يعتبر التسريح من العمل من أصعب التجارب التي يمكن أن نواجهها في مسيرتنا المهنية. وكمدرب إداري، كنت شاهداً على الصدمة والمرارة والقلق التي عامة ما تصاحب هذا النوع من خسارة الوظيفة. فالتسريح من العمل يمكنه أن يثير شعوراً بالعجز وعدم الثقة بالذات على شكل فقدان مخيف للسيطرة يترافق مع ارتفاع صوت النقد الذاتي لا سيما حين يبقى زملاء لنا موظّفين في الشركة.
تلعب طريقة تفكيرنا بالأمر دوراً رئيسياً في مدى نجاحنا في الانتقال إلى المرحلة التالية من مسيرتنا وحياتنا. وفي حين يمكن أن يكون التسريح مزعزعاً للاستقرار لفترة وجيزة، فإنه لن يؤدي إلى تدمير مسيرتنا المهنية إذا عرفنا الجوانب التي يمكننا السيطرة عليها حال حدوث ذلك وبخاصة العادات الذهنية التي نكتسبها بسبب الحدث.
اقرأ أيضاً: الموظفون يستقيلون بسبب المدراء الجيدين والسيئين على حد سواء.
حين أدرّب موظفين إداريين تعرضوا للتسريح من العمل ألاحظ كيف يتماسك البعض منهم ويسيرون قدماً ويستكملون حياتهم في النهاية، بينما أجد آخرين يعلقون في دوامة الغضب وجلد الذات. إنّ أنماط التفكير هذه هي ما تجعلهم يتأثرون بتلك المشاعر السلبية بحيث يصبحون غير قادرين على استعادة توازنهم وتحديد وجهتم التالية. فيما يلي ثلاث خطوات يمكنكم اتخاذها لإسكات صوت النقد الذاتي داخلكم وبناء قدرتكم على مواجهة الصدمات والاحتفاظ بذهن منتج عقب التسريح من العمل.
خطوات لإسكات صوت النقد الذاتي
حافظوا على التوجه الإيجابي. لاستعادة توازنكم بعد النكسة، واجهوا الدوائر الذهنية غير المفيدة التي تعزز المشاكل أكثر مما تلقي الضوء على الحلول الممكنة. ولكي تتعرفوا على كيفية تأثير طريقتكم في التفكير على تعافيكم من التسريح من العمل، فكروا بتجربتين مختلفتين جذرياً لاثنين من الموظفين الإداريين في الخمسين العمر وقد قمت بتدريبهما. كانا يعملان في مجال التكنولوجيا الحيوية وسأسمّيهما الآن عادل وماجد.
تلقى عادل خبر تسريحه من العمل بصعوبة. ورغم أنّ التسريح كان نتيجة دمج شركته مع شركة أخرى وليس بسبب أدائه، إلّا أنّ عادل واصل لوم نفسه والتساؤل: "لماذا لم أتوقع ذلك؟". وأقنع عادل نفسه بأنّ مؤهلاته وعمره هما السبب في تسريحه وفكّر في قرارة نفسه أنّه لن يجد أبداً عملاً آخر نظراً إلى أنه في الخمسين من عمره. وبدلاً من أخذ وقته في التفكير بما قد يفعله لاحقاً، أمضى معظم وقته في تأنيب نفسه وتصفح عروض عمل عشوائية مما زاد من إحباطه أكثر فأكثر. وحين جاء لرؤيتي بعد بضعة أشهر من تسريحه من العمل، نهض بالكاد من فراشه في ذلك الصباح. فهو لم يواجه صوت الانتقاد الداخلي الذي وبّخه لأنه خسر عمله بينما احتفظ الآخرون بوظائفهم وسقط بالتالي ضحية الاكتئاب.
واجه ماجد التسريح من العمل أيضاً ولكنه تعامل معه بتوجه مختلف كلياً. فبعد الصدمة الأولى إثر معرفته بالخبر، وجه نظره إلى الفرص الجديدة. وقام بتحديث سيرته الذاتية وحسابه على "لينكد إن" ليظهر جديته في البحث عن عمل ومن ثم بدأ يتواصل بشكل استراتيجي مع شبكة علاقاته. ورغم أنّ الشكوك ساورته أحياناً وشعر بالتوتر لأنه كان عاطلاً عن العمل لفترة مؤقتة، إلا أنّ ماجد واصل تذكير نفسه بأنّه يملك مهارات قابلة للتسويق وأنّ هذا التغيير الوظيفي يُعد فرصة لاستطلاع الفرص الأخرى في مهنته والتي لم يكن بمقدوره استطلاعها لو لم يتعرض للتسريح من العمل. وفي غضون أسابيع، رصد ماجد خيارات وظيفية محتملة جديدة، ووافق أكثر من ثلاثين شخصاً في شبكة علاقاته على القيام بدور في تسهيل بحثه عن عمل.
لا يكمن الفرق الأساسي بين توجهي عادل وماجد في أنّ شعور أحدهما كان أفضل حيال التسريح من الآخر، فالاثنان شعرا بخيبة أمل متساوية جراء خسارة عملهما. ولكن على عكس عادل، ركّز ماجد على ما يمكنه السيطرة عليه في هذا الوضع، رافضاً ترك صوت الناقد الذاتي في داخله يتحكّم بعقله.
اقرأ أيضاً: ماذا تفعل عندما تفقد وظيفتك التي تمثل هويتك؟
ناقشوا أفكاركم. من الطبيعي جداً بعد التسريح الوقوع بين براثن الغضب وعدم الثقة بالذات، وهذه المشاعر قد تستمر طويلاً. ولكن رغم أهمية الاعتراف بما حدث وبتلقائية المشاعر التي رافقت هذا الحدث المؤلم، إلا أنه من الضروري جداً الانتباه إلى ما تقولونه لأنفسكم وعليكم أن تحددوا ما إذا كان أسلوبكم في التفكير و سيساعدكم على تحقيق أهدافكم أم سيعرقلها. وعبر تحدي النقد الذاتي في دواخلكم يمكنكم إيقاف الدوامة السلبية من جلد الذات والتي تمنعكم عن التقدم إلى الأمام بشكل إيجابي.
فيما يلي أمثلة لبعض الأفكار السلبية الشائعة التي يمكن أن تخطر في بالكم عقب التسريح من العمل، وترافقها بعض الأسئلة التي يمكنكم طرحها على أنفسكم لمساعدتكم في استعادة الرؤية الصحيحة:
الفكرة: "كان بإمكاني فعل المزيد من أجل تفادي تعرضي للتسريح من العمل".
سؤال: "ما هو دليل الإثبات لديّ على أنّه كان بإمكاني تفادى التعرّض للتسريح من العمل؟".
فكرة: "لا بدّ أن التسريح حدث بسبب نقص في مهاراتي أو ضعف في جانب معين من جوانب شخصيتي".
سؤال: "كيف لي أن أتأكد يقيناً أنّ الأمر مرتبط بنقص من جانبي؟".
فكرة: "من سوء حظي أنّي كنت أعمل في المكان الخطأ والزمان الخطأ".
سؤال: "ما هي الظروف التي ربما أدت إلى اعتبار وظيفتي زائدة عن الحاجة في الشركة؟".
فكرة: "إنها كارثة ولن أتعافى منها أبداً".
سؤال: "ما هي الفرص المهنية التي أصبحت الآن حراً في استكشافها؟".
اقرأ أيضاً: ما الذي يجب عليك فعله عندما تعلم أن تسريح الموظفين بات قريباً؟
حولوا تركيزكم من مَواطِن الضعف إلى مكامن القوة. يميل معظم من يفقدون وظائفهم إلى محاولة فهم الخطأ الذي ارتكبوه وأدى إلى تسريحهم واستكشاف عيوبهم المحتملة أو التعرف على أية صورة من صور الفشل من ومن كافة الزوايا. ولكن تركيزهم على ما يشعرون بأنه مصدر المشكلة سينسيهم على الأرجح أو يجعلهم يقللون من قيمة مكامن قوتهم.
لذلك من أجل تغيير هذا التركيز المثبط للعزيمة إلى مقاربة أكثر إيجابية، وسّعوا منظوركم ليشمل مسيرتكم المهنية ككل. فإذا كنتم في بدايتها، يمكن أن يشمل تركيزكم الموسّع تجاربكم التعليمية حتى الآن. يهدف هذا التمرين إلى التأكيد على أنكم نلتم نصيبكم من الانتكاسات المهنية (والشخصية بلا شك)، ولكنّكم تجاوزتم كل واحدة تلو الأخرى من هذه المشاكل للوصول إلى موقعكم الحالي. لذلك فكروا في وضع سابق عانيتم فيه من مصاعب وتجاوزتموها في النهاية. وبعد أن تضعوا هذه الذكرى في بالكم، اطرحوا على أنفسكم الأسئلة التالية:
ـ ما هي مكامن القوة التي استخدمتموها حينها لحل المشكلة؟
ـ ماذا عرفتم عن أنفسكم خلال تلك العملية؟
ـ كيف يمكنكم استخدام مكامن القوة هذه في المرحلة الحالية من التحول الوظيفي؟
في التدريب الأساسي على الصمود والتحمل الذي طوّره علماء النفس في جامعة بنسلفانيا لضباط التدريب العسكريين في الجيش الأميركي، تجمّع المشاركون ضمن فرق وخاضوا تحدياً عسكرياً قاسياً استخدموا فيه مكامن القوة التي رصدها كل فريق لدى أعضائه. يمكنكم أن تلجأوا إلى المقاربة ذاتها بعد التسريح وذلك عبر النظر إلى أوضاع سابقة ثابرتم فيها سابقاً.
إنّ العقلية السليمة المقترنة بالمساءلة النشطة والمتابعة و النقد الذاتي تمكنكم من التعامل مع التسريح من العمل على أنّه فرصة للتطور والترقي لا للإحباط. فالقدرة على رسم مساركم المستقبلي واختيار الطريقة التي تقيمون الموقف بها وبناء وعيكم الذاتي بمكامن قوّتكم هي بضع فوائد غير متوقعة تنتظركم بعد خروجكم من شرك الغضب والشعور بخيبة الأمل. وكما قال لي عميل سابق بعد البدء في وظيفة جديدة: "حبّذا لو عرفت حين كنت عاطلاً عن العمل أنّي بعد عام من ذلك سأكون أسعد مما توقّعت".
اقرأ أيضاً: خطة الأسبوع الأول بعد تسريحك من العمل.