الكتب الصوتية كحل مثالي للمؤلف والقارئ في العالم العربي

5 دقائق

هل لديك فكرة عن تكاليف طباعة الكتاب الورقي في العالم العربي؟ ومدى تفرّع هذه التكاليف؟ حسناً، إليك تفاصيل قليلة عن هذا الأمر، إنّ تكاليف إنتاج طبعة واحدة من الكتاب تكون موزعة ما بين تكاليف متغيرة "وتشمل حصة المؤلف وقيمة المواد الخام"، وتكاليف ثابتة تشمل تكاليف أعمال تحرير الكتاب "مثل التدقيق اللغوي والتصميم"، وبعض التكاليف الإضافية التي يتحكم فيها الناشر؛ فمثلاً في العالم العربي متوسط التكلفة الأولية لإنتاج طبعة كتاب هي 5,000 دولار، وهي تكاليف إنتاج طبعة واحدة فقط، فبعد انتهاء الطبعة الأولى ستبدأ مرحلة طرح الطبعة الثانية والتي ستحتاج إلى تكاليف إنتاج وطباعة وإعادة العملية أعلاه وما إلى ذلك!

وهذا قد يجعل من الكتابة كمهنة في العالم العربي ليست ذات جدوى كبيرة، وخصوصاً أننا نعاني من قلة الإقبال على الكتب والقراءة، وما يزيد الطين بلة، أنّ القارئ العربي يشتكي من ارتفاع أسعار الكتب الورقية، وبالنسبة للبعض، قد تكون الكتب الإلكترونية مجدية قليلاً لأن أسعارها أقل من الكتب الورقية ولكنها ليست مناسبة للجميع، يتوجب علينا أن نبحث عن حل أقل تكلفة، وأكثر مناسبة، ومن السهل جداً التعامل معه، وطبقاً لهذه المواصفات لن تجدوا حلاً مثالياً كالكتب الصوتية.

الكتب الصوتية هي صناعة عالمية هائلة قُدّرت قيمتهافي العام 2017 بـ3.5 مليار دولار، ليس هذا وحسب، بل إنها تنمو بسرعة كبيرة، فوفقاً لرابطة الناشرين الأميركيين، نمت إيرادات الكتب الصوتية بنسبة 20% في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 مقارنة مع نفس الفترة من العام 2016.

وعلى النقيض من ذلك، نمت مبيعات الكتب المطبوعة فقط 1.5% والكتب الإلكترونية انخفضت مبيعاتها بنسبة 5.4%، ولعل أهم سبب في ذلك هو أنّ الكتب الصوتية مناسبة لكل زمان ومكان، ولا يحتاج مستخدمها للتفرغ التام إليها فالناس يستطيعون الاستماع إليها وهم يمارسون الرياضة أو يقودون سياراتهم لساعات، حتى وهم يحلقون ذقونهم صباحاً أو ينظفون أسنانهم، ومناسبتها للاقتناء تنبع من إمكانية الاستماع اليها عبر الهواتف الذكية حتى دون اتصال بالإنترنت، خاصة أنّ 85% من جيل اليوم يحملون هاتفاً ذكياً واحداً على الأقل!

ومن جهة أخرى هي أقل بكثير في تكاليف إنتاجها من الكتب الورقية، فلو تتبعنا كم ستكون تكاليف الإنتاج الصوتي لكتاب عدد صفحاته 200 صفحة، وكم سيكون سعره وكم نسخة يحتاج الكاتب ليبيع كي يبدأ باستعادة تكاليف الإنتاج والبدء في جني الأرباح، لوجدنا أنها ستُكلف نصف تكاليف إنتاج الطبعة الورقية، ولكن دعونا قبل ذلك نعرّف ما هو معدل سعر الساعة الصوتية الجاهزة؟

خبرة المعلق الصوتي في قراءة الكتب تلعب الدور الأهم

إن كنت ستعمل مع معلق صوتي حر، فإنّ السعر سيكون للساعة الصوتية الجاهزة للنشر بما يشمل أجرة الاستديو ومهندس الصوت والخدمات المتعلقة، وإنّ خبرة قارئ الكتب ومهندس الصوت الذي سيعمل على إنتاج الكتاب بحلته النهائية، تلعب الدور الأساسي في قيمة الساعة الصوتية، وذلك لأنه كلما ازدادت خبرتهما قلت عدد ساعات العمل على الكتاب وخرج الكتاب الصوتي بأعلى جودة ممكنة. وينقسم قُراء الكتب إلى ثلاث فئات:

المبتدئ: هو المعلق الصوتي الذي دخل لتوه لعالم تسجيل الكتب وتكون خبرته في إنتاج الكتب الصوتية كحد أقصى هي ثلاثة كتب، وهذا القارئ سيجتهد ليُعطي جودة مناسبة ولكنها بالتأكيد ستكون منخفضة مقارنة بأداء من هم أكثر خبرة، ولهذا يجب مراجعة العمل كاملاً بعده تحسباً لوجود أي أخطاء وربما سيحتاج للتعديل وذلك سيستغرق وقتاً أكثر، القارئ المبتدئ يعمل بسعر ما بين 50 إلى 200 دولار مقابل الساعة الصوتية الجاهزة للنشر.

الهاوي: هذا القارئ يمتلك موهبة وصاحب صوت جميل، دخل المجال لأنه يُحبه ولأن الجميع أخبروه أنّ صوته مميز ويصلح لهذا العمل، هو يتخذ قراءة الكتب كعمل جانبي ليحصل منه على دخل إضافي، خبرته في حدود 5 إلى 8 كتب، الهاوي يُعطي عملاً بجودة جيدة جداً ولكنه قد يستغرق وقتاً أطول في إنتاج الكتاب، وعادة يُمكن الحصول على سعر ما بين 200-400 دولار للساعة الصوتية الجاهزة من الهواة.

المحترف: هذا المعلق الصوتي، قراءة الكتب هي لعبته! هي موهبة وعمل وخبرة طويلة بالنسبة له، إنّ القارئ المحترف هو من عمل على تسجيل أكثر من 25 كتاباً، لذلك يُقدم جودة احترافية وبوقت قياسي، وذلك لأنّ خبرته في القراءة أهّلته لأن يكون لديه القدرة على تقدير الوقت الصحيح لإنجاز الكتاب وهندسته صوتياً بدقة كبيرة. نسبة الأخطاء عنده تقترب من الصفر، وعادة يمكن إيجاد معلق محترف بالسعر الذي يناسب ميزانية الكاتب ما بين 400 و1,000 دولار للساعة الصوتية، واختلاف السعر يكون على حسب المكان والمعدات التي يستخدمها، هل يسجل في استديو منزلي أم يستأجر استديو احترافي، وهل يعمل لوحده أم يعمل مع آخرين من أجل الهندسة الصوتية والتحرير.

الكتاب الصوتي .. استثمار مربح ومجد

لتكون على اطلاع، إنّ كل 35 إلى 45 صفحة من الكتاب المطبوع تُقدر بساعة صوتية وذلك حسب نوع الخط وحجمه، إذاً، فالنسخة الصوتية لكتاب عدد صفحاته 200 صفحة، ستكون مدتها تقريباً خمس ساعات ونصف، وبالتعاون مع قارئ محترف مقابل 500 دولار للساعة الجاهزة، فإنّ تكلفة الإنتاج النهائية ستكون 2,750 دولار سيدفعها الكاتب لمرة واحدة فقط طوال عمر الكتاب ثم يبدأ بالبيع مباشرة. إنّ هذا المبلغ يساوي نصف كلفة إنتاج طبعة كتاب واحدة! إذاً، فالأمر يستحق الاستثمار.

هذه الطريقة السهلة جداً ستُمكن الكاتب من تملك حقوق الكتاب الصوتي كاملة، ولو تم بيع النسخة الصوتية عبر شركة أوديبل (audible) باتفاقية توزيع غير حصرية سيحصل على نسبة أرباح بين 25%، وكتاب مدته خمس ساعات ونصف سيُباع بين 10-20 دولار، إذاً لو باعها بـ10 دولاراتستكون المحصلة أن بيع 2,000 نسخة سيُقدم 20,000 دولار، وهذه تغطي تكاليف الإنتاج والتسويق وتوفر أرباحاً لا تقل عن 100% أيضاً.

لقد بدا واضحاً جداً هنا بأنّ تكاليف ومراحل إنتاج الكتب الصوتية هي أقل تكلفة وأسهل بكثير من طباعة الكتب، لذلك لا عجب أنّ شركات عالمية ليس لها علاقة بالمجال تسعى لدخول سوق الكتب الصوتية، فمثلاً اليوم شركة وول مارت، وهي أكبر شركة بيع بالتجزئة في العالم، تحالفت مع شركة راكوتن اليابانية من أجل دخول هذه السوق في محاولة لمواجهة أمازون التي تستحوذ شركتها أوديبل على أكثر من 40% من سوق الكتب الصوتية الأميركية.

وعلى الصعيد العربي، هناك العديد من المواقع والتطبيقات ذات التجارب الناجحة في مجال الكتب الصوتية، ومن هذه المواقع مكتبة "المنارة" الخاصة بالمكفوفين التي لديها أكثر من 5,000 إصدار صوتي، وفي السنوات الثلاث الأخيرة، ظهرت في السوق العربية مواقع وتطبيقات متخصصة في إنتاج الكتب الصوتية مثل موقع "مسموع" وتطبيقات "ضاد" و "كتاب صوتي" و "بوكلافا" و "راوي الكتب" وكذلك تطبيق الراوي، تعمل هذه التطبيقات بالتعاون مع دور النشر وشركات الإنتاج على توفير النسخ الصوتية لمختلف أنواع الكتب للقارئ العربي المهتم بالكتب الصوتية.

ولكن لا أعتقد أنّ الإنتاج وحده كافٍ في حالة السوق العربية، بل نحن بحاجة لحملات توعية بمدى فاعلية الكتب الصوتية ومدى مناسبتها لأسلوب حياتنا اليوم. وبدلاً من التوجه للقارئ المهتم فقط، يجب محاولة توسيع الجمهور المستهدف وذلك بالتوجه للقارئ الذي لم يخض تجربة الاستماع للكتب، وفي ذات الوقت من المهم أن يعلم الكُتاب مدى جدوى الكتاب الصوتي وسهولة وصوله للجماهير، وهذه المهمة لن يقوم بها أحد على أفضل وجه مثل دور النشر، ومن المهم أن نشهد في الأشهر القادمة احتواء عقود النشر على بنود خاصة بإنتاج الكتاب الصوتي وحقوقه.

قد يكون من المخيب للآمال أنّ شركة أوديبل لديها أكثر من 100,000 كتاب صوتي، في حين أنّ كل التطبيقات العربية مجتمعة لم تُنتج ربع هذا الرقم بعد، وصحيح أنّ الكتب الصوتية الإنجليزية هي آلاف أضعاف الكتب العربية، لكن البشرى في أننا فعلاً بدأنا بالتنبه إلى أهميتها فقمنا بغرس نواة مكتبتنا الصوتية العربية عبر العديد من المواقع والتطبيقات، وأظن أننا ننمو بسرعة كبيرة ولربما خلال الأعوام القليلة القادمة ستُصبح الكتب الصوتية هي جزء لا يتجزأ من حياة الفرد العربي.

اقرأ أيضاً: الطريقة الصحيحة لقراءة الكتب

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي