كم تملك من الطاقة حين تكون في عملك؟ هل تشعر بالنشاط والقدرة على التركيز أم أنك محبط ومشتت؟ مهما كانت حالتك، فقد يكون سببها زملاؤك. حيث تُصاب بالعدوى من طاقتهم، سواء كانت إيجابية أم سلبية. فنحن نستقبل الطاقة من خلال التفاعل مع الآخرين، وهو ما يسمّى "طاقة العلاقات الإنسانية" في بيئة العمل، وهذه الطاقة تؤثر على أدائنا.
هذا ما تعلمته أنا وبرادلي أوينز ودانا سامبتر وكيم كاميرون من مقال نشرناه معاً سابقاً خلال العام. وكنا متحمّسين لإنجاز هذا البحث لأن الطاقة مصدر حيوي للأشخاص والمؤسسات على حدّ سواء. ولكن الأبحاث التي درست مصادر الطاقة أهملت مصدراً يتفاعل معه الجميع في الحياة اليومية. ألا وهو علاقاتنا مع الآخرين.
إذ سعينا لوضع طاقة العلاقات الإنسانية كعنصر علميّ فاعل في سلسلة من أربع دراسات تجريبية، وذلك من أجل تقييم أثره على مشاركة الموظفين وأدائهم في العمل.
ولتستطيع فهم كيفية عمل طاقة العلاقات الإنسانية في بيئة العمل فكر بزملائك الذين يستطيعون رفع روحك المعنوية خلال العمل، ما الذي يفعلونه؟ وما الذي يقولونه؟ إنّ بعض الأشخاص نشيطون لأنهم يبعثون طاقة إيجابية. وكما أخبرنا موظف في شركة كبيرة عن مديرته: "لقد مدّتني بالحيوية لأنها كانت تُحبّ عملها وكانت شخصاً سعيداً بشكل عام. كما كانت تدخل مبتسمة دائماً ما يجعل الجوّ كلّه إيجابياً". إذ يمدّنا الآخرون بالطاقة لأنهم يُنشئون تواصلاً حقيقياً. ففي المحادثات مثلاً، يولونك كامل انتباههم ويصغون إليك بإمعان.
إذا كان مديرك ممن يمدون الآخرين بالطاقة الإيجابية ستتمكن من التركيز في العمل أكثر. فعندما بحثنا في طاقة العلاقات الإنسانية في بيئة العمل بين المدراء والأفراد ضمن مؤسسة كبرى للرّعاية الصّحية وجدنا أنّ وجود هذه الطاقة الإيجابية بين المدير وموظفيه تزيد من حماس الموظف في العمل وتركيزه عند أداء المهمّات ومشاركته في نشاطات العمل. وهذا ما يؤدي إلى أداء أفضل. وفي مؤسسة الرّعاية الصّحية هذه، وجدنا أنّ الموظفين الذين تشاركوا مع مدرائهم بطاقة العلاقات الإنسانية كانوا أكثر تركيزاً ما أدى إلى إنتاجيّة أعلى.
ولقد عرفنا أنا وروب كروس وأندرو باركر في سلسلة دراسات قمنا بها على الطاقة في المؤسسات أن هناك عدة طرق لتنشيط التفاعلات بين الأشخاص. وتتضمن هذه الطرق إنشاء نظرة إيجابية، والمشاركة المجدية في المحادثات، والحضور بكامل الانتباه والتركيز والتفاعل الذي يمنح الشعور بالتقدم والأمل.
كما يُعتبر كل شخص باعث ومتلق لطاقات العلاقات الإنسانية في آن. فيصبح أداؤك أفضل عندما تبثّ طاقة العلاقات الإنسانية في مكان العمل. واكتشفنا ذلك أنا وروب كروس في دراسة على تخطيط الطاقة اعتمدنا فيها على تحليل الشبكة في المؤسسات من أجل التعرّف على شبكة الطاقة في مكان العمل. حيث إنه كلما ازداد عدد الأشخاص الذين تمدّهم بالطاقة، ارتفع مستوى الأداء في العمل. وذلك لأن الناس سيرغبون بالتمحور حولك. فأنت تجذب الموهبة، وسيميل الأشخاص لقضاء أوقات فراغهم لمساعدتك في مشاريعك. وسيقدّمون أفكاراً جديدة ومعلومات وفرصاً لك قبل أي أحد آخر.
والعكس صحيح. فإن كنت تثبّط همم الآخرين، فلن يرغب أحد بترك أموره لمساعدتك والعمل معك. وفي أسوأ الأحوال يحاول أحد ما تدميرك في العمل.
ما الذي يمكنك فعله لزيادة طاقة العلاقات الإنسانية في عملك؟ إليك أربعة مقترحات يمكنك القيام بها لنفسك ولموظفيك كمدير:
بناء علاقات جيدة
تُعرف العلاقات الجيدة بأنها تولّد طاقة العلاقات الإنسانية. وتقترح كل من جين داتون وإيميلي هيفي طُرقاً لزيادة وتطوير التواصل الجيّد، كالعمل على تحدٍّ ما في بيئة العمل مع فريق من الأشخاص المتشابهين بالميول والأفكار. وأحد الأمثلة كان في شركة "كيلي سيرفيسز" (Kelly Services) لحلول القوى العاملة، حيث أنشأ اثنان من مدراء العمليات مجموعة موارد تجارية لدعم تطوير القيادة وزيادة مشاركة الموظفين بالعمل. وبحسب وصف داتون وهيفي، فقد ركز المديران على بناء علاقات جيدة وتقوية العلاقات الاجتماعية كطريقة لتطوير مسار القيادة.
اقرأ أيضاً: كيف تستثمر علاقاتك مع الآخرين؟
إقامة فعاليات تنشيطية
تنظيم وإقامة فعاليات تهدف صراحة إلى إنشاء الطاقة وليس إلقاء خطابات أو الإعلان عن منتجات أو خدمات. فبالنظر إلى رابطة "زنجرمان" الشهيرة للأعمال المتعلقة بالأغذية في آن آربور، ضمن ولاية ميشيغان، نرى كيف يبثون الطاقة في مؤتمراتهم وفعالياتهم. وشخصياً، أحضر مجموعات من المدراء إلى مطعمها "رودهاوس" (Roadhouse)، وبعد وجبة العشاء يلقي المدير التنفيذي وأحد مؤسسي الرابطة "آري واينزويغ" (Ari Weinzweig) أو أحد شركاء إدارته كلمة عن موضوع معين، كالتصور أو إدارة الكتاب المفتوح أو القوانين الطبيعية للأعمال. فيكون كلّ من الإلقاء والفحوى رائعين. ولكن الطاقة تتطوّر وترتقي إلى مستوى أعلى عندما يدخل فريق من أفضل موظفيه ويبدؤون بطرح وتلقي الأسئلة. إذ يمكنهم الإجابة عن أي سؤال، ولكن الأهم هو الطاقة التي يبعثونها. فهم إيجابيون وحماسيون وواضح أنهم يحبون عملهم ومؤسستهم. فيغادر الإداريون المكان وهم ينضحون بالطاقة الإيجابية لأنها معدية للغاية.
استخدام أدوات تروّج لثقافة العطاء
فتقديم المساعدة لأحد ما في العمل هو بحد ذاته باعث للطاقة على شكل مشاعر إيجابية، وهي تُعتبر الوهج الدافئ للمساعدة. وتلقّي المساعدة يساعد على توليد طاقة في شكل الامتنان. والامتنان للمساعدة يشجع على الوفاء بالعطاء وتقديم المساعدة للآخرين. وذلك ما وثّقناه أنا ونات بولكلي في دراسة واسعة النطاق. وتمرين "حلقة المعاملة بالمثل"، الذي أقامته زوجتي شيريل بيكر، المديرة التنفيذية في شركة "هيوماكس" (Humax)، يزيد من سلوك العطاء وطاقته. كما وجدنا أنا وآدم غرانت في دراسة نموذجية قمنا بها سابقاً أن المشاركة في تمرين حلقة المعاملة بالمثل يزيد المشاعر الإيجابية ويخفض المشاعر السلبية.
محاولة تخطيط طاقة العلاقات الإنسانية
ترسم استطلاعات شبكة المؤسسات خريطة للشبكة الخفية فيما وراء المخطط التنظيمي للمؤسسة، وهذه الخريطة عبارة عن كيفية التفاعل الواقعي بين الأشخاص داخل المؤسسة. ومنذ بضع سنوات مضت، بدأت أنا وروب كروس بإضافة سؤال عن الطاقة إلى مجموعة أسئلة الشبكة الاعتيادية التي طرحناها في دراستنا للمؤسسات واستشاراتها. وقدمنا لكل شخص قمنا باستجوابه قائمة بأسماء أشخاص آخرين في المؤسسة وطرحنا عليه سؤال: "كيف تتأثر طاقتك عندما تتفاعل مع كل شخص من هؤلاء؟" فكانت الإجابات تتراوح بين "يمدّني بطاقة كبيرة" أو "حيادي" أو "مثبّط جداً". وكانت البيانات الناتجة هي ما مكننا من رسم خرائط لطاقة العلاقات الإنسانية في المؤسسات. إذ كانت هذه النتائج سبيلاً لمعرفة الكثير عمّا يجري في المؤسسة. على سبيل المثال، وجدنا الكثير من العلاقات المثبّطة في شركة بيتروكيميائة كبرى، وكان الكثير من هذه العلاقات صادراً من المدراء. وبواسطة هذه الخريطة الموضوعية، استطاعوا التعرّف على النقاط التي يحتاجون التركيز عليها من أجل القيام بتحسينات إيجابية. فخرائط الطاقة تساعدنا في تحديد الأماكن التي نحتاج فيها إلى التركيز على بناء علاقات جيدة، وإقامة فعاليات تنشيطية واستخدام أدوات تساعد على بناء ثقافة عطاء تنشيطية.
ولذلك، إذا شعرت يوماً بوجود أزمة طاقة في مؤسستك، فلا تقلق، بإمكانك التصرّف حيالها بالتركيز على طاقة العلاقات الإنسانية، أي الطاقة التي نبثها ونتلقاها في تفاعلاتنا اليومية مع الآخرين. كما يُعتبر كل ما نفعله أو نقوله مهما كان بسيطاً مهماً في تحسين الإنتاجية والأداء.
اقرأ أيضاً: هل ستقضي التكنولوجيا الحديثة على الإنسانية في العمل؟