كيف تبنى ثقافة البيانات في الشركة بدءاً من قياداتها؟

4 دقائق
بناء ثقافة البيانات في الشركة

من غير المتعارف أن يستفيد قطاع الهندسة والمشتريات والبناء من البيانات أو التحليلات المحوسبة المتطورة لاتخاذ قرارات مستنيرة بشأن الأعمال. وتشير إحدى الدراسات الاستقصائية التي أجرتها مجموعة "كورنر ستون بروجكتس" (Cornerstone Projects) إلى أن ما يصل إلى 85% من الشركات شهدت تأخيرات في إنجاز مشاريع البناء.

ويعود سبب ذلك إلى أن قطاع البناء قائم على تنفيذ أعمال كثيرة من قبل العمال الذين يرتدون خوذ السلامة على أرض الواقع وليس أمام أجهزة الكمبيوتر. إلا أن الأمر يبدو غريباً جداً من ناحية أخرى، إذ تؤثر المشاريع في قطاع الهندسة والمشتريات والبناء على ملايين الأرواح، وقد تتكبّد خسائر قيمتها مليارات الدولارات. لم لا يستفيد هذا القطاع من التقدم التكنولوجي الذي شهدته القطاعات الأخرى؟

بصفتنا شركة "لارسن آند توبرو" (L&T Group) الرائدة في قطاع الهندسة والبناء في آسيا، تمثّل هدفنا في سد هذه الفجوة.

عندما شرعنا في تحديث أعمال البناء الخاصة بالشركة والتي بلغت قيمتها 10 مليارات دولار قبل 4 أعوام، أدركنا القضايا الثقافية والتحديات المتعلقة بالتكنولوجيا التي يجب علينا التعامل معها. وتمثّل هدفنا النهائي في الاستفادة من قوة تقنيات الحوسبة المنتجة للبيانات بهدف تحسين العمليات الأساسية التي تستخدم العمال والآلات والمواد بهدف توفير التكاليف وتحسين الإنتاجية وتقليل وقت التنفيذ. في حين انطوى هدفنا الضمني على إشراك كل من الإدارة والموظفين في جميع المستويات في استخدام هذه التقنيات، والتأكد من قدرة الفريق على إجراء تعديلات لتحسين أدائه استناداً إلى تحليلات البيانات المستخلصة من هذه التقنيات.

وكان التحدي الثقافي المتمثل في ضمان اعتماد هذه التقنيات ضمن هذا القطاع وخلق عقلية مستندة إلى البيانات تحدياً كبيراً، فقد كانت نسبة قوة العمل التي تستخدم أجهزة الكمبيوتر أو الأجهزة المحمولة في شركة "لارسن آند توبرو" أقل من 20%. علاوة على ذلك، كانت التقارير الواردة من موقع البناء تستند إلى قيم تقديرية. ولم يُفكر المدراء في كيفية استخدام البيانات لتحسين الأداء. وقد يكون التغيير بالنسبة إلى قوة العمل التي تحاول التكيّف مع عقلية مستندة إلى البيانات عملية بالغة الصعوبة. فقد استغرق الأمر وقتاً وجهداً كبيراً لمساعدة المدراء في فهم كيفية استخدام التحليلات المحوسبة عند العمل على المشاريع التي صُمّمت وفق مزيج متكامل من التقنيات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والواقع الافتراضي/ الواقع المعزز، وأتمتة العمليات الروبوتية وتقنيات الجغرافيا المكانية والأمن السيبراني.

وبعد مرور 4 سنوات على تبنّي هذه العملية، تمكّنت مجموعة "لارسن آند توبرو" من جني فوائد هذه الاستراتيجية الشاملة المستندة إلى البيانات، حيث تعمل اليوم أكثر من 10,700 آلة في 450 موقع عمل بشكل مترابط، وتحسّنت السلامة في مكان العمل بسبب توفير برامج تدريب على تقنيات الواقع الافتراضي، واستخدام تطبيقات الأجهزة المحمولة للامتثال بالعمليات وإخطار العمال عند الدخول إلى مناطق خطرة واستخدام أجهزة الاستشعار وأجهزة الإرشاد، فضلاً عن إمكانية قياس كل مكوّن من مكونات المشروع وتقييمه، وهو ما أسفر عن عدة تحسينات تمثّلت في زيادة كفاءة الوقود في المعدات بنسبة 25% وزيادة بنسبة 15% في إنتاجية العمال وزيادة بنسبة 10% في إنتاجية الآلات والمصانع واستخدامها. وعلى الرغم من أن هذه الإحصائيات تُعتبر واعدة، يتمثّل طموحنا في تحسين هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإهلاك الدين بنسبة 2 إلى 3%، وجعل شركة "لارسن آند توبرو" شركة رائدة في قطاع "البناء الرقمي".

توفر شركة "لارسن آند توبرو" مجموعة من الدروس للشركات الكبرى التي ترغب في الاستفادة من قيمة البيانات وتطوير عقلية مستندة إلى البيانات. ومن هذه الدروس:

لا يمكن أداء المهام "الرقمية" كفريق، بل يحتاج كل فرد في المؤسسة إلى تطوير عقلية رقمية.

من المهم تعيين موظف رقمي في كل وحدة عمل، بالإضافة إلى خبراء في المجال الرقمي لإحداث تغيير في كل مستوى من مستويات المؤسسة. بالنسبة إلى مجموعة "لارسن آند توبرو"، كان من المحتمل أن تفشل جهود الاستثمارات في أنظمة الصيانة التنبؤية التي تشرف على عمل 11,700 قطعة من المعدات وروبوتات الدردشة وأتمتة العمليات الروبوتية و18,000 جهاز متنقّل في الموقع لو لم تشترك المؤسسة بأكملها في عملية الرقمنة.

يجب عليك أن تكون جريئاً وحاسماً ومستعداً لإجراء التعديلات.

يوجد عدد من النماذج في قطاع الهندسة والبناء التي يمكن أن نستقي منها الخبرة عندما يتعلق الأمر بإجراء تحديثات على نطاق واسع وبذل جهود مستندة إلى البيانات. وقد أجرت مجموعة "لارسن آند توبرو" عدة بحوث داخلية واستفادت من خبرات شركائها في تكنولوجيا المعلومات، بما في ذلك فرع الشركة "لارسن آند توبرو إنفو تك" (LTI)، لإعداد استراتيجية وخطة تنفيذ، لكنها أجرت سلسلة من التغييرات في أثناء ذلك. ونظراً إلى أننا نعمل على تنفيذ برنامج جديد على نطاق غير مسبوق في كل قسم من مؤسستنا، خطّطنا لوضع استراتيجيات وتقنيات قابلة للتعديل بمجرد أن تتدفق الجولات الأولى من البيانات والتحليلات. لذلك، من المهم أن تضع في اعتبارك أن مؤسستك والقطاع الذي تعمل فيه والتقنيات التي تستخدمها ستتطور وتتغير باستمرار.

يجب أن تبيّن التحليلات المستندة إلى البيانات كلاً من أوجه التحسينات وأوجه العقاب على حد سواء.

لن يكون من المفاجئ أن يشعر موظفو البناء في شركة "لارسن آند توبرو" برقابة الإدارة الشديدة نظراً إلى وجود أجهزة استشعار على خوذ العمال والمعدات، وعلامات تحديد الهوية باستخدام موجات الراديو على المواد. وعلى الرغم من ضرورة تحديد هوية العمال غير المنتجين والممارسات غير الآمنة، كان من المهم بالنسبة إلينا استخدام البيانات لتحديد هوية الموظفين الذين يحتاجون إلى تدريب إضافي، والأقسام التي تحتاج إلى تحسين عمليات مشترياتها، واتخاذ قرارات بشأن تحديث سير العمل. وينطوي إشراك الموظفين في عقلية مستندة إلى البيانات على توضيح كيفية استخدام البيانات لمساعدة الموظفين في تحقيق النجاح.

توضيح فائدة البيانات بالنسبة إلى الموظفين والمشاريع.

من الضروري بذل جهد مكثف في عمليات التواصل بهدف أن يتبنى الموظفون عقلية مستندة إلى البيانات. ويحتاج الموظفون إلى رسائل تذكيرية من القمة إلى القاعدة تُبيّن لهم أهمية التفكير في "البيانات أولاً"، وتقدّر جهود من يعي هذا النهج بمفرده. ومن المهم أن يكون الموظفون قادرين على رؤية التحسينات الناتجة عن البيانات من حولهم. ومن الضروري التواصل مع الموظفين عند وضع مقياس معياري وعند وجود تحسينات في المقاييس الرئيسة. وفي هذا المسعى، تستخدم مجموعة "لارسن آند توبرو" تطبيق "وورك بليس" (Workplace) الذي طرحته شركة "فيسبوك" وهو عبارة عن منصة للموظفين تُتيح لهم إجراء بث مباشر عبر الإنترنت، وتقديم وحدات التدريب الإلكتروني التي تُقدّم عندما تُظهر البيانات حاجة إلى تقديم تدريب إضافي.

ومن المهم أيضاً أن يعي الموظفون في كل مستوى من مستويات الشركة أهمية البيانات في مساعدتهم على تحسين أدائهم وفي مساعدة الشركة ككل على العمل بشكل أكثر فاعلية.

تقييم العمليات الضرورية

إن وجود عقلية مستندة إلى البيانات لا يعني قياس كل شيء، لاسيما في المراحل المبكرة، فمن الصعب تحويل تركيز الموظفين من جمع كمية قليلة من البيانات إلى جمع الكثير منها ومعالجتها دون أن يشعروا بالضجر من البيانات. على سبيل المثال، عند إعداد أنظمة الصيانة التنبؤية على معدات البناء، ركزت مجموعة "لارسن آند توبرو" على الأصول التي توفر قدراً كبيراً من القيمة، مثل مصانع خلط الإسمنت وآلات رصف الطرق والرافعات والجرافات ذات العجلات والحفّارات. ومن السهل أن تغفل عن قياس المجالات التي تحظى بأهمية أكبر في حال قمت بقياس كل شيء.

لذلك، تتمثّل الخطوة الأولى في إنشاء عقلية مستندة إلى البيانات في جميع وحدات المؤسسة وترسيخ تلك العقلية إلى حين تصبح جزءاً من الثقافة. وعند تحقيق هذه الغاية بنجاح، ستخلق هذه العقلية قوة عمل استباقية وأكثر تواصلاً تمتلك فهماً أكبر لكيفية أداء أعمالها ورؤية ثاقبة لتحديد المجالات التي تحتاج إلى إجراء تحسينات.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي