تؤثر الكوارث المتعلقة بسلامة الشركات بشكل كبير على السمعة، وربما يكون السبب في القرارات الخاطئة التي يتخذها مجلس إدارة الشركات، ما يؤدي إلى خسائر مالية باهظة، ومع ذلك، فإن ما كان مثيراً للاهتمام وما أصبح أكثر وضوحاً، فيما يخص الحوادث التي تسبب العديد من الخسائر في الأرواح والأصول، أنه يتم استجواب أعضاء مجلس الإدارة بشكل أكثر فاعلية من قبل المساهمين، مثلما حدث مع شركة "بونيغ" التي رُفع ضد مجلس إدارتها دعوى قضائية، وكانت الدعوى ترتكز على إهمال مجلس الإدارة في أداء واجبه الرقابي وفشله في وضع إدارة الشركة الشركة أمام مسؤولياتها تجاه ضمان سلامة الركاب.
بعد التحطم الثاني لطائرة "737 ماكس"، أوقفت الحكومات في جميع أنحاء العالم الطيران عبر هذا الطراز. وأشارت التحقيقات في وقت مبكر إلى أن مستشعراً واحداً معيباً على كل طائرة أدى إلى تشغيل البرنامج؛ ما أدى إلى هبوط الطائرات إلى الأرض. ومع وجود طواقم غير مدركة لوجود النظام، لم تستطع فك الارتباط بها وفقدت السيطرة وتحطمت.
يأتي هذا الوعي من قبل المساهمين لمحاسبة مجالس الإدارة، بسبب عدد من الأمور التي يمكن أن تتعلق بالتطورات في اللوائح والمواصفات، مثل: التغييرات في قوانين حوكمة الشركات، وزيادة التدقيق العام في تطورات وسائل التواصل الاجتماعي، والمطالبات بالمزيد من الشفافية والمزيد من التركيز في مجالات الحوكمة والاستدامة.
دور مجلس الإدارة وإدارة المخاطر
يقال إن الموازنة بين تفاصيل المخاطر التي يتم تقييمها وطرحها في بيئة يزيد فيها التعقيد والنمو أمر مطلوب لاتخاذ قرارات مستنيرة. حيث إن أطر العمل إلزامية ونظامية في بعض الصناعات مثل الملاحة البحرية والطيران والبناء والتصنيع. وهنا تبقى المسؤولية على عاتق من يجب أن ينظم نفسه إلى حد كبير.
الحقيقة هي أنه في مثل هذه الصناعات، طُورت قواعد الممارسة والعمليات والإجراءات القائمة على الخبرة، والتي زادت من السلامة والموثوقية. وعلى الرغم من هذه الحوادث، لا تزال هناك حوادث كبيرة، ولكن نادراً ما تحدث.
وبالتالي، فإن عوامل القيم الشخصية للإداريين وأعضاء مجلس الإدارة التي تشمل المعرفة والكفاءة والقيادة والتأثير والمساءلة والأخلاق، تحدد العديد من العوامل التي تدفع الحوكمة في المؤسسات نحو الموثوقية العالية. وهذه العوامل هي: العوامل التنظيمية الداخلية، مثل الهيكل التنظيمي والتواصل المؤسسي والشفافية وما إلى ذلك؛ والعوامل الخارجية، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؛ بالإضافة إلى عوامل أعمال المؤسسة، مثل مرونة الأعمال وتطبيق سياسات الصحة والسلامة بصفة أساسية في القيم المؤسسية، فضلاً عن بعض النقاط التي نحددها كما يلي:
1- اختصاص المجلس
يزوّد أعضاء مجلس الإدارة، إلى جانب الإشراف على الأداء المالي وغير المالي للمؤسسة، جميع المساهمين وأصحاب المصلحة بالضمانات من خلال إشرافهم الفعّال وحماية سمعة المؤسسة. وفي هذه الحالة، فإن الفشل الكبير في السلامة قد يمكن تفاديه من خلال إطار عمل فعّال وقوي لإدارة المخاطر بإمكانه طرح أسئلة استراتيجية في الوقت المناسب عن الإنتاجية العامة والنمو والتميز في تشغيل المؤسسة.
وعليه يجب أن يضع مجلس الإدارة رؤية استراتيجية و"توجيه من الأعلى" فيما يتعلق بوجود نظام إدارة فعّال يدير المخاطر التي قد تحدث؛ فلا يتوقع منهم أن يكونوا خبراء في أنظمة السلامة أو علوم إدارة السلامة، ولكن يجب عليهم فهم دور النظام وقابلية تقييم ما إذا كان هذا النظام الذي يعمل في المؤسسة يشمل ويطبق ثقافة تنظيمية فعّالة. وفي حالة صناعات الطيران والفضاء، يجب أن تكون الثقافة التنظيمية عالية الموثوقية.
أظهرت دراسة استقصائية لشركة "رسيل رينولدز أسوشيتس" (Russell Reynolds Associates) شملت 750 عضواً من أعضاء مجالس الإدارة حول المسائل التي أعطوا لها الأولوية من ناحية تسخير الوقت والطاقة، أن "مجالس الإدارة الأكثر إنجازاً" أكثر احتمالاً لإدراج التخطيط الاستراتيجي أو عمليات المراجعة كإحدى الممارسات الأهم التي تتبعها بنسبة 10%، وكان أعضاء مجالس الإدارة أكثر احتمالاً من غيرهم للإفادة عن الانخراط في مراجعة إدارة مخاطر الشركة، والتخطيط لسيناريوهات إدارة الأزمات.
وفي الخطة الاستراتيجية التي تشرف على ترتيبات الصحة والسلامة، فإنه من الأساسي أيضاً أن تكون هناك مجموعة ضوابط إدارية لتجهيز وضمان مكان عمل آمن داخل المؤسسة لجميع الموظفين المتأثرين خلال العمل. ويشمل ذلك جميع مصادر ومعايير إدارة الصحة والسلامة.
ويشير البعض إلى ضرورة تعامل مجلس الإدارة مع المستشارين المحترفين والخبراء لضمان الصحة والسلامة في جميع الضوابط ذات الصلة، وفي مجالات العمليات والتصميم والهندسة وما إلى ذلك. ويمكن أن توظف الشركات الصغيرة والمتوسطة بأعضاء في مجلس الإدارة واللجان المتخصصة ذوي الخبرة لمعالجة التفاصيل الفنية؛ ولكن الإشراف والمسؤولية العامة تقع في نهاية المطاف على عاتق أعضاء مجلس الإدارة.
تقول دراسة بعنوان "إدارة المخاطر في حوكمة الشركات" (Risk management in corporate governance) إن إدارة مخاطر المؤسسة هي من بين الوافدين الجدد في سياق مفهوم حوكمة الشركات، والذي يجلب منظوراً شاملاً، كعامل تكاملي للأجزاء كافة وهو المؤسسة. وفي الوقت نفسه، يمكن التأكيد أنه وفقاً للمعايير المتعلقة بإدارة المخاطر الاستراتيجية، يجب أن تصبح إدارة المخاطر جزءاً لا يتجزأ من طريقة عمل أي مؤسسة؛ وفي أفكار أخرى، فإنها تعتبر أساس مناهج الإدارة، لذا لا ينبغي فصلها عن الأنشطة اليومية. في حوكمة الشركات، أو في أي كيان، تعتبر إدارة المخاطر ضرورية لكل من الشركة وفي البيئة التي تعمل فيها، وهناك مجموعة شكوك حول طبيعة التهديدات في تحقيق الأهداف، أو طبيعة الفرص. وبالتالي، يجب على أي مدير أن يطرح مشكلة إدارة التهديدات، وإلا فإنه إذا لم يصل إلى أهدافه فسيتم استبعاده. إذا كان عدم اليقين حقيقة يومية، فإن رد الفعل على عدم اليقين سيصبح مصدر قلق دائم.
2- التأكد من توافق هيكل المجلس مع احتياجات الصناعة
كان عدم تركيز لجنة التدقيق للنظر في مخاطر المؤسسة العامة واضحاً في أزمة شركة "بوينغ"، فضلاً عن عدم الإلمام بمخاطر السلامة في الصناعة التي تقدم ضماناً بموثوقية وأمان عاليين. لم تحدث كارثة "بوينغ" بشكل مفاجئ؛ لكنها كانت نتيجة لتواري المنهجيات التي جعلت من شركة "بوينغ" شركة هندسية تحظى بثقة الجميع. وبالتزامن مع وقوع الحادثتين، كان مجلس إدارة شركة "بوينغ" يضم القليل من خبراء السلامة والهندسة ويضم الكثير من المسؤولين الحكوميين السابقين ذوي خبرة لا علاقة لها بقطاع الطيران.
لذا من المهم إنشاء لجنة تدقيق ومراجعة المخاطر في مجلس الإدارة وربما لجنة سلامة مستقلة على مستوى كل من مجلس الإدارة وفريق القيادة التنفيذية.
تتمثل الوظيفة الأساسية للجنة الصحة والسلامة لفريق القيادة التنفيذية في التأكد من فاعلية الإدارة العليا في تنسيق جهودهم المتعلقة بالسلامة، ومتابعة أدائهم وتحديد أولويات إجراءاتهم التصحيحية مع المسؤوليات المرتبطة بها، من خلال مراجعة تقدمهم بشكل دوري واتخاذ القرار بالنسبة لخطط العمل التصحيحية المقترحة. وبالتالي، يجب أن تركز اللجنة بشكل أساسي على الأداء في الأمور المتعلقة بالصحة والسلامة المهمة والاستراتيجية من خلال جدول أعمال منظم، وتبادل المعلومات المتعلقة بالمبادرات أو الإجراءات من الأعضاء الرئيسيين في وحدة الأعمال والعمل كفريق لضمان التخطيط الآمن والفعال والتنفيذ.
تحتاج لجنة السلامة التابعة لمجلس الإدارة بصفتها لجنة مستقلة، مع أعضاء مجلس الإدارة المستقلين غير التنفيذيين والمتخصصين المستقلين، أو الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضًا، أو جزء من لجنة المخاطر إلى تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح فيما يتعلق بتركيز الرقابة على الأمور المهمة والاستراتيجية لعناصر الصحة والسلامة ومؤشرات الأداء. وبالتالي سيقومون بالإشراف على عمل لجنة مكونة من فريق القيادة التنفيذية، وكذلك التحقق عن طريق الإدارات الفنية الأخرى من فاعلية العملية وتنفيذ خطط العمل.
3- الاستعداد للسيناريوهات الأسوأ
اعتادت صناعة الهيدروكربونات أن تركز في العقد الماضي، على السلامة الشخصية والمهنية، لا سيما فيما يتعلق بمؤشرات الأداء الرئيسية للحوادث الشخصية، حيث كان تركيزها أقل على السلامة في العملية. وكان لهذا عواقب أكثر تأثيراً في الأشخاص والأصول والمؤسسات.
تقول جوديث هاكيت، رئيسة مجلس الإدارة في هيئة الصحة والسلامة في المملكة المتحدة: "تروج الغالبية العظمى من المؤسسات لأهمية السلامة الشخصية التي يمكن أن تكون أكثر سهولة في القياس، وبالتالي، فإن السلامة المهنية غالباً ما تحظى بمزيد من الاهتمام. ولكن في حين أن الإمساك بـ "درابزين سلالم المصانع" يعتبر مفيداً لقيادة وإثراء ثقافة السلامة الشخصية، فإن المصنع بأكمله سيتعرض للفشل الكارثي إذا لم تتم مراقبة حالة أصول الأجهزة وإدارة السلامة في العمليات بشكل صحيح".
يجب أن يدرك مجلس الإدارة أن وقوع الحوادث الكبرى دائماً محتملة. وهناك حواجز يتم وضعها لمنع الحوادث، سواء كانت ثابتة وساكنة، مثل التصميم الأكثر أماناً والذي يحتوي على آليات مصممة ذاتياً لضمان السلامة وما إلى ذلك، أو نشطة (مثل إعادة التحقق من تقييمات المخاطر وتخطيط العمل وما إلى ذلك)، ولكن يجب طرح سؤال في هذه الحالة: هل هذه الحواجز كافية وفعالة وهل ما زالت توفر المستوى المناسب من الرقابة؟ يجب طرح هذا السؤال من قبل مجلس الإدارة. لا يتوقع من مجلس الإدارة إجراء تقييماً تقنياً؛ ومع ذلك فإنهم بحاجة إلى أن يطمئنوا أنفسهم بأن الأسئلة التي تتم الإجابة عنها ترضيهم والتأكد من صحة الإجراءات وصلاحيتها من خلال أشخاص أكفاء ومستقلين.
يعتبر الاستمرار في النظر في المخاطر الرئيسية والاستعداد لها، بمثابة تحدي لمجلس الإدارة. وتعد صناعة الطيران صناعة عالية الموثوقية، وبالتالي من المتوقع أن يكون لدى مجلس إدارة شركة بوينغ مؤسسة تفكر في قيادتها وحوكمتها. يجب الاعتراف بأن المؤسسات عالية الموثوقية ليست مقاومة للفشل بقدر ما تكون منشغلة مسبقاً به، ومنع هذا الفشل وكيفية التعامل معه.
ويجب على مجالس الإدارة أن تخفّف من ظاهرة التحيز للحالة الطبيعية، وهي حالة الإنكار التي يدخل فيها الأفراد عندما يعلمون أن هناك كارثة على المحك، وهو ما تعرض له دينيس مولينبرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "ميدترونيك"، وعضو مجلس إدارة شركة "بوينغ".
تُظهر المؤسسات عالية الموثوقية توجهاً تعليمياً قوياً، وتعطي الأولوية للسلامة على الأهداف الأخرى، بالإضافة إلى التدريب والتطوير المستمر، والتركيز على الفحوصات، والحفاظ على أداء السلامة. فيتمثل دور مجلس الإدارة في الثقة بوجود مثل هذه الثقافة في مؤسسة تسمح بالمرونة في اتخاذ القرار والتدخل السريع بصفة استثنائية، والحرص على تصميم عملية يجري من خلالها وضع تصورات دورية لأخطر التهديدات التي تواجه الشركة وتقدير المخاطر المحتملة.
4- السماح بمناقشة الأخبار السيئة
عند إنشاء ثقافة جيدة للصحة والسلامة داخل المؤسسة، يحدد المجلس الجو الأخلاقي، توصي إيمي إدموندسن، الأستاذة في "كلية هارفارد للأعمال" والتي تدرس الأمان النفسي، بالنظر إلى جميع الآراء، حتى إذا كانت تحمل بين طياتها أخباراً غير سارة أو تنذر بمشكلة محتملة. كما يجب تحديد وقياس أربع موضوعات رئيسية بما في ذلك:
أولاً، القيم: الرئيسية والأساسية التي تدفع عملية اتخاذ القرار. والتأكد من الموازنة بين الإنتاجية الربحية والالتزام بقرارات السلامة الحاسمة.
ثانياً، السلوكيات: تعد مدونة قواعد السلوك، وتحديد أخلاقيات العمل وضمان احترامها من قبل كل فرد في المنظمة مع التعزيز هي مسؤولية أساسية لمجلس الإدارة، وما إن تحدد لائحة بالقواعد، يمكن تحويلها إلى ممارسات ملموسة، والتشجيع على المشاركة المتساوية في الاجتماعات.
ثالثاً، المعرفة: يجب على مجلس الإدارة التأكد من المعرفة الكافية لدى المدراء التنفيذيين والموظفينومدى الالتزام بالأنظمة الإدارية للحفاظ على الشركة وأمنها وسلامتها، وثمة جانب آخر مهم جداً وهو حُسن التواصل. حيث يقدم مجلس الإدارة والشركةمعلومات دقيقة وفي الوقت المناسب.
رابعاً، الأنظمة: يجب أن يتأكد المجلس من عمل الأنظمة الإدارية التي تدير العمليات والإجراءات وتعليمات في مكانها الصحيح، وأن الامتثال مضمون وأن التجاوزات تتم إدارتها فقط من خلال إدارة عملية التغيير ويتم توثيق الاستثناءات بشكل كامل.
5- التعامل مع المخالفات
دافع مجلس إدارة بوينغ عن الرئيس التنفيذي حتى عندما اتخذ قرارات خاطئة بكل وضوح، ثم أقاله ودفع تعويضات كبيرة، وتمت براءته من أي مساءلة، وبالتالي فُقدت الثقة في قدرة مجلس الإدارة على القيام بحوكمة السلطة التنفيذية بموضوعية.
يلعب نشر السياسات والأنظمة والعمليات في جميع أنحاء المنظمة مع غياب التنفيذ الفعّال دوراً أساسياً في فشل المؤسسة في تعزيز ثقافة السلامة المؤسسية. لذا من المهم للغاية تعزيز ومكافأة السلوك الصحيح، ويتم التحقيق في المخالفات والتجاوزات بموضوعية، ومحاسبة الأشخاص بشكل ممنهج.
وبالفعل يمكن للقادة البارعين أن يتخذوا العديد من القرارات الخاطئة، حيث يتأثروا بحالات كثيرة، يمكن تفاديها بتوفير شرط المصادقة على أي قرار على مستوى أعلى ضمانة نهائية، علماً أن تعزيز الحوكمة لا يقضي على التفكير المشوّه، إلا أنه يمنع الوصول إلى نتائج سلبية.
أخيراً، يجب أن يكون لدى أعضاء مجلس الإدارة نظام حوكمة سلامة فعال في المكان الصحيح، وتشغيله بشكل سليم لتجنب القرارات الخاطئة وذلك من خلال لجان سلامة ومخاطر فعال، وتبني قيم ثقافة السلامة والتواصل مع اللجان للتأكد من العمل معهم ومع جميع أفراد المؤسسة، فلا شك في أن ذلك سيعود بإيجابية على المؤسسة والمساهمين، وأصحاب المصلحة.