دور المهارات القيادية في صناعة التغيير ومواجهة تحديات التحول الوطني

4 دقيقة
التأثير العميق
مصمم الصورة: (هارفارد بزنس ريفيو، أسامة حرح)

ملخص: لا تقتصر القيادة على مسمى وظيفي محدد أو عدد سنوات الخبرة، بل هي القدرة على التأثير العميق والتعامل بمرونة مع قطاع أعمال أكثر تقلباً وأشد تنافسية. وبناءً عليه؛ تمضي رحلة إعداد القادة في برنامج "قادة 2030" وفق 5 محاور أساسية، هي التوعية، والاكتشاف، والبناء، والنمو، وأخيراً التطور.

  • التوعية: تشمل هذه المرحلة فهم التوجهات العالمية والمحلية التي ستشكّل المستقبل ودور ذلك في تحسين القيادة الذاتية وتعزيزها.
  • الاكتشاف: يعمل البرنامج في هذه المرحلة على تطوير العقلية الريادية للقادة فيما يتعلق بتحديد الفرص الواعدة وفهم استراتيجية السوق، من خلال استخدام التقنيات الرقمية وتوقع آثارها التجارية والتنظيمية.
  • البناء: تتطرق هذه المرحلة إلى بناء الحلول بالاعتماد على أساليب التفكير التصميمي المختلفة؛ أي منهجية الابتكار القائمة على فهم دقيق وملاحظة مباشرة لما تريده السوق.
  • النمو: ينتقل القائد في هذه المرحلة إلى التعرف على استراتيجيات النمو المختلفة لتحقيق التوسّع المرجو الذي يمكّنه من اتخاذ القرار المناسب بشأن توسيع الأنشطة الحالية للشركات وتنويع مصادر الدخل.

تؤسِّس رؤية المملكة 2030 لاقتصاد جديد قائم على المعرفة والاستدامة، اقتصاد مليء بالتحديات نتيجة التطور غير المسبوق في علوم التكنولوجيا وكذلك المتغيرات الاقتصادية والمناخية والإقليمية. لذا من الضروري أن نتهيأ لهذا المستقبل الجديد في المجالات كافة، ولا يمكن ذلك إلا من خلال وجود عناصر بشرية وطنية تمتلك الأدوات العلمية والإدارية لتحقيق هذه الرؤية وتشكيل واقعها على النحو الذي تتطلع إليه.

إن المواطن السعودي هو المفتاح الرئيسي لقيادة مرحلة ما بعد الثورة النفطية، لذا تقدّم المملكة العديد من البرامج التي تعمل على تطوير القدرات البشرية مع برامج خاصة لإعداد القادة الذين سيُحدثون التغيير، وهنا يكمن الاختلاف الرئيسي بين المدير والقائد، إذ يوضح الأستاذ المتقاعد في كلية هارفارد للأعمال جون كوتر، أن الدور الحقيقي للقادة هو التغيير، على عكس المدراء الذين يسعون إلى الاستقرار.

وتعتمد رؤية المملكة الطموحة، التي تسعى إلى وضع المملكة في مصافِّ الدول الرائدة عالمياً في أكثر من مجال، كما ذكرنا سابقاً، على قادة متميزين ومؤهلين ولديهم شغف الإبداع والابتكار لإحداث التغيير ولمس نتائجه وأثره على أرض الواقع.

وسعياً منها للمشاركة في إعداد القادة، أطلقت مؤسسة محمد بن سلمان "مسك" برنامج "قادة 2030"، المخصص لإعداد القادة التنفيذيين بالتعاون مع كبرى المؤسسات التعليمية والتدريب القيادي، حيث يجري اختيار ألف قائد وقائدة من أبناء الوطن وبناته لخوض هذه التجربة الفريدة التي تسهم إسهاماً رئيسياً في التحول الذي تعيشه المملكة اليوم.

المعنى الحقيقي للقيادة

لا تقتصر القيادة على مسمى وظيفي محدد أو عدد سنوات الخبرة، بل هي القدرة على التأثير العميق والتعامل بمرونة مع قطاع أعمال أكثر تقلباً وأشد تنافسية. وقد يتساءل البعض منا مع وصولهم إلى مناصب كبيرة عن جدوى الخوض في تجربة علمية جديدة، وهذا في الواقع ما تتميز به شخصية القائد عن غيره، فالقيادة رحلة علمية لا تنتهي ولا تتوقف عند مستوى معين، بل تمتزج بالخبرات وتمكّن القائد من التمتع بعقلية النمو التي تكون سبباً لنجاحه المزدهر في محيط عمله، وتقوده دائماً إلى التعلم والتطور.

ولم تنجح أبحاث القيادة خلال العقود الماضية في إيجاد صورة واضحة للقائد المثالي، وتوصلت إلى أن مميزات القائد وسِماته ليست بالضرورة موجودة في الشخص منذ ولادته، بل يمكن اكتشافها فيما بعد.

فتحديد قالب معيّن لنمط القيادة سيخلق شخصيات مزيفة تحاول تقليد الآخرين فحسب، أما القائد الحقيقي فهو الذي يُبدي شغفاً بهدفه ويدرك أنه عندما يقدّم نفسه بصدق سيكسب ثقة الآخرين، ما يسهل تحقيق نتائج أفضل.

وبناءً عليه؛ تمضي رحلة إعداد القادة في برنامج "قادة 2030" وفق 5 محاور أساسية، هي التوعية، والاكتشاف، والبناء، والنمو، وأخيراً التطور.

1. التوعية:

تشمل هذه المرحلة فهم التوجهات العالمية والمحلية التي ستشكّل المستقبل ودور ذلك في تحسين القيادة الذاتية وتعزيزها. ويرتكز وعي القائد هنا على إدراك كيف تتلاءم قيمه الفردية مع أهداف الرؤية، لأن القيادة التزام ومواءمة وتوجيه للإمكانات واكتساب مهارات جديدة وتمتع بالمرونة الكافية لمواجهة التحديات.

وكذلك يمثل الذكاء العاطفي عنصراً مهماً لنجاح القادة، فقدرة الفرد على إدارة عواطفه وفهم عواطف الآخرين بفعالية يسهم في التطور النوعي للقائد، إذ يزداد فهمه لقيمة ما يتعلمه ومَن يتعامل معه.

2. الاكتشاف

يعمل البرنامج في هذه المرحلة على تطوير العقلية الريادية للقادة فيما يتعلق بتحديد الفرص الواعدة وفهم استراتيجية السوق، من خلال استخدام التقنيات الرقمية وتوقع آثارها التجارية والتنظيمية.

3. البناء

تتطرق هذه المرحلة إلى بناء الحلول بالاعتماد على أساليب التفكير التصميمي المختلفة؛ أي منهجية الابتكار القائمة على فهم دقيق وملاحظة مباشرة لما تريده السوق.

وتحفّز هذه المنهجية القائد على تطوير الأفكار وتعزز قدرته على تحويل أفكاره الريادية إلى واقع، فإيجاد حلول إبداعية لمواجهة الكثير من التحديات سبب رئيسي لتطور اقتصاد الدول وخلق فرص عمل.

4. النمو

ينتقل القائد في هذه المرحلة إلى التعرف على استراتيجيات النمو المختلفة لتحقيق التوسّع المرجو الذي يمكّنه من اتخاذ القرار المناسب بشأن توسيع الأنشطة الحالية للشركات وتنويع مصادر الدخل. إضافة إلى اكتساب مفاهيم بناء نماذج عمل قابلة للنمو.

5. التطور

أخيراً، يتعرف القائد على محور التطور، الذي يشمل كيفية الاستعداد للمستقبل من خلال إدارة التغيير والتحول الوطني الذي تشهده المملكة اليوم. ويضم ذلك فهم الدوافع الرئيسية للتغيير التنظيمي وإلهام الآخرين نحو التغيير بصورة هادفة.

إن التوازن بين مجموعة التغييرات المتباينة بوعي وحكمة هو الحل الأمثل لإعداد قادة طموحين ومميزين، وإدراك القائد لانطباعات فريقه حيال أي تغيير يمثّل ركيزة أساسية للمضي في التغيير قدماً، إذ يكمُن دور القائد المؤثر هنا في القيادة الواعية التي تسهّل على الفريق إحداث التغيير بانسيابية وسهولة، وقد أثبتت الدراسات أن التعليم التفاعلي الذي يجري عن طريق تبادل الخبرات من واقع الحياة العملية ممزوجاً بالنظريات الحديثة يحقق أعلى معدلات التحصيل العلمي واكتساب المهارات.

وبالتالي، إن جمع أصحاب الخبرة من مجالات مختلفة لتبادل الآراء ومناقشة وجهات النظر المتباينة بهدف واحد واتجاه واضح، أهم ما يميّز هذا البرنامج الاستثنائي. وتنعكس القيمة الكبرى في هذه الرحلة العلمية في مجموعة اللقاءات التي تجري بحضور قادة التحول الذين يشاركون تجاربهم وتحدياتهم من أرض الواقع خلال عملهم اليومي في تحقيق رؤية 2030.

وكان من أهم الدروس المستفادة من سنوات الخبرة الغنيّة باختلافاتها:

  • شبكة معارفك ثروة تمتلكها وحدك، فاستثمر وقتك للمحافظة عليها.
  • عقلية النمو في التواصل مع الآخرين تزيد من فرص النجاح.
  • اجعل التعلم المستمر أسلوب حياة تستمتع به أنت ومَن حولك.
  • المرونة السلوكية والمرونة الفكرية أداتان استراتيجيتان جوهريتان تساعدان القائد على الموازنة بين الأولويات المتناقضة.
  • تحقيق الرؤية حلم أصبح حقيقة، ولكن ماذا بعد الرؤية؟ كيف يمكننا الاستعداد لما بعد رؤية 2030 باتخاذها نموذجاً للاحتذاء به للوصول إلى الأهداف المستقبلية الجديدة؟

فالحقيقة أننا لا نتخرج في حياتنا الجامعية في يوم معيّن، لأن الحياة مدرسة تفاجئنا بتجاربها الواقعية ودروسها العملية، والقائد هو مَن يمضي في الحياة بعقلية النمو متيّقناً أن الفشل جزء من النجاح، وأنه لا يعني نهاية الطريق، والثابت الوحيد في حياتنا هو التغيير، لذا يجب علينا نحن القادة أن نَعي كيف نتعلّم، ونتقبّل، ونتغيّر وفق ما تؤول إليه مصلحة الجميع، لنكون حقاً قادة مميّزين، هدفنا واحد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2025.

المحتوى محمي