شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً ملحوظاً في مختلف دول العالم بسبب أزمة "كوفيد-19" وتداعياتها الاقتصادية، فقد انضم عشرات الملايين في الولايات المتحدة وحدها إلى طابور العاطلين عن العمل، ومن المتوقع أن تظل معدلات التوظيف في أدنى مستوياتها لسنوات عديدة مقبلة، ولا يقل المشهد مأساوية في العديد من البلدان الأخرى، وما زاد الطين بلة أن الحكومات تتخذ خطوات حذرة لإعادة تشغيل عجلة الاقتصاد تحسباً لظهور موجة ثانية من الفيروس أشد فتكاً من سابقتها، وفي حالة عدم وجود لقاح قد تحتاج في مرحلة ما إلى استئناف عمليات الإغلاق، حيث تتوقع منظمة التجارة العالمية أسوأ انهيار لحركة التجارة الدولية خلال جيل كامل، في حين يعتقد مكتب الميزانية بالكونغرس غير الحزبي أن الاقتصاد الأميركي لن يتعافى بصورة تامة حتى عام 2030. (نعم، بعد 10 سنوات من الآن).
عُرِف مارك غرانوفيتر ببحثه الشهير حول كيفية عثور الأشخاص على وظائف جيدة في أوائل السبعينيات ولا يزال ملائماً اليوم على الرغم من التغييرات الكبيرة في الأدوار والتوظيف التي شهدناها منذ ذلك الحين. فقد توصل غرانوفيتر من خلال دراسته للباحثين عن فرص العمل من الأخصائيين والتقنيين والإداريين إلى أن معظم الوظائف (وخاصة الجيدة منها) لم تكن من نصيب هؤلاء الذين تقدموا لشغلها بالطرق المباشرة أو بغيرها من الوسائل الرسمية، أي بتقديم السيرة الذاتية رداً على إعلان مبوّب (والذي كان يجيء على هيئة نسخة مطبوعة في ذلك الحين ولكنه صار يُنشَر الآن إلكترونياً على الإنترنت)، بل من خلال "المعارف الشخصية" الذين أبلغوا المتقدمين بالوظيفة الشاغرة أو زكوهم عند مسؤول ما داخل المؤسسة.
فضل الباحثون عن فرص العمل هذا النهج، مشيرين إلى أنهم تلقوا معلومات أفضل (وكانوا قادرين على تقديمها) في أثناء عملية البحث، كما أن أولئك الذين حصلوا على وظيفة تقاضوا في المجمل العام أجوراً أعلى من أقرانهم، وكانوا على الأرجح "راضين جداً" عن المناصب التي تقلدوها، حتى إنهم أفادوا بأن بعضها صُمِّم خصيصاً ليناسب مهاراتهم وحصيلتهم المعرفية وخبراتهم. وأستطيع أن أقول من واقع خبرتي التي تمتد لأكثر من 30 عاماً في الأبحاث الإدارية إنني مقتنع تمام الاقتناع بأن معظم أصحاب العمل يفضلون العمل بهذه الطريقة.
لكن يجدر بك أن تعرف المعارف الشخصية الذين سيفيدونك في كل موقف على حدة، فقد توصل غرانوفيتر أيضاً إلى أن فرصك ستزداد في الحصول على وظيفة من خلال المعارف الشخصية الذين لا تربطهم بك علاقة وثيقة ولا يتحدثون معك إلا قليلاً والذين يعملون في وظائف مختلفة عن وظيفتك. صاغ غرانوفيتر هذه الفكرة في تعبير رائع "قوة الروابط الضعيفة" وأكد العديد من الباحثين الآخرين منذ ذلك الحين أن شبكات العلاقات الشخصية المتنوعة هي الطريقة المثلى للعثور على وظيفة جديدة. قد يأتي هؤلاء المعارف من حيك السكني أو جامعتك أو مدرستك الثانوية أو المنظمات الخيرية أو المجموعات الرياضية أو الترفيهية أو من تمارس معهم الهوايات، بل قد يكونون أشخاصاً قابلتهم مرة واحدة في حياتك خلال الإجازة.
خطوات البحث عن وظيفة
وأرى من وجهة نظري الشخصية أن تنشيط هذه العلاقات هو الاستراتيجية الوحيدة للبحث عن فرص العمل التي ستسمح لك بتأمين وظيفة رائعة في الأوقات العصيبة كتلك التي نعيش في ظلها الآن، ويجب عليك القيام بذلك بطريقة منضبطة. وإليك طريقة القيام بذلك:
1. إعداد قائمة بمعارفك
خلال السنوات العشرين الأولى من مسيرتي المهنية مستشاراً للبحث والتنقيب، حاولت أن أخصص وقتاً كل يوم لمساعدة شخص واحد إما عاطلاً عن العمل أو يبحث عن وظيفة جديدة، وقد أسفر هذا الجهد عن عقد ما يقرب من 4,000 اجتماع مع الباحثين عن عمل، عُقِد الكثير منها في الأرجنتين إبان تعرض اقتصادها لاضطرابات مزلزلة، ففي عام 2001، على سبيل المثال، عانت البلاد أكبر حالة للعجز عن سداد الديون السيادية في التاريخ، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 30% إلى جانب تخفيض قيمة العملة بنسبة 300%. كانت نصيحتي خلال تلك الأيام العصيبة: اكتب قائمة تضم 100 (نعم، مائة!) علاقة ضعيفة دون إجراء أي اتصال. ما الأساس الذي بنيت عليه نصيحتي تلك؟ أولاً، إحصائيات بسيطة مفادها أن احتمالية أن يأخذ أي شخص بيدك إلى الوظيفة المثالية ستكون منخفضة جداً، لذلك عليك أن تطرق الكثير من الأبواب لتحسين هذه الاحتمالات. ثانياً، وهو الأهم: أنك لن تتبين على الفور أي هذه العلاقات هو الأكثر فائدة بسبب طبيعتها "الضعيفة"، وعندما تعمل على تكبير القائمة، فسوف تضيف أشخاصاً غير متوقعين بالمرة، بمن في ذلك بعض الأشخاص الرائعين حقاً. يشمل المرشحون الطبيعيون لقائمة العلاقات الضعيفة كلاً من المدراء السابقين والزملاء والأساتذة والاستشاريين والمحامين ومراجعي الحسابات والموردين والعملاء، وغير ذلك. سيكون بعضهم أصحاب العمل محتملين، فيما سيكون الآخرون معارف لأصحاب العمل. ابحث عن العلاقات في القطاعات التي يُتوقَّع أن تكون قطاعات أقوى في السنوات المقبلة والتي تود العمل فيها حقاً.
ثم حدِّد ترتيب كل شخص أدرجته بناء على عاملين: جاذبية الإمكانات التي يمكنه تقديمها (من حيث مكانة شركته ومنصبه وعلاقاته) واستعداده لمساعدتك (وهو ما يعتمد على جودة علاقتك، حتى إن كانت علاقة محدودة أو بعيدة).
2. إنشاء الروابط
قد تظن أنني سأنصحك بإجراء أول اتصال مع الشخص الموجود على رأس القائمة، لكني سأخيب ظنك هذه المرة وأنصحك أن تبدأ برقم 10 أو نحو ذلك. ستكون عصبياً ومتوتراً، بل وخجولاً في البداية، وسترتكب أخطاء، لذا اكتسب الثقة بالنفس من خلال إجراء بضع محادثات قليلة المخاطر، ثم ابدأ الاتصال بأكثر الأطراف الواعدة، واحرص على الاتصال بأهم 30 شخصاً أو نحو ذلك بأسرع ما يمكن، وحبذا لو استطعت إتمام هذه المهمة في غضون فترة لا تزيد على أسبوع أو أسبوعين. (إذا حالفك الحظ واستطعت العثور على أكثر من احتمال، فسيكون من الأفضل التفكير فيها جميعاً في وقت واحد).
اقرأ أيضاً: حدثني عن نفسك
ستختلف كل محادثة عن الأخرى بكل تأكيد اعتماداً على طبيعة الشخص والفرصة وقوة العلاقة السابقة، لكن عليك أن تصارح الجميع بسبب اتصالك ونوعية المنصب الذي تبحث عنه وما يمكنك تقديمه. سيرحب الأشخاص الذين لديهم خبرة إيجابية في العمل معك بمساعدتك على الأرجح، لكنهم لن يستطيعوا مد يد العون إذا لم يكونوا على علم أو دراية باحتياجاتك وتطلعاتك.
3. إنهاء القائمة
قد ترتكب نوعين من الأخطاء عند تحديد موعد إنهاء هذه العملية: إذا اتصلت بعدد قليل جداً من المعارف، فقد لا تجد أي فرص. وإذا اتصلت بعدد مبالغ فيه منهم، فقد تضيع وقتاً ثميناً على إمكانيات أقل جاذبية وتعجز بالتالي عن توجيه مزيد التركيز إلى أفضلها. ولتجنب الوقوع في أي من هذين الخطأين، توقف عن إجراء المكالمات عندما يتوافر لديك ما يكفي من السبل الكفيلة بمنحك فرصة جادة في الحصول على وظيفة. فكّر، على سبيل المثال، في الاستقرار على ثلاثة من أصحاب العمل المحتملين نتيجة لعملية إعداد القوائم المنضبطة وعملية الاتصال بالمعارف. لنفترض أن لديك فرصة بنسبة 50% للحصول على الوظيفة الأولى، وفرصة بنسبة 40% للوظيفة الثانية، وفرصة بنسبة 30% للوظيفة الثالثة. يمكن بسهولة حساب احتمال الحصول على عرض واحد على الأقل بضرب الاحتمالات التكميلية للنسب الثلاث ثم طرح الناتج من واحد، أي 1 - (0.5 × 0.6 × 0.7) = 79%. وإذا كنت تفضل أن تكون متأكداً بنسبة 90% من الحصول على وظيفة، فعليك الاستمرار في الاتصال بأصحاب العمل المحتملين.
ولكن كيف تقدّر هذه الاحتمالات؟ الأمر سهل وبسيط، استعن بقدرتك الشخصية على التقييم. فإذا كنت واحداً من بين ثلاثة متسابقين للحصول على وظيفة معينة، فستكون فرصك في الحصول على هذه الوظيفة الثلث، أو بنسبة 33%. من ناحية أخرى، قد تكون بعض الفرص المحتملة ضعيفة للغاية بحيث يمكن أن تتحول فرصة واحدة فقط من أصل 50 فرصة إلى عرض بالعمل، أي باحتمالية بنسبة 2%. ومع ذلك، فيجب ألا تخرج هذه الفرص من حساباتك في هذه المرحلة! لأنك إذا اتصلت بـ 100 صاحب عمل محتمل بنسبة نجاح تصل إلى 2% لكل منهم، فإن فرص النجاح في الحصول على عرض واحد على الأقل تصل إلى 87% وفقاً للمعادلة السابقة (1-0.98100 = 87%).
حاول الوصول إلى أفضل تقديراتك في كل حالة، ولا تشغل بالك أكثر من اللازم بدقة حساباتك في هذه المرحلة. وما إن تبدأ في الحصول على استجابات (من عدمه) من كل من معارفك، ستبدأ هذه الاحتمالات في الصعود (عندما تكون هناك مصلحة مشتركة) أو النزول. في النهاية سيتحول معظمها إلى صفر، في حين سيصبح عدد قليل منهم ذا قيمة. وقد طورت أداة للدعم يمكن تنزيلها من على الإنترنت لمساعدتك في تتبع هذه المسألة.
4. إدارة فرص التوظيف المحتملة
نأمل أن تكون قد توصلت في هذه المرحلة إلى الكثير من فرص التوظيف المحتملة، وللحفاظ على كل هذه الفرص حتى في أثناء التواصل مع معارف آخرين، لا بد من متابعة كل محادثة واعدة بصورة استباقية كالاتصال بأشخاص جدد كان معارفك الذين تربطك بهم علاقات ضعيفة قد نصحوك بمحاولة الاتصال بهم. قد يبدو هذا أمراً شاقاً! ولكن أعود وأكرر أن أداة الدعم يمكنها المساعدة في هذا الشأن، وهي عبارة عن جدول بيانات مؤتمت بالكامل بصيغة "إكسل" يتضمن سلسلة من أوامر الماكرو الأوتوماتيكية لفرز فرص التوظيف المحتملة بسهولة حسب الاسم والحالة (المصادر أو أصحاب العمل المحتملين) والشركة والإجراءات المعلقة والمواعيد النهائية واحتمال تلقي العرض والأولوية، كما أن الأداة تحسب أيضاً وبصورة أوتوماتيكية الاحتمالية المركبة للحصول على عرض واحد على الأقل، بحيث تستطيع أن تقرر بشكل موضوعي متى تنتقل من مرحلة توليد فرص التوظيف المحتملة إلى مرحلة إتمام الحصول على الوظيفة. يمكنك تنزيل أداة الدعم من هنا.
5. إتمام عملية التوظيف
عندما تخاطب أصحاب العمل المحتملين، ستحتاج بالطبع إلى اتباع جميع النصائح المعتادة للبحث عن عمل، فاحرص على تحديث وتمييز السيرة الذاتية قبل مشاركتها، وحدّث معلوماتك حول أفضل الممارسات عند إجراء المقابلات الشخصية التي يُفترَض أن تُدعى إلى إجرائها في هذه المرحلة، واستعد جيداً للرد على الأسئلة المفتوحة أو الأسئلة السلوكية، مثل: "حدثني عن نفسك" أو "حدثني عن موقف تغلبت فيه على صراع داخلي، أو توليت فيه قيادة فريق كبير، أو اضطررت فيه إلى التعاون مع الغير عبر صوامع منعزلة، أو أدرت فيه مبادرة للتغيير"، واحرص على الاستعداد والتدرُّب، يمكنك أن تخصص لنفسك، مثلاً، غرفة هادئة ذات إضاءة جيدة، وركّز على التحديات الخاصة التي توجبها المقابلات الافتراضية.
فكر جيداً في أولوياتك وتفضيلاتك والغرض الأعم، ثم قس عليها كافة الفرص المتاحة. استمر في تحديث جدول البيانات مع تغذيته بالاحتمالات والمهام الجديدة بالتوازي مع تطور المناقشات. وفيما يخص أهم أولوياتك، فاكتب قائمة مُحكمة برسائل التوصية ومصادرها، وعرّفهم أن أصحاب العمل قد يتصلون بهم لسؤالهم عنك. وابحث جيداً للتعرف على المؤسسة وأسواقها المستهدفة، وعملاً بنصيحة جيف بوسغانغ المستثمر في رأس المال المخاطر، فلا تأتِ دون هدايا، كأن تقدم مقترحات محددة، مثلاً، أو تعرض المساعدة في مشروع معين بحيث تبرهن على قدراتك ومهاراتك على أرض الواقع.
6. دراسة حالة مركبة
دعونا نتأمل حالة خوانا، الشخصية التي رسمتها مستخلصاً معالمها من العديد من المهنيين الذين عملت معهم. ولدت خوانا في الولايات المتحدة لأبوين من الطبقة العاملة هاجرا من المكسيك، وحصلت على وظيفتها الأولى في أثناء دراستها بالمدرسة الثانوية، وعملت في مطعم حاصل على حق الامتياز التجاري من شركة شهيرة لسلسلة مطاعم وجبات سريعة. وببلوغها عامها التاسع عشر، تقلدت منصب مديرة المطعم فيما راحت تواصل دراستها الجامعية للحصول على درجة البكالوريوس في المحاسبة. وبعد تخرجها، عملت في واحدة من أعرق شركات الاستشارات، حيث حصلت على شهادة "محاسب قانوني معتمد"، وسرعان ما ترقت من محلل إلى مدير في بضعة أعوام. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019 قبلت عرضاً بالعمل في سلسلة فنادق عالمية كانت تتعامل معها في شركة الاستشارات، وطُلِب منها قيادة مشاريع تحليلات الموارد البشرية العالمية، ولكن لم تلبث أن عصفت أزمة "كوفيد-19" بالعالم، فأُلغي مشروع خوانا، وفي 31 مارس/ آذار سُرحت من وظيفتها، وبوصفها أماً لفتاتين تشارك زوجها مسؤولية تسديد أقساط الرهن العقاري والتأمين ضد الشيخوخة، كانت بحاجة إلى وظيفة جديدة. فأمضت الأسبوع التالي في إعداد قائمة بالمعارف الشخصية. وأرسلت يوم 5 أبريل/نيسان 35 رسالة بريد إلكتروني إلى عدد من المصادر وأصحاب العمل المحتملين الذين يخطرون على بال أي باحث عن وظيفة: بضعة مدراء وزملاء من شركة الاستشارات، وبعض أساتذة الجامعة السابقين، وأحد أعمامها، والعديد من زملاء الجامعة. وقدرت أن احتمال حصولها على عرض من كل من هذه المعارف يتراوح بين 10% لمديرها الأخير في شركة الاستشارات و2% لمعظم المعارف الآخرين. وكما يتبين من لقطة الشاشة أدناه، فإن الاحتمال المركب للحصول على عرض واحد على الأقل من هذه المجموعة لم يكن يتجاوز 55% فقط.
لذا أرسلت خوانا رسائل بالبريد الإلكتروني يوم 10 أبريل/نيسان إلى 30 شخصاً إضافياً على قائمتها، بمن في ذلك العديد من مدرائها السابقين بمطعم الوجبات السريعة وكل عملائها السابقين في الشركة الاستشارية وبعض من معارفها الشخصيين الإضافيين، وهو ما أدى إلى زيادة الاحتمالية المركبة للحصول على عرض واحد على الأقل إلى 78%، لكن هذا لم يكن كافياً لخوانا! فأرسلت يوم 15 أبريل/نيسان ست رسائل أخرى بالبريد الإلكتروني، منها رسالة إلى بابلو رودريغيز، رئيس الموارد البشرية السابق بشركة الوجبات السريعة في أميركا اللاتينية، والذي التقت به مرة واحدة فقط في المؤتمر العالمي للشركة عندما فازت بجائزة أفضل مدير مطعم. وعلى الرغم من عدم تلقي خوانا أي رد من معظم معارفها البالغ عددهم 71 شخصاً بعد أن راسلتهم عبر البريد الإلكتروني، فقد رد عليها اثنا عشر شخصاً، ومنهم مديرة سابقة كانت مهتمة بضمها إلى شركتها الإلكترونية المتخصصة في البيع بالتجزئة (التي أعطت لاحتمالية الحصول على عرض منها 40%)، ومديرة أخرى كانت مهتمة بإعادتها إلى العمل (فرصة بنسبة 35%) وثلاثة عملاء آخرين مهمين.
وبحلول 18 أبريل/نيسان، أي بعد أقل من ثلاثة أسابيع من فصلها من العمل، اتخذ الجزء العلوي من جدول بيانات خوانا وعملية بحثها الشكل التالي:
وبوصول الاحتمالية المركبة للحصول على وظيفة إلى 93%، قررت خوانا أن الوقت قد حان للانتقال من مرحلة توليد فرص التوظيف المحتملة إلى مرحلة إتمام الحصول على الوظيفة، وقامت بترتيب الفرص حسب الأولوية وليس احتمالية الحصول عليها، حتى حصلت على النتائج التالية:
كانت تُرجّح الحصول على منصب في الشركة الإلكترونية المتخصصة في البيع بالتجزئة، واعتبرتها وظيفة جذابة نظراً لخبرتها في العمل مع مؤسسها وإمكانياتها المالية الواعدة، إلا أن العمل بها سيكون مشروعاً محفوفاً بالمخاطر، علاوة على العمل الشاق لساعات طويلة. أما العودة إلى العمل في شركتها الاستشارية السابقة فقد حلت في المرتبة الثانية من حيث نجاحها كاحتمالية، فقد أحبت الشركة وأحبت زملاءها فيها، لكن سياستها كانت تقتضي عودتها إلى منصبها السابق بالراتب نفسه ولم تكن خوانا متأكدة من رغبتها في العودة إلى العمل الاستشاري.
ومن المدهش أن البديل الذي جاء على قمة ترتيبها كان من اقتراح بابلو رودريغيز الذي كان قد ترك سلسلة مطاعم الوجبات السريعة قبل بضع سنوات من أجل الانضمام إلى مؤسسة أنشئت منذ 15 عاماً وتتوسع بسرعة بهدف مساعدة الفقراء والشباب وخريجي المدارس الثانوية من أميركا اللاتينية على اكتساب المهارات اللازمة للحصول على وظائف لائقة وتمكينهم من الوصول إليها والاستمرار فيها. رأى رودريغيز أن بمقدور خوانا مساعدته في قيادة التحول الرقمي الذي سيسمح للمؤسسة بالوصول إلى عدد أكبر من السكان بتكلفة زهيدة، بمن في ذلك سكان الولايات المتحدة أصحاب الأصول اللاتينية. ستحصل خوانا في هذه الوظيفة على راتب أقل مقارنة بغيرها من الوظائف، لكنها ستسمح لها بالعمل من المنزل وإعادة التواصل مع جذورها والعودة إلى مجتمع أميركا اللاتينية.
وتأكيداً على اهتمامها الشديد بهذه الوظيفة، أجرت خوانا العديد من المناقشات عبر منصة "زووم" مع بابلو والرئيس التنفيذي للمؤسسة ومؤسسها، وأجرت بحثاً معمقاً من جانبها حول احتياجات الشباب الفقراء في أميركا اللاتينية وسكان الولايات المتحدة ذوي الأصول اللاتينية، وأعدت خطة مفصلة للتحول الرقمي. كانت آخر مقابلة لها في 20 أبريل/نيسان، ونجحت فيها. وبعد أقل من ثلاثة أسابيع من فقدان وظيفتها، حصلت على وظيفة جديدة شعرت نحوها بشغف لم تجده في وظيفة غيرها.
فرص أفضل
لم نشهد حتى الآن سوى بداية الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بل والجيوسياسية المأساوية، ومن المتوقع أن يشتد خطرها ويمتد أثرها لفترات زمنية طويلة وتسفر عن عواقب بعيدة المدى.
شهدت الظروف العملية للبحث عن وظائف جديدة تحسناً ملحوظاً اليوم على الرغم من سوق العمل المروع، فقد بات بمقدور معظم الناس إجراء مقابلات افتراضية، وهو ما يتوقعونه في الآونة الحالية. فإذا كنت تعمل من المنزل، فستتمكن من إجراء أكبر عدد ممكن من المقابلات الافتراضية دون الحاجة لتبرير سبب الابتعاد عن المكتب. أما إذا كنت عاطلاً عن العمل، فربما ستتمكن من التفكير في الوظائف المحتملة الآن في مختلف المناطق الجغرافية بعد أن أصبح العمل عن بُعد أمراً مألوفاً. لقد أتاحت أمامنا عمليات الإغلاق فرصة رائعة للتفكير العميق وإعادة تقييم الجوانب الأكثر أهمية في الحياة، وغدا بإمكاننا إعادة تعريف هوياتنا بشكل خلاق، بهدف عيش حياة أفضل وأسعد. قد تكون هذه فرصة للعثور على وظيفة رائعة أكثر ملاءمة لمواهبك وغرضك وطموحاتك. فإذا اتبعت العملية الموضحة أعلاه، فلن يكون هذا ممكناً فحسب، بل محتمل جداً، خاصة أن هذه العملية ساعدت الآلاف من الأشخاص الذين قدمت لهم المشورة في الرخاء والشدة، وآمل مخلصاً أن تنجح معك أنت أيضاً!