بحث: تخلي الرؤساء التنفيذيين الذكور عن الثقة عند انضمام المرأة إلى مجالس الإدارات

5 دقائق
قوة المرأة في الإدارة

تسعى عدد من الحكومات، (وأبرزها حكومات الهند وكاليفورنيا وبعض دول أوروبا) إلى رفع مستوى قوة المرأة في الإدارة وتمثيل المرأة بمجالس الإدارات تحديداً، وأشارت دراسات عديدة إلى الأسباب الداعية إلى تلك المساعي، ومن أهمها أن تمثيل العنصر النسائي في مجلس الإدارة يؤدي إلى ترشيد قرارات الاستثمار والاستحواذ، علاوة على الحرص في المجازفة، ما يعود بالنفع على المساهمين. لكن يظل السبب وراء هذا الأثر غامضاً.

ويشير بحثنا هذا إلى أحد الأسباب المحتملة، حيث يساعد وجود عنصر نسائي في مجلس الإدارة على تخفيف الثقة المفرطة للرؤساء التنفيذيين الذكور، ويرشد عملية صناعة القرار في الشركة بصورة عامة.

قوة المرأة في الإدارة

لقد اهتممنا بدراسة الثقة المفرطة، لأن البحوث السابقة أثبتت أنها قد تلحق الضرر بالشركة، وأنها أكثر انتشاراً بين الرؤساء التنفيذيين الذكور، فالثقة الزائدة تدفع الرؤساء التنفيذيين إلى المبالغة في تقدير العوائد والاستهانة بالمخاطر، ما قد يؤدي إلى المبالغة في الاستثمارات والإفراط في المجازفة، وتدمير القيمة السهمية للشركة. وراودنا الفضول بشأن مجلس الإدارة، الجهة المسؤولة عن مراقبة الرئيس التنفيذي، ودوره في الحد من نزعة الرؤساء التنفيذيين لإبداء ثقة مفرطة.

اقرأ أيضاً: عندما توظف المؤسسات الطبية قادة لها... تصطدم المرشحات الخارجيات من النساء بعقبة إضافية

يُعد وجود تنوع أكبر في وجهات النظر إحدى مزايا تمثيل المرأة في مجالس الإدارات، الذي يفترض به أن يحسن مداولات المجلس لاسيما عندما يتعلق الأمر بمناقشة قضايا معقدة، لأن تباين وجهات النظر بإمكانه زيادة المعلومات المطروحة. وفي الوقت ذاته، توصلت البحوث إلى أن عضوات مجلس الإدارة يكنّ أقل امتثالاً للأعراف ويملن إلى التعبير عن آرائهن المستقلة مقارنة بأعضاء مجلس الإدارة الذكور، لعدم انتمائهن إلى شبكة العلاقات المهنية القديمة للذكور، لذا فإن وجود عضوات مجلس إدارة يمثل تحدياً أكبر للرئيس التنفيذي، ويدفعه إلى أخذ العديد من الآراء بعين الاعتبار، وكذلك النظر إلى الإيجابيات والسلبيات عند اتخاذ القرارات الاستراتيجية للشركة. وهذا من شأنه تخفيف الثقة المفرطة التي يظهرها الرؤساء التنفيذيون ويصحح وجهة أفكارهم المتحيزة.

ولاختبار هذه الفرضية، جمعنا بيانات عن 1,629 شركة مسجلة في الولايات المتحدة، بما في ذلك بيانات الرؤساء التنفيذيين ومجالس الإدارات، في الفترة الزمنية من 1998 وحتى 2013. خلال هذه السنوات كان تمثيل الذكور بين الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجلس الإدارة هو الغالب. وفي العينة التي درسناها، بلغ متوسط نسبة تمثيل العنصر النسائي في عضوية مجلس الإدارة 10.4%، بينما بلغ تمثيله في منصب الرئيس التنفيذي 2.9%، كما أجرينا دراسة لمعرفة ما إذا كان الرؤساء التنفيذيون أقل عرضة لإظهار الثقة المفرطة في حال وجود عنصر نسائي في مجلس الإدارة، وكيفية تأثير ذلك في قرارات وأداء الشركات الكبرى.

ولتقييم الثقة المفرطة، درسنا سلوك الرؤساء التنفيذيين عند ممارسة الخيارات المتاحة، وخلافاً للقرارات التي تتخذها الشركات، التي تعكس الأفكار المشتركة للإدارة العليا (مثل اتباع الاستراتيجية العامة للشركة من عدمه)، فإن الاختيار الشخصي سواء بالتمسك بخيارات الأسهم المتاحة أو التصرف فيها يكشف عن الأفكار الشخصية للرئيس التنفيذي ومدى ثقته في الشركة. وقدرنا مستوى فرط الثقة لدى الرؤساء التنفيذيين عن طريق حساب "القيمة المشتقة" لمحافظ خيارات الأسهم، أو الفرق بين سعر السهم وسعر التنفيذ في كل عام. ولك أن تفكر في الأمر على هذا النحو: إذا كان الرئيس التنفيذي واثقاً في الأداء المستقبلي للشركة، فسيحرص في الغالب على التمسك بخيارات الأسهم، ظناً منه أنه سيجني ربحاً من التقدير المستقبلي لسعر السهم. ولكن إذا كان التصرف في هذه الأسهم مربحاً بالفعل نظراً لارتفاع سعر السوق، فإن التمسك بها قد يشير إلى الثقة المفرطة بشأن مستقبل الشركة، وخاصة إذا لم يتحقق الأداء المستقبلي المتوقع.

ثم أجرينا تحليلاً لدراسة ما إذا كان تمثيل المرأة في مجالس الإدارات له أثر على هذا السلوك أم لا، بعد السيطرة على العديد من العوامل التي قد تؤثر في إظهار الثقة المفرطة، بما في ذلك حجم الشركة والربحية والرافعة المالية وفرص النمو وحوكمة الشركات وصفات الرئيس التنفيذي للشركة (مثل عمره ومنصبه ومستواه التعليمي وخلفيته المهنية وخبرته). بعد حصر هذه العوامل، وجدنا ثمة علاقة سلبية ملحوظة بين تمثيل المرأة في مجلس الإدارة، طبقاً لقياس نسبة عضوات مجلس الإدارة الإناث، وبين الثقة المفرطة للرؤساء التنفيذيين الذكور. بعبارة أخرى، وجدنا أن الرؤساء التنفيذيين الذكور في الشركات التي تضم مجالس إداراتها عناصر نسائية كانوا أقل حرصاً على التمسك بخيارات الأسهم إذا كان التصرف فيها يحقق أرباحاً، وذلك مقارنة بنظرائهم من الرؤساء التنفيذيين الذكور في الشركات التي لا تضم مجالس إداراتها عناصر نسائية. جدير بالذكر، أنه لم يكن هناك أثر مماثل على سلوك الرؤساء التنفيذيين الإناث عند ممارسة خيارات الأسهم. ويصعب حسم السبب وراء هذا الأمر - هل هو بسبب ميل الرؤساء التنفيذيين الإناث إلى عدم إظهار الثقة المفرطة، على سبيل المثال — لأن حجم عينة النساء اللاتي خضعن للدراسة كان صغيراً للغاية.

اقرأ أيضاً:  ما هي الضغوط الخفية التي تدفع النساء إلى ترك العمل بمجال الهندسة؟

إذا تمكّنت العناصر النسائية في مجلس الإدارة من كبح جماح الثقة المفرطة لدى الرئيس التنفيذي، فكيف سيؤثر ذلك على قرارات وأداء الشركة؟ لقد ناقشنا سابقاً كيف أن الثقة المفرطة لدى الرئيس التنفيذي قد تُلحق ضرراً بالشركة إذا نتج عنها إفراط في الاستثمار في فرص معينة أو عمليات استحواذ متهورة، لذلك فإن الحد من الثقة المفرطة التي يبديها الرئيس التنفيذي، من خلال تمثيل العنصر النسائي في مجلس الإدارة قد يؤدي إلى سياسات استثمارية أقل تهوراً وقرارات استحواذ أكثر نجاحاً. وهذا من شأنه أن يجعل للتركيبة الجنسية لمجلس الإدارة أهمية خاصة في القطاعات التي يتعرض فيها الرؤساء التنفيذيون لإبداء الثقة المفرطة. ووفقاً لما لدينا من بيانات، فقد وجدنا أن الرؤساء التنفيذيين في بعض القطاعات، مثل صناعة الأدوية وبرامج الكمبيوتر والفحم والبناء، كانوا الأكثر إبداءً للثقة المفرطة. ووجدنا أن وجود عنصر نسائي واحد على الأقل بمجلس الإدارة يرتبط بوجود سياسات استثمارية أقل تهوراً وقرارات استحواذ أكثر نجاحاً، ما يؤدي في النهاية إلى تحسين أداء الشركات في هذه القطاعات. إلا أننا لم نلحظ وجود هذه العلاقة في القطاعات الأخرى، مثل قطاع الاتصالات والمرافق العامة، ربما لأن الثقة المفرطة لدى الرؤساء التنفيذيين في هذه القطاعات لم تكن مرتفعة للغاية.

ولدراسة أثر وجود عنصر نسائي في مجلس الإدارة على أداء الشركات بشكل أكثر تفصيلاً، فحصنا الاختلافات بين المحاسبة وأداء الأسهم لعدد 516 شركة خلال الأزمة المالية منذ 2007 وحتى 2009. لقد توقعنا أن تؤدي الثقة المفرطة للرؤساء التنفيذيين (التي قدرناها أيضاً من خلال سلوكهم في ممارسة الخيارات) إلى ضعف الأداء خلال الأزمة، لأنها قد تدفع الرؤساء التنفيذيين إلى اتباع استراتيجيات شرسة تجعل شركاتهم أكثر عرضة للخطر، ولكن نظراً إلى ميل العناصر النسائية إلى أن يكنّ أقل حدة في هذا السلوك، فقد توقعنا أن نرى أداء أفضل للشركات التي تضم مجالس إداراتها عناصر نسائية خلال الأزمة.

وجاءت النتيجة موافقة لتوقعنا. فقد وجدنا أن تمثيل المرأة في مجالس الإدارة قلل الآثار السلبية للأزمة على أداء الشركات (بقياسه من خلال قيمة الشركة، والعائد على الأصول، والعائد على الأسهم) لأن الرؤساء التنفيذيين للشركات التي تضم مجالس إداراتها عناصر نسائية كانوا أقل تبنياً للاستراتيجيات المتهورة التي جعلت شركاتهم أكثر عرضة للأزمة، بينما عانت الشركات التي لا تضم مجالس إداراتها عناصر نسائية تدنياً في مستوى الأداء وفق هذه المعايير.

اقرأ أيضاً: كيف تضمن الشركات عدم إضرار إجازة الأمومة بالمسار المهني للنساء؟

يترتب على دراستنا المتعلقة بموضوع قوة المرأة في الإدارة أثران مهمان في السياسات. أولاً: إشارتها إلى أهمية تمثيل المرأة في مجالس الإدارة في قطاعات معينة، ذلك لأن بعض القطاعات يبدي رؤساؤها التنفيذيون ثقة مفرطة بقدر أكبر. ثانياً: تشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أن تمثيل المرأة في مجالس الإدارة قد يكون مفيداً للغاية في مساعدة الشركات على مجابهة الأزمات. وبوجه عام، يدعم بحثنا الرأي القائل أن وجود العنصر النسائي في مجالس الإدارة يرشد عملية اتخاذ القرارات الاستراتيجية ويعود على الشركات بالنفع.

اقرأ أيضاً: الجوانب الإيجابية من حياة الأم العاملة

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي