أعاد فيروس كورونا تشكيل الاقتصاد والقوى العاملة بشكل جذري. فمنذ انتشاره السريع في جميع أنحاء العالم ونحن نشهد تحولات ضخمة في طريقة وأماكن عملنا والتقنيات التي نستخدمها للبقاء على تواصل مع الآخرين. وهذا ما أدى إلى ظهور أيضاً أكثر من وظيفة مستقبلية في مجال الموارد البشرية، وستتعرف على وظائف مستقبلية في الموارد البشرية من خلال هذا المقال.
إن هذا التغير الهائل في طريقة عملنا يزيد من أهمية دور قسم الموارد البشرية داخل المؤسسات. يلجأ العاملون إلى مدرائهم وقادة الموارد البشرية على وجه التحديد للحصول على توجيهات بشأن كيفية التعامل مع "الوضع الطبيعي الجديد"، حيث تشير البحوث إلى أن 73% من العاملين يعتمدون على أصحاب عملهم للحصول على الدعم للاستعداد لمستقبل العمل. وتماماً كما اتسع نطاق عمل الرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية منذ الأزمة المالية التي وقعت عام 2008، فإن الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية لديهم الفرصة نفسها ليصبحوا جهات فاعلة مركزية في المناصب التنفيذية العليا.
ونحن نؤمن أن هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه لقادة الموارد البشرية قيادة المؤسسات لاستكشاف المستقبل. فلديهم فرصة ومسؤولية كبيرة لتوجيه العاملين بشأن المهارات والقدرات التي سيحتاجون إليها ليحققوا النجاح خلال العقد المقبل مع استمرار ظهور أدوار وظيفية جديدة.
ومع وضع ذلك في الاعتبار، أطلق مركز مستقبل العمل بشركة "كوغنيزنت" (Cognizant) وشركة "فيوتشر وورك بليس" (Future Workplace) على نحو مشترك مبادرة لمدة 9 أشهر لمعرفة كيف سيبدو شكل مستقبل الموارد البشرية على وجه التحديد، حيث جمعنا بين أفراد من شبكة شركة "فيوتشر وورك بليس"، التي تضم ما يقرب من 100 من الرؤساء التنفيذيين لشؤون الموارد البشرية والرؤساء التنفيذيين للتعلم ونواب الرئيس للمواهب وتحويل قوة العمل، من أجل تصوُّر كيف يمكن أن تتطور الأدوار الوظيفية في مجال الموارد البشرية على مدار السنوات العشر المقبلة. وقد أخذ هذا العصف الذهني التوجهات الاقتصادية والسياسية والديموغرافية والمجتمعية والثقافية والتجارية والتقنية في عين الاعتبار.
وظائف مستقبلية في الموارد البشرية
النتيجة هي تصوُّر أكثر من 60 وظيفة جديدة في مجال الموارد البشرية، بما في ذلك تحديد المسؤوليات المفصلة والمهارات اللازمة للنجاح في كل دور وظيفي. ثم وضعنا تصنيفاً لكل وظيفة وفقاً لتأثيرها التنظيمي، ما أتاح لنا تضييق القائمة لتضم 21 وظيفة مبدئية في مجال الموارد البشرية في المستقبل.
رتبنا وظائف الموارد البشرية في جدول بحيث يصف المحور "س" الوقت، والترتيب الذي نتوقع أن تظهر فيه الوظيفة على مدار السنوات العشر المقبلة، بينما يصف المحور "ص" "مستوى التمركز حول التكنولوجيا" (بمعنى أن جميع الوظائف سوف تستغل التقنيات المبتكرة، ولكن فقط الوظائف الأكثر تمركزاً حول التكنولوجيا ستتطلب بالفعل وجود خلفية عن علوم الكومبيوتر). علاوة على ذلك، تم تحليل كل وظيفة في شكل توصيف وظيفي (أي من حيث المتطلبات العامة والمسؤوليات المحددة والمهارات/المؤهلات، وما إلى ذلك) بشكل مماثل للشكل الذي ستحتاج مؤسسات الموارد البشرية إلى كتابة التوصيف الوظيفي به في العقد القادم.
أدى ظهور مرض "كوفيد-19" إلى ضغط الوقت كما يحدث في آلة الأكورديون، ما جعل عدد قليل من هذه الوظائف "ملحة في الوقت الحالي"، حيث ستشهد العشرينيات من هذا القرن إعادة تصور الوظائف في مجال الموارد البشرية. ونحن نتوقع رؤية المزيد من النماذج "لوظائف أصبحت موجودة فعلياً" بفضل القادة الحالمين في الأشهر والسنوات القادمة. وكما حافظنا على ذلك منذ فترة طويلة، يجب أن نحلم بالوظائف الجديدة قبل إيجادها وابتكارها.
في حين أن بعض الأدوار التي حددناها جديدة تماماً، فهناك أدوار أخرى تمثل مسؤوليات جديدة ستصبح ذات أهمية متزايدة مع قيام أقسام الموارد البشرية بإعادة تصور استراتيجيتها واستعادة نشاطها في ضوء الجائحة الحالية. تنطوي جميع الوظائف الواحدة والعشرون على 5 موضوعات أساسية تناولناها في بحثنا.
المرونة الفردية والتنظيمية
أدت تدابير العمل عن بعد التي اتُخذت على الصعيد العالمي استجابة لمرض "كوفيد-19" إلى نمو الاقتصاد الرقمي بشكل أسرع من أي وقت مضى، إلى جانب ثقافة "العمل المستمر" وضغوط إدارة التوازن بين العمل والحياة. وأدت هذه التحديات إلى التركيز مجدداً على أهمية الحفاظ على صحة ورفاهة العاملين وليس فقط على صحتهم البدنية. وبالنسبة إلى موظفي الموارد البشرية، فهذا يعني أن مستقبل العمل سينطوي على تركيز أقوى ورؤية أشمل لرفاهة الموظفين بحيث تتضمن الصحة العاطفية والعقلية والروحية للموظفين إلى جانب صحتهم البدنية. (أفادت شركة غالوب Gallup، حتى قبل ظهور الفيروس، أن ثلثي العاملين بدوام كامل يعانون من مشكلة الاحتراق الوظيفي).
وهذا يمهد الطريق أمام ظهور دور وظيفي جديد في الموارد البشرية يركز على زيادة معدل استبقاء الموظفين وليس على زيادة المزايا المقدمة لهم فقط. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد دور "مدير الرفاهة" على الإدارة الاستراتيجية لرفاهة الموظفين وتصميم خدمات وممارسات لتعزيز صحة جميع الموظفين العاطفية والبدنية والعقلية والروحية. نرى بالفعل بعض الشركات تُعيّن مدراء للرفاهة ونتوقع أن نرى المزيد من هذه الوظائف في غضون عقد من الزمان؛ فنحن نؤمن أن مستقبل العمل سيتمثل على نحو متزايد في تحقيق الرفاهة للموظفين.
واليوم مع وجود أكثر من 88% من الموظفين أصحاب المهارة المعرفية يؤدون وظائفهم عن بُعد، سيحتاج هذا الدور الوظيفي إلى العمل على أساس تعدد المهام للتأكد من أن الموظفين خارج مكان العمل يحصلون على المزايا نفسها التي يحصل عليها هؤلاء الذين يعملون من مكان العمل. وهذه هي المهمة التي سيظهر لأجلها دور "ميسّر العمل من المنزل"، حيث سيضمن هذا الشخص أن عمليات المؤسسة وسياساتها وتقنياتها هي الأمثل للعاملين عن بُعد. وسيكون المقياس الرئيسي للنجاح في هذا الدور هو بناء شعور قوي بالانتماء لدى العاملين داخل المؤسسة، ما يضمن أنهم يعرفون أهدافها ويشعرون أنها تهتم بهم بشكل كبير.
الثقة والسلامة التنظيمية
العاملون في مجال الموارد البشرية في وضع فريد يتيح لهم أن يكونوا حرّاساً ونماذج لمكان العمل الأخلاقي المسؤول. ومع استثمار المؤسسات في مبادرات التحول الرقمي وترسيخ "ثقافة البيانات"، نعتقد أن التوقعات المتعلقة بالوفاء بتلك المسؤولية ستزداد.
فقط في العام الماضي، وجدت بحوث مشتركة أجرتها شركة "أوراكل" (Oracle) وشركة "فيوتشر وورك بليس" حول المواقف تجاه الذكاء الاصطناعي في مكان العمل أن العديد من الأشخاص قلقون بشأن انتهاكات أمن البيانات. فمن بين 8,370 من قادة الموارد البشرية ومدراء التوظيف والعاملين الذين تم استطلاع آرائهم في 10 دول، أفاد 71% أنهم "يقلقون أحياناً على الأقل" من انتهاك سرية البيانات وقال 38% إنهم "قلقون للغاية" من الشيء نفسه. في الواقع، قال 80% من المشاركين أنه ينبغي لشركاتهم طلب الإذن قبل استخدام الذكاء الاصطناعي لجمع بيانات حولهم.
وهذه مشكلة؛ فقد وجد بحث أجرته شركة "لينكد إن" أن 67% من مدراء التوظيف ومسؤولي التوظيف قالوا إن الذكاء الاصطناعي يوفر لهم الوقت عند بحثهم عن مرشحين للوظائف. ولكن هناك أسئلة تُثار في الوقت الحالي حول هذه التقنية واحتمالية تحيزها وعدم دقتها وافتقارها إلى الشفافية. ففي كل مرة يقوم الموظفون بالنقر والإعجاب والمرور على مواقع التواصل الاجتماعي، فهذا يكشف عن اهتماماتهم وتفضيلاتهم وغاياتهم ومواقعهم لأي شخص قادر على جمع هذه البيانات، بما في ذلك موظفي الموارد البشرية. ونتيجة لذلك، يزداد وعي الموظفين بالخصوصية ومدى استعدادهم لمشاركة بياناتهم بكل اطمئنان.
أدت الحاجة إلى خصوصية البيانات في عصر الخوارزميات إلى زيادة الحاجة إلى مزيد من النُظم التي تضم الإنسان داخل الحلقة لضمان الإنصاف وقابلية التوضيح والخضوع للمساءلة فيما بين كبار قادة الموارد البشرية. ونعتقد أن هذا قد يؤدي إلى ظهور دور جديد في الموارد البشرية مثل "مسؤول مكافحة التحيز البشري" وهو مسؤول عن المساعدة على الحد من التحيز على مستوى جميع الوظائف في الشركة، وسيضمن أن الموظفين سيعامَلون بإنصاف طيلة مدة بقائهم بالشركة، منذ التعيين حتى ترك العمل، بغض النظر عن العِرق أو الانتماء الإثني أو النوع الاجتماعي أو الديانة أو الوضع الاقتصادي أو الخلفية أو العمر أو الثقافة.
بالإضافة إلى "مسؤول مكافحة التحيز البشري"، ظهر بالفعل دور وظيفي آخر يهدف إلى ضمان سلامة الموظفين، وهو: مدير استمرارية الأعمال الاستراتيجية للموارد البشرية؛ وهو يقود فريق الاستجابة للموارد البشرية ويعمل مع الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية والرئيس التنفيذي للمعلومات ومدير المرافق لاقتراح كيفية تهيئة مكان عمل آمن لكل من العاملين في الموقع وعن بُعد. على سبيل المثال، أدرجت إليزابيث أديفيوي، النائبة الأولى لرئيس شركة "إنغريديون" (Ingredion) والرئيسة التنفيذية لشؤون الموارد البشرية بها، التأهب لحالات الطوارئ واستمرارية الأعمال في دورها الرئيسي المتصل بالموارد البشرية، حيث تقول أديفيوي: "منذ جائحة كوفيد-19 كنت أشارك مع رئيسنا التنفيذي وكبار المسؤولين التنفيذيين من أقسام: التكنولوجيا والمالية والاتصالات والمرافق؛ لوضع نهج مرحلي وعالمي وآمن لمعاودة العمل من مكان العمل". ووفقاً لبحث أجرته "الجمعية الأميركية لإدارة الموارد البشرية" (SHRM)، يُعد هذا هدفاً رئيسياً للرئيس التنفيذي لشؤون الموارد البشرية؛ حيث إن 34% من المؤسسات لم تكن لديها خطة تأهب لحالات الطوارئ قبل جائحة "كوفيد-19".
الإبداع والابتكار
مع تصور قادة الأعمال طرق جديدة لتنمية مؤسساتهم في خضم هذا التغير السريع، يجب أن يظهر دور جديدة عند نقطة الالتقاء بين استراتيجية المؤسسة والموارد البشرية، وهو: قائد مستقبل العمل، الذي سيكون مسؤولاً عن تحليل المهارات التي ستكون الأكثر أهمية مع استمرار تطور قوة العمل. ويركز هذا الدور على كل من وضع استراتيجية المؤسسة المتعلقة بمستقبل العمل وصقل مهارات الموظفين الحاليين وتحسينها. وسيجمع هذا المنصب أيضاً بين مدخلات شاملة من الأوساط الأكاديمية والرابطات الصناعية والتهديدات التنافسية في السوق لتصور الوظائف والمهارات الجديدة الضرورية لاستمرار نجاح المؤسسة.
ومع استمرار عقد الاجتماعات والتدريبات افتراضياً، هناك دور آخر نتصور ظهوره، وهو: استشاري الانخراط في الواقع الافتراضي. سيساعد هذا الدور على الاستفادة من إمكانية استخدام الواقع الافتراضي لتوسيع نطاق برامج التدريب لتشمل عدداً من حالات الاستخدام، بما في ذلك إعداد الموظفين الجدد وتقديم التدريب الإرشادي وصقل المهارات وتحسينها وحتى تقديم التدريب الطبي والتدريب على السلامة. تُعد شركة "آتش آند آر بلوك" (H&R Block) مثالاً لشركة تستخدم بالفعل عمليات محاكاة الواقع الافتراضي لتدريب ممثلي خدمة العملاء على التقليل من حدة التعاملات مع العملاء. ومن خلال التدرب على كيفية الرد على أسئلة العملاء الصعبة من خلال محاكاة الواقع الافتراضي، وجدت الشركة أن عدد العملاء غير الراضين انخفض بنسبة 50% نظراً إلى أن 70% من ممثلي خدمة العملاء بشركة "آتش آند آر بلوك" يفضلون عمليات محاكاة الواقع الافتراضي على الأشكال التقليدية في التعلم. وقد توقع بالفعل بحث أجرته شركة "أيه بي آي" (ABI) أن سوق التدريب باستخدام تقنية الواقع الافتراضي سيصل إلى 6.3 مليار دولار بحلول عام 2022.
الإلمام بالبيانات
في الوقت الحالي، فقط القليل من وظائف الموارد البشرية تبني القدرات التحليلية في فرق العمل لإيجاد حلول للتحديات الأساسية التي تواجه الأشخاص كالكشف عن أسباب تفوق أحد الفرق في الأداء على فريق آخر أو كيف يمكن للمؤسسة خلق ثقافة أكثر تنوعاً وشمولاً. وفي المستقبل نعتقد أن المزيد من فرق الموارد البشرية ستسير على خطى الأقسام الأخرى، مثل قسم تجربة العملاء وقسم المالية، وستتبنى هذه الممارسة، ما يؤدي إلى اضطلاعها بوظيفة مستندة إلى البيانات بشكل أكبر. وفعل ذلك سيتيح لتلك الفرق تقديم رؤى أكثر دقة حول كل شيء بداية من أداء الموظفين واستبقائهم إلى مستوى اندماج القادة في المناصب التنفيذية العليا.
في الوقت الذي يعاني فيه علماء البيانات من نقص في الإمدادات، هناك دور جديد يمكن أن يساعد في إحداث هذا التغيير، وهو: المحقق في بيانات الموارد البشرية. وهذا الشخص سيكون مسؤولاً عن تجميع تدفقات البيانات المتفرقة (مثل استطلاعات رأي الموظفين ونُظم إدارة التعلم وبوابات المزايا) للمساعدة في حل مشكلات العمل. ولأن المحققين في البيانات يرتاحون إلى الغرق في تفاصيل وتعقيدات البيانات الضخمة بمثل راحتهم إلى رؤية الصورة الأكبر وشرحها، فإنهم سيجمعون ويصنفون الرؤى ذات الصلة بالموارد البشرية للمساعدة في تحسين أداء الموظفين وتحقيق نتائج أفضل للشركة ككل.
نتوقع أن شركات مثل "جين تك" (Genetech)، التي بدأت بالفعل في إدراج هذا النوع من مهارة الإلمام بالبيانات في وظائفها، سيكون لها ميزة تنافسية، حيث يقول تشيس روبوثام، رئيس قسم تحليل بيانات الأشخاص بشركة "جين تك": "نظراً إلى أن العمل عن بُعد أصبح هو الوضع الطبيعي الجديد، فإننا سنتمكن من جمع رؤى ثاقبة من نُظم معلومات الموارد البشرية الخاصة بنا لوضع مجموعة من الممارسات الجديدة المتعلقة بالموارد البشرية كتدريب مدراء العاملين عن بُعد على الاستراتيجيات الناجحة التي تساعدهم على قيادة فريق عالمي لضمان الإنتاجية واندماج الموظفين بشكل مستمر".
الشراكات بين الإنسان والآلة
مع استمرار زيادة استخدام الروبوتات في الشركات، أصبح من الواضح أن هناك حاجة إلى التعاون بين الإنسان والآلة في مكان العمل، حيث إن إصدار الأحكام عادة ما يكون سهلاً بالنسبة إلى البشر ولكنه لا يزال صعباً بالنسبة إلى أجهزة الكمبيوتر. فالروبوتات بارعة للغاية في "علوم" الوظيفة، خاصة عندما يطرح الاعتماد على القدرات الحسابية والتحليل والتعرف على الأنماط أسئلة حول الإجراءات الأكثر ملاءمة التي ينبغي اتخاذها في الخطوات المقبلة بناء على جميع البيانات المتاحة. والبشر بارعون للغاية في تقييم المواقف أو "فن" الوظيفة، ويسألون بصفة أساسية عما ينبغي فعله في موقف معين. ومن المرجح أن يؤدي تحقيق التوازن بين "فن الوظيفة" (الذي يبرع فيه البشر) و"علوم الوظيفة" (التي تبرع فيها الروبوتات) إلى ظهور أدوار جديدة ذات صلة بالموارد البشرية تركز على الكيفية التي يمكن بها أن يعملا معاً بشكل تلقائي.
إحدى الوظائف الجديدة التي يمكن استحداثها هي "مدير التعاضد بين الإنسان والآلة"، وهو دور يعمل عند نقطة الالتقاء بين الإنسان والآلة ويهدف إلى إقامة التعاون السلس بينهما. وسيبحث هؤلاء المدراء عن طرق لزيادة التعاون وليس التنافس.
على سبيل المثال، يرى جيمس لو، رئيس قسم الموارد البشرية في "بنك دي بي إس" (DBS Bank) (في تايوان) أنه من المحتمل ظهور دور وظيفي جديد وهو "مدرب روبوتات الدردشة" بحيث يكون مسؤولاً عن خلق تجربة سهلة للمرشح، حيث يقول لو: "سيعمل مدرب روبوتات الدردشة مع فريق التوظيف في بنك دي بي إس لتدريب روبوتات الدردشة على التعامل مع المهام الروتينية المتمثلة في فرز المرشحين والإجابة عن أسئلة المرشحين الشائعة، بينما يتوفر لمسؤولي التوظيف المزيد من الوقت للتركيز على الجوانب الاستراتيجية كالتواصل مع مدراء التوظيف لفهم الحاجة إلى استحداث وظائف جديدة وكذلك الاحتياجات المتغيرة للعمل بالنسبة إلى الموظفين الجدد".
ضع في اعتبارك أن العديد من هذه الأدوار الوظيفية الجديدة ستعتمد على استحداث وظائف أخرى في المستقبل (في الموارد البشرية بصورة رئيسية)، وقد تم استحداث بعضها بالفعل ولكن العديد منها لم يتم "ابتكاره" بعد. على سبيل المثال، قد يعمل مدير التعاضد بين الإنسان والآلة مع مدرب روبوتات الدردشة لتعزيز تجربة المرشحين القائمة على الذكاء الاصطناعي. وأوجه الترابط هذه ستسترشد بها المسارات المهنية أيضاً. وقد يكون الشخص الذي يمتلك خبرة لعدة سنوات بوصفه محققاً في بيانات الموارد البشرية مرشحاً رئيسياً لشغل دور "رئيس سلوكيات العمل" وهو دور جديد آخر للموارد البشرية في المستقبل.
هل يبدو كل ذلك غريباً في ظل معدلات البطالة المتزايدة؟ بل على العكس من ذلك، فالآن هو الوقت المناسب لكي يخطط قادة الموارد البشرية للنمو المستقبلي. وقبل سنوات قليلة فقط استُحدثت العديد من وظائف الموارد البشرية الجديدة، بما في ذلك دور "مدير الشؤون المالية الصحية" الذين يُعتمَد الآن على نطاق واسع. في الواقع، أظهر استطلاع للرأي نشره "معهد بحوث استحقاقات الموظفين" (Employee Benefit Research Institute) أن حوالي نصف عدد الشركات التي تضم 500 موظف تقدم الآن نوعاً من البرامج الصحية المالية؛ حيث تنفّذ 20% من الشركات هذه البرامج بفاعلية لموظفيها في الوقت الحالي، وهناك 29% من الشركات مهتمة بتنفيذ مثل هذه البرامج في المستقبل.
يُعد دور "الرئيس العالمي لتجارب الموظفين" من الأمثلة الأخرى لأدوار الموارد البشرية الجديدة التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية. وأفضل مثال على هذا الدور الوظيفي هو منصب رئيس قسم الشؤون العامة في شركة "إير بي إن بي" (Airbnb) الذي أعاد تصور هذا الدور من خلال الجمع بين الوظائف المتفرقة المتعلقة بالموظفين والتقنيات والعقارات لخلق تجارب موظفين كتلك المناسبة للمستهلكين. ومنذ شهر يونيو/حزيران عام 2020 أصبح لدى مؤسسات، مثل بنك "أيه بي إن أمرو" (ABN-AMRO) و"آي إن جي" (ING) و"آي بي إم" (IBM) و"آتش بي إي" (HPE) و"نوفارتس" (Novartis) و"وول مارت" (Walmart)، موظفون في قسم الموارد البشرية يشغلون هذا المنصب.
خلاصة القول حول الوظائف مستقبلية في الموارد البشرية، التغيير قادم لا محالة ولذلك من الأفضل الحصول على السبق. والشركات التي يمكنها توقع الأدوار الوظيفية المستقبلية للموارد البشرية التي ستحتاج إليها، ليست في وضع يتيح لها التفوق على منافسيها فحسب، ولكنها أيضاً تجعل الموارد البشرية محركاً للأعمال الاستراتيجية بشكل مباشر. ومع تطور الأدوار الوظيفية الجديدة والحالية، فإن المؤسسات الأكثر نجاحاً ستفهم بوضوح ما ينبغي تغييره للوفاء بأولويات العمل (المتوقعة وغير المتوقعة) في المستقبل. وربما ستُعيّن قريباً شخصاً ما لشغل وظيفة من هذه الوظائف الالواحدة والعشرين أو ربما ستشغلها أنت بنفسك.
اقرأ أيضاً: