توصلت دراسة استبيانية حديثة أجراها خريجو "كلية هارفارد للأعمال" إلى أن 71% من المبحوثين شعروا أن أعمالهم تضررت جراء عدة عوامل وهي: ارتفاع معدلات عدم المساواة والركود الذي حل بالطبقة الوسطى والفقر المتنامي ومحدودية الحركة الاقتصادية. كما أجمع 66% من المبحوثين على أن التركيز على معالجة هذه القضايا كان أهم من العمل على تعزيز النمو الاقتصادي. فكيف يمكن الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة؟
لا تزال الكثير من جهات التوظيف تتصرف كما لو أن النهوض برفاهية العمال والأسر أمراً لا يعنيهم مطلقاً.
هذه العقلية خاطئة تماماً. إن قادة الشركات ليسوا مجرد أرباب عمل: فبوصفهم أعضاء دائمين في مجالس الإدارة لهيئات التنمية الاقتصادية الإقليمية، لهم التأثير الكبير على جدول الأعمال المدنية في المدن والمناطق الحضرية التي تكون فيها شركاتهم موجودة. فبالعمل جنباً إلى جنب مع الشركاء في الحكومة والقطاع غير الربحي، سيتمكن هؤلاء القادة من تحويل وتوسيع نطاق أهداف وممارسات التنمية الاقتصادية.
لقد وَضعتُ في بحث صدر مؤخراً، إطاراً لإعادة تشكيل التنمية الاقتصادية، كما أكدتُ على أن تحقيق النمو الإقليمي المستدام يحتاج إلى تحسين مستويات المعيشة للجميع. بحيث يجب أن يحتل الشمول الاقتصادي الأولوية عند كل من صُنّاع السياسة الاقتصادية والأعمال التجارية. فإذا لم يكن الجيل القادم من العمال مُهيّأً لتلبية احتياجات جهات التوظيف الرئيسة، فإن ذلك سيؤدي إلى خنق الصناعة من ناحية الإنتاجية والتوسع والاستبقاء. وإذا كان الناس عاطلين عن العمل أو يعانون من البطالة الجزئية، فهذا يعني أنهم لن يتمكنوا من شراء العديد من السلع والخدمات التي ينتجها الاقتصاد، ما سينعكس سلباً على الشركات الصغيرة ورواد الأعمال. كما أن الاستخدام غير الفعال للأراضي والبنية التحتية، بما في ذلك الاختناقات التي يمكن أن تنتج عنه، سيؤدي إلى عرقلة الحصول على الوظائف، وسيعمل على تقييد الإنتاجية، إضافة إلى تأثيره السلبي على قيمة الممتلكات.
3 مفاهيم بارزة من أجل الوصول إلى تنمية اقتصادية شاملة
على الرغم من أهمية إدراك الحاجة إلى تعزيز الشمول الاقتصادي، لكن يبقى الأهم نقل هذه الفكرة إلى طور التنفيذ. لذلك يعمل بعض قادة الأعمال وقادة المجتمع المدني من مختلف أنحاء الولايات المتحدة الأميركية على تقديم خطة عمل عن كيفية تحقيق النمو الاحتوائي. وفيما يلي 3 مفاهيم بارزة لهذه الخطة:
اجعل الشمول هدفاً معلناً وقم بقياسه
إن الخطوة الأولى الشمول طريق تشجيع الشمول الاقتصادي تكون بالاتفاق على الأهداف، حيث اجتمع في مدينة مينيابولس سانت بول، مجموعة متنوعة من أصحاب المصلحة ومن مجالات عدة وهي: التنمية الاقتصادية والعمل الخيري والأعمال التجارية والحكومة والتنمية المجتمعية، وذلك للتوصل إلى توافق حول تحديد أكثر من 50 مؤشراً للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والبيئي لتوجيه استراتيجيتهم الإقليمية. ومع تحديد الشمول كهدف رئيس، اتفق المجتمعون على مزيج أساسي من المقاييس لقياس الابتكار وتطوير المواهب وإمكانية الحصول على الوظيفة، إضافة إلى قياس مستوى جودة الوظيفة، مع إظهار الاهتمام المتزايد بمقاييس الفقر وعدم المساواة القائمة على العنصرية. بذلك أصبحت لوحة متابعة البيانات الإقليمية الجديدة تتضمن مؤشرات مثل "النسبة المئوية للسكان العاملين والمولودين في الخارج الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و64 عاماً" و"فجوة العمالة بين أصحاب البشرة البيضاء والأشخاص الذين ينتمون إلى أعراق مختلفة"، حيث لا يمكن تحقيق الشمول الاقتصادي حتى يتفق أصحاب المصلحة الشمول جميع أنحاء المنطقة على الأهداف المشتركة ويبدؤون بالعمل على تحقيقها.
ركز على دعم الصناعات التي توفر الوظائف الجيدة فعلياً
لا يتم تفصيل جميع الوظائف على قدم المساواة. فلكل واحد من أربعة بالغين أميركيين عاملين في الولايات المتحدة وظيفة تؤمن أقل من الحد الأدنى للمعيشة، وبذلك نرى أن حصة الوظائف ذات الأجور المتدنية في الاقتصاد الوطني تزداد يوماً بعد يوم. فوفقاً لتقرير مشروع قانون العمل الوطني، نجد أن هناك زيادة في عدد العاملين في الصناعات ذات الأجور المنخفضة بمقدار 2.3 مليون عامل، مقابل انخفاض قدره 1.2 مليون عامل في الصناعات ذات الأجور المتوسطة والمرتفعة وذلك مقارنة مع بداية الركود. علينا إدراك الحقيقة التالية أن الشمول الاقتصادي لجميع الفئات يبدأ بتوفر الوظائف التي يمكن أن تنتشل العامل من الفقر، فالوظائف التي تفشل الشمول تحقيق هذه الغاية ستفشل أيضاً الشمول سد الفجوات العرقية أو الشمول تنمية الحراك الاقتصادي. ولتعزيز الشمول، يجب على القادة إعطاء الأولوية للصناعات التي توفر وظائف جيدة داعمة للأسرة، الوظائف التي ترفع من معدل دخل الفرد.
وخلال السعي نحو زيادة هذا النوع من الوظائف، يجب على القادة الإقليميين التطلع لتعزيز الابتكار والتجارة ضمن مجموعات الصناعة الأساسية، والقطاعات التجارية كما في الصناعات المتقدمة المتعمقة في مجالات البحث والتطوير والعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM). ومثال على ذلك، مؤسسة "كونيكت" (CONNECT) في مدينة سان دييغو، التي تعمل على تشجع الابتكار والنمو المستمر بين شركات التكنولوجيا رفيعة المستوى، ومؤسسة "إي دبليو آي" (EWI) في مدينة كولومبس، التي تبحث في تقنيات التصنيع المتقدمة للأنشطة الصناعية. كما نَشَرَ قادة مجموعة علوم الحياة في مدينة إنديانابوليس، مجموعة من الاستراتيجيات تحت مظلة شركة "بايو-كروسرودز" (BioCrossroads)، متضمنة تقديم الدعم لرواد الأعمال، وربطهم برؤوس الأموال، وتسهيل العلاقات بين الأعمال التجارية المترابطة، ما ساهم في تشكيل أكثر من 300 شركة. تساعد هذه المبادرات التعاونية على تقوية مجموعات الصناعة الأساسية، ما سيؤدي إلى زيادة عدد الوظائف الداعمة للأسرة في المنطقة.
الاستثمار في الموارد البشرية، بطرق منها التدريب المهني
لا تطال منفعة الوظائف الداعمة للأسرة إلا الأشخاص الذين لديهم المهارات التي تؤهلهم للحصول على تلك الوظائف، ولكن الشمول الاقتصادي يتطلب التزاماً عميقاً بتنمية المهارات. لذلك اجتمعت في مدينتي لويفيل وليكسينغتون، أبرز شركات التصنيع كشركة "جي إي أبليكيشنزآندلايتنينغ" (GE Appliances and Lighting) وشركة "شركة تويوتا موتور مانيفاكترينغ" (Toyota Motor Manufacturing) بناء على دعوة من رؤساء البلديات لتسخير الانتعاش الذي يشهده قطاع التصنيع في هذا المجال. شكلت هذه الشركات وغيرها "اتحاد كنتاكي للتعليم المتقدم في مجال التصنيع" (KY FAME) وذلك لإطلاق برامج التدريب المهنية للوظائف المتوسطة المهارات برعاية جهات التوظيف، ولاعتماد النموذج الذي طورته شركة "تويوتا". واليوم، تمتد 9 فروع من (FAME) في جميع أنحاء الولاية، وتعمل بالتعاون مع عشرات الشركات لتقديم الدعم للمتدربين مدفوعي الأجر الذين يعملون بدوام جزئي ويَدرسون في الكليات المجتمعية لكسب الشهادات اللازمة لنيل درجة مُشارك.
إن الوصول إلى التنمية الاقتصادية الشاملة ليس بالأمر السهل، فهذه الجهود المبتكرة تسلط الضوء على إمكانية إجراء الإصلاحات عندما يتعاون كل من الأعمال التجارية وقادة المجتمع وصانعي السياسة. أما الخيار البديل الذي يتمثل في التركيز المستمر على الأرباح قصيرة الأجل على حساب المجتمع، فهو غير مستدام من الناحية السياسية أو الاقتصادية.