بحث: آثار القيادة غير الرسمية

7 دقائق
القيادة غير الرسمية

ملخص: يُقصد بالقائد غير الرسمي الموظف الذي يتولى مسؤوليات قيادية تقع خارج مسؤوليات منصبه الوظيفي، ويعمد المدراء لإعطاء مهام قيادية غير رسمية لبعض الموظفين لتجهيزهم للمستقبل، ويترتب على ذلك فوائد كثيرة على المدى البعيد، وبعض السلبيات على المدى القصير مثل الإجهاد. يُعدّ تشجيع المواهب الصاعدة على تولي دفة القيادة غير الرسمية لفريق أو مشروع ما طريقة رائعة لدعم كل من الموظفين وفرقهم بأكملها، لكن ومن جهة أخرى، أظهر بحث جديد أن تلك الواجبات قد تؤثر أيضاً في الرضا الوظيفي للقادة غير الرسميين ومستويات طاقتهم. أجرى المؤلفون سلسلة من الدراسات مع الطلاب والمهنيين في الولايات المتحدة وتايوان، وتبيّن لهم وجود علاقة ترابطية عكسية كبيرة بين القيادة غير الرسمية ومستويات الطاقة ومعدلات الرضا. كما وجدوا أيضاً أن تلقي الدعم من القادة الرسميين قد يخفف من تلك الآثار، بمعنى آخر، عندما لم يقدم القادة الرسميون دعمهم للموظفين، أبلغ القادة غير الرسميين عن مستويات طاقة أقل بنسبة 20% من أقرانهم غير القادة، لكن الفرق اختفى تماماً بعد تلقيهم الدعم الكافي. ويعرض المؤلفون استناداً إلى تلك النتائج استراتيجيات لمساعدة كل من المدراء الرسميين والقادة غير الرسميين في جني فوائد القيادة غير الرسمية مع تقليل آثارها الجانبية السلبية إلى أدنى حد.

بصفتي قائداً غير رسمي في فريقي، غالباً ما أكون مسؤولاً عن تحقيق أهدافي الخاصة وعن اتخاذ قرارات بشأن مهام الفريق وإدارتها على حد سواء. وعلى الرغم من أن تلك المهام لا تندرج ضمن واجباتي، لا بد لي من بذل جهد إضافي لمساعدة زملائي في التعامل معها، وقد يكون ذلك مرهقاً حقاً أحياناً.

ومن أفضل الطرق التي يمكن للمدراء من خلالها دعم عملية التطور المهني لموظفيهم وتحسين أداء فرقهم بأكملها هي تشجيع المواهب الواعدة على تحمل مسؤوليات القيادة غير الرسمية. إذ قد تسفر المشاركة في قيادة فريق أو مشروع ما عن منح القادة الصاعدين خبرة قيمة وإعدادهم لتولي أدوار إشرافية أو إدارية رسمية في المستقبل، وهو ما يضيف قيمة للمؤسسة بأكملها أيضاً.

ومع أن تولي مهام القيادة غير الرسمية قد يساعد الموظفين على تعزيز إحساسهم بقيمتهم ويدعم نموهم، يشير بحثنا الأخير إلى أن ذلك قد يقلل على نحو كبير من مستويات طاقتهم ورضاهم الوظيفي، وهو ما يجعلهم مترددين في قبول تلك الأدوار الإضافية على الرغم من فوائدها طويلة الأجل.

وأجرينا سلسلة من الدراسات مع أكثر من 500 طالب ومهني عامل في كل من الولايات المتحدة وتايوان لاستكشاف أثر القيادة غير الرسمية على مستويات الطاقة والرضا الوظيفي، وفائدة الدعم المقدم من قبل القادة الرسميين في تخفيف تلك الآثار. ووجدنا من خلال الدراسات الكمية والمقابلات الشخصية النوعية أن القيادة غير الرسمية غالباً ما تؤدي إلى انخفاض مستويات الطاقة، وهو مما يقلل بدوره من الرضا الوظيفي. و كما أوضح أحد المشاركين:

كلما أقمنا حدثاً خاصاً، توقع زملائي مني أن أكون الشخص المسؤول عن الفريق بأكمله، وغالباً ما أكون مسؤولاً عن إجراء تغييرات جذرية بسرعة على جدول الأعمال. لكن إنجاز مهامي الخاصة والتنسيق بين مختلف الأنشطة الأخرى يجعلني أشعر بالتعب الشديد ويستنفد طاقتي.

ولاحظنا في أحد الاستقصاءات حول فرق الطلاب وجود علاقة ترابطية عكسية كبيرة بين الوضع القيادي غير الرسمي لأعضاء الفريق ومستويات طاقتهم. وبالمثل، وجدت دراسة متابعة مع مجموعات من المهنيين العاملين أن المشاركين الذين كُلّفوا بتولي مسؤوليات قيادية غير رسمية أبلغوا عن مستويات طاقة كانت أقل بنسبة 11% في المتوسط من أولئك الذين كُلّفوا بأدوار غير قيادية.

كما وجدنا أن الدعم المقدم من المدراء الرسميين كان له تأثير كبير على مستويات الطاقة عند تولي واجبات القيادة غير الرسمية. وطلبنا في دراستنا من مشاركين اخترناهم عشوائياً قراءة السيناريوهات التي تلقوا فيها إما مستويات عالية أو منخفضة من الدعم من مشرفيهم، ثم طلبنا منهم وصف ما قد يشعرون به في تلك المواقف. راجع المشاركون سلسلة من رسائل البريد الإلكتروني التي أجاب فيها مشرفوهم عن الأسئلة إما عن طريق تقديم تعليقات ونصائح مفصلة (حالة الدعم العالية)، أو عبر رفض طلباتهم لتلقي المساعدة، وتشجيعهم على معرفة الإجابة بمفردهم أو سؤال شخص آخر (حالة الدعم المنخفضة). في الواقع، لم نجد في حالة الدعم العالية فرقاً كبيراً بين مستويات الطاقة لدى القادة غير الرسميين وغير القادة، في حين أبلغ القادة غير الرسميين في حالة الدعم المنخفضة عن مستويات طاقة أقل بنحو 20% من نظرائهم غير القيادة.

وعكست بيانات المقابلات الشخصية ذلك أيضاً، على سبيل المثال، وصف أحد المشاركين أن الافتقار إلى الدعم والتقدير من مديره جعل مسؤولياته القيادية غير الرسمية مرهقة تماماً:

حاولت أن أبذل قصارى جهدي كقائد غير رسمي في مجموعتي. لكن عندما لم تلقَ جهودي أي تقدير، بدأت أشعر بثقل تلك الواجبات. وازداد شعوري بالسوء عندما تصرف مديري وكأن عملي لم يكن مهماً ورفض مساعدتي عندما ساورني الشك حيال ما يجب عليّ القيام به.

قد تكون الإدارة التفصيلية ضارة للغاية بالطبع، ذلك لأن السماح بقدر من الاستقلالية هو أمر بالغ الأهمية لمساعدة الموظفين على النمو. لكن تشير كل من نتائجنا وبحثنا السابق إلى ضرورة أن يحقق المدراء توازناً بين منح الموظفين مجالاً لأن يطوروا من أنفسهم مع الاستمرار في تقديم الدعم في شكل مشورة صريحة ومن خلال نمذجة ممارسات القيادة الفاعلة بأنفسهم.

كيف يمكن للمدراء دعم القادة غير الرسميين في فرقهم

ثمة بعض الطرق التي يمكن للمدراء والمنظمات من خلالها دعم قادتهم غير الرسميين للحد من التأثير السلبي للمسؤوليات الإضافية على مستويات طاقتهم ورضاهم الوظيفي:

كن مدرباً على القيادة.

لإعداد القادة غير الرسميين لتحقيق النجاح، ينبغي للقادة الرسميين تدريبهم على كيفية التواصل بفاعلية مع أقرانهم وعملائهم، وتقديم المدخلات والمشورة بشأن القرارات الرئيسية، وربما إيجاد سبل للحد من عبء عمل القادة غير الرسميين في مجالات أخرى لمنحهم مزيداً من الفرص للتركيز على واجبات القيادة الجديدة. وكما أفاد أحد الموظفين الذين أجريت معهم مقابلات شخصية:

ساعدتني خلفيتي في المجال التقني على معرفة الاتجاه العام لعملي بصفتي قائداً غير رسمي جديد، لكن لدي العديد من الأسئلة أيضاً، وآمل أن يكون مديري مستعداً للتشاور معي ومساعدتي على معرفة كيفية إدارة الآخرين.

ويتمثّل العنصر الآخر المهم للدعم الفاعل في التقييمات. يعتمد القادة غير الرسميين على تقييمات صادقة وآنية من مدرائهم الرسميين من أجل تحسين مهاراتهم القيادية وتجنب تكرار الأخطاء. وعلى الرغم من تردد المدراء في انتقاد موظفيهم، أكد العديد من الموظفين الذين قابلناهم أهمية تلقي تقييمات مفيدة من مدرائهم، لكن يجب أن يكون المدراء حذرين لضمان تقديم ملاحظاتهم بشكل بنّاء ومحترم:

في كل مرة احتاج فيها إلى اتخاذ قرارات صعبة لفريقي، مثل مطالبة زملائي بوقت عمل إضافي في عطلة نهاية الأسبوع، أتشاور مع مديري وألتمس نصيحته أولاً. وعادة ما ألجأ إليه بعد أن أكمل مهمة ما لأسأله عن كيفية تحسين أدائي في المستقبل. وكان ذلك النوع من التقييمات أمراً بالغ الأهمية لنموي كقائد.

شارك توقعاتك، وثق في قدرة القادة غير الرسميين على تلبيتها.

يتمثّل أحد التحديات التي تواجه القادة غير الرسميين في أنهم مكلفون بإدارة زملائهم دون أن يكون لديهم سلطة حقيقية عليهم. وقد يشعرون نتيجة لذلك بالانفصال عن أقرانهم وقادتهم الرسميين، وهو ما يجعل القيادة غير الرسمية مهمة تستنزف القوى. وصف أحد المشاركين في المقابلة ذلك الموقف الصعب قائلاً:

تُثير مهمتي بصفتي قائداً غير رسمي توتري لأنها تتطلب مني تحقيق التواؤم بين قادتي الرسميين وأقراني. وغالباً ما أضطر إلى تنسيق عمليات التواصل بين قمة الهيكل التنظيمي وقاعدته، ودائماً ما أكون غير متأكد من أفضل طريقة لتحقيق ذلك.

ولمعالجة تلك المشكلة، يجب على القادة الرسميين مشاركة توقعاتهم بوضوح مع الفريق بأكمله، وتحديد المجالات التي سيتولى القائد غير الرسمي إدارتها بالضبط والمجالات التي ستبقى تحت سيطرة القائد الرسمي. والأهم من ذلك، أن مشاركة تلك التوقعات بفاعلية يتوقف على إبداء المدراء ثقتهم في القادة غير الرسميين لتولي مسؤوليات القيادة بشكل ضمني وصريح على حد سواء، وعزمهم على عدم التدخل في مشاريع القادة غير الرسميين أو عكس قراراتهم. وكما أفاد أحد المشاركين:

غالباً ما يفوض مديري المهام الإدارية أو الفنية لي فقط؛ إنه يعترف صراحة بدوري كقائد غير رسمي في فريقنا، لكن لا يبدو أنه يثق بي بما يكفي ليعهد إليّ تولي مسؤوليات مهمة مرتبطة بالقيادة. أعني أنني أثق في حكمه عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات مهمة، وآمل أن يثق بي في المقابل لتولي مزيد من واجبات القيادة. ومن الصعب العمل مع شخص ما لا يبادلك الدرجة نفسها من التفاهم والثقة.

كوّن سلسلة من القادة غير الرسميين في فريقك.

عادة ما تكون مسؤوليات القيادة غير الرسمية مؤقتة، إذ سيُدرك العديد من أولئك الموظفين في النهاية أنهم لا يتحكمون بدفة القيادة أو ينتقلون إلى مناصب قيادية رسمية. وبالتالي، يجب على المدراء تدريب العديد من القادة غير الرسميين بدلاً من الاعتماد على شخص واحد أو شخصين فقط لتولي جميع مسؤوليات القيادة غير الرسمية إلى أجل غير مسمى، وهو ما يقلل العبء على أي قائد غير رسمي، ويضمن استمرار نجاح الفريق إذا حصل القادة غير الرسميين على ترقية إلى مناصب أخرى أو قرروا التخلي عن أداء مسؤولياتهم الجديدة. كان المشاركون في المقابلات الشخصية صريحين للغاية بشأن ذلك الأمر، فعلى الرغم من أنهم كانوا متحمسين لتولي مهام القيادة غير الرسمية، اعتمدوا على مدرائهم فيما يتعلق بالتفكير الطويل الأجل حول كيفية مشاركة عبء العمل والتخطيط للمستقبل:

آمل أن يبدأ قادتي الرسميون بتدريب مزيد من الموظفين ليكونوا قادة غير رسميين يتشاركون عبء العمل معي بدلاً من مجرد الاعتماد عليّ لأكون مسؤولاً عن كل شيء... أعني: أنا أحب هذا الفريق بالفعل، لكني سأرغب خلال مرحلة ما في المغادرة والمضي قدماً في مسيرتي المهنية. ولا أعتقد أن ذلك الوضع سيكون مستداماً في حال لم يفكروا في خطة التعاقب الوظيفي.

كيف يمكن للقادة غير الرسميين دعم رفاهتهم

إن الحصول على الدعم من القادة الرسميين مهم بالفعل، لكنه ليس كل شيء، بل يتحمل القادة غير الرسميين أيضاً مسؤولية الحفاظ على رفاهتهم وأداء المهام في حدود طاقاتهم لضمان ألا تؤثر مسؤولياتهم الجديدة سلباً على مستويات طاقاتهم أو رضاهم الوظيفي. وتوجد استراتيجيتان رئيسيتان نعتقد أنهما قد تساعدان الموظفين على تحقيق النجاح عند تولي مهام القيادة غير الرسمية الجديدة:

راقب مستويات الطاقة لديك.

من الطبيعي أن تشعر بالحماس عندما يطلب منك مديرك تولي مسؤوليات جديدة. والشعور بالحماس هو أمر جيد بالفعل، لكن يجب عليك أن تفهم بصفتك قائداً غير رسمي أن تلك الواجبات الجديدة قد تستنزف طاقتك، وأن تتأكد من مراقبة مستويات الطاقة لديك بشكل استباقي لتجنب الاحتراق الوظيفي. وأظهرت البحوث بالفعل أن عقلية "العمل المتواصل" قد تضر بالصحة الشخصية والتطوير الوظيفي على المدى الطويل، لذلك من المهم أن تبقى على اطلاع بالعلامات المبكرة للاحتراق الوظيفي والإعياء.

حافظ على مستويات طاقتك بشكل استباقي.

لا تنتظر حتى تشعر بالاحتراق الوظيفي لتبدأ حماية طاقتك وحالتك العقلية. وقد تساعدك ممارسات مثل المشي لمسافات قصيرة خلال النهار، والحصول على استراحات الغداء، وقضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، والتغذية الجيدة وممارسة الرياضة على ضمان بقاء مستويات الطاقة لديك مرتفعة، حتى عند أدائك مسؤوليات جديدة في العمل. بالإضافة إلى ذلك، لا تخف من طلب المساعدة عندما تحتاج إليها، سواء من مديرك أو زميلك أو صديقك أو أخصائي الصحة النفسية.

تُعتبر القيادة غير الرسمية نقطة انطلاق حاسمة في مسارات النمو المهني للعديد من الموظفين ومكوناً رئيسياً للفرق الفاعلة. لكن قد تنطوي القيادة غير الرسمية على آثار أيضاً، وقد تضطر المؤسسات التي تتجاهل الخسائر في القيادة غير الرسمية إلى تحمّل آثار انخفاض مستويات طاقة موظفيها ورضاهم الوظيفي. ولجني فوائد القيادة غير الرسمية دون تعرض الموظفين للاحتراق الوظيفي، يجب أن يحافظ المدراء على اندماجهم ودعمهم الفاعل حتى عند تفويض مسؤوليات معينة لهم، كما ينبغي لهم أن يشجعوا الموظفين على رصد مستويات طاقتهم وحمايتها بشكل استباقي عند تولي أدوار قيادية غير رسمية.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي