كيف يمكننا جعل النمو الاقتصادي أكثر شمولية؟

3 دقائق

تحتوي بعض الأسئلة على ما أحب أن أسميه الجودة المحفّزة، تماماً مثلما تفعل المحفزات في العمليات الكيميائية من إذابة للحواجز وتسريع التقدم نحو مسارات أكثر إنتاجية، تفعل هذه الأسئلة الأمر نفسه في حل المشاكل بطريقة إبداعية. انظر مثلاً إلى السؤال الذي طُرح مؤخراً على الطاولة السياسية بسبب الازدهار الذي تعيشه العديد من الاقتصادات الناضجة. على الرغم من كثرة الابتكار (خاصة في قطاع التكنولوجيا) وسرعة إنشاء قيمة جديدة، فإن اقتصادات قليلة تجني مكاسب الثروة الناتجة بينما ينتهي الحال بالغالبية إلى أوضاع مالية أكثر سوءاً. وحتى في حال استفادة الجميع من التدفق الأكثر حرية للمعلومات الذي يسمح به الإنترنت، فإن المعلومات وحدها لا يمكنها دفع فاتورة تدفئتك أو شراء ناقل حركة جديد لسيارتك، إذ إنه في الوقت الذي انخفضت فيه تكاليف أشياء مثل المكالمات الهاتفية وأجهزة التلفاز، ارتفعت في المقابل تكلفة الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والسكن.

إن هذا التحدي العالمي المزعج يجعلني أتساءل: "ماذا لو أن المبتكرين في العالم حوّلوا أنظارهم باتجاه حل هذه المشكلة؟ هل يمكن جعل النمو أكثر شمولية؟"، هذا سؤال كبير، وآمل أن يكون سؤالاً محفزاً.

يحاول العديد من الناس الإجابة عن هذا السؤال بالفعل. هناك أعمال رائدة لزينب تون حول "لماذا تعد الوظائف الجيدة مفيدة للأعمال". وهناك أشخاص في مجتمع الأعمال يطلقون مبادرات مثل "آي فور جيه" (I4J)، وهي مجموعة تتحدى مجتمع وادي السيليكون التكنولوجي "للابتكار من أجل الوظائف". تنشر المطبوعات العلمية ودعوات لإجراء أبحاث جديدة يمكن أن تكون ملهمة فيما يخص التغيير على مستوى المؤسسة مثل "دورية دراسات الإدارة" (Journal of Management Studies). في حين يمكنني القول إن مثالي الخاص والمفضل هو تحدي الابتكار الشامل لـ "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (MIT Inclusive Innovation Challenge)، المستمر لعامه الثاني الآن، حيث يوزع التحدي جوائز نقدية على المؤسسات الملهمة التي "تستخدم التكنولوجيا لإعادة اختراع العمل وخلق فرص اقتصادية للأشخاص دون الدرجة الأولى من السلم الاقتصادي".

في عام 2016، فازت بالجائزة الكبرى للتحدي شركة غير بعيدة جغرافياً عن "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (إم آي تي)" لكنها تعمل في قطاع يبدو بعيداً زمنياً مسافة 100 عام. الشركة هي "ناينتي ناين ديغريز كاستوم" (99Degrees Custom)، وهي شركة تصنيع ملابس تقع في مكان رمزي رائع بمحاجر إيفرت التاريخية في مدينة لورانس بولاية ماساتشوستس التي لا تبالغ الشركة حين تسميها "مهد الثورة الصناعية الأميركية". في خضم ثورة تكنولوجية جديدة في القرن الحادي والعشرين، لا يمكن القول إن هناك عمالاً لم تعد هناك حاجة لهم بسبب الآلات أو يمكن الاستغناء عنهم بسبب استخدام الروبوتات والعمليات والأنظمة الرشيقة، فإن شركة تصنيع الملابس هذه تسمح بإنشاء وظائف جديدة باستخدام "خياطة حرة وتقنيات قابلة للارتداء والتصنيع حسب الطلب ودورات تطوير وإنتاج أسرع". قالت بريانا شنايدر، مؤسسة الشركة، لصحيفة "بوسطن غلوب" (The Boston Globe): "تتردد على مسامعك الكثير من المخاوف حول استبدال الآلات لوظائفنا والحماس بشأن عمل الروبوتات، لكنني أرى أن هناك مساحة رائعة بين الآلة وبين البشر".

لقد كنت دوماً مؤمناً بمبدأ الاحتفاء بما تريد رؤية المزيد منه، وهو ما تفعله مسابقة الجوائز هذه، ولكن هناك ما هو أكثر مما يحققه "التحدي" المصمم جيداً. سواء بالنسبة لتحديات "أوبن آي دي إي أو" (Open IDEO) المستمرة، أو "تحدي هايبرلوب" (Hyperloop) لإيلون ماسك، أو أي من مسابقات "إكس برايز" (XPRIZE) السنوية المذهلة لبيتر ديامانديس (على سبيل المثال لا الحصر)، فإنّ سر قوتهم يكمن في طرح سؤال استفزازي ثم فتح الأبواب على نطاق واسع لأي شخص يمكنه الإجابة عنه. إن الطاقة الإبداعية مطلقة العنان لا تنتج فائزاً واحداً فحسب، بل تُشرك طيفاً كاملاً من البشر في عملية البحث، وتحفز القناعة الجماعية بضرورة إيجاد حل.

سبقني بوقت طويل في ذلك المضمار بيتر دراكر الذي ناصر فكرة اعتبار قوة الأسئلة وقوداً أساسياً وراء التحديات عظيمة التأثير. وسجل في مرة ملاحظة تقول: "إن الأخطاء الأكثر خطورة لم يتم ارتكابها نتيجة لإجابات خاطئة"، بل "الأمر الخطير الحقيقي هو طرح السؤال الخاطئ". (وبما أن حصة الأسد من عملي تكون مع العملاء من الشركات، فإن العبارة التالية تجد صداها أيضاً: "أعظم نقاط قوتي كمستشار هي أن أكون جاهلاً وأن أطرح قليلاً من الأسئلة"). أعتقد لو كان دراكر على قيد الحياة اليوم، فسوف يتدبر هذا السؤال باعتباره السؤال المناسب لوقتنا الآن وهو: كيف يمكننا التأكد من أنه ليس لدينا نمو فحسب، بل لدينا نمو شمولي؟ إنه نوع السؤال الذي يمكن لأي شخص التفاعل معه، وقد يتطلب مشاركة الجميع في حله. وفي لب السؤال، فإن القيادة الفضولية هي في نهاية المطاف القيادة الشاملة. ألن يكون مناسباً لو كانت أكبر أسئلة مجتمعنا حول الشمولية لا يمكن الإجابة عنها إلا عبر الشمولية نفسها؟

يأتي هذا المقال ضمن سلسلة مقالات تمهيدية نُشرت قبل منتدى دراكر العالمي لعام 2017 في فيينا بالنمسا حيث كان موضوعه "النمو والازدهار الشامل".

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي