لماذا ينبغي القلق الآن بشأن القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية؟

14 دقيقة

أجرت هارفارد بزنس ريفيو مقابلة صوتية (بودكاست) مع روبرت إكلز، وهو أستاذ زائر في مجال الممارسة الإدارية في كلية سعيد للأعمال في "جامعة أوكسفورد". وهو مؤلف مقال نُشر في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان "ثورة المستثمر".

يقول إكليس: إن اهتمام مجتمع الاستثمار العالمي بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية قد وصل إلى نقطة حاسمة. حيث تضغط اليوم شركات إدارة الأصول الكبيرة وصناديق المعاشات التقاعدية على قادة الشركات، بهدف تحسين ممارسات الاستدامة بطرق ملموسة تعود بالنفع على صافي مبيعات شركاتهم، وتخلق تأثيراً أوسع. كما أنها تدعو إلى التوصل إلى المزيد من المقاييس الموحدة والمعايير الصناعية.

وإليكم مقتطفات من هذه المقابلة الصوتية:

النص

أليسون بيرد: مرحباً بك في برنامج "آيديا كاست" المقدّم من "هارفارد بزنس ريفيو". أنا أليسون بيرد.

ما القضايا التي يهتم بها أكبر مستثمري العالم اليوم؟ ماذا تتوقع شركات إدارة الأصول الكبيرة وصناديق المعاشات التقاعدية الحكومية من الشركات المندرجة ضمن محفظتها الاستثمارية؟

وفقاً للأبحاث التي أجراها ضيفنا، يوجد مجال واحد يعتبر من الشواغل الرئيسة للجميع، ألا هو رغبة المستثمرين في أن يركز قادة الأعمال على المقاييس المتعلقة بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية.

وهذا يعني أن إحراز التقدم في هذه المقاييس لم يَعد من الأمور الثانوية، وإنما هو شرط سيطلبه المساهمون لأنهم يعتقدون أنه سيؤدي إلى دفع عجلة التطور الخاصة بنمو شركاتهم وزيادة الحصة السوقية والأرباح. ومن ثم، يجب على أي شركة حريصة على جذب رأس المال أن تجعل الاستدامة نقطة تركيزها.

روبرت إكلز هو أستاذ زائر في مجال الممارسة الإدارية في "كلية سعيد للأعمال" بـ "جامعة أكسفورد". وهو مؤلف مشارك لمقال نُشر في مجلة "هارفارد بزنس ريفيو" بعنوان "ثورة المستثمر". أهلاً وسهلاً بك في برنامجنا يا روبرت.

روبرت إكلز: شكراً جزيلاً، يسرني وجودي معكم.

أليسون بيرد: لقد قلت في بداية المقالة إن الكثير من قادة الأعمال يعتقدون أن القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية لا تزال غير شائعة تماماً. لماذا تعتقد ذلك؟

روبرت إكلز: أظنّ أنه توجد عدة أسباب لاعتقادهم هذا. عندما نتحدث إلى قادة الأعمال في مجتمع الشركات يقولون لنا: "لا نعرف، فربما يهتم المستثمرون بهذه القضايا"، لكني أعتقد أن جهلهم هذا يكمن في عدم اهتمامهم أنفسهم بهذه القضايا.

اقرأ أيضاً في المفاهيم الإدارية: المعايير المحاسبية الدولية

أعتقد أن الشركات تطرقت إلى قضية الاستدامة قبل فترة طويلة من تأسيس مجتمع الاستثمار بهدف منحها المصداقية. وانطوى اهتمامها على تقديم تقرير الاستدامة الذي بدأ في أواخر التسعينيات. لم يكن هذا التقرير قضية ثانوية، لكنه لم يكن شائعاً كذلك. وقد قامت هذه الشركات بإنجازات جيدة كانت معظمها تعزيزاً ثانوياً لأعمال الشركة. وأبدوا اهتمامهم بالمجالات البسيطة مثل انبعاثات الكربون وإغلاق صنابير الماء وإطفاء الأضواء في الليل، لكن لم تكن هذه الأهداف مدمجة في نظام عملهم في الواقع.

وأعتقد أن ما تغير هو إدراك الأفراد أن هذه القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية مهمة للأداء المالي، وبدأ كل من مجتمع الشركات ومجتمع الاستثمار في رؤية الأمور بمنظور مختلف.

وعندما نتحدث عن الاستدامة من جانب المستثمر من الناحية التاريخية، نجد أن الأفراد فكروا في الاستثمار المسؤول اجتماعياً، وتجاهلوا التركيز على الأسهم والصناعات أو الشركات أو حتى البلدان التي لم تنل إعجابهم، مثل جنوب أفريقيا التي ترزح تحت ظل نظام الفصل العنصري، حيث ساد اعتقاد ينطوي على أن التركيز على هذه الاستثمارات القائمة على القيم سيجعل الشركات تخسر عوائدها.

أليسون بيرد: لقد أجريت دراسة على كبار المدراء في شركات خارجية مثل "بلاك روك" و"ستيت ستريت" و"فانغارد" ومدراء صناديق المعاشات التقاعدية الكبيرة في كاليفورنيا واليابان والسويد. هل وجدت نقطة تحول بين هؤلاء المستثمرين الكبار جعلت من هذه القضية أحد أهم أولوياتهم؟

روبرت إكلز: أعتقد أننا وصلنا إلى نقطة التحول، إذ تُعتبر هذه القضية أولوية قصوى اليوم. وأظن أن درجة الالتزام بالاستدامة أو الاستثمار المستدام تختلف. حيث توجد بيانات تُظهر أن أكثر من 50% من الأصول تُستثمر في الاستثمار المستدام في أوروبا. بينما تُشّكل النسبة حوالي الثلث في كندا.

وحوالي 25% في الولايات المتحدة. وقد وجد الأفراد هذه النسبة مفاجئة، حيث أجرى مصرف "بنك أوف أميركا ميريل لينش" (Bank of America Merrill Lynch) دراسة سألوا فيها عملاءهم من الشركات عن النسبة المئوية لأصولهم المستثمرة في متاجر الاستثمار المستدام، واعتقدوا أن النسبة كانت 5%.

لذلك نجد أن كبار المسؤولين التنفيذيين وكبار مسؤولي الاستثمار في "بلاك روك" وفي "ستيت ستريت" وفي "فانغارد" يدركون أهمية وضع هذه العوامل في الاعتبار من خلال وجهة نظر الأمانة المهنية، ووجهة نظر تتعلق بإدارة العوائد.

وتكمن الحيلة في نشر هذه السياسة بحيث يحدث تغيير ثقافي هائل. وكل ما يجب على هذه الإدارات العليا قوله هو إن هذه القضية مهمة. إذ نجد داخل هذه المؤسسات مدراء المَحافظ الاستثمارية الذين يتصفون بالاحترافية ويتمتعون بالاستقلالية في إصدار أحكامهم الخاصة.

ويكمن الحد الفاصل في إقناع مدراء المحافظ الاستثمارية هؤلاء الذين تمثّلت مهمتهم في بناء نماذج مالية فقط. وتكمن نقطة التحول عند امتلاك مدراء المحافظ الاستثمارية قناعة بأهمية فهم أداء الشركة فيما يخص القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية من الناحية المادية التي تختلف كثيراً حسب القطاع من جهة، وعندما يبدأ هؤلاء المدراء في وضع تلك القضايا في الحسبان في نماذجهم المالية وفي محادثاتهم مع الرؤساء التنفيذيين والرؤساء التنفيذيين للشؤون المالية من جهة أخرى.

عندما يسمع الرئيس التنفيذي والرئيس التنفيذي للشؤون المالية عن موضوعات الاستدامة من الأشخاص الذين يشترون مخزونهم ويبيعونه، فإن ذلك يجعل هذه القضية حقيقية للغاية. هل حدث هذا على نطاق واسع؟ كلا. هل يحدث هذا الآن؟ نعم.

أليسون بيرد: تتوقع الكثير من الصناديق أن تصبح القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية أكثر أهمية للصحة المالية للشركات المدرجة في محافظهم الاستثمارية، ولكن هذا يختلف تماماً عن الالتزام بكفالة شركة كانت ناجحة ولكنها لا تحقق تقدماً في هذه القضايا. ما الخطوات الملموسة التي يمكن لمدراء الأصول وصناديق المعاشات التقاعدية اتخاذها بهدف التأكد من أنهم يسيرون باتجاه التغيير الحقيقي؟

روبرت إكلز: سؤالك مهم جداً، ويتعلق الأمر بتقديم التقارير وبالمقاييس والمعايير.

أليسون بيرد: لكن من الصعب جداً قياس هذه المعايير حتى داخل صناعة أو بلد ما.

روبرت إكلز: الأمر صعب بالفعل، لكنه ليس مستحيلاً. أحب دائماً أن أسرد قصة صغيرة عن المعايير المحاسبية.

أليسون بيرد: حسناً.

روبرت إكلز: أعرف أنها قد تبدو مملة.

أليسون بيرد: أنا متأكدة من أنها ستكون رائعة.

روبرت إكلز: أعرف أنها قد تبدو مملة، ولكنها في غاية الأهمية. قبل تشكيل لجنة الأوراق المالية والبورصات في الولايات المتحدة، كان يوجد عدد قليل جداً من شركات المحاسبة التي تمتلك جميعها معايير محاسبة وأساليب تدقيق خاصة بها.

لم يكن من الواجب على الشركات المدرجة في البورصة تقديم التقارير، غير أنهم فعلوا هذا على طواعية. لكن الكثير منهم أحجم عن الإبلاغ عن العائدات، إذ اعتقدوا أنها معلومات قد يستخدمها منافسوهم ضدهم. لذلك حصل الكساد العظيم في عام 1929، وفي عامي 1933 و1934 تشكلت لجنة الأوراق المالية والبورصة بهدف حماية المستثمرين، من منطلق الشفافية.

لكن مجتمع المحاسبة قاوم وقال "لا يمكنكم توحيد ذلك". وقالت الشركات "نحن شركات فريدة، ونود أن نمتلك طريقتنا الخاصة في تقديم التقارير، وإذا فرض علينا الإبلاغ عن إيراداتنا فسنتعرض لكارثة وشيكة".

هذا هو حجر الأساس لأسواق رأس المال التي يعتبرها الجميع أمراً مفروغاً منه. الأمر أشبه بمقارنة الشيء بمثله، غير أنهم أجروا تدقيقاً بهدف القول إنهم فعلوا ذلك بشكل صحيح، ويعتمد المستثمرون حقاً على المعلومات المالية بهدف اتخاذ القرارات.

فكري في أعمال البنية التحتية، لا يوجد لدينا بنية تحتية للمعلومات المتعلقة بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية، وأعتقد أنه في أثناء سعينا لتحقيق ذلك، سيكون من الصعب على الشركات إدارة أدائها والإبلاغ عنه، كما سيكون من الصعب على المستثمرين تقييم أداء هذه الشركات.

لكننا أحرزنا تقدماً في هذا الصدد، إذ توجد مجموعة تسمى مبادرة الإبلاغ العالمية التي بدأت في أواخر التسعينيات. وكنت أنا الرئيس المؤسس لمجلس إدارة معايير محاسبة الاستدامة. على سبيل المثال، يعتبر اهتمام البنك بانبعاثات الكربون نهجاً متبعاً للحد من المخاطر، في حين تعتبر انبعاثات الكربون أمراً جوهرياً بالنسبة إلى شركة كيميائية كبيرة. ما القضايا الجوهرية التي تهم الأداء المالي؟ وكيف يمكن الإبلاغ عن هذه القضايا بطريقة تمكننا من إجراء مقارنة الشيء بمثله؟ أعتقد أن الأمر أشبه بدولة لا يوجد فيها قانون، لكن الوضع فيها يتحسن بسرعة كبيرة.

أليسون بيرد: هل سيتطلب الأمر في النهاية تدخل الحكومة؟

روبرت إكلز: الجواب الصريح هو نعم. ويعتقد الجميع أنه "إذا كان هذا أمراً جيداً، وكان المستثمرون يريدون ذلك حقاً، وتعتقد الشركات أن هذا الأمر فيه منفعة لهم، فستنجح قوى السوق". كلا. لم تقدم لنا قوى السوق معايير المحاسبة المالية، بل تطلب الأمر حدوث أزمة لنضع تلك المعايير. وأعتقد أن تدخل الحكومة في مرحلة ما قد لا يحظى بشعبية، خاصة في هذا البلد وفي هذه المرحلة الزمنية.

والوضع أفضل قليلاً في أوروبا، حيث وضعوا مديراً للمحاسبة للمعلومات غير المالية. لكن لا أعتقد أن الأمر سينجح في الولايات المتحدة خلال العام أو العامين المقبلين. ولنفترض أن المستثمرين شرعوا في تبني مجموعة من المعايير، وأصبحت هذه المعايير شائعة إلى حد ما، ووجدت الشركات أن هذا الأساس جيد للمحادثات التي تجريها مع مستثمريها،

أعتقد أن مجتمع الاستثمار سيتوجه بعد ذلك إلى لجنة الأوراق المالية والبورصة بمجرد حشد بعض الأنصار ويقول: "إن دور اللجنة هو حمايتنا عبر منطلق الشفافية، وقد وجدنا أن هذه المعلومات مفيدة، وسيكون من الأفضل أن نحصل عليها من كل شركة، لأنه من المحتمل ألا تقوم الشركات ذات الأداء الضعيف بتقديم التقارير. وسيكون من الأفضل وضع مجموعة من المعايير، حتى نتمكن من مقارنة الشيء بمثله. كما سيكون من الأفضل تدقيق هذه المعايير حتى نضمن وجود درجة من الموثوقية".

وإذا كان هذا يحدث بالفعل في مجتمع الشركات، فأعتقد أن لجنة الأوراق المالية والبورصة ستكون أقل توتراً بشأن هذه المقاومة التي تتلقاها عند العمل وفق القانون، مثل قانون ساربانيس أوكسلي، غير أن الأفراد قد يحتجون بسبب عبء تقديم التقارير الذي وقع على عاتقهم.

أليسون بيرد: صحيح. يوجد ثلاث قضايا ضخمة حقاً، ألا وهي القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية. هل يريد المستثمرون من الشركات أن تقدم تقريراً عن كل مجال من هذه المجالات الثلاثة؟ ألا يمكن الإبلاغ عن مجال واحد فقط؟

روبرت إكلز: هذا سؤال جيد. أعتقد أن الفصل الأولي بين هذه المجالات يكمن في الاختلاف بين القضايا الإدارية من جهة وبين القضايا البيئية والاجتماعية من جهة أخرى.

أليسون بيرد: صحيح.

روبرت إكلز: إذاً، الإدارة الجيدة مهمة. توجد حجة تقول إنه إذا كانت الشركة تتمتع بإدارة جيدة على مستوى مجلس الإدارة، فستقوم عندئذ بإدارة القضايا البيئية والاجتماعية ذات الصلة بشكل صحيح. وإنه من واجب مجلس الإدارة الذي يمثل مصالح الشركة أن يضع المساهمين في مقدمة اهتماماته، وليس كما يعتقد الجميع.

إن مجلس الإدارة مسؤول عن سلامة الأجيال المتعاقبة للشركة وحيويتها. وعندما يدرك مجلس الإدارة وجود قضايا بيئية واجتماعية مادية، ويرى أن الإدارة تتولى الإشراف على هذه القضايا وتقدم التقارير عنها، سيبدأ في تطوير نموذج أعمال قائم على دعم هذه القضايا.

وبالعودة إلى مجلس معايير محاسبة الاستدامة، نجد أن المجلس وضع نظام تصنيف يشتمل على 11 قطاعاً تنقسم إلى 77 صناعة. كما حدد القضايا المادية بمساعدة مجموعات العمل العاملة في الصناعة من الشركات والمستثمرين والمنظمات غير الحكومية والوسطاء. وانبثقت قائمة مكوّنة من 26 قضية من القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية.

وقدمتُ بعض الأمثلة على هذه القضايا. على سبيل المثال، تتضمن القضايا المادية في شركة الأدوية الحصول على الأدوية، والسلامة، والتجارب السريرية. لكن لا تتضمن هذه القضايا المادية سلسلة توريد، إذ ليس لشركات الأدوية أي سلسلة توريد. بينما تمتلك شركات الزراعة سلاسل توريد. وكذلك الحال مع شركات السلع الاستهلاكية سريعة الحركة التي تمتلك سلاسل توريد طويلة وأسواقاً نامية.

ومن ثم، حدد مجلس معايير المحاسبة المستدامة القضايا التي تمثل عوامل الخطر والفرص على حد سواء. والمثير للاهتمام أنه عندما ننظر إلى العمل الذي قاموا به نجد أنه صغير نسبياً. لذلك، القضايا المادية من وجهة نظر المستثمر هي خمس أو ست أو سبع قضايا مهمة حقاً.

إن القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية لا تشبه التأثير، بل تختلف عنه. لذلك، إن تعريف القضايا المادية لدى مجلس معايير محاسبة الاستدامة يشابه تعريف مجلس معايير المحاسبة المالية، ويشابه تعريف مجلس معايير المحاسبة الدولية، إنه في الأساس تلك الأمور التي تهم المستثمرين.

بينما يدور التأثير حول تلك الأمور التي تهم العالم. وينظر الشعب إلى التأثير من خلال عدسة أهداف التنمية المستدامة، بمعنى آخر، المخلفات الناجمة عن المنتجات والخدمات التي تنتجها الشركات. توجد مخلفات للنفط والغاز نعرفها جيداً، وتوجد مخلفات من المشروبات الغازية وقطع الحلوى، والأطعمة الدهنية وغير ذلك.

ومن ثم، يجب على الشركة إدارة قضاياها المادية من وجهة نظر المستثمر. ويوجد في الواقع مستثمرون سلبيون كبار لن يقوموا ببيع أي سهم. على سبيل المثال، تمتلك "بلاك روك" أصولاً قيمتها 7 تريليونات دولار، إنهم مالكون عالميون. وتمتلك "كالبيرز" (CalPERS) أصولاً بقيمة 350 مليار دولار، وهي شركة مالكة عالمية أيضاً، وهو ما يعني أنه لا يمكنها تنويع منتجاتها بعيداً عن العلامة.

ومن ثم، إذا تدهورت أحوال العالم بسبب التغير المناخي، ونتيجة عدم المساواة في الدخل، فستكون هذه الشركات في مأزق، ولن تتمكن من الحصول على عائداتها. لذلك، يجب ألا يُبدوا اهتمامهم بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية فقط، وإنما بالتأثير أيضاً. يجب أن يعرفوا المخلفات التي تنشأ من قبل الشركات التي يستثمرون فيها، إذ عند تجميع كل تلك المخلفات، نجد أنها تؤثر على العالم أجمع.

أليسون بيرد: صحيح. وهل هذا التركيز على الخير يصب في مصلحة العالم الذي ينتقل من مدراء الأصول الضخمة، الذين يتعين عليهم الاهتمام به، إلى مجتمع الاستثمار الأوسع؟ إذ تدرك الشركات تماماً أن هذه القضايا لن تؤثر فعلياً على صافي أرباحها على المدى القصير إلى المتوسط.

روبرت إكلز: إن السؤال المتعلق بالنفع العائد على العالم هو سؤال صعب حقاً. إذ نجد أن ما يؤرق بال المستثمرين هو استمرارية حصولهم على العائدات بعد 20 أو 30 أو 40 عاماً من الآن، أو ضمان حصول أطفالهم عليها. فيما يخص الشركات، نرى أن جيل الألفية هو من يدير الشركات اليوم. ومن ثم، ليس من المستغرب أن يشعر هذا الجيل بالقلق إزاء حالة العالم. لذلك، يمكن لأصحاب الأصول الكبيرة ومدراء الأصول أن يفكروا في حالة العالم.

والأمر أصعب حتى فيما يخص نزاهة الشركات لأن كل شركة تُنتج مخلفات مختلفة، لكن القوانين أو الضرائب أو التشريعات هي ما يجعلها تعمل على التقليل من هذه المخلفات السلبية وأن تكون مسؤولة. لكن قد تقوم بعض الشركات بإدارة القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية على نحو جيد، غير أنها تنتج مخلفات سلبية. بينما قد تتصرف شركات أخرى وفق القواعد وتكون مسؤولة حقاً.

لذلك، أنت تتطرقين إلى سؤال أعمق لم أتطرق إليه في مقالي في الواقع. لكن توجد مساعٍ عديدة مثيرة للاهتمام في هذا الصدد تتحدث عن دور الشركة في المجتمع. ويوجد كتاب عظيم يسمى الازدهار (Prosperity) كتبه زميلي كولن ماير في جامعة "أوكسفورد".

عندما ننظر إلى تاريخ الشركة، أو إلى نموذج الشركات القائمة اليوم، نجد أنه ابتكار حديث نسبياً. إذ من المحتمل أن تبلغ شركة ما 120 عاماً من العمر. بينما أُسست الشركات في العشرينيات بهدف إنجاز شيء معين، مثل شق قناة. وبعد شق هذه القناة، تحصل الشركة الرسوم وتغلق أبوابها.

بينما يوجد لدينا اليوم شركات قد تكون حياتها أبدية، وتمتلك قوانينها الخاصة واسعة النطاق. ويعود سبب ذلك إلى تفكيرهم في المساهمين أولاً، لذلك هناك سؤال كبير ومهم حول دور الشركة في المجتمع.

أليسون بيرد: سواء أكنا نسعى إلى إحراز تقدم على صعيد القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية أم أننا نسعى وراء خلق التأثير، كيف تستعد كل هذه الشركات في عالم يهتم فيه المستثمرون بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية وبخلق التأثير؟ على سبيل المثال، شركات النفط والغاز وشركات الطيران، وحتى شركة أوبر التي انتُقدت بأنها لا تعامل قواها العاملة بشكل جيد، وأنها تسبب زحمة في الشوارع وتفرض ضرائب على بنيتنا التحتية.

روبرت إكلز: أعتقد أن الحل يبدأ حقاً بمجلس الإدارة. وقد ذكرتُ هذه الفكرة البسيطة التي طورتها مع زميل لي يدعى تيم يوومانز، حيث أطلقنا على هذه الفكرة "بيان الهدف". لذلك ينبغي أن ينشر مجلس الإدارة بيان هدف واحد مكون من صفحة إلى صفحتين كحد أقصى يقدم فيه رأيه حول دور الشركة في المجتمع.

وأعتقد أننا نتمتع بالحيادية حيال القيم. إذا أراد مجلس الإدارة أن يخرج ويقول: "بصفتنا مجلس الإدارة، وأعلى هيئة تمثل الشركة، نعتقد أن هدف هذه الشركة هو تحقيق أرباح قصيرة الأجل، على أساس ثابت للمساهمين على المدى القصير"، فهذه هي دعوتهم. ويمكنهم القيام بذلك بوصفهم المجلس الإداري. الأمر يتطلب الشفافية والوضوح فقط حول هدف الشركة.

وبعد أن تبين الشركة هدفها، سيتخذ الأفراد قراراتهم، إما بالتعامل مع الشركة أو عدم التعامل معها. وقد يشترون منتجات هذه الشركة وقد لا يشترونها. ويمكن للمجلس أن يقول: "حسناً، نعتقد أنه يوجد هدف أوسع. نحن ندرك أننا مدينون لمستثمرينا بعوائد جيدة على المدى الطويل، لكن ليس من الضروري أن نقدم لهم هذه العوائد كل ثلاثة أشهر".

ويمكن للمجلس الإداري في أوبر أن يقول: "نعتقد أن أوبر تتحمل مسؤولية تجاه المجتمعات التي يعمل فيها سائقونا. يجب علينا التفكير في مسؤوليتنا تجاه الازدحام المروري، وتجاه شركات سيارات الأجرة، وما إذا كنا سندرج سيارات الأجرة ضمن نطاق أعمالنا، وما إذا كنا ندفع لهم أسعاراً عادلة".

لا يمكنك القول إن كل واحد من حملة الأسهم له نفس القدر من الأهمية. لذلك، يجب على الشركة تحديد هذه الأهمية أولاً. على سبيل المثال، ستتخذ المجالس الإدارية في شركات النفط والغاز موقفاً بشأن ما إذا كانوا يعتقدون أن التغير المناخي حقيقي أم لا، وخطط الشركات لمعالجة هذه القضية. هل لديهم استعداد لتقديم التقارير وفقاً لفرقة العمل حول الإفصاحات المتعلقة بالمناخ من الناحية المالية؟ أقوم اليوم بحملة مع تيم غودمان رئيس شركة "هيرميس إيكواتي أونرشيب سيرفيسز" (Hermes Equity Ownership Services) حيث طلبنا من مجلس إدارة كل شركة مدرجة أن ينشر "بيان الهدف" بحلول عام 2025.

أليسون بيرد: عندما تتحدث مع قادة الشركات أو حتى مع المستثمرين حول ممارسة الضغط، ما ردك عندما يقول الأفراد: "لا أريد أن أكون أول من يقوم بذلك، بل سأنتظر إلى حين تجربة عدد أكبر من الشركات اتباع هذا النهج؟ كيف ترد على هذا؟ كيف تقنعهم؟

روبرت إكلز: الجملة التي أرددها دائماً هو أن الجميع يريدون أن يكونوا قادة، لا أحد يريد أن يكون كبش الفداء. الكل يريد أن يذهب إلى الجنة، لا أحد يريد أن يموت. توجد عدة خيارات، هل تريد أن تكون قائداً؟ أم تريد أن تكون تابعاً لاحقاً للنهج، أم تريد أن تكون متخلفاً؟ ولا يمكنني اتخاذ هذا القرار عن هؤلاء الأفراد.

أعتقد أنه إذا استطعنا الحصول على عدد كافٍ من الشركات في عدة صناعات مختلفة وفي بعض الأسواق الرئيسة بهدف اتخاذ هذه الخطوة، فسيصبح الأمر أقل رعباً للشركات الأخرى. أنا على ارتباط مع شركة جادة جداً في خصوص كل هذه القضايا. إذا أخبرتك عن هويتها فستصابين بالصدمة. وإذا كانت هذه الشركة جادة في تنفيذ الخطط التي تتحدث عنها فسيصاب الأفراد بالصدمة أيضاً، وستكون مثالاً يحتذى به. من الصعب العثور على شركات يُحتذى بها اليوم، باستثناء شركتَي "يونيليفر" و"نوفو نورديسك". لذلك، أعتقد أنه إذا استطاعت هذه الشركة أن تفعل هذا، فستكون كل شركة قادرة على ذلك أيضاً. لذا، كوني مترقبة.

أليسون بيرد: صحيح. أريد أن أسألك عن الشركات التي تعتقد أنها تقوم بعمل رائع بالفعل. هل تضع شركة "يونيليفر" و"نوفو نورديسك" ضمن هذه الفئة من الشركات؟

روبرت إكلز: نعم بالطبع. كانت شركة "نوفو نورديسك" من بين الشركات الأولى التي نشرت تقريراً متكاملاً في عام 2002 أو 2003. وأعتقد أن شركة "يونيليفر" في عهد بول بولمان كانت رائعة. من الصعب حقاً متابعة أخبار الشركات، لذلك لست متأكداً من هوية الرئيس التنفيذي التالي. وتوجد أيضاً شركة برازيلية تدعى "ناتورا" (Natura)، كانت من بين الشركات الأولى التي قدمت تقارير متكاملة.

ولكن اللافت للانتباه هو أنه لا يمكنني تذكر أسماء 10 شركات. وذلك يرتبط بموضوع حديثنا حول مدى اهتمام الشركات بهذه القضايا. وأتذكر المحادثة التي أجريتها مع بول ذات مرة. حيث قال إن أي شركة يمكنها اتباع هذا النهج، الأمر ليس بتلك الصعوبة. قلت له: "لا تزال تقول ذلك يا بول، لكن معظم الشركات لا تفكر بهذه القضايا. فأين تكمن المشكلة إذاً؟"

قال: "لدي مجلس إداري داعم للغاية". لقد سانده المجلس الإداري عندما حاولت شركة "كرافت" الاستحواذ العدائي على شركة "يونيليفر" بشكل عدائي. ويوجد إجراء آخر نفّذته شركة "ماكنزي"، وهو ما يدل على أن أحد أكبر الضغوط على الأرباح قصيرة الأجل على الرؤساء التنفيذيين هو مجالس الإدارة الخاصة بهم.

أنا لا أقصد أن أقول إن مجالس الإدارة هي المذنبة، لكن لنكن صادقين، تتكون مجالس الإدارة بشكل عام من الرجال وليس من النساء. كما أنه عادة ما يكون أفراد المجلس الإداري متقدّمين في العمر، ونشؤوا في عصر معين، ويرون العالم بطريقة معينة. حيث يركز أعضاء المجالس الإدارية في الولايات المتحدة على الامتثال الصارم بالقوانين. ومن ثم، يتابع الرؤساء التنفيذيون القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية على الدوام، غير أن مجالس الإدارة لا تهتم بها، لكنني أعتقد أن إدراك المجالس الإدارية لأهمية هذه القضايا أمر مهم.

أليسون بيرد: ماذا عن مدراء الأصول وصناديق المعاشات التقاعدية الذين قاموا بعمل جيد في لفت الأنظار إلى ضرورة الاهتمام بالقضايا البيئية والاجتماعية والإدارية واتخاذ القرارات الاستثمارية بناءً على ذلك، فضلاً عن توجيه الاهتمام بخلق التأثير، وصولاً إلى الأفراد الذين يتفاعلون مع الشركات. من قام بعمل جيد في هذا الصدد؟

روبرت إكلز: أود أن أذكر أمراً واحداً عن العلاقة بين مالكي الأصول ومدراء الأصول، أعتقد أنه من الأفضل لهم تحسين علاقاتهم قليلاً.

إن القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية، والاستدامة، وجهان لعملة واحدة، لذلك عندما يطلب مالكو الأصول من مدراء الأصول التركيز على القضايا البيئية والاجتماعية والإدارية، أو إخبارهم بكيفية تناسب تلك القضايا مع الاستراتيجية، أو التفاعل مع الشركات، وتقييم أدائهم كل عام، ومقارنة أدائهم مع الشركات الأخرى، نجد أن هناك عدم تواصل.
أليسون بيرد: هذا صحيح.

روبرت إكلز: يوجد ضعف في التواصل! لذلك أعتقد أن هذه العقود بين مالكي الأصول ومدراء الأصول يجب أن تصبح مستدامة أيضاً، وقد توجد مقاييس غير مالية تحدد هذه العلاقة فيما بينهم. عند النظر إلى أفضل مدراء الأصول، نجد أنه يوجد 13 فرداً من مدراء الأصول في العالم الذين يملكون تريليون دولار أو أكثر. وأعتقد أنهم جادون جداً في هذا الصدد، ولكن بدرجات متفاوتة. وأعتقد أن شركة "بلاك روك" جادة.

أليسون بيرد: هل هي جادة بما يكفي لجعل هذه القضايا أكثر من مجرد فكرة في إدارة صناديقها؟

روبرت إكلز: أعتقد أنهم يسلكون هذا الدرب. هل يمكننا القول إن كل صندوق يمتلك أصولاً مستثمرة بهدف التركيز على هذه القضايا؟ كلا. لكن قد تكون بعض تلك الاستثمارات شروطاً يفرضها عليهم عملاؤهم.

وقد تحدثنا عن كل هذه المجموعات المختلفة. غير أننا لم نتحدث كثيراً عن المواطنين الأفراد الذين يُطلق عليهم المجتمع المدني والذين يضطلعون بأدوار مختلفة. إذ قد يعمل بعضهم لصالح شركة ما، ويشتري بعضهم الآخر منتجات هذه الشركات، بينما يستثمر آخرون أموالهم فيها، وإذا كانت أصواتهم مسموعة بما يكفي لأن يقولوا "هذا ما نتوقعه من الأشخاص الذين يديرون أعمالنا" فيما يتعلق بالشركات التي يستثمرون فيها، فإن ذلك يعتبر قوة مهمة لأنها في النهاية أموال الشعب.

وفي الواقع، يدير مالكو الأصول الأموال للمستفيدين أو لصناديق المعاشات التقاعدية ويخصصونها لمدراء الأصول. لكن عندما يحشد المجتمع المدني قواه، سيُحدث ذلك فرقاً هائلاً.

أليسون بيرد: لا يُعتبر الأفراد مستثمرين فقط، وإنما مستهلكون أيضاً.

روبرت إكلز: بالضبط. إنهم المستهلكون. وتُعتبر هذه القضايا مهمة لهم، إذ هي التي تحدد ما إذا كانوا يرغبون في العمل لصالح الشركة، أم يريدون شراء منتجات من الشركة، أم الاستثمار في هذه الشركة. وهم من سيقلب موازين اللعبة.

أليسون بيرد: رائع، إنها ملاحظة رائعة لنختتم بها حلقة اليوم. شكراً جزيلاً لقبولك حضور البرنامج.

روبرت إكلز: شكراً لك.

أليسون بيرد: كان معنا روبرت إكلز، أستاذ زائر في مجال الممارسة الإدارية في "كلية سعيد للأعمال" بـ "جامعة أكسفورد". وهو المؤلف المشارك لمقال "ثورة المستثمر". يمكنكم العثور على المقال في عدد مايو / أيار - يونيو / حزيران من مجلة هارفارد بزنس ريفيو.

حصلنا على المساعدة الفنية من روب إيكهاردت. كما نشكر مدير الإنتاج الصوتي آدم باكولتز. شكراً لاستماعكم إلى برنامج "آيديا كاست" المقدم من "هارفارد بزنس ريفيو". أنا أليسون بيرد.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي