ملخص: يقول نحو نصف الموظفين الأميركيين إنهم يعانون من الاحتراق الوظيفي نتيجة لعوامل مرتبطة بالجائحة، كالعمل عن بعد وزيادة عدد ساعات العمل والخوف من شروط العمل غير الآمنة والمخاوف المتعلقة بالأمان الوظيفي. ويقول كثير من الموظفين الذين يعانون من هذا النوع من الاحتراق الوظيفي إنهم لم يفعلوا أي شيء حياله. لكن خبراء الصحة يتفقون على أن الاحتراق الوظيفي الذي لا تتم معالجته قادر على تعريض صحتك النفسية والجسدية للخطر، وأن المشاعر والأعراض لن تتلاشى من تلقاء نفسها. وبعد الخطوة الأولى المتمثلة بالاعتراف بأنك تعاني من الاحتراق الوظيفي، يمكنك اتباع الخطوات التالية من أجل معرفة كيفية التخلص من الاحتراق الوظيفي، وكي تستعد لإجراء محادثة صادقة ومنتجة بشأنه مع مديرك، فهو في موقع فريد يمكنه من خلاله مساعدتك.
منذ عدة أسابيع، عقد أحد عملائي اجتماعاً افتراضياً لفريق القيادة في شركته وشاركت فيه بصفتي مدرباً للفريق، فلاحظت أن أحد أفراد الفريق، ولنسمه أيمن، كان هادئاً ومشتتاً على غير عادته. لم يشارك بالحديث كثيراً، وكانت مشاركاته النادرة قصيرة ومقتضبة. لم يكن سلوكه متماشياً مع مشاركاته المليئة بالنشاط والحماس التي لاحظتها في السابق.
لذا، خصصت بعض الوقت للتحدث معه بعد الاجتماع. وبعد أن قدم لي بعض الردود الرافضة المعتادة على استفساري عن حاله، ("أنا بخير، متعب قليلاً فحسب"، "أنا مشوش قليلاً اليوم، فقد وصلني عدد كبير من الرسائل الإلكترونية")، أخبرته بمخاوفي حول الأشياء التي لاحظتها عليه على مدى الشهر الماضي، مثل طاقته المتدنية وحدة طباعه والتشاؤم غير المعهود، فقال بعصبية معترفاً: "أعتقد أني أعاني من الاحتراق الوظيفي".
الاحتراق الوظيفي خلال جائحة فيروس كورونا
تحدث أيمن عن كثير من الأعراض الكلاسيكية للاحتراق الوظيفي المرتبط بالجائحة، وهي الشعور بالإرهاق والتوتر والاستياء من زيادة عبء العمل، والإنهاك واليأس. وعندما سألته عما إذا كان قد أخبر مديره بما يجري، أجاب بارتياب شديد: "هل أنت مجنون؟ لا يمكنني إخباره بذلك!" وأخذ يشرح خوفه من أن يعتبره المدير شخصاً محتاجاً للمساعدة، أو الأسوأ، أن يفقد مكانته بوصفه الموظف الذي يعتمد المدير عليه في العمل.
أيمن ليس وحده من يعاني من ذلك. فقد أخضعت الجائحة كثيراً منا لفترات مطولة من الإجهاد الشديد. وتوصلت دراسة استقصائية أجريت مؤخراً إلى أن 41% من الموظفين يعانون من الاحتراق الوظيفي بسبب عوامل مثل العمل عن بعد، وزيادة عدد ساعات العمل ومحاولة تلبية احتياجات العائلة وتهديد الأمن الوظيفي والخوف من بيئات العمل غير الآمنة. أدت هذه العوامل إلى شعور مزمن بالحزن والقلق وفقدان الدافعية وعدم القدرة على التركيز. والأهم هو أن 37% من المشاركين في الدراسة الاستقصائية قالوا إنهم لم يفعلوا شيئاً للتعامل مع هذه المشاعر. ويكون الاحتراق الوظيفي منهكاً بدرجة كبيرة بالنسبة للموظفين أصحاب الأداء العالي، مثل أيمن، الذين ينجحون عادة في العمل تحت الضغط ويستمتعون بفرص إظهار بطولاتهم في تقديم الأفكار العظيمة أو تحفيز الموظفين على بذل جهود أكبر.
إذا كنت تشعر بأعراض الاحتراق الوظيفي، فمن المهم أن تأخذها على محمل الجد، لا أن تفترض أنها مؤقتة وستزول مع مرور الوقت. يتفق خبراء الصحة على أن الاحتراق الوظيفي يعرض صحتك الجسدية والنفسية للخطر فعلاً، وإذا لم تعمل على علاجه فقد تترتب عليه عواقب أشد خطورة. الخبر السار هو أن لدينا الكثير من الاستراتيجيات التي أثبتت فاعليتها للتعامل معه.
كيف أخبر مدري بأنني أعاني من الاحتراق الوظيفي؟
أول ما يتعين عليك فعله هو التوقف عن إنكار حقيقة أن الاحتراق الوظيفي هو مشكلة. يتمتع مديرك بموقع فريد يمكنه من مساعدتك، لذا من الضروري أن تخبره بما تعاني منه، حتى وإن بدا لك ذلك صعباً بسبب نفوذه الكبير على حياتك في العمل. وفيما يلي بعض الطرق التي تساعدك على الاستعداد لهذه المحادثة.
واجه توصيفك المعيب لطلب المساعدة
الاعتراف بالحاجة إلى المساعدة هو صراع يواجهه كثير من المهنيين. إذ يصعب على الموظفين المتفوقين، الذين اعتادوا أن يطلب الآخرون منهم المساعدة، أن يجدوا أنفسهم على الجانب الآخر من المعادلة، فتتولد لديهم مشاعر النقص والخوف من أن يُعتبروا ضعفاء أو عاجزين، وتتولد لديهم مخاوف من أن يشكلوا عبئاً على الآخرين. وتتضخم هذه المخاوف عندما يتعلق الأمر بخطورة أن يرى مديرك هذه الأشياء فيك.
لكن، إذا كنت قد عودت مديرك على توقع إنجازات بطولية منك، فكن على ثقة بأنك قد اكتسبت مصداقية كافية تمكنك من طلب المساعدة. وعلى الأرجح أنه سيحترم اعترافك بما يقيدك، ولن ينتقص ذلك من قدرك عنده شيئاً. وفي مثالنا، شعر المدير بالراحة عندما لجأ أيمن إليه، فقد لاحظ الأعراض التي لاحظتُها، لكنه خاف ألا يتقبل أيمن عرضه للمساعدة. من المحتمل أن يكون مديرك قد شعر بأنك تعاني من مشكلة ما. لذا، امنحه فرصة ليكون حاضراً لمساعدتك كما كنت حاضراً لتلبية ما يحتاج إليه في العمل.
وضح ما تمر به
احرص على أن يمهد أسلوبك الطريق لإجراء محادثة مثمرة. من المفيد أن تبدأ بالإقرار بأن هذا الأمر صعب عليك، يمكنك أن تقول مثلاً: "تعلم أني لن أتحدث عن الأمر لو لم أشعر أنه مهم"، أو "لست معتاداً على طلب المساعدة، لذا فأنا أجد صعوبة في ذلك"، يمكن لهذا الأسلوب أن يساعد مديرك على التعاطف معك أكثر، وبالتالي سيكون تقبله لما تقوله أكبر.
وضح الأعراض التي تعاني منها بصورة محددة. لا تبالغ في الإفصاح عن التفاصيل الشخصية، ولكن استخدم التعميم كأن تقول مثلاً: "أنا متوتر جداً" أو "سئمت من هذه الوظيفة"، لن يساعد مديرك في فهم الموقف جيداً. لذا، وضح تفاصيل معينة، مثلاً: "أنا مرهق بسبب حجم المشاريع التي يجب عليّ إنجازها"، أو "أشعر بقلق شديد بشأن إمكانية تسليم جميع هذه الأعمال في مواعيدها، ولم أشعر بهذا القلق من قبل". من الضروري أن تساعد مديرك على رؤية ما تغير بالنسبة لك، ويجب أن تدفعه لفهم أنك لست وحدك الذي تغيرت، وإنما كل شيء يتعلق بعملك قد تغير أيضاً.
تحمل مسؤولية تأثيرك في الآخرين
من المحتمل أن تظهر بعض الدلائل المرئية على توترك في أشياء مثل جودة عملك أو التزامك بمواعيده، أو علاقتك بفريقك أو علاقاتك الشخصية، أو التراخي في سلوكك. لذا، خطط للاعتراف بهذه الأشياء في محادثتك مع مديرك من خلال عبارات مثل: "أعلم أني لم أكن على طبيعتي في الفترة الماضية، وأنا أعتذر عن أي أثر سلبي أوقعته عليك أو على الفريق". وضح جيداً ما تتحمل مسؤوليته. لا تعتذر لأنك تشعر بالاحتراق الوظيفي، بل لتوضح أنك تتحمل مسؤولية السماح لاحتراقك الوظيفي بالتأثير على عملك أو فريقك. قدّر مدير أيمن بصدق إقرار الأخير بتفويت بعض المواعيد النهائية، الأمر الذي دفع المدير للتعاطف مع طلب أيمن للمساعدة.
ابدأ بزميل أو صديق
تتمثل إحدى النتائج الثانوية الخطيرة للجائحة في زيادة شعورنا بالعزلة عن الآخرين. والعزلة الاجتماعية تزيد من حدة الاحتراق الوظيفي، وعندما نشعر بغياب العلاقات الاجتماعية التي تحيط بنا عادة، تبقى معظم المحادثات التي نجريها حول ما نشعر به حبيسة أذهاننا. وللأسف، تولّد هذه المحادثات الداخلية استنتاجات غير موثوقة عن أنفسنا ومدرائنا وعملنا والعالم من حولنا.
وإذا كان التحدث بصراحة مع مديرك يبدو لك مجازفة كبيرة، ابدأ بالتحدث إلى شخص آخر. أسس مجموعة ثابتة من الاتصالات الافتراضية مع الأصدقاء والزملاء المقربين أو حتى مع مدرب أو أخصائي معالجة نفسية. فمن الممكن أن تتغير نظرتك بدرجة كبيرة نتيجة لوجود بعض الأشخاص الموثوقين الذين يمكنك التحدث إليهم من أجل تحديد ما تشعر به أو التدرب على ما ستقوله لمديرك. وقد تمكنت مع أيمن من تحديد نقاط واضحة ليتحدث عنها أمام مديره، وتدرب عليها بصورة مسبقة.
اطلب المساعدة، ولا تشتكِ
سيساعدك التحضير للمحادثة مع مديرك على ضمان ألا يبدو كلامك تنفيساً عن غضبك أو اتهاماً. فبالنسبة لمدير ليس متعاطفاً بطبيعته، ستبدو جملة "أشعر بالاحتراق الوظيفي" اتهاماً بأنه هو من يتسبب بهذا الاحتراق الوظيفي.
لذا، من أجل تفادي أن يفهم كلامك على أنه لوم أو اتهام، احرص على إجراء المحادثة عندما لا تشعر بالإنهاك أو الضيق، لأنه على الرغم من أن هذه المشاعر قد تساعد على تحفيزك للتحدث إلى مديرك، فهي لن تساعدك في أثناء المحادثة نفسها. مثلاً، إذا كان مديرك يطلب منك عملاً أكثر من المعتاد في الفترة الأخيرة، فقد يشعر بالذنب أو يتخذ موقفاً دفاعياً، وسيؤدي انفعالك الشديد إلى تأجيج مشاعره هذه.
وضح له أنك تطلب مساعدته وترغب في المشاركة في الحلّ. أدت الجائحة إلى تشويش رؤية كثير منا للحدود الطبيعية بين العمل والحياة الاجتماعية والعائلية والرعاية الذاتية، ما يجعلنا نشعر أنه من المستحيل أن نقدر على تلبية متطلبات أي منها كما يجب. وهذا يعني أن علينا وضع حدود شديدة الوضوح تبين نقطة بداية العمل ونقطة انتهائه. إذا كنت بحاجة إلى إجازة، أو مزيد من المرونة في ترتيبات عملك، أو موارد إضافية لتلبية المطالب المتزايدة في العمل، فاطلب ما تحتاج إليه بالتحديد وبأسلوب لبق. إذ قد يبدو الإلحاح المفرط إشارة إلى هجوم على المدير، وكأنك تقول له: "أنا أعاني من الاحتراق الوظيفي بسببك".
خذ وقتك للبحث في أعماق نفسك
أحد جوانب الاحتراق الوظيفي الخطيرة هو أنه يشوه رؤيتنا للأمور بطريقة خبيثة. لذا فأنت بحاجة إلى قضاء بعض الوقت بعيداً كي تتمكن من التفكير والتمييز بين الواقع والخيال. تسببت الجائحة بشعور البعض بالاحتراق الوظيفي، وكشفت للبعض الآخر أنهم كانوا يشعرون بالاحتراق الوظيفي من قبل انتشارها. لعلك فقدت حبك لوظيفتك منذ أشهر أو أعوام مضت، لكنك لم تشعر بذلك إلا عندما عشت في هذه الظروف القاسية.
إذا كان بإمكانك أخذ إجازة والابتعاد قليلاً عن وظيفتك، فإما أن يتضح لك أن مشاعرك ناجمة عن الظروف الحالية، فتتمكن من تهدئتها باتباع عادات أفضل للرعاية الذاتية؛ وإما أن تبين لك مشاعرك هذه أن الوقت قد حان للتفكير بالفصل التالي من حياتك المهنية.
لا تقنع
قد تؤدي الراحة التي ستشعر بها بعد التحدث إلى مديرك إلى زيادة مؤقتة في طاقتك. في أثناء إجازتك، قد تتمكن من زيادة ساعات نومك والتمارين الرياضية التي تمارسها، وقد تشعر أنك تستعيد تفاؤلك. من الممكن أن تدفعك هذه الإشارات الأولى إلى إعلان نصر سابق لأوانه وتشوش على القيود الصحية التي وضعتها، فتبدأ بالرد على بعض الرسائل الإلكترونية غير المهمة أو الاطمئنان على المشاريع التي أوكلها مديرك إلى أشخاص آخرين مؤقتاً.
تذكر أن الرعاية الذاتية هي عملية طويلة، ويجب عليك الالتزام بها. اعتبر هذه الإشارات الإيجابية الأولية دليلاً على أن خطتك تسير في الاتجاه الصحيح، لا دليلاً على أنك أنهيتها.
للأسف، لا يخوض جميع المدراء هذه المحادثات باللطف الذي ترجوه، ومن الممكن أن يكون مديرك مرهقاً مثلك تماماً، لكن معظم المدراء يرغبون في المساعدة حقاً. لذا، بدلاً من السماح لمشاعرك بالغليان داخلك في ظل ظروف غير صحية، فكر بمنح مديرك فرصة لمساعدتك، حفاظاً على صحتك النفسية والجسدية، وبهذا ستستطيع إخبار مديرك بأنك تعاني من الاحتراق الوظيفي.