ملخص: كان على القادة دائماً أداء العمل العاطفي بصفته جزءاً من أدوارهم، لكن الحاجة إليه زادت إلى حد كبير خلال السنوات القليلة الماضية، ويجب أن تتوقف المؤسسات عن تجاهل هذا العبء العاطفي الكبير. في هذه المقالة، تشرح المؤلفتان سبب حاجة المؤسسات إلى تقديم المزيد من الدعم للقادة في هذا الصدد وتحددان بعض الاستراتيجيات العملية لتحقيق ذلك: 1) الاعتراف بالعمل العاطفي بصفته شكلاً من أشكال العمل. 2) تعزيز التعاطف الذاتي بدءاً من أعلى مستويات القيادة. 3) توفير التدريب على التعامل مع مشاعر الآخرين. 4) إنشاء مجموعات دعم الأقران. تؤكد الأبحاث مقولة أن القائد يعاني الوحدة. من خلال الاعتراف بالعمل العاطفي وتوفير المستويات المناسبة من التعليم والتدريب والدعم، يمكن للمؤسسات مساعدة القادة على التعامل بفعالية مع هذا الجانب الحاسم من أدوارهم ولكن المهمل في كثير من الأحيان.
كان القادة الناجحون قادرين دائماً على إدارة عواطفهم التي يظهرونها في العمل؛ فيظهرون التفاؤل والثقة حتى عندما يشعر أعضاء الفريق بالخيبة والإحباط، وعلى الرغم من أي شكوك قد تساورهم حول المسار الاستراتيجي للشركة، يحافظون على صورة الشركة ويسعون جاهدين لتحفيز فِرقهم.
هذا العمل العاطفي، الذي يتحكم القائد من خلاله في مشاعره وتعبيراته لتلبية متطلبات دوره، ذو أهمية كبيرة. في الواقع، تشير الأبحاث إلى أن وتيرة العمل العاطفي الذي ينخرط فيه القادة مماثلة لوتيرة العمل العاطفي الذي يقدمه موظفو الخدمة في الخطوط الأمامية الذين يُتوقع منهم دائماً أن يقدموا "الخدمة مع ابتسامة". ونظراً لتأثير القائد الكبير في الحالتين المزاجية والعاطفية لفريقه وأثرهما بدورهما في أداء المؤسسة، يُعد هذا العمل العاطفي ضرورياً.
على الرغم من أهمية العمل العاطفي في الماضي فقد تجاهله الأكاديميون والمؤسسات على حد سواء، والآن، وبسبب التغييرات التي طرأت على مشهد العمل، أصبح حجم العمل العاطفي المطلوب من القادة أكبر بكثير من السابق.
يُطلب من القائد اليوم الاهتمام بصحة موظفيه العقلية وكذلك الجسدية ومساعدتهم على تجنب الاحتراق الوظيفي (إلى جانب التعامل مع مشكلاتهم الخاصة)، وإظهار التعاطف واللطف غير المحدودين وتقديم خيارات العمل المرنة وعن بُعد، وبالإضافة إلى هذه المسؤوليات كلها يُطلب منه تحقيق الأرباح وإنجاز المزيد بموارد أقل والتعامل مع التحديات المتعلقة بتعيين الموظفين الموهوبين واستبقائهم. يجب أن يبدو صادقاً، ولكن إذا عبّر بشفافية شديدة عن الصعوبات التي يواجهها فقد يفقد الآخرون الثقة في قيادته، وهو ما يشار إليه باسم "مفارقة الأصالة".
إذا لم يتلق القائد الدعم اللازم فسيؤدي الضغط الإضافي الذي يولّده العمل العاطفي إلى عواقب وخيمة؛ إذا تُرك دون إدارة، فمن المرجح أن يتعرض القائد لخطر الإصابة بالاحتراق الوظيفي فضلاً عن المشكلات الصحية، وفي المقابل تخاطر المؤسسات بانخفاض الإنتاجية والأداء وارتفاع معدل دوران المواهب القيادية.
لتجنب هذه العواقب، يجب على المؤسسات دعم قادتها في إدارة العمل العاطفي المرتبط بأدوارهم. فيما يلي كيفية تحقيق ذلك:
الاعتراف بالعمل العاطفي بصفته شكلاً من أشكال العمل
غالباً ما يدرك القادة سريعاً أعراض الإعياء العقلي الناتج عن العمل المعرفي والإجهاد الجسدي الناتج عن العمل ساعات طويلة أو السهر طوال الليل، لكنهم غالباً ما يقللون من شأن العمل العاطفي المرتبط بدورهم ويهملون معالجته مباشرة.
للتعامل مع هذه المتطلبات العاطفية، يُضطر القائد غالباً إلى اتباع أسلوب "التمثيل السطحي" والتظاهر بما لا يتوافق مع مشاعره الحقيقية. من المؤسف أن لقمع المشاعر وتزييفها عواقب وخيمة على كل من القائد والمؤسسة؛ يستنزف الجهد المبذول في هذه العملية الموارد اللازمة لضبط النفس، ما يزيد ميل القائد إلى إساءة التصرف في العمل، مثل إهانة زميل وتوجيه تعليقات فظة إليه. ويمكن أن يؤثر التوتر الناتج عن التمثيل السطحي المستمر أيضاً في صحة القائد، ما يجعله أكثر عرضة للآلام الجسدية والاحتراق الوظيفي والأرق واتباع عادات غذائية غير صحية عند عودته إلى المنزل.
نادراً ما تعمل كليات إدارة الأعمال وبرامج تطوير القدرات القيادية على إعداد القادة للتعامل مع المتطلبات العاطفية لأدوارهم، نتيجة لذلك قد لا يدرك القائد عدم فعالية قمع المشاعر والتمثيل السطحي ونتائجهما السلبية، غير أن الاعتراف بهذه المشكلات هو الخطوة الأولى نحو تحسين أدائه وصحته.
لمساعدة القادة على تقليل التناقض بين مشاعرهم الفعلية وما يعبّرون عنه، يجب على المؤسسات تقييم ثقافتها العاطفية. في هذا الصدد، تظهر الأبحاث الحديثة أن السماح للموظفين بالتعبير عن مشاعرهم بحرية في العمل يعزز تماسك الفريق وتوليد الأفكار ويسهم في حل المشكلات، ويمكن للمؤسسات تعزيز مثل هذه الأصالة من خلال خلق مناخ آمن نفسياً يثق فيه الموظفون بقدرتهم على التعبير عن مشاعر الضيق دون أن يُنظر إليهم على أنهم ضعفاء أو ليّنون.
تعزيز التعاطف الذاتي بدءاً من أعلى مستويات القيادة
قد يتردد بعض القادة في تبنّي ممارسة التعاطف الذاتي بسبب الفكرة الخاطئة التي تقول إن على القائد أن يبدي القوة دائماً، ويتجنب العديد منهم هذه الممارسة دون قصد بسبب خشيتهم غير المبررة من أن تؤدي إلى الرضا عن النفس أو تقوّض نجاحهم.
لكن الأبحاث تؤكد بقوة أن القائد الذي يمارس التعاطف الذاتي يتمتع بدرجة أعلى من الذكاء العاطفي والقدرة على التحمل والنزاهة؛ باختصار، يبدي هذا القائد فعالية أعلى ويمتد تأثيره الإيجابي إلى فريقه ومؤسسته مباشرة. عندما يمارس القائد التعاطف الذاتي، يعامل الآخرين بدرجة أعلى من التعاطف. أظهرت إحدى الدراسات في هذا الصدد أن القادة الذين يمارسون التعاطف الذاتي قدموا مساعدة أكبر للآخرين فيما يتعلق بحل المشكلات الشخصية والمرتبطة بالمهام، وفي المقابل ينظر أصحاب المصلحة إلى هؤلاء القادة على أنهم أعلى كفاءة وأكثر تحضراً. علاوة على ذلك، يخلق القائد الذي لا يخشى إظهار ضعفه والاعتراف بأنه لا يملك الإجابات كلها بيئة تتمتع بدرجة أكبر من الأمان النفسي يشعر أفرادها بالأمان لمشاركة أفكارهم ومخاوفهم.
يمكن للمؤسسة دعم قادتها من خلال تثقيفهم بالفوائد العديدة للتعاطف الذاتي وحثّهم على التحلي بالصبر والتسامح مع أنفسهم عندما لا يكون أداؤهم مثالياً. عندما يعلم القائد يقيناً أنه لا بأس من ارتكاب الأخطاء، سيتمكن من مواءمة مشاعره الحقيقية بطريقة أفضل مع ما يظهره، وبالتالي تقليل عبء التمثيل السطحي والعمل العاطفي.
التدريب على التعامل مع مشاعر الآخرين
يصعب على القائد التعامل مع تعبير الموظفين عن معاناتهم أو استيائهم في العمل، وقد يبدو التعبير عن الضيق والإحباط بشأن ظروف العمل هجوماً شخصياً يدفعه للاستجابة بطريقة دفاعية. وحتى عندما يعبّر الموظفون عن ضيقهم بشأن مشكلات لا تتعلق بالعمل، فمن المتوقع من القائد إظهار التعاطف ويمكن أن يشعر بالاستنزاف نتيجة جهده المبذول، علاوة على ذلك فهو يمتص الضيق أو الإحباط الذي يشعر به أعضاء فريقه ويحمل هذا العبء على مدار اليوم، ما يزيد احتمالات أن يسيء معاملة الآخرين بعد ذلك.
ما يدعو للتفاؤل هو أنه بوسع القائد تحييد إعياء التعاطف والعدوى العاطفية السلبية من خلال تعلم مهارات عاطفية جديدة، مثل النظر إلى العواطف باعتبارها بيانات تجب معالجتها، وحين يأخذ دور الباحث عن المعلومات بطريقة هادفة يكتسب معلومات قيّمة حول كيفية القيادة بفعالية ويحمي نفسه من الأضرار الجانبية الناجمة عن الاستماع إلى مشاكل الآخرين والتعاطف معهم. يشبه هذا النهج أسلوب "الانفصال العاطفي" الذي يتعلمه الأطباء للتعامل مع رؤية الألم والمعاناة على مرضاهم، وكما أوضحنا في ورش العمل الخاصة بالقيادة التي أجريناها، هذا هو الفرق بين امتصاص التعليقات العاطفية مثل الإسفنجة والتعامل معها بصفتها جانباً يمكن التعامل معه عن بُعد دون أن يؤثر فيك.
يمكن للمؤسسات تقديم برامج تدريبية تزود القادة بالمهارات العاطفية التي تساعدهم على إدارة عملهم العاطفي دون الشعور بالاستنزاف. على سبيل المثال، يمكن لبرامج التدريب على اليقظة الذهنية التي تعلّم قبول التجارب والعواطف بدلاً من الحكم عليها أو تجنبها أن تقلل حاجة المدراء إلى التمثيل السطحي وتكلفة الجهد المرتبط به. كما يمكن أن تساعد المشاركة في التدريب على المهارات العاطفية المدراء أيضاً على الشعور بمزيد من التعاطف الحقيقي وتبنُي سلوكيات القيادة الخدمية بدرجة أكبر.
قدّم مجموعات دعم الأقران
تؤكد الأبحاث مقولة أن القائد يعاني الوحدة. تشمل العوامل التي تسهم في هذه الوحدة الانفصال الجسدي في المكاتب المختلفة والمسافة النفسية بسبب التعامل مع المعلومات السرية وفارق القوى ومسؤولية اتخاذ القرارات المهمة. وعلى حد تعبير أحد المدراء في إحدى المقابلات حول شعور القائد بالوحدة: "تشعر بالوحدة لأن المسؤولية النهائية تقع عليك دائماً في نهاية المطاف".
لتخفيف هذا الشعور بالعزلة والوحدة، يمكن للمؤسسات أن تضمن لقادتها الوصول إلى مجموعات دعم الأقران حيث يمكنهم مشاركة تجاربهم والضغوط التي يتعرضون لها. يمكن للمؤسسات إما إنشاء مجموعات الدعم هذه داخل المؤسسة أو رعاية عضوية القادة في مجموعات الأقران الخارجية، مثل مؤسسة الرؤساء الشباب (YPO) أو مؤسسة فيستدج (Vistage)، اللتين تقدمان الدعم والموارد للقادة. من خلال تجربتنا المباشرة في جلسات التدريب المهني على القيادة وورش العمل التي نجريها، رأينا أن القادة يشعرون بارتياح كبير بمجرد معرفتهم أنهم ليسوا وحدهم في تجاربهم، وتساعدهم الصداقات والدعم في هذه المنتديات على التغلب على التحديات المهنية والشخصية التي يواجهونها وتعزز نجاحهم على المدى الطويل.
كان على القادة دائماً أداء العمل العاطفي بصفته جزءاً من أدوارهم، لكن الحاجة إليه زادت إلى حد كبير خلال السنوات القليلة الماضية، وقد حان الوقت لكي تتخذ المؤسسات الإجراءات اللازمة لمعالجة هذا العبء العاطفي الكبير الذي يعانيه القادة والتوقف عن تجاهله. من خلال الاعتراف بالعمل العاطفي وتوفير المستويات المناسبة من التعليم والتدريب والدعم، يمكن للمؤسسات مساعدة القادة على التعامل بفعالية مع هذا الجانب الحاسم من أدوارهم ولكن المهمل في كثير من الأحيان.