ماذا تعني فكرة العدالة في الأجور والرواتب؟

4 دقائق
العدالة في الأجور والرواتب

بعد أن نشرتُ بيانات كشفت أن أكبر الأسباب التي تدفع النساء بعمر الثلاثينات لترك العمل في مؤسساتهن لا تتعلق بمرونة العمل أو بدافع تحقيق التوازن بين الحياة العامة والوظيفة، وإنما يرجع السبب الرئيس إلى رغبتهن بالحصول على رواتب أعلى لتحقيق العدالة في الأجور والرواتب بين النساء والرجال، سمعت بعدها العديد من أمثال القصص التالية على ألسنة النساء:

"تركت عملي الأول لأن زملائي من الرجال الذين مكثوا مثلي مدة العمل ذاتها، ويحملون المسؤوليات ذاتها قد مُنحوا فجأة علاوات بلغت حوالي ثلث ما كنا نتقاضاه من أجر. والسبب الأساسي أنهم تقدموا أولاً بطلب تلك العلاوة. وعندما استفسرت عن وضعي أنا، كان الجواب من قبيل: "للأسف، لا تسمح الميزانية بذلك".

"لقد دربت سيدتين كانتا على علم بأنهما يتقاضيان أقل من زملائهما من الرجال بمقدار 25,000 دولار، وفي النهاية قررتا ترك العمل. تغادر المواهب المؤسسات بسبب غياب الشفافية فيما يتعلق بالتعويضات المالية".

"لقد تم تعيين زملاء لي من الجنسين في الوقت ذاته في شركتي. واكتشفت زميلتي في العمل أنه على الرغم من أن سنين خبرتها تزيد بعامين عن زميلها، وأنها تتحدث لغات أكثر منه، وحاصلة على شهادتين من "رابطة اللبلاب - آيفي ليغ" (Ivy League)، وكانت قد حصلت للتو على شهادة زمالة مرموقة، لكنها على الرغم من كل ذلك تتقاضى أجراً أقل منه.

والأسوأ من هذا، أن مسؤول الموارد البشرية أخبرها عند توظيفها أن الراتب الذي حصلت عليه هو أفضل ما يمكنهم تقديمه، ولكن ثبت أن هذا لم يكن صحيحاً على الإطلاق. لقد طبقوا معايير مختلفة عليها وعلى زميلها، الذي كان بطبيعة الحال أصغر منها وأقل كفاءة. في الواقع كنت أنا من درب هذين الزميلين الجديدين. وفي الحقيقة، كان أداء زميلتي وكفاءة عملها أعلى منه بكثير. وعندما أثارت تلك الزميلة مسألة الراتب مع المشرف عليها، كان الرد أنه ما من شيء يمكن فعله حيال ذلك".

العدالة في رواتب النساء العاملات

أكدت هذه التجارب أن مسألة المساواة في الأجور لا تزال شائكة حتى اليوم، وأنها تؤثر على النساء اللواتي التحقن حديثاً بالعمل (تماماً كما أثرت على من سبقتهن). يعتبر الإنصاف في التعويضات المالية من الأولويات لدى هؤلاء النساء، وهن يتوقعن أن يشكل الأمر أولوية أيضاً للمؤسسات التي يعملن بها. ولكي تتمكن القيادات التنظيمية من استبقاء النساء الملتحقات بالعمل حديثاً، فيجب عليهم الاستفادة من موجة الاستياء العارمة التي تنتاب أولئك العاملات. فيما يلي بعض الأمور التي يجب على المسؤولين التنفيذيين والقادة الموهوبين أخذها بعين الاعتبار:

سواءً كان الشعور بالمظلمة مُحقاً أو متصَوراً، فالأمر سيان. إن شعرت النساء بتعامل غير عادل، فلا شك أنهن سيبحثن عن عمل في مكان آخر. الأمر بتلك البساطة. ولا يهم ما إذا كانت مشاعر الظلم هذه "حقيقية" (مدعومة ببيانات أو تجارب مباشرة) أو "متصورة" (تفسيرات خاطئة أو افتراضات لا أساس لها). بعبارة أخرى، عندما يتعلق الأمر باستبقاء موهبة ما، فلا يهم عندها ما هو رأي القادة حيال سياسة التعويضات في المؤسسة، الأمر الوحيد المهم حينها هو كيف ينظر الموظفون إلى تلك السياسة.

الشفافية هي حجر الزاوية لأي سياسة تعويضات فعالة. إن أفضل طريقة لمعالجة مسألة التصورات الخاطئة حيال الإنصاف في الأجور هي تبني مفهوم الشفافية. إذا كان الشعور بالظلم مدعوماً ببيانات حقيقية، فعندها سيرغب الموظفون بالتأكد من أن قادتهم يعملون على فهم أسباب ذلك التفاوت في الأجور ومعالجة المسألة، وأن يكونوا في الوقت نفسه منفتحين في التعامل مع مرؤوسيهم ويحملون مسؤوليتهم. أما إذا كان الشعور بالظلم بشأن عدم المساواة في الأجور مبنياً على مجرد تصورات لا تدعمها الحقائق بالفعل، فبإمكان القادة في هذه الحالة معالجة أمر الانطباعات الخاطئة لدى الموظفين بتقديم البيانات اللازمة، وكذلك توضيح سياسات المؤسسة وقيمها وموقفها حيال المساواة بين الجنسين وتعادل الأجور.

ودعماً لقضية الشفافية هذه، وضع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مجموعة من الأحكام في شهر كانون الثاني/يناير من العام 2016 تطالب الشركات بتقديم بيانات عن الأجور التي تمنحها بناء على العِرق والنوع والسلالة. تلخص آن فريدمان في مقالة كتبتها في "مجلة نيويورك" (New York magzine) موضوع الحاجة إلى الشفافية باختصار، فذكرت: "عليكم أن تخصصوا لنا أجوراً كافية، بحيث إن حصل وأرسلتم عبر البريد الإلكتروني لكل العاملين في المكتب عن طريق الخطأ جدولاً يتضمن رواتب الجميع، ألا تشعروا بالإحراج من أي أحد".

الإنصاف لا يعني مجرد تجهيز الأفراد للتفاوض على نحو أفضل. بل يعني أيضاً تجهيز المؤسسة. مع ظهور العديد من الدراسات التي أظهرت وجود فجوة بين الرجال والنساء من حيث الأريحية في الخوض في مفاوضات الأجور، بدأت العديد من المؤسسات بالتركيز على تهيئة النساء بالأدوات الضرورية للتفاوض حول أجورهن بفاعلية أكبر وتقديم الدعم اللازم لذلك. لكن لتنجح هذه الجهود الفردية في تحقيق غايتها يجب أن تترافق مع جهود تنظيمية على مستوى المؤسسة. علقت إحدى القارئات قائلة: "تتفاوض النساء غالباً، لكن ما يحصل في الحقيقة هو أنهن يدفعن ثمن ذلك. إذ تشير الإحصائيات وكذلك الأدلة الروائية إلى هذا". في حين علقت أخرى: "سيعتبرونني عدوانية وكثيرة الطلبات إذا طالبت بالأمور نفسها التي إن طالب بها زميلي الرجل سيعتبرونه مفاوضاً."

خلاصة القول هي أنه كما يحتاج المفاوض أن يكون مهيئاً، يجب أن يكون القائد الذي يجرى التفاوض معه كذلك أيضاً. يمكن للمؤسسات مساعدة القادة على إدراك انحيازهم غير الإرادي أو الفطري فيما يتعلق بالرجال والنساء والتفاوض. كما يمكنها أيضاً بناء ثقافة يعتبر فيها "السؤال" محفزاً على النقاش بدلاً أن يكون سبباً لإطلاق الأحكام. وأخيراً، يمكن للمؤسسات تزويد القادة بالعمليات والسياسات الموضوعية والمعيارية لإجراء المفاوضات، ما يترك حيزاً قليلاً فقط للتحيز والاعتبارات الذاتية.

لا يزال التحرك نحو المساواة في الأجور وتحقيق الإنصاف والعدالة في المستحقات المالية بين النساء والرجال أمراً بعيد المنال، ولا تزال النساء في مختلف المواقع والقطاعات والمؤسسات تطالب بالتغيير، كما أنهن لسن على استعداد للبقاء في شركات ليس فيها مكان لهذا التغيير. وكما علقت إحدى القارئات: "ما زال أمام الناس وقت طويل إلى أن يطال الإصلاح مسألة الخلل في الأجور". والوقت يمر.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي