يعتبر قطاع الدفاع صناعة حيوية تؤدي دوراً حاسماً في ضمان الأمن القومي، ولضمان تطوير هذا القطاع يأتي المهندسون في الطليعة بهدف الابتكار والتصميم وتحسين التكنولوجيا التي تحمي القوات المسلحة وتدعمها. وتعددت الوظائف الهندسية في هذا القطاع لتشمل الفضاء الجوي والأسلحة والأنظمة المعقدة والإلكترونيات والأمن السيبراني والبحث وتطوير التقنيات العسكرية، لذلك يوفر قطاع الدفاع بيئة مُرضية لمحترفي الهندسة ويتيح لهم أن يكونوا جزءاً من مهامه الحاسمة. إذ تسهم الهندسة الدفاعية في تطوير التكنولوجيا المختلفة التي تعزز السلام بين الدول.
ومع هذا الدور المهم للمهندسين في قطاع الدفاع، انخرطت المرأة أيضاً في تطوير التكنولوجيا الدفاعية بما يخدم مصالح الدول؛ لكن الأمر ليس جديداً.
خلال الحرب العالمية الأولى اكتشفت الممثلة الشهيرة هيدي لامار نظام اتصال لاسلكي مصمماً للتحكم في الطوربيد المقاوم للتشويش. وتواصل المرأة دورها في الهندسة الدفاعية في العصر الحديث، إذ تعمل 19% من النساء في مجال تطوير البرمجيات و7.8% في هندسة الطيران.
وبفضل جهود المرأة في هذا المجال، خصصت جمعية الهندسة النسائية (Women's Engineering Society) في المملكة المتحدة، يوم الـ 23 من يونيو/حزيران سنوياً منذ عام 2014، للاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الهندسة (International Women in Engineering Day) بالتزامن مع ذكرى تأسيس الجمعية. وفي كل عام تتبنى الحملة موضوعاً محدداً تحت شعار "معززة بالهندسة" للتركيز على الجوانب المختلفة لإسهامات المرأة في الهندسة والعلوم والتكنولوجيا والرياضيات. وتطور هذا الحدث منذ ذلك الحين ليصبح حملة توعية معترفاً بها دولياً، يحتفل بها مختلف المؤسسات والأفراد على مستوى العالم وتحرص الشركات الكبرى على إقامة الفعاليات والندوات والمحاضرات التي تناقش دور المرأة في الهندسة الدفاعية، مثل شركة بي إيه إي سيستمز السعودية (BAE SYSTEMS)، التي نظمت محاضرة تفاعلية بعنوان "المرأة في الهندسة" لتمكين المُبتكِرات وبحث أهم الفرص للمهندسات في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية.
تعزيز دور المرأة السعودية في قطاع الدفاع
يحتفل اليوم العالمي للمرأة في الهندسة للعام الجاري 2024، بالجهود التي تقدمها المهندسات حول العالم لتحسين جودة الحياة بحسب الموقع الرسمي للحملة. وعلى الرغم من التقارير التي تفيد بأن النساء يمثلن 23 إلى 25% فقط من القوة العاملة في أكبر 5 مقاولين دفاعيين في الولايات المتحدة، فإن السنوات الأخيرة أظهرت ارتفاعاً ملحوظاً في مشاركة المرأة العربية في قطاع الدفاع. وبعد أن اعتادت المرأة السعودية القيام بمهام مثل التمريض والإدارة، أصبحت قادرة على توّلي أدوار جديدة، وفي عام 2018، صدر قرار يسمح للمرأة بالتوظيف العسكري في القطاعات العسكرية الداخلية والدفاعية، بالتماشي مع مستهدفات رؤية المملكة 2030. وخلال العام نفسه شهدت السعودية افتتاح أول معهد تدريب نسوي للأمن العام، وبحلول عام 2021 تخرجت 115 مجندة سعودية.
ولم يعُد عمل المرأة السعودية مقتصراً على التخصصات الطبية والثقافية والاجتماعية في قطاع الدفاع، إذ جاء إعلان وزارة الدفاع عن افتتاح أول قسم نسائي عسكري في القوات المسلحة، للاعتراف بقدرة المرأة على الإبداع في الأعمال الإدارية التكنولوجية بمتابعة الرادارات والعمل في أقسام المراقبة. وفتحت وزارة الدفاع باب القبول والتجنيد الموحد للتقدم إلى الوظائف النسائية العسكرية، برتب جندي أول وعريف ووكيل رقيب ورقيب، في القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي والصواريخ الاستراتيجية والخدمات الطبية للقوات المسلحة، حتى تسهم في رفع كفاءة المنظومة عن طريق مشاركتها في عدة مجالات مثل الهندسة والتكنولوجيا وإدارة المشاريع والأبحاث والتطوير وإدارة العمليات.
وتستمر مسيرة المرأة السعودية في سوق العمل، إذ بلغ معدل مشاركتها نحو 36% بإجمالي 609,364 فرداً في القطاع الحكومي فقط بحلول عام 2022، ووصل معدل النساء السعوديات العاملات مقارنة بإجمالي عدد السكان نحو 30.4% في العام نفسه. كما بلغ عدد الخريجات في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات 9,426 امرأة، وشهدت الهندسة والصناعة تخريج نحو 2,557 بحسب أحدث تقرير المرأة السعودية 2022 الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية.
هذه الجهود التي عززت من وجود المرأة السعودية في هذا القطاع، أسهمت في احتفاء معرض الدفاع العالمي 2024 الذي أقيم في الرياض في فبراير/شباط بدورها في صناعة الدفاع، كما ترأست سفيرة خادم الحرمين الشريفين لدى الولايات المتحدة الأميركية صاحبة السمو الملكي الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان بن عبد العزيز، برنامج المرأة في الدفاع.
وسلط البرنامج حينذاك الضوء على دور المرأة في صناعة الدفاع، وبحث سبل بناء مستقبل أكثر شمولاً لها في هذا القطاع بما يعزز من قوته وضمان مرونته أكثر، ودعم نمو القطاع اقتصادياً خاصة مع سعي السعودية ليبلغ حجم إسهام الصناعات العسكرية في الاقتصاد السعودي نحو 95 مليار ريال بحلول 2030، بحسب الشركة السعودية للصناعات العسكرية.
قصص نجاح المرأة في قطاع الدفاع
على الرغم من هيمنة الذكور على العديد من المجالات، تمكنت المرأة من تحقيق إنجاز كبير في قطاع الدفاع، إذ إن 13% من وزراء الدفاع في العالم من النساء. وتسيطر المرأة على معظم ميزانيات الدفاع في أوروبا وأميركا، وهذا ما أكدته الأميرة ريما بنت بندر في كلمتها بمعرض الدفاع العالمي 2024. وجاء ذلك نتيجة الاجتهاد الذي قدمته المرأة في هذا القطاع. وعن ذلك، قالت نوف العريفي، ضمن مشاركتها في معرض الدفاع الدولي، وهي إحدى القياديات وأول سعودية في مجلس إدارة شركة بي إيه إي سيستمز، التي تضم 7,400 موظف في جميع أنحاء المملكة يمثلون معدل توطين بنسبة 78%: "إن المرأة السعودية تعيش عصراً فريداً الآن خاصة مع تمتعها بدعم رؤية 2030".
ويعتبر الدور المتنامي للمرأة في قطاع الدفاع، وزيادة عدد برامج تطوير التدريب التي تقدمها بي إيه سيستمز في السعودية، أمثلة أخرى على نجاحها في هذا القطاع، فقد أصبحت وتيرة التغيير في الدفاع تحتم الاهتمام بالمرأة، وتمنحها المهارات والقدرات اللازمة للعمل في هذا المجال. كما تعد مبادرة تصنيع وتجميع طائرات حربية بأيادٍ سعودية إنجازاً جديداً للشركة، فقد دربت 182 شاباً على المهارات الفنية واللغة الإنجليزية من أجل المضي قدماً في ذلك.
وسلطت نائبة الرئيس للخدمات الرقمية في شركة بي إيه إي سيستمز السعودية، كارين لين، خلال المعرض الضوء على اهتمام الشركة بدمج المرأة في أعمالها، فقد بدأت لين مسيرتها في السعودية في عام 2016، ثم انتقلت بين تخصصات مختلفة وخلال قترة وجيزة، لتثبت مهاراتها كمهندسة ذي كفاءة عالية، ثم جاءتها الفرصة لتولي دور قيادي. فقد استقطبتها الشركة حتى ترقت لمناصب أعلى.
من هنا، سعت الشركة بعد تجربتها الناجحة في العمل مع المهندسة، إلى التطوير والعمل مع نساء مهندسات لزيادة عددهن في الشركة بتخصصات الهندسة كافة. ومن هذا المنطلق جاءت اتفاقية بي أيه إي سيستمز مع جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن لاستقطاب الطالبات بعد السنة الثانية لهن في الجامعة، للعمل في الشركة ضمن ساعات عمل لا تتعارض مع دراستهن وكذلك خلال فترة الصيف، وذلك في إطار سعي الشركة لسد الفجوة التي تبرز لقلة النساء في هذا التخصص، إذ يعود ذلك إلى كثرة الطلب من قبل الشركات.
وعلى الرغم من أن الهندسة تعتبر تخصصاً حرجاً، إذ تمكنت قلة من النساء من إثبات جدارتهن فيه، إلا أن قرار دعم المهندسات وتوظيفهن وتطوير مهاراتهن في الشركة، جاء داعماً لرؤية المملكة 2030 إضافة إلى تمكين المرأة التي يشهد لها بالكفاءة العالية في عملها، إذ ارتفع تمثيل المرأة في الإدارة العليا من 17% إلى 28% منذ عام 2015.
كما تسعى وزارة الدفاع السعودية إلى تمكين المرأة، وتمضي الآن في طريقها إلى دمج المرأة في الحكومة وقطاع الدفاع بما في ذلك القوات المسلحة، فالمملكة لديها قيادات نسائية متميزة منها سفيرات عالميات. وعلى مدار أكثر من 100 عام، تطورت العلاقة بين المملكة المتحدة والسعودية لتعكس الأولويات المشتركة للدولتين في عدد من المجالات، بما في ذلك التجارة والاستثمار الطاقة وتغير المناخ والدفاع والأمن.
وتعمل بي إيه إي سيستمز على تطوير برنامج "المستقبل" لديها، كما تعمل لجنة "ملهمة" في الشركة على تمكين المرأة، في فريق متخصص يركز على تعزيز تقدمها في مكان العمل وتقدم الشركة برنامجاً آخر يحث على المساواة والشمول بين كبار قادتها. وبدوره، يركز برنامج التوجيه لدى الشركة (Rise Inspire Support Empower) على دعم المرأة في مجال الأمن السيبراني.
وتقدم الشركة إحدى المبادرات الرئيسية للقيادات النسائية العليا لديها، في إطار برنامج تسريع القيادة المتخصص المصمم لتزويد النساء بالرؤية الاستراتيجية والفطنة التجارية والحضور التنفيذي لتحقيق النجاح؛ بهدف تمكين الموظفات الطموحات ذوات الإمكانات العالية من الوصول إلى ما هو أبعد من أدوارهن الحالية وتمكينهن ليصبحن من قادة الغد.
ماذا تفعل بي إيه إي سيستمز لإحداث الفرق؟
خلُصت دراسة أجرتها شركة ماكنزي آند كومباني في عام 2023 في 12 دولة إلى أن الشركات المتنوعة بين الجنسين أكثر ربحية من متوسط صناعتها الوطنية. وعليه تعمل بي أيه إي سيستمز على تنمية ثقافة مكان العمل التي تحتفي بالتنوع والشمول وتشجع التواصل المفتوح واحترام وجهات النظر المختلفة وعدم التسامح مطلقاً مع السلوك التمييزي، بحسب ما قالته لين.
لذلك تملك الشركة مجموعات من الموارد البشرية لقيادة حملات التوعية ودعم التنوع عبر أعمالها مع التركيز الخاص على الصحة العقلية والتوازن بين الجنسين والأشخاص ذوي الإعاقة. وعلى وجه التحديد، فإن الشركة تتبع نتائج تمثيل المرأة نظراً لأنه حل ملموس أثبت فاعليته في زيادة تمثيلها في الأعمال التجارية، في حين تركز الشركة على مجموعة واسعة من المبادرات الأخرى عالمياً.
ومن خلال هذه المبادرات، تعمل شركة بي أيه إي سيستمز على خلق بيئة صحية، إذ يمكن للمرأة أن تزدهر وتقود وتحدث تأثيراً كبيراً. وفي عام 2023 اُعتمدت الشركة من ذا تايمز ضمن أفضل 50 مكان لعمل للنساء في دول مجلس التعاون الخليجي. وحصلت بي أيه إي سيستمز السعودية على شهادة "مكان ممتاز للعمل"، ما عكس التفاني الذي قدّمته دعماً للنساء، وتوفير بيئة عمل شاملة تجمع كل المواهب.
مع انخراط المرأة بقوة في قطاع الدفاع وإثبات كفاءتها للمضي قدماً في هذا القطاع، يزداد اهتمام شركة بي أيه إي سيستمز بدعم النساء خاصة مع طرح برنامج "أقدر" الذي تقدمه لجنة خصيصاً بهدف مساعدة النساء في تسريع وتيرة مسيرتهن المهنية. وفي ظل مثابرة المرأة السعودية التي تسعى إلى تأكيد مكانتها، سيبرز دور المرأة القيادي أكثر في المستقبل مع دعم رؤية السعودية 2030 لتمكينها.