تقع المشاريع المعتمدة على البيانات الضخمة، التي تتمحور حول تسخير البيانات بغية تحسين الأعمال وتطويرها، على رأس أولويات معظم المسؤولين التنفيذيين. ومع ذلك، تواجه نسبة تصل إلى 85% منها الفشل، ويعود سبب ذلك غالباً إلى أن المسؤولين التنفيذيين لا يمكنهم تقييم مخاطر المشروع بدقة منذ البداية. لكن، نستطيع القول إنّ نجاح مثل هذه المشاريع يُحدَّد بدرجة كبيرة من خلال أربعة محاور مهمة، وهي البيانات والاستقلالية والتكنولوجيا والمساءلة (التي يقابلها بالإنكليزية الأحرف D.A.T.A)، أو ببساطة من خلال طرح أربعة أسئلة متمثلة بهذه المحاور. وقد برزت هذه الأسئلة من خلال عملنا على مشروعنا البحثي، الذي جرى على مدار أربع سنوات، حول تسويق البيانات الضخمة.
اقرأ أيضاً: استخدام "بلوك تشين" يحافظ على شفافية البيانات
يمكن وضع المقومات اللازمة للنجاح في تسخير البيانات الضخمة على بعدين: أولاً، بُعد تركيز الأنشطة (أي التفكير في المشروع أو تنفيذه، مثل طرح فكرة لمشروع بيانات ضخمة، مقابل تنفيذ المشروع فعلياً). وثانياً، بُعد تركيز التحول (أي إنشاء أساس رقمي أو الحصول على دعم الأشخاص، مثل بناء بنية تكنولوجيا المعلومات اللازمة لإنشاء أساس رقمي ملائم، أو التأكد من أن الموظفين يستطيعون استخدام البيانات، وأنهم سوف يعملون على ذلك، وأن هذا الاستخدام متوافق مع الآراء المجتمعية بشأن ما ينبغي فعله بالبيانات وما ينبغي عدم فعله). هذان البعدان يخلقان مصفوفة من المحاور الأربعة المتمثلة في البيانات والاستقلالية والتكنولوجيا والمساءلة، إضافة إلى الأسئلة الرئيسية التي يجد المسؤولون التنفيذيون أنفسهم في حاجة إلى طرحها عند التفكير في مشاريع تسخير البيانات الضخمة الجديدة، كما هو موضح أدناه.
الأسئلة التي تحتاج إلى طرحها والمتمثلة في البيانات والاستقلالية والتكنولوجيا والمساءلة
تقدم الأشكال أدناه نظرة عامة على المحاور الأربعة تلك، والأسئلة ذات الصلة، والتفسير المنطقي وراءها، إلى جانب أمثلة توضحها. إضافة إلى ذلك، يوضح الجدول التسلسل الذي تنبغي عنده مراعاة الجوانب المختلفة في مشاريع تسخير البيانات. وفيما يلي، نقدم مخططاً شاملاً لكل محور.
اقرأ أيضاً: التجارب المستقبلية للأدوية سوف تفضي إلى تقديم بيانات أفضل ومراقبة مستمرة
البيانات:
إن الوصول إلى البيانات هو بلا شك شرط أساسي لأي مبادرة تركز على النمو المستند إلى البيانات، لكن ليست البيانات المتاحة مفيدة كلها، كما أنها ليست فريدة وحصرية بالضرورة. علاوة على ذلك، هي ليست متاحة بأكملها. والسؤال الذي ينبغي على الرؤساء التنفيذيين طرحه هو: هل يمكننا الوصول إلى البيانات القيمة والنادرة؟ عند استيفاء هذه المعايير فقط، يستطيع المسؤولون التنفيذيون توقع اكتساب ميزة تنافسية مرحلية استناداً إلى البيانات.
خذ مثالاً على ذلك، تطبيق تتبع اللياقة البدنية الاجتماعي الدنماركي "إندوموندو" (Endomondo). عام 2015، اشترت شركة الملابس الرياضية الأميركية "أندر آرمور" Under Armor التطبيق مقابل 85 مليون دولار، في محاولة لبناء "أكبر مجتمع رقمي للصحة واللياقة البدنية في العالم". كان لدى شركة "إندوموندو" أكثر من 20 مليون مستخدم، وأكثر من 80% من أولئك المستخدمين كانوا خارج الولايات المتحدة. وبالتالي، توقعت شركة "أندر آرمور" أن الاستحواذ لا يوفر إمكانية الوصول إلى البيانات التي تعتبرها قيمة ونادرة فحسب، بل يمنحها أيضاً "توسعاً فورياً وتواجداً دولياً متزايداً"، هذا كما ورد في البيان الصحفي. ويوضح السعر نفسه الذي كانت الشركة على استعداد لدفعه القيمة التي حددتها لبيانات تطبيق "إندوموندو". بناء على ذلك، أصبحتْ البيانات مورداً تتزايد أهمية إمكاناته التجارية من خلال قيمة المستخدم وتفرده في السوق.
اقرأ أيضاً: البيانات: حيث تُثمِر الرؤية بعيدة المدى
الاستقلالية:
تمنح الاستقلالية، أو اتخاذ القرارات اللامركزية، الموظفين تفويضاً للتوصل إلى أفكار من أجل إيجاد حلول لتسخير البيانات، والتي يمكنهم البدء بها بمفردهم. تُعدّ هذه الخطوة أساسية في مرحلة التفكير للمشروع والتي تتناول بالمثل العنصر البشري فيما يخص التحولات الرقمية. في هذا الصدد، فإن السؤال الذي ينبغي على المسؤولين التنفيذيين طرحه هو: هل يمكن للموظفين استخدام البيانات لخلق حلول من تلقاء أنفسهم؟ يتطلب إطلاق عنان الإمكانات التجارية للبيانات مشاركة العديد من الأشخاص من مختلف المستويات والإدارات.
تُعد شركة "جوجل" (Google) مثالاً على هذا المحور الرئيسي، فقد اشتهرت الشركة منذ وقت طويل بالسماح باتخاذ القرارات اللامركزية، وإتاحة تكريس الموارد للمبادرات في أنحاء الشركة كلها. فتمنح شركة "جوجل" المهندسين "وقتاً يقدر بـ 20%"، تتيح لهم خلاله العمل على مشاريع خاصة من اختيارهم. إضافة إلى ذلك، تتيح الشركة لهؤلاء المهندسين موارد وبيانات الحوسبة. أحد المشاريع التي خلقت نتيجة لسياسة تخصيص الوقت بنسبة 20% والتي استخدمت مجموعة متنوعة من البيانات بصورة مكثفة كان مشروع "جوجل ناو" Google Now، وهو مساعد ذكي للهواتف المحمولة الذي قدّم المعلومات إلى المستخدمين بصورة استباقية استناداً إلى عادات بحثهم. رغم أن "جوجل ناو" لم يعد موجوداً، لا تزال الوظيفة الأساسية مستخدمة. لا تُعدّ الاستقلالية مهمة لإنشاء مبادرات جديدة وإطلاقها فحسب، بل إنها مهمة أيضاً من أجل التعلم وتكييف العمليات القائمة. بالتالي، ينبغي أن يكون الموظفون قادرين على استخدام البيانات للمبادرة بإيجاد حلولهم الخاصة وإنشائها وتكييفها.
التكنولوجيا:
تنطوي التكنولوجيا على أهمية مماثلة للنجاح في تسخير البيانات، وتشكل خطوة أولى مهمة في مرحلة التنفيذ، إضافة إلى أنها تُعتبر محوراً أساسياً في إنشاء الأساس الرقمي. وهنا، فإن السؤال الذي ينبغي على المسؤولين التنفيذيين طرحه هو: هل يمكن للتكنولوجيا لدينا تقديم الحل؟ تستطيع الحصول على البيانات والأفكار في العالم كله، ولكن إذا كانت التكنولوجيا لديك لا يمكنها تقديم سوى نموذج أولي تجريبي، أو نسخة تجريبية، أو وحدة تخزين غير قابلة للقياس، فإنها لن تخلق في النهاية أي قيمة حقيقية لشركتك.
اقرأ أيضاً: الإدارة هي أكثر بكثير من مجرد علم محدودية اتخاذ القرارات بناء على البيانات
تظهر لدينا أهمية التكنولوجيا من خلال مثال تعاون شركتي "ميرسك" (Maersk) و"آي بي إم" (IBM) على تطبيق تقنية "بلوك تشين". فقد أرادت شركة "ميرسك" منذ فترة طويلة تبسيط الصعوبات الإدارية التي تواجه التجارة العالمية، وتيسيرها. إلا أنها لم تتمكن من فعل ذلك قبل ظهور تقنية "بلوك تشين"، التي وفرت الأساس التقني لإيجاد حل لهذه المشكلة. نظراً لأن شركة "ميرسك" لم تكن تمتلك الإمكانات اللازمة لتطبيق تقنية "بلوك تشين" المطلوبة داخل الشركة، فقد أقامت شراكة مع شركة "آي بي إم" لإنشاء منصة "تريدلينس" Tradelens، وهي منصة تُعنى بالتجارة العالمية ومصممة للحد من التكاليف وتعزيز شفافية الشحن العالمي. بعبارة أخرى، سمحت منصة "تريدلينس" برقمنة سلسلة التوريد العالمية، وتوفير المعلومات لجميع الجهات الفاعلة، ذلك بفضل الاستعانة بتقنية "بلوك تشين". لذا، أي حل من شأنه تسخير البيانات، لا بد وأن ترافقه التكنولوجيا الملائمة لتقديمه.
المُساءلة:
تُشير المساءلة إلى الحصول على تصريح رقابي ومجتمعي للحل المتعلق بتسخير بياناتك، إضافة إلى القدرة على برهنة هذا الالتزام. إنها تشكل خطوة هامة في مرحلة التنفيذ، وهي الجزء الأساسي الذي ينطوي على العنصر البشري فيما يخص التحولات الرقمية. والسؤال الذي ينبغي على المسؤولين التنفيذيين طرحه في هذا الصدد هو: هل يتوافق الحل الذي سوف نطرحه مع القوانين والأخلاق؟ إذا كان هذا الحل من شأنه أن يخالف القانون، فلا يمكنه خلق قيمة تُذكر. علاوة على ذلك، إذا رأى المستخدمون أن الحل "مريب"، فقد تواجه رد فعل عنيف من قبل وسائل الإعلام.
يمكن ملاحظة آثار إهمال أخذ المساءلة في الاعتبار بالنظر إلى فضيحة شركتي "فيسبوك" (Facebook) و"كامبريدج أناليتيكا" (Cambridge Analytica). كما هو موضح في الفيلم الوثائقي "ذا غريت هاك" (The Great Hack) على شبكة "نتفليكس" Netflix، فقد حصدت شركة "كامبريدج أناليتيكا" بيانات المستخدمين الشخصية على موقع "فيسبوك" لتحديد "الأشخاص القابلين للإقناع" واستهدفتهم، أي الأشخاص المحتمل إقناعهم برسائل معينة، بهدف تغيير رأيهم في الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016. لقد أثارت إساءة استخدام البيانات الشخصية المزعومة أسئلة من وجهات النظر القانونية والأخلاقية، وكان لهذه القضية تداعيات قاسية على الأطراف المعنية، وجعلت كلاً من المستخدمين والمشرعين أكثر وعياً بالتحديات القانونية والأخلاقية لمسألتي جمع البيانات واستخدامها. وبالتالي، لا ينبغي توقع أن يحقق أي حل النجاح على المدى الطويل إذا لم يكن متوافقاً مع القانون والأخلاق المجتمعية والمعايير.
تقييم مشروعك التالي لتسخير البيانات الضخمة
كما لاحظتَ على الأرجح، فإن هذه الأسئلة المتمثلة في البيانات والاستقلالية والتكنولوجيا والمساءلة تتطلب إجابات بسيطة مثل "نعم" أو "لا". هذا يعني أنه يمكنك تحديد احتمالية نجاح مشروعك التالي لتسخير البيانات الضخمة من خلال تدوين إجاباتك عن هذه الأسئلة. بمعنى آخر، إذا أجبتَ "نعم" على ثلاثة أسئلة و"لا" على واحد من تلك الأسئلة، فإن مشروعك يسجل ثلاث درجات.
اقرأ أيضاً: إذا كانت بياناتك سيئة لن تنفعك أدوات التعلم الآلي
استعن بالجدول أدناه لتقييم مشروعك التالي. كما هو واضح في الجدول، فإنك ستحتاج إلى درجة "4" لتشعر بالثقة من نجاح مشروعك لتسخير البيانات الضخمة. ما يعنيه الحصول على الدرجة "3" هو أن المشروع لا يزال يتطلب عملاً كبيراً من أجل تحقيق النجاح، لأنّ المحاور الأربعة جميعها ضرورية لمشاريع تسخير البيانات الضخمة. وبالتالي، يمكنك التفكير في المحاور على أنها "من الضروري امتلاكها" وليس "من الجيد امتلاكها".
تقييم مشروعك لتسخير البيانات الضخمة
الدرجة | الدلالة |
---|---|
4 | مشروعك لتسخير البيانات الضخمة لديه احتمال كبير لتحقيق النجاح. |
3 | مشروعك لتسخير البيانات الضخمة يحتاج إلى عمل جدي لتحقيق النجاح. |
2 | مشروعك لتسخير البيانات الضخمة ليس لديه احتمال لتحقيق النجاح. |
1 | مشروعك لتسخير البيانات الضخمة ليس لديه احتمال لتحقيق النجاح على الإطلاق. |
0 | مشروعك لتسخير البيانات الضخمة يجب إنهاؤه على الفور. |
المصدر: كارستن لند بيدرسن وتوماس ريتر
إليكم المثال التالي الذي يوضح ضرورة توفر المحاور الأربعة جميعها: يحتوي موقع "فيسبوك" على بيانات شخصية فريدة وقيّمة، مثل بيانات حول الوضع الاجتماعي للمستخدمين. في الواقع، يمكن لموقع "فيسبوك" التنبؤ بدقة فيما إذا كان الوضع الاجتماعي المعطى سوف يستمر. رغم أن هذا قد يتضمن بيانات فريدة وقيمة (أي "نعم" للسؤال 1)، ولدى موظفي شركة "فيسبوك" الحرية في خلق الحلول (أي "نعم" للسؤال 2)، ورغم أن الشركة لديها التكنولوجيا لتقديم مثل هذا الحل (أي "نعم" للسؤال 3)، يبدو أن هذا الحل غير أخلاقي إلى حد ما بالنسبة إلى معظم الناس (أي "لا" للسؤال 4). لذا، سوف يُمنح مثل هذا المشروع درجة "3"، لأنّ العمل الجاد على محور المساءلة مطلوب لضمان نجاح المشروع.
يمكن القول إن مشاريع تسخير البيانات الضخمة تحتاج إلى نهج مستند أكثر إلى البيانات للتنبؤ بنجاحها. وفي حين أن التوقعات بشأن الإمكانات التجارية للبيانات الضخمة هائلة، فإن العوائد ضعيفة حتى الآن. كما يمكن القول إن جزءاً من المشكلة يكمن في عدم معرفة المسؤولين التنفيذيين لكيفية إجراء التنبؤ بنجاح مشروعات تسخير البيانات الضخمة، نظراً لندرة وجود النهج المنظمة لفعل هذا. إلا أنه، وبالاستعانة بإطار العمل المتمثل في المحاور الأربعة، البيانات والاستقلالية والتكنولوجيا والمساءلة، يمكن للمسؤولين التنفيذيين أخيراً البدء في اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات من أجل إطلاق المشاريع المعتمدة على البيانات وتسخير البيانات الضخمة.
اقرأ أيضاً: اجعل من البيانات ركيزة أساسية لفريقك