لماذا تتحمل المرأة الجزء الأكبر من العبء في العمل التعاوني؟

6 دقائق
العمل التعاوني والمرأة

في أي مؤسسة، يطبق الموظفون القواعد غير المعلنة والأعراف المفهومة لإنجاز العمل الجماعي، أي أنهم يتعاونون. على مدى 15 عاماً، راقبت مع فريقي الآلاف من الاجتماعات وسهلناها وساعدنا مئات الفرق على التقارب وإنجاز العمل معاً، ووجدنا أنّ التعاون يبدو مختلفاً بناء على مجموعة متنوعة من العوامل منها قضية المرأة والعمل التعاوني.

إن القيمة التي يضعها الموظفون للعلاقات تعتبر عاملاً مؤثراً وقوياً على التعاون فيما بينهم وطريقته. فالثقافات التي تكون فيها العلاقات كثيفة تتميز بالشمول والتواصل الشخصي وصنع القرار بناء على العلاقات، وتشكل أماكن عمل يملؤها الودّ والدفء. والعامل الآخر هو قوة تقييم الموظفين في المؤسسة للتقدم السريع. في المؤسسات التي لديها توجه نحو التنفيذ، يزدهر الموظفون بمساعدة التعجل على أداء الأعمال ويتخذون خطوات سريعة باتجاه هدف نهائي، ونادراً ما يتأخرون عن المواعيد النهائية المحددة.

من خلال خبرتنا وجدنا أن المؤسسات التي لديها تحيز نحو العلاقات ممزوج بالتوجه نحو التنفيذ تقوم بإشراك العديد من الموظفين في أي عمل، وتعمل ضمن أطر زمنية صارمة وعادة ما يكون لديها عدة مشاريع تسير معاً في وقت واحد تدفع الموظفين في اتجاهات مختلفة. ومع أنّ هذه المؤسسات غالباً ما تكون منتجة وتشكل أماكن عمل مليئة بالطاقة، إلا أنّ لها جوانب سلبية، حيث تعقد هذه المؤسسات اجتماعات أوسع وتكون خيوط توزيع البريد الالكتروني لديها أكبر، ويشارك عدد أكبر من موظفيها في أي عملية، وذلك سعياً منها لضمان شعور الموظفين بالترابط فيما بينهم وأخذ جميع وجهات النظر وجعل اتخاذ القرارات عملية جماعية بطريقة مدروسة. وهذا ما يتيح فرص تقاسم أعباء العمل التعاوني. 

تحمل النساء أعباء التعاون بصورة غير متكافئة

أجرينا مؤخراً دراسة عميقة على ثلاث مؤسسات من هذا النمط، واستعنا الاستبانات والمقابلات والمراقبة المباشرة، ولاحظنا موضوعاً دائماً: في حين اختبر كل موظف في هذه المؤسسات أعباء التعاون الزائدة، إلا أنّ النساء شعرن أنهن يحملن عبئاً أكبر من غيرهنّ. 

يشير بحثنا إلى عدد من الأسباب. 

أولاً، بينت الدراسات أنّ النساء يبدين اهتماماً أكبر بالجماعة، ما يعني ازدياد احتمال تدخلهنّ عند رؤية فجوة أو غموض. درست بت هايم، وهي باحثة ومستشارة ومؤلفة، الاختلافات بين الجنسين ونشرت نتائج دراستها في كتب عديدة. ويكشف بحثها اختلافاً هاماً بين نظرتي الرجال والنساء للتعاون. ووجدت أنّ النساء يتفقن مع مقولة "أن تكون عضواً جيداً ضمن الفريق يعني أن تساعد جميع زملائك في إنجاز الأعمال التي عليهم إنجازها". وبالعكس، يتفق الرجال مع مقولة: "أن تكون عضواً جيداً في الفريق يعني أن تعرف دورك وتمارسه بصورة جيدة". في المؤسسات التي تنجز أعمالها من خلال فرق مشاريع غير رسمية أو التي تكون المساءلة لديها متداخلة، يؤثر هذا الاختلاف في وجهة النظر على الطريقة التي يشارك فيها الرجال والنساء في العمل التعاوني. 

ثانياً، احتمال قيام النساء باقتطاع الوقت خلال أيام العمل للتركيز على أهم أولوياتهنّ أقلّ من الرجال لأنهن يُشعرهن بتأنيب الضمير أو بأنهن أنانيات. وتؤيد هذه النتيجة بحث يشير إلى أن الشعور بالذنب هو سمة أنثوية عادة. إن اقتطعت المرأة بعض الوقت، ستتخلى عنه إذا كان هناك من يحتاجها. وفي المؤسسات التي أجرينا عليها الدراسة، كانت نتيجة ذلك أن جداول عمل النساء غالباً ما تصبح ممتلئة أكثر مما ينبغي، وهنّ يسرعن من اجتماع إلى آخر. يمكن أن يؤدي ذلك إلى عواقب سلبية على مسيرتهن المهنية لأنهنّ يخاطرن بظهورهنّ مشتتات ومتأخرات وغير مستعدات. ويمكن أن تصبح مشاركاتهنّ غير ملحوظة إن تجزأت جهودهنّ بين عدة أعمال. ولن يكون لديهنّ الوقت الكافي للعمل بتركيز جيد. 

يختلف كال نيوبورت معنا في كتابه "العمل العميق" (Deep Work) ويقول أن تنظيم الوقت على شكل كتل في جداول من أجل التخلص من التشتت في العمل يزيد من إمكانية استيعاب معلومات معقدة وتحقيق نتائج أفضل بسرعة أكبر والشعور بالرضا بشكل أكبر. في إحدى المؤسسات التي أجرينا عليها دراستنا، طلبنا من الموظفين اختبار طريقة تنظيم الوقت على شكل كتلة بمقدار 90 دقيقة لإنجاز عمل مركز. فسجل الموظفون الذين نجحوا في ذلك قفزة كبيرة في الإنتاجية والرضا، إلا أنّ الرجال كانوا أكثر قدرة على الاستمرار بالتمرين من النساء. 

كما وجدنا أيضاً أن النساء في المستوى الإداري كانوا يشعرون بإرهاق واستياء أكبر بكثير من الرجال، ومع ذلك كنّ يستثمرن أوقاتهنّ أكثر لتأسيس ممارسات عمل تفيد الآخرين. في إحدى الحالات، عقدنا اجتماعاً من أجل استحداث مراسم جديدة لاحترام وقت الآخرين وطاقتهم. كان هناك ستة قادة لذاك الفريق، أربعة نساء حضرن الاجتماع، ورجلين لم يحضرا متذرعين بأولويات أخرى. وفي حالة ثانية، حدد فريق قيادة مؤلف من ثمانية أشخاص جلسة على جدول الأعمال من أجل وضع قواعد البريد الإلكتروني والاجتماعات تهدف للتقليل من العبء المشترك لجميع الأقسام، فحضرت جميع النساء ولم يحضر أي من الرجال الثلاثة. توضح هاتان الحادثتان نمطاً أوسع قمنا بمراقبته، حيث إنّ النساء لن يكتفين بأخذ ما يزيد عن حصصهنّ من أعباء العمل المشترك، بل سيعملن لتقليل حمل العمل الكلي في فرقهنّ أو أقسامهنّ أيضاً. 

ما الذي يحصل في مؤسستك؟

إن كنت تخشى أن تكون هناك ديناميات مشابهة في مؤسستك، أجر بحثاً فيها. أجر محادثات فردية مع الموظفين ضمن فريقك، بالأخص النساء منهم، واطلب آراءهم عن حجم ما يحمله كل منهم من العبء المشترك. يمكنك الاستعانة بالرسم البياني أدناه، المقتبس عن مقال في مجلة هارفارد بزنس ريفيو بعنوان "حمل التعاون الزائد" واطلب من كل موظف أن يحدد موقعه منه.

المرأة والعمل

كما يجب أن تتحرى بدقة عن الفرق التي تتعدى بجهودها الحدود، كما في المشاريع الخاصة والفرق الخاصة (أو ما تسمى فرق النمور) والفرق الطارئة (أو ما تسمى فرق البرق) . حلل التنافس بين الجنسين، والأهم هو أن تحلل مشاركة كل منهما. يمكنك أيضاً التفكير بإجراء تحليل الشبكة التنظيمية، وهو عبارة عن دراسة شاملة لكيفية تدفق المعلومات داخل مؤسستك. استخدم هذا التحليل لتحديد ما إن كان النوع هو عامل في المشكلة. 

إن وجدت أن النساء في مؤسستك يحملن الحصة الأكبر من عبء التعاون، يمكنك عندئذ أن تتخذ خطوات لمعالجة خلل التوازن عن طريق بناء ثقافة المساءلة المتبادلة. 

عندما يتم دمج التضافر (أي حسّ المشاركة في العمل) مع التعاقد الواضح (أي أنّ التزاماتنا محددة ونتوقع من الجميع اتباعها) والشفافية (أي أنّ مشاركاتنا مرئية للآخرين)، يمكن أن يقطع التضافر عندئذ شوطاً كبيراً تجاه الحدّ من خطورة اختلال التوازن بين الجنسين في العمل التعاوني.

قد يشكل هذا الأمر تحدياً في المؤسسات التي تضع قيمة للعلاقات وقد يكون وسيلة لتفادي النزاعات. وشهدنا فرقاً كثيرة يتردد أفرادها في إلزام الآخرين بالتزاماتهم ويفضلون التخلي عن الأمر على إجراء محادثات صعبة. 

خطوات لخلق التوازن بين الجنسين في العمل التعاوني

فيما يلي بعض الخطوات التي يمكنك اتخاذها لبناء تلك الثقافة: 

1. ابن نظاماً للتعاقد الواضح

هناك طريقتان يمكنك من خلالهما الحرص على أن يعي الموظفون بوضوح كيفية إنشاء الالتزامات وطلبها. وبالتخلص من الغموض ستتخلص من حاجة بعض الموظفين (النساء تحديداً) لاستلام عمل يزيد عن حصصهم. 

  • اطلب طلبات محددة. لاحظ الاختلاف بين هاتين الجملتين: "سامي، سيكون رائعاً لو تمكنت من عقد اجتماع المائدة المستديرة مع الزبون الشهر المقبل" و"سامي، هل يمكنك وضع جدول الأعمال لاجتماع الطاولة المستديرة مع الزبون المقرر يوم 19 مارس/ آذار بحلول يوم الجمعة القادم؟" تترك الجملة الأولى الطلب مفتوحاً للتفسيرات، في حين أنّه محدد وواضح في الجملة الثانية. 
  • اطلب الإجابات الملزمة. تكون إجابة العديد من الموظفين على الطلب الواضح: "يبدو ذلك مناسباً" أو "حسناً أنا موافق"، وتبدو هذه الإجابات كتأكيد بأن الشخص سيفعل ما طلبته منه ولكن ليس بصورة حتمية. شجع الموظفين على الإجابة بكلمة "نعم" واضحة، أو "لا" قاطعة، أو بطرح اقتراح معاكس. 

2. أسس للشفافية

إذا عرف الجميع مهمة كل شخص سيكون من الأسهل على الموظفين مساءلة بعضهم البعض. 

  • وثّق الاتفاقات. يمكن أن يكون ذلك عن طريق البريد الإلكتروني أو مساحة تعاونية مشتركة. عندما يتفق الجميع على ما يجب فعله ومن سيفعله، يكون لديك أساس يمكن لأفراد الفريق الاعتماد عليه لمساءلة بعضهم البعض. 
  • تابع. أدخل آليات لمتابعة المشاركة ومقارنتها بالالتزام وأجر المحادثات عند وقوع تقصير. قد تكون المحادثة بسيطة، كأن تقول: "سامي، ظننت أنك ستضع جدول أعمال اجتماع المائدة المستديرة مع الزبون، ولكن هذه مجرد قائمة أفكار. أين وقع سوء التفاهم بيننا؟ ما الذي يمكننا فعله بصورة مختلفة المرة القادمة؟". 

3. أنشئ ثقافة تقييم صحية

تتضمن الطرق للقيام بذلك في مؤسستك ما يلي: 

  • ابن لغة مشتركة. قدم إطار عمل لتقديم التقييمات، مثل نموذج أثر السلوك بحسب الموقف، وشجع أفراد فريقك على استخدامه مع بعضهم البعض بصورة منتظمة. 
  • قم بإعداد مثال. احتضن ثقافة التضافر عن طريق إظهار حساسيتك عند مشاركة الجزء المتعلق بأثر التقييمات. فكر بقوة جملة بسيطة مثل: "سامي، لأنك لم تنجز عملك ولأنك كنت خارج المكتب اضطررت للبقاء فيه حتى وقت متأخر من أجل إنجاز العمل، وبسبب ذلك فاتني العشاء في المنزل مع عائلتي". وعن طريق عدم السماح للموظفين بالإفلات بأخطائهم وجعلهم يدركون أثرها، سيقومون بعمل أفضل في المرات القادمة. 

قد يجعلك الإصرار على الحصول على الموافقة الصريحة والتقييمات تشعر بعدم الراحة أو برسمية غريبة في البداية، بالأخص في البيئة الدافئة. ولكن عندما تقوم بذلك بصورة صحيحة وباستمرار سيؤدي إلى تقديم مجموعة عامة من التوقعات المشتركة وإزالة فرصة سيطرة السلوكيات الأصلية المبنية على القوانين القائمة على النوع. 

إن امتلاك ثقافة تمنح قيمة للتعاون أمر إيجابي، ولكنك لا تريد أن يحمل موظفون معينون العبء بصورة مجحفة كما يحصل عند الحديث عن المرأة والعمل التعاوني. وعن طريق اتباع الخطوات المذكورة لتعطيل خلل التوازن بين الجنسين في التعاون ستتمكن من تسوية ميدان العمل والحصول على أفضل ما لدى جميع الموظفين.

اقرأ أيضا:

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي