمل مهاراته العاطفية في خضم حماسه لتعلم إدارة الأعمال؟ ففي حين أنه كان ناجحاً في بعض محاولاته المبكرة غير الرسمية لبناء العلاقات، إلا أنه شعر بالحيرة والإحباط عندما أوكل إليه مديره، جيري شولمان، مهمة خاصة لقيادة فريق عمل لمراجعة العمليات الداخلية.
إذ توقع ميلر الحصول على ترقية، ولم يشعر أن هذه الوظيفة الجديدة "حقيقية". وكان خطأ شولمان يكمن في عدم إخبار ميلر بأنه يرى أن الوظيفة فرصة مثالية له للتواصل، لذا بدأ ميلر يشكك في مستقبله في الشركة. وبعد بضعة أشهر من عمله في الوظيفة الجديدة، قدّم ميلر استقالته. إذ اغتنم فرصة كانت تمثل خطوة إلى الأمام بالنسبة إليه، وهي وظيفة مع منافس لدود للشركة، آخذاً معه قدراً هائلاً من الموهبة والمعرفة المؤسسية. ولو أنّ شولمان أخبر ميلر بمبرراته، لكان قد احتفظ بأحد أكفأ موظفيه، وهو شخص سبق أن رأى أهمية تطوير كفاءته العاطفية وبدأ في إحراز تقدم في هذا الصدد.
تصرّف بناءً على التزامك
أحد الأسباب التي تجعل الموظفين متشبثين بالطريقة التي أوضحناها هو أن مدراءهم يشيرون إلى أوجه القصور في الكفاءات العاطفية لديهم، بيد أنهم لا يواصلون بشأنها للنهاية، فهُم إما أن يهملوا توضيح عواقب استمرار السلوك المدمر، أو يوجهوا تهديدات فارغة، بل ويمضون قدماً في الترقية على أي حال. ويمكن فقط أن يستنتج المدير الشاب الطَموح أن هذه الكفاءات اختيارية.
ويمكن استلهام العِبرة من ميتشل جيلر، الذي كان، وهو في التاسعة والعشرين من عمره، على وشك أن يصبح شريكاً في شركة محاماة، وكان قد نفّر العديد من زملائه ومرؤوسيه على مر السنين بفعل غطرسته، وهو قصور مذكور على نحو وافٍ في المراجعات السنوية للأداء الخاصة به، بيد أن ذكاءه القانوني الحاد مكّنه من الظفر بالترقية تلو الترقية. ومع اقتراب مراجعة جيلر، أشار مديره، لاري سنو، إلى التناقص الشديد بين المحامين الواعدين الذين عملوا مع جيلر وحذره من أن مواصلته الارتقاء مهنياً ستعتمد على تغيير أسلوبه الشخصي.
ولم يأخذ جيلر هذه الملاحظات على محمل الجد، إذ كان واثقاً من أنه سيعتمد على موهبته الخالصة، كما كان يفعل دائماً. وكما كان متوقعاً، لم يُصر سنو على موقفه. وحصل جيلر على الترقية على الرغم من أن سلوكه لم يتغير. وترأس جيلر، الذي كان حينئذٍ شريكاً مسؤولًا عن إدارة العلاقات مع العملاء، بعد أسبوعين، اجتماعات مع عميلين رئيسين. وبعدها، تواصل العميل الأول مع سنو وطلب منه حضور الاجتماعات المستقبلية. ثم سحب العميل الثاني أعماله تماماً من الشركة، متذمراً من رفض جيلر الإصغاء إلى وجهات نظر بديلة.
قارِن تجربة جيلر مع تجربة باري كيسلر، البالغ من العمر 39 عاماً، وهو النائب الأول للرئيس في شركة تأمين. إذ كان كيسلر، لسنوات، يُنظر إليه باعتباره خليفة الرئيس التنفيذي بسبب مهاراته المالية القوية ومعرفته الواسعة بالأعمال التجارية. وكان هذا قبل أن يبدأ جون ميسون، مديره والرئيس التنفيذي الحالي للشركة، في التشكيك بشأن الحكمة وراء ترقيته.
وفي حين كان كيسلر يدير فريقه بطريقة ممتازة، إلا أنه كان يتجنب التعاون مع الوحدات الأخرى، وهذا أمر كانت له أهمية خاصة بعد أن بدأت الشركة البحث عن فرص نمو جديدة، بما في ذلك التحالفات المحتملة مع المؤسسات الأخرى. ولم تكن المشكلة تكمن في أن كيسلر كان عدائياً، بل كانت تكمن في أنه منعزل على نحو سلبي، وهي نقطة ضعف لم يبدُ أنها ذات أهمية عندما كان مسؤولاً فقط عن فريقه. وقد علِمنا، عند تدريبنا كيسلر، أنه ينفر بشدة من النزاعات ويتجنب المواقف التي لا يمكن أن يكون فيها متخذ القرار. وقد حدّ نفوره هذا بشدة من قدرته على العمل مع زملائه.
وأرسل ميسون إشارة قوية، ليس إلى كيسلر فحسب، بل إلى الآخرين في المؤسسة، عندما خفّض بصفة أساسية الرتبة الوظيفية لكيسلر عندما أخذ منه بعض مسؤولياته وسحبه مؤقتاً من خطة خلافته في منصب الرئيس التنفيذي. وطلب ميسون من كيسلر قيادة فريق متعدد التخصصات مخصص لإيجاد فرص استراتيجية للنمو، لمنحه فرصة لتطوير المهارات التي يفتقر إليها. لأن تحقيق النجاح سوف يتطلب من كيسلر تكريس المزيد من الوقت لتطوير مهاراته الشخصية. إذ لم يكن لديه أي سلطة على أعضاء الفريق الآخرين، لذا كان عليه أن يعمل من خلال النزاعات ومساعدة الفريق على التوصل إلى توافق في الآراء. وبعد ذلك بعامين، أفاد كيسلر أنه أضحى أكثر قدرة على التعامل مع النزاعات والتعقيبات، وعاد إلى خطة خلافة ميسون في منصب الرئيس التنفيذي.
وبالمناسبة، من غير المُجدي مطالبة المدراء بمعيار معين من السلوك دون إظهار أن المعيار نفسه ينطبق على الجميع، وصولاً إلى الإدارة العليا. وهذا يعني، في كثير من الحالات، إدراك أهدافك التطويرية، وهو ليس بالأمر السهل. إذ أدرك جو سيمونز، وهو أحد المدراء التنفيذيين الذين تعاملنا معهم، عبر تقييم الأداء بطريقة 360 درجة وتوجيه النظراء، أن أسلوبه الشخصي يتعارض مع نمو مرؤوسيه. إذ أعلن سيمونز أن الابتكار يمثل أولوية للشركة، إلا أن خوفه من الفشل دفعه إلى إدارة موظفيه بالتدخل في كل كبيرة وصغيرة وتقويض إبداعاتهم. وللتوقف عن هذه الطريقة وإبداء التزامه الوليد بتحسين مهاراته في إقامة العلاقات، كشف عن أهدافه الشخصية المتمثلة في التماس المشورة بوتيرة أكثر انتظاماً، والتواصل بشكل أكثر انفتاحاً مع مرؤوسيه المباشرين. ووعد بتغيير سلوكيات محددة، وطلب من فريقه تقديم التعليقات والدعم في هذه العملية. وكان نشر هذه الأهداف بصورة علنية صعباً على سيمونز، فهو شخص عادي نشأ على القيادة التقليدية القائمة على السيطرة والمراقبة. وبدا له أن اعترافه بالحاجة إلى تغيير بعض السلوكيات يمثل بالنسبة إليه ضعفاً إلى حد خطير، لاسيما أن الشركة تمر بوقت عصيب وأن الموظفين كانوا يبحثون عنه للاطمئنان، بيد أن أفعاله أوضحت أولوياته الجديدة للعاملين.
ونالت صراحة سيمونز ثقة الأشخاص واحترامهم، وبدأ آخرون في الشركة، في غضون عدة أشهر، في التفكير بشكل أكثر انفتاحاً حيال مهاراتهم العاطفية والانخراط في عمليات مماثلة للتطوير الشخصي. ولم تتحسن علاقات سيمونز مع مرؤوسيه المباشرين فحسب، بل إنه أصبح أيضًا حافزاً ونموذجاً للآخرين. وقد أخبرنا عن لقاء جمعه مع جوين مارشال، وهي مديرة الشؤون المالية للشركة وأحد مرؤوسي سيمونز المباشرين. وكانت مارشال تشعر بالقلق إزاء موظف جديد لم يكن يواصل التقدم بالسرعة التي كانت تأمل بها. إذ شعرت أنه كان يطرح الكثير من الأسئلة ولا يتولى زمام المبادرة بالقدر الكافي. وكانت قد انفعلت في وجهه في ختام أحد الاجتماعات، وبدا متفاجئاً وغاضباً. واعترفت، في حديثها إلى سيمونز عن هذه الحادثه، بأن نفاد صبرها ربما كان مجحفاً. فهذا الموظف، في نهاية المطاف، حديث عهد بهذا المنصب. وفضلاً عن ذلك، تتطلب طبيعة العمل في الشؤون المالية تفكيراً دقيقاً ومعرفة شاملة بأعمال الشركة. واختتمت مارشال المناقشة بقولها إنها ستعتذر للموظف الجديد. وفوجئ سيمونز بتعليقات مارشال، فقد اعتاد أن يراها ببساطة تُطلق العنان لغضبها وتنتقل إلى المهمة التالية. ولكن ربما بسبب المثال الذي ضربه سيمونز، أصبحت مارشال أكثر وعياً بأهمية كفاءتها العاطفية، وأضحى هذا التفكير عادة بين أعضاء فريق سيمونز، وهو التغيير الذي عزز العلاقات الشخصية وضاعف الأداء العام للفريق.
إضفاء الطابع المؤسسي على التطوير الشخصي
أحد أكثر السبل فعالية لبناء الكفاءات العاطفية للمدراء هو إدراج الأهداف الشخصية في إطار المؤسسة، إذ يُتوقع من الجميع إظهار مجموعة محددة من المهارات العاطفية، ولأن معايير الترقية تشمل السلوكيات، وكذلك القدرة الفنية. سيعمل إدراج هذه العملية على تسهيل كشف المشكلات المحتملة مبكراً، وتقليل فرص شعور الأشخاص الذين اعتُبروا بحاجة إلى تطوير شخصي بالاستهداف أو إعاقة تقدمهم بشكل مجحف. وسيعرف الموظفون بالضبط ما هو متوقع منهم وما يتطلب الأمر للتقدم في حياتهم المهنية.
وإليكم حالة كان فيها إضفاء الطابع المؤسسي على التطوير الشخصي فعالاً للغاية، وهي حالة مارك جونز، وهو مسؤول عُيّن في منصب الرئيس التنفيذي لشركة تصنيع كبرى بشرط أن يستعين بمدرب بسبب صيته الذائع بأنه شخص فظ وعدواني للغاية. وقد ساعدت علاقة التدريب هذه التي استمرت لمدة عام جونز على فهم ما ينطوي عليه أسلوبه من ثغرات، وقرر أن يستفيد الآخرون من الوصول إلى هذا الفهم في وقت مبكر للغاية من حياتهم المهنية. إذ أطلق، لتحقيق هذه الغاية، العديد من المبادرات الكبيرة لتشكيل ثقافة الشركة على نحو لا يشجع فحسب التعلم الشخصي والمهني بل ويجعله متوقعاً.
أولاً، وضع جونز مجموعة جديدة من القيم والعمليات المؤسسية التي كانت تستند إلى تحقيق أهداف الشركة وتطوير المهارات الأفضل في القيادة. وكانت إحدى هذه القيم هي "التجاسُر على التحلّي بالشفافية"، التي كانت تعني أنه من المتوقع أن يكون جميع الموظفين، ولاسيما أولئك الذين يتولون مناصب قيادية عليا، صريحين بشأن نقاط الضعف لديهم، وأن يطلبوا المساعدة ويقدموا ملاحظات صادقة وبناءة لأقرانهم. واضطلع جونز بدور نشط في المراجعة وأهداف التطوير الشخصي لأكبر 100 مسؤول بالشركة، لعلمه أنه سيكون من الضروري توفير حوافز ومكافآت لهذه السلوكيات الجديدة، وأمر أن تتضمن خطط الأداء لجميع الموظفين إجراءات محددة متعلقة بتطوير كفاءاتهم العاطفية. وجعل جونز أيضاً المهارات العاطفية مؤهلاً رئيساً عند البحث عن تعيين شخص جديد في أحد المناصب، وهو مطلب تتشدق به العديد من المؤسسات. إذ غالباً ما يبالغ الكثير منها في تقدير الذكاء الفطري وعمق المعرفة، ويعود ذلك إلى حد كبير إلى التنافس الحاد لاستقطاب المواهب، الذي أدى إلى التركيز بوجه خاص على توظيف أفضل المواهب وألمعها والاحتفاظ بها بغض النظر عن كفاءتها العاطفية. وأخيراً، استحدث جونز منصباً جديداً، وهو مسؤول التعلّم المؤسسي، إذ دخل هو وهذا الأخير في شراكة مع إحدى الجامعات القريبة لإنشاء معهد تعليمي يمكن لمسؤولي الشركة التعلم فيه والالتحاق ببرامج القيادة. بل إن جونز نفسه محاضر دائم ومشارك في الدورات المختلفة بهذا المعهد.
وأوضح جونز، عبر هذه الإجراءات كلها، أن الموظفين يلزمهم جعل التعلم المستمر والتطوير العاطفي أولوية، كما أكد أنه من المتوقع أن يضع الجميع، ابتداءً من الرئيس التنفيذي نزولاً عبر الهرم التنظيمي، أهدافاً لتحسين مهاراتهم الشخصية. وأصبح جونز يجد، منذ تنفيذ هذا البرنامج، أن من السهل استقطاب المدراء الشباب الموهوبين واستبقاءهم. وفي الواقع، تحولت مؤسسته من شركة منفّرة للمواهب الشابة إلى شركة جاذبة لهم. وأضحت معروفة بصفتها مكاناً يمكن للقادة الناشئين فيه إيجاد فرص حقيقية للتعلم والنمو.
وقد عملنا مع شركة أخرى، كان فريق الإدارة العليا فيها ملتزماً بتطوير الكفاءات العاطفية لدى قادة الشركة إذ وفّر الفريق في البداية تعليماً مكثفاً بشأن التدريب لقسم الموارد البشرية، الذي أشرف بدوره على برنامج قام بموجبه كبار المدراء بتدريب زملائهم الأصغر سناً الذين يفتقرون إلى الخبرة. وكان الهدف هو أن يعود البرنامج بالفائدة على كل من المدراء ذوي الخبرة وزملائهم غير المتمرسين، إذ قدّم المدراء الصغار تعقيبات بشأن مهارات التدريب لدى كبار المدراء، بينما ساعد كبار المدراء في تعزيز الكفاءات العاطفية لدى زملائهم الأقل خبرة.
اقرأ أيضاً: كيف تخبر مديرك أنك لا تريد الترقية؟
وكانت النتائج مشجعة. إذ كان ويس بيرك، وهو مدير آخر ذو أداء رفيع، يكافح مؤخراً لتحقيق أهداف عمله. وأصبح مدربه (وهو شخص من داخل المؤسسة) يعتقد، بعد قضاء بعض الوقت مع بيرك والتشاور مع مرؤوسيه وأقرانه، أنّه في خضم حماسته لتحقيق أهدافه، لم يتمكن من التريث والإصغاء إلى أفكار الآخرين. ولم يكن بيرك فظاً، إذ إنه تلقى دروساً في التواصل وعرف كيف يتصنّع سلوكيات الإصغاء مثل إيماءة رأسه وتقديم إقرارات شفهية، بيد أنه غالباً ما كان مشتت الذهن ولا ينتبه كما ينبغي. ولم يتقبل بيرك أبداً هذه التعليقات إلى أن جاء يوم كان يتجول فيه، بشكل هادف، في محطة العمليات الكبيرة التي يديرها، عندما أوقفه أحد المشرفين على أحد الطوابق لمناقشة أفكاره لحل مشكلة الإنتاج المستمرة. إذ تصنّع الإصغاء باهتمام إلى محدّثه، وبعد تفوّهه ببعض الإقرارات وقوله "شكراً لك، سنتحدث أكثر بشأن هذا الأمر"، مضى في طريقه تاركاً المشرف في حالة إحباط وحيرة بشأن كيف يحظى بانتباه مديره. والواقع أن مدرب بيرك كان يراقب ما يجري، إذ انتحى بالمدير الشاب جانباً وقال له إنك "لم تسمع كلمة مما أخبرك به كارل، فأنت لم تكن تصغي إليه". واعترف بيرك بذلك في قرارة نفسه وبالقدر نفسه لمدربه. ثم اعتذر لكارل، وهو ما كان مفاجئاً بالنسبة إليه. وساعد وضع هذه الحادثة في الاعتبار بيرك على تذكّر أهمية علاقاته في العمل، وقد ساعده مدربه أيضاً على إدراك أنه ينبغي له ألا يفترض أن إرادته ودوافعه المطلقة ستحفز موظفيه بطريقة أو بأخرى. فقد كان بيرك يُجهد الأشخاص جسدياً ونفسياً. وبعد مرور عام، كانت عملية بيرك تبلغ أهدافها، وهو إنجاز ينسبه جزئياً إلى التدريب الفردي الذي تلقاه.
إقامة شبكات غير رسمية
على الرغم من أهمية البرامج ذات الطابع المؤسسي لبناء الكفاءات العاطفية، فإن بعض المدراء سيستفيدون أكثر من إقامة شبكة علاقات غير رسمية تقع خارج السلّم الوظيفي للشركة، إذ من شأن التدريب، على سبيل المثال، أن يساعد المدراء الصغار والكبار على تعزيز تطورهم العاطفي عبر نوع جديد من العلاقات. وعندما تكون تجربة التدريب إيجابية، فإنها غالباً ما تكون منصة انطلاق لمجموعة ثرية من العلاقات مع الآخرين في جميع أنحاء المؤسسة، فهي، على وجه الخصوص، تمنح المدراء الصغار فرصة لتجربة أساليب قيادية مختلفة وتوفر لهم الفرصة للاطلاع على وجهات نظر متنوعة.
وكانت سونيا جرين، وهي مديرة تبلغ من العمر 32 عاماً في إحدى الشركات الاستشارية، تأمل أن تتم ترقيتها إلى منصب نائبة الرئيس، لكنها لم تُثِر هذه المشكلة مع مديرها، لأنها افترضت أنه لا يعتقد أنها مستعدة، ولم ترغب في إثارة التوتر. وقد كانت استشارية موهوبة تتمتع بعلاقات قوية مع العملاء، بيد أن علاقاتها الداخلية كانت ضعيفة بسبب مزيج من الخجل وطبيعتها المستقلة، ونفورها من النزاعات، مما حال دون طلبها للتعقيبات. وعندما أطلقت شركتها برنامجاً للتوجيه، اشتركت فيه جرين، ومن خلال سلسلة من المناقشات المطولة مع جيسيكا بيرنهام، وهي شريكة في الشركة، طوّرت رؤى جديدة بشأن نقاط القوة والضعف لديها. وقد ساعد جرين الدعم الذي تلقته من شخصية فاعلة مهمة، مثل بيرنهام، في أن تصبح أكثر ثقة وصدقاً في مناقشاتها الخاصة بالتطوير مع مديرها، الذي لم يكن على علم بأن جرين كانت على استعداد لتلقي التعقيبات والتصرف بناءً عليها. وتتحلى جرين، اليوم، بفهم دقيق لما يلزمها العمل على تحسينه وهي في طريقها للحصول على الترقية، وفضلاً عن ذلك، فقد دفعتها علاقتها مع بيرنهام إلى البحث عن روابط أخرى، بما في ذلك مجموعة النظراء من المدراء الواعدين الذين يلتقون شهرياً لتبادل الخبرات وتقديم المشورة لبعضهم البعض.
وتُعد شبكة النظراء ذات فائدة للمسؤولين في أعلى المستويات، ويجب عدم حصر العلاقات داخل الحدود المؤسسية. إذ أراد جو سيمونز، الرئيس التنفيذي الذي ذكرناه سابقاً، مواصلة تطويره الشخصي، لذا فقد أنشأ علاقة مع مدير آخر قابله من خلال برنامجنا، وبقي الرجلان على اتصال من خلال رسائل البريد الإلكتروني والمكالمات الهاتفية المنتظمة، وأبقيا مناقشاتهما سرية حتى يتمكنا من إطلاع بعضهما البعض على معظم مشاغلهما الخاصة. كما يجتمعان أيضاً بشكل دوري لمناقشة أهدافهما الخاصة بالتطوير الشخصي. وقد وجد كلاهما أن هذه الاجتماعات لا تقدّر بثمن، وأشارا إلى أن علاقاتهما في العمل قد استمرت في التحسن، وأنّ وجود صديق موثوق به قد ساعد كلاً منهما على تجنب العودة إلى العادات القديمة أثناء أوقات التوتر.
اقرأ أيضاً: كيف تقنع رئيسك بترقيتك إلى منصب مدير؟
ويمكن أن يكون تأخير الترقية أمراً صعباً، نظراً للطموحات الراسخة للمدير الشاب، وللوتيرة المحمومة للحياة المؤسسية، وهو ما يجعل التعلم الشخصي يبدو بذخاً، إذ يتطلب الأمر توازناً دقيقاً بين الصدق والدعم وبين الصبر والاستفزاز. وهذا يعني مخالفة قاعدة ترقية الأشخاص التي تعتمد تقريباً على الذكاء والموهبة ونتائج الأعمال فحسب. ويعني أيضاً مجابهة خيبة أمل موظف جدير بالاحترام.
بيد أن تخصيص وقت في بناء كفاءات عاطفية لدى الأشخاص لا يُعد بذخاً، بل إنه من الأهمية بمكان لتطوير قادة فعالين. استسلِم لإغراء ترقية أفضل موظفيك قبل أن يكون مستعداً، وستجد نفسك مع مدراء يمكن أن ينجحوا عند حدوث هذا التغيير وأن يُظهروا مهارات ممتازة في التعامل والبقاء، بيد أنهم يفتقرون إلى الوعي بالذات والتعاطف والقدرات الاجتماعية اللازمة لتعزيز نقاط القوة هذه لدى الآخرين ورعايتها. ولا يمكن لبرامج ماجستير إدارة الأعمال، وكتب الإدارة، تعليم المدراء الشباب ما يلزمهم معرفته كله بشأن مهارات التعامل مع الأشخاص. وفي الواقع، لا يوجد بديل عن الخبرة والتفكير والتعقيبات، وقبل كل شيء، الممارسة لاكتشاف فوائد تأخير الترقية.
اقرأ أيضاً: لستَ بحاجة إلى ترقية لكي تنمو في عملك