إذا كنت تريد أن تكون في أفضل حالاتك وأن تنجز أداء عالي المستوى، فإن الخوف والقلق من آراء الآخرين قد يعيقك.
فكر في وقت شعرت فيه بالقلق الشديد، على سبيل المثال، قبل التحدث علناً أمام الجماهير أو إبداء رأيك في اجتماع كبير أو حتى المشي في غرفة تعج بالغرباء. يكمن السبب وراء عدم شعورك بقيمة ذاتك وإحساسك بالخوف والتوتر في قلقك من الرفض الاجتماعي.
سلبيات مشاعر القلق من آراء الآخرين
أصبح الخوف من آراء الآخرين هاجساً غير منطقي وغير مثمر في العالم الحديث، ولا تقتصر تأثيرات الخوف السلبية هذه على الأداء فقط. إذ إن إيلائك اهتماماً أقل وأقل لهويتك الشخصية ومواهبك ومعتقداتك وقيمك وانصياعك لآراء الآخرين حولك قد يُسفر عن تقويض إمكاناتك. وستبدأ في مراقبة خطواتك لأنك تخشى ما سيحدث على الجانب الآخر من النقد. حيث ستخاف من التعرض إلى السخرية أو الرفض. وستتخلى عن وجهة نظرك عندما يتحداك أحد ما. ولن ترفع يدك عندما تكون عاقبة مشاركاتك غامضة. ولن ترشح اسمك للترقية لأنك تعتقد أنك غير مؤهل بما يكفي.
لسوء الحظ، يُعتبر خوفنا من آراء الآخرين جزءاً من الحالة الإنسانية لأننا نسير على خطى عقليات قديمة، فأجدادنا كانوا يتسمون بالحذر والدهاء رغبة منهم في نيل استحسان الآخرين، وقد ساد هذا الخوف منذ آلاف السنين، فكان كلما فشل فرد ما في تنفيذ عملية صيدٍ معينة، أصبح مكانه في القبيلة مهدداً. كما أن الرغبة في الاندماج والخوف من كراهية الأفراد لنا يجعلان أطرافنا ترتعد ويقوض قدرتنا على متابعة الحياة التي نريدها.
وهو ما يؤكد سبب حاجتنا إلى تدريب أذهاننا وتحكيمها حتى نمنع آراء الآخرين من التحكم في ذواتنا.
لذلك، إذا وجدت نفسك تعاني من الخوف من آراء الآخرين، يمكنك اتباع عدة سبل لتخفيف حدة استجاباتك للتوتر. بمجرد أن تدرك شعورك بالخوف، وجه عقلك نحو ترديد عبارات بناء الثقة، "أنا متحدث بارع أمام العامة"، "لقد بذلت جهداً كبيراً حتى أتمكن من الوثوق بقدراتي، ولدي الكثير من الأشياء الهامة والمميزة التي أود قولها"، "أنا مستعد تماماً لهذه الترقية". ستساعدك هذه العبارات في التركيز على مهاراتك وقدراتك بدلاً من التركيز على آراء الآخرين. وخذ نفساً عميقاً أيضاً، إذ سيشير النفس العميق إلى عقلك أنك لست في خطر مباشر.
اقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن القلق من فقدان أهميتك في عملك؟
كيف أتغلب على الخوف من آراء الآخرين؟
ولكن إذا كنت تريد التغلب حقاً على الخوف من آراء الآخرين، ستحتاج إلى زيادة الوعي الذاتي. إن معظمنا يمضي في هذه الحياة بإحساس عام بهويتنا الشخصية، ويُعتبر ذلك كافياً في مواقف عديدة لجعلنا نجتاز غمار الحياة. وإذا كنت تريد أن تكون في أفضل حالاتك وأن تكون أقل خوفاً من آراء الآخرين، يجب عليك تطوير إحساس أقوى وأعمق من هويتك الشخصية.
ويمكنك البدء بتطوير فلسفة شخصية متمثلة بكلمة أو عبارة تعبر عن معتقداتك وقيمك الأساسية. فمثلاً تتمثل الفلسفة الشخصية لشريكي التجاري والمدرب الرئيس لفريق "سياتل سيهاوكس" (Seattle Seahawks) بيتيه كارول في "التنافس الدائم". إن التنافس الدائم بالنسبة إلى المدرب كارول يعني قضاء كل يوم في العمل بجد بهدف تحسين أدائه والوصول إلى أقصى إمكاناته. ولا تُعتبر هذه الفلسفة عبارة مبتذلة أو شعاراً، وإنما هي بوصلته التي توجه تصرفاته وأفكاره وقراراته بصفته مدرباً وأباً وصديقاً في كل مجال من مجالات الحياة.
وعند ابتداعك فلسفة شخصية، اسأل نفسك سلسلة من الأسئلة:
ما هي المعتقدات التي تكمن وراء أفكاري وأفعالي عندما أكون في أفضل حالاتي؟
من هم الأشخاص الذين يتمتعون بالسمات والصفات التي تتوافق مع السمات والصفات التي أتمتع بها؟
ما هي تلك الصفات؟
ما هي اقتباساتك المفضلة؟ ما هي الكلمات المفضلة لديك؟
بمجرد إجابتك عن هذه الأسئلة، ضع دائرة حول الكلمات البارزة التي تثير اهتمامك واشطب الكلمات التي لا تريدها. وبَعد النظر في الكلمات المتبقية، حاول ابتكار عبارة أو جملة تتوافق مع هويتك بالضبط، وضع خطة تنطوي على كيفية رغبتك في عيش حياتك وفق هذه العبارة. وشارك هذه المسودة مع الأشخاص المقربين منك واطلب الحصول على آرائهم وقم بصقل فلسفتك من تلك النقطة، ثم احفظها في ذاكرتك وكررها يومياً.
وقد تكون صياغة الفلسفة الشخصية تمريناً منيراً وقوياً. عندما أقوم بتدريب فرق من المسؤولين التنفيذيين، أطلب منهم في كثير من الأحيان كتابة فلسفتهم الشخصية ومشاركتها مع المجموعة. ولن أنسى أبداً الوقت الذي أبهر فيه مسؤول تنفيذي كبير الجميع في الغرفة. إذ بينما كانت الدموع تنهمر من عينيه، أقام ظهره ورفع رأسه عالياً، وقال: "فلسفتي هي أن أستحق الحياة". وقال لزملائه أن والديه كانا مهاجرين، صمدا في ظل ظروف صعبة للغاية لضمان حصوله على أفضل الفرص. واعتبر أنه من واجبه أن يعيش الحياة كما لو كان اسم عائلته مزيناً على صدره بسبب العمل الدؤوب والتضحيات التي قام بها والداه. وهو يحاول أن يكون جديراً بتضحياتهما وأعمالهما الصالحة كل يوم وأن يكون قدوة عظيمة للجيل القادم.
اقرأ أيضاً: ماذا يفعل بنا القلق في العمل؟
ولا يمكنني التعبير بالفعل عن أهمية هذه الفلسفة الشخصية. لقد عملت مع لاعبين ومدربين من اتحاد كرة القدم الأميركية والرياضيين في الرياضات الخطرة وكبار القادة في الشركات المدرجة في قائمة "فورتشن 50"، ولاحظت أنه إلى جانب السعي الدؤوب لهؤلاء الأفراد ذوي الأداء العالي ليصبحوا في أفضل حالاتهم، فإن ما يجعلهم رائعين هو إحساسهم الواضح بالمبادئ التي توجههم. وقد جعلهم وضوح هذه المبادئ أكثر استعداداً لتطوير أنفسهم وتعلم المزيد، واحتضان الشعور بالانزعاج. اعتادوا إغلاق باب الضوضاء وآراء المعجبين ووسائل الإعلام والاستماع إلى بوصلتهم الداخلية الموجهة بعناية.
وبمجرد تطوير فلسفتك الشخصية، ألزم نفسك على أن تعيش وفقاً لمعتقداتها. ابدأ في المنزل، وأخبر الشخص الذي تحبه أنك تحبه، وارقص في حفل زفاف، وجازف، وكن غريباً باحترام، وقد يعني هذا أن تتصرف على طبيعتك. ثم حاول ذلك في العمل. قدم عرضاً تقديمياً، ورشح اسمك للترقية، وافعل أشياءً من شأنها أن تولد آراء الآخرين. وعندما تشعر بقوة خوفك من آراء الآخرين التي تعيقك، ما عليك سوى الاعتراف بخوفك وإعادة التواصل مع فلسفتك وهدفك الأكبر.
وامض قدماً والتمس آراءً تقويمية من قائمة قصيرة من الأفراد الذين يهمك أمرهم. وتذكر أن النظرة الصادقة هي عنصر حيوي للتفوق. فخلال حلقة من مدونتي الصوتية (البودكاست) بعنوان "فايندينغ ماستري" (Finding Mastery)، اقترح برينيه براون، الباحث الشهير ومؤلف كتاب "تجرأ أن تقود" (Dare to Lead)، أن يكون عدد هؤلاء الأفراد محدوداً بحيث تتسع أسماؤهم على بطاقات الملاحظات مقاس 1 بوصة. وأود أن أضيف شرطاً ثانياً، إذ يجب أن يكون لدى الأفراد الموجودين على بطاقتك إحساس كبير بهويتك الشخصية الحالية والهوية التي تعمل على تنميتها. في النهاية، احترم وجهات نظر هؤلاء الأفراد، واترك ضوضاء آراء الآخرين تتلاشى. وقم بموائمة ملاحظاتهم مع تجربتك.
والأهم من ذلك كله، تذكر أن النمو والتعلم يحدثان عندما تعمل عند حدود طاقتك. إن العيش وفقاً لفلسفتك الشخصية سيتطلب المزيد من الجهد والقوة، لكن النتيجة المتمثلة في التعبير عن هويتك بصدق وإبداع ستدفعك إلى عيش حياتك والعمل وفق هدف ومعنى، دون وجود مشاعر القلق من آراء الآخرين في داخلك.
اقرا أيضاً: