ملخص: تبين الأبحاث أن العمل الجماعي المتضافر الذي يركز على مجموع خبرات أفراده ومهاراتهم يساعد الأميركيين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا على النجاح والتألق، لكن ما يمنع هؤلاء الموظفين والفرق التي يعملون ضمنها من الازدهار بحقّ هو نزعة المؤسسات لمنح الأولوية والقيمة للعمل المستقل ومكافأته. وكي يستفيد جميع الموظفين من العمل الجماعي المتضافر يجب أن تركز على 3 تدابير: ضمان أن تعمل الفرق على مهمات مترابطة، وتدريب جميع أفراد الفريق على العمل المتضافر، وتقدير العمل الجماعي المتضافر علناً.
يحكي ويليام ماك ناب، الرئيس التنفيذي السابق لشركة "فانغارد" (Vanguard)، عما تعلمه في سن صغيرة عن العمل الجماعي وطريقة القيام به على النحو الصحيح. فقد عمل عندما كان شاباً يافعاً على توصيل الصحف إلى المنازل مع صديقه في أحد الأحياء، وكانت الطريقة المعتادة التي يتبعانها هي "فرّق تسد"، حيث كانا يقسمان الحيّ إلى نصفين ويوزع كل منهما الصحف في أحدهما، وكان ذلك يستغرق 35 دقيقة لكل قسم. قد تبدو هذه الطريقة منطقية، ومن غير المفاجئ أن نهج "فرّق تسد" هو النهج السائد للعمل الجماعي في كثير من المؤسسات الأميركية وفي ثقافة النزعة الفردية عموماً في الولايات المتحدة.
لكن هذه الطريقة ليست الوحيدة، وهذا ما اكتشفه ماك ناب عندما سافر شريكه في توزيع الصحف إلى خارج المدينة واضطر إلى توظيف إخوته الصغار لمساعدته، فبدلاً من تقسيم الحي على مبدأ "فرّق تسد" طور الإخوة نظام عمل متضافر بحقّ لتوزيع الصحف على منازل الحي بأكمله. يقول ماك ناب: "كنا نضع الصحف في عربة يدوية وأقوم بدفعها في شارع الحيّ بأقصى سرعة ممكنة، في حين يأخذ إخوتي الصحف منها ويركضون بها إلى أبواب المنازل".
ولّدت هذه الاستراتيجية نتائج مختلفة بدرجة كبيرة، فقد تمكن الإخوة من توزيع الصحف على منازل الحيّ بأكمله في غضون 20 دقيقة فقط بدلاً من 35 دقيقة. والمثير للاهتمام، أن أسلوب العمل الجماعي المتضافر هذا يتماشى على نحو أفضل مع ثقافة العلاقات المترابطة نسبياً لدى الأميركيين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا.
في الحقيقة، يبين بحثنا أن العمل الجماعي المتضافر الذي يركز على الاستفادة من مجموع خبرات أفراد الفريق ومهاراتهم يتيح للأميركيين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا تحقيق كامل إمكاناتهم في أدائهم، وفي بعض الحالات يمكن أن يتفوقوا على نظرائهم المنتمين إلى طبقات اجتماعية أعلى، الذين يتمتعون بالأفضلية عادة.
في بحثنا، وضعنا الموظفين في مواقف عمل جماعي مصممة لتماثل النهج المترابط الذي اتبعه ماك ناب وإخوته، وراقبنا الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا لمعرفة ما إذا كان أداؤهم أفضل وسبب ذلك. مثلاً، بينت إحدى التجارب المخبرية للعمل الجماعي في مهمة قائمة على حلّ المشكلات أن الطلاب المنتمين إلى طبقات اجتماعية دنيا تفوقوا في أدائهم على نظرائهم المنتمين إلى طبقات اجتماعية أعلى ويتمتعون بأفضلية أكبر. ثم حللنا مقاطع الفيديو التي سجلناها لتفاعلاتهم، واكتشفنا بذلك سبباً رئيساً لأدائهم القوي، إذ تبادل الطلاب المنتمون إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا الأدوار في النقاش خلال عملهم الجماعي بدرجة أكبر من نظرائهم المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية المتوسطة، كما أنهم خاضوا نقاشات نشطة ومتوازنة أكثر، ومن المعروف أن هذه النقاشات تعتبر عنصراً أساسياً في الفرق عالية الأداء. بالفعل، يشير عملنا إلى أن الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا قادرون على استخدام مهارات تعاونية فريدة في المؤسسات التي تساعد الفرق على تقديم أداء عالٍ.
لكن على الرغم من المزايا المحتملة لحشد مجموع مهارات الموظفين من الطبقات الاجتماعية الدنيا، فإن غالبية الشركات في الولايات المتحدة ليست منظمة بطريقة تتيح الاستفادة من مكامن القوة هذه. إذ تعجز مؤسسات حديثة كثيرة عن مكافأة المتعاونين من أصحاب المهارات وتركز كلّ طاقتها ومواردها على أداء النجوم الأفراد.
هذا مثير للقلق بدرجة كبيرة نظراً للاكتشاف الآخر الذي توصلنا إليه في عملنا، وهو أن أسلوب "فرّق تسد" يضرّ على نحو منهجي بالأميركيين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا. مثلاً، في دراسة أرشيفية على درجات الطلاب الجامعيين في مادة السلوك التنظيمي، عملنا على دراسة تأثير الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الطالب في درجات الجزء الذي أنجزه بمفرده من أوراق العمل. وبإعادة توليد فجوات التحصيل النمطية المعتادة بين الطبقات الاجتماعية في الأداء الأكاديمي، لاحظنا أن الطلاب المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا حصّلوا درجات أقلّ من درجات نظرائهم من الطبقات الاجتماعية المتوسطة. وفي جزء آخر من بحثنا، أجرينا تجربة عبر الإنترنت ولاحظنا أن الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا قدموا أداء أقلّ من أداء الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية المتوسطة عندما عملوا بصورة فردية على مهمة قائمة على حلّ المشكلات.
ويبين بحثنا بمجمله أن الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا لا يفتقرون إلى المهارات مقارنة بنظرائهم من الطبقات الاجتماعية الأعلى، لكن يواجهون تحدياً هيكلياً. فالطرق التي يطلب منهم اتباعها في العمل، سواء كانت طريقة العمل المتضافر أو طريقة "فرّق تسد"، لها دور كبير في إتاحة الفرص المتساوية للنجاح أو انعدامها. والأهم، هو أن هذه المعلومات تسلط الضوء على بعض الاستراتيجيات التي يحتمل أن توقع أثراً كبيراً والتي يمكن للمؤسسات والمدراء اعتمادها لمساعدة جميع الموظفين على تعلم طرق العمل الجماعي الأكثر فعالية وضمان أن يحصل الموظفون من الطبقات الاجتماعية الدنيا على فرصة لاستعراض قوتهم في العمل التعاوني المتضافر.
تأكد أن تعمل الفرق على مهام مترابطة
هل يقوم أفراد فريقك بعمل جماعي متضافر بالفعل مثل ماك ناب وإخوته؟ أو أنهم يتبعون طريقة "فرّق تسد" مثل ماك ناب وصديقه؟ تعود أشكال العمل الجماعي بفوائد مختلفة، ومن أجل تحقيق هذه الفوائد للموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا، يجب أن تتطلب مهمة الفريق التنسيق بين أفراده، وتزامن عملهم، ودمج مساهماتهم الفردية بعضها مع بعض.
وبتطبيق ذلك على المؤسسات، إذا كنت تريد أن تنخرط فرقك بنشاط أكبر في عمليات مترابطة، كتنسيق المساهمات وابتكار الحلول المشتركة، فيتعين عليك ضمان تمثيل الموظفين من الطبقات الاجتماعية الدنيا بدرجة كافية في هذه الفرق؛ لأنهم قد يتمتعون بقدرة أكبر على تيسير الأداء الجماعي. أما إذا قسّم أفراد الفريق العمل بينهم، فلن يتمكنوا من الاعتماد على قوة العمل الجماعي المتضافر التي يتمتع بها الموظفون من الطبقات الاجتماعية الدنيا. (كي تتمكن من التعرف على الطبقات الاجتماعية التي ينتمي إليها موظفوك أساساً، يتعين عليك إنشاء بيئة عمل آمنة نفسياً يشعرون فيها جميعاً بالراحة للإفصاح عن معلومات حول نشأتهم.)
درّب جميع أفراد الفريق على العمل الجماعي المتضافر
هل يملك جميع الموظفين الفكرة نفسها عما يعنيه "فرد فعّال في الفريق"؟ من أجل ضمان أن تحظى الفرق التي تعتمد بدرجة كبيرة على العمل الجماعي المتضافر بفرصة للنجاح، يتعين عليك ضمان أن يمتلك جميع أفرادها الرغبة والقدرة اللازمين للانخراط في العمليات الجماعية الفعالة، مثل تبادل الأدوار، والتنسيق، ودمج المساهمات الفردية بعضها ببعض.
ولذلك يتعين عليك تدريبهم على طرق التعاون الفعال. نشرت "هارفارد بزنس ريفيو" مقالاً في عام 2016 تحدث فيه كل من روب كروس، وريب ريبل، وآدم غرانت عن نتائج دراستهم التي توصلوا من خلالها إلى أن ما بين 20% و35% من العمل التعاوني الذي يؤدي إلى إضافة القيمة يقوم به ما بين 3% و5% من الموظفين فقط. وعلى الرغم من أنهم لم يتطرقوا في دراستهم إلى الطبقات الاجتماعية، فنحن على ثقة من أنّ نسبة كبيرة من الموظفين الذين يقومون بالعمل التعاوني الذي يضيف القيمة في تلك الدراسة تنتمي إلى الطبقات العاملة قليلة التمثيل. وهذا يتوافق مع أهمية إشراك عدد من الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا وتدريب جميع الموظفين على قيمة العمل التعاوني بغضّ النظر عن اختلاف طبقاتهم الاجتماعية. وبهذه الطريقة ستتمكن من ضمان أن يضمّ فريقك أفراداً قادرين على الاستفادة من مهارات العمل التعاوني المتضافر وألا يصاب نجوم العمل التعاوني بالإرهاق بسبب الاعتماد المبالغ عليهم للقيام بعمل تعاوني يضيف القيمة.
قدّر العمل الجماعي المتضافر
هل يتم تقدير العمل الجماعي المتضافر بدرجة مساوية لتقدير المساهمات الفردية في مؤسستك؟ إذا لم يكن كذلك، فبإمكانك اتباع بعض الطرق لتغيير ثقافة المؤسسة. مثلاً، يبين بحثنا أنه قد يكون من المجدي في تقييم الموظفين إدراج مقاييس لتقييم فعالية الموظف كفرد في الفريق إلى جانب مقاييس الأداء الفردي.
وفي الحقيقة، نجري ضمن بحث لا يزال جارياً مقابلات شخصية مع موظفين من مختلف الطبقات الاجتماعية ونسألهم عن التحولات التي مروا بها في الانتقال من الحياة الجامعية إلى الحياة المهنية. ووضح لنا ويليام، وهو موظف ينتمي إلى الطبقة الاجتماعية العاملة، أن التقييمات القائمة جزئياً على قدرات العمل الجماعي مكّنته من التألق في عمله بحق، يقول: "في وظيفتي الأخيرة كانت معايير تقييم الموظفين تشمل القدرة على التواصل مع الآخرين. أعتقد أن نشأتي ساعدتني على التواصل بسهولة مع أشخاص مختلفين عني، وأنا أجيد ذلك؛ لأنني ترعرعت في منطقة تتسم بالتنوع الاجتماعي الكبير واعتدت التحدث مع أشخاص يختلفون عن بعضهم بدرجة كبيرة. أشعر أن ذلك أحد مكامن قوة الطبقة الاجتماعية التي أنتمي إليها".
إن تضمين مقاييس تقييم العمل ضمن الفريق سيسلط الضوء على قيمة تعاون الموظفين، إلى جانب أنه سيضمن حصول الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا الذين يتمتعون غالباً بهذه المهارات على فرص متساوية لتحقيق إنجازات والارتقاء على السلم الوظيفي في المؤسسات، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى تكافؤ الفرص المتاحة للجميع. إن ضمان أن يكون العمل الجماعي سلوكاً مطلوباً وأن يثمنه جميع الموظفين عالياً هو أمر حاسم في إنشاء بيئة عمل تتسم بالشمول الاجتماعي تحتضن الموظفين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية الدنيا.
وكما أدرك ويليام ماك ناب، فإن السلوكيات المحددة التي يتبعها أفراد الفرق ويُكافؤون عليها قادرة على توليد نتائج مختلفة جداً عن نتائج أسلوب "فرّق تسد" المهيمن. وتسلط النتائج التي توصلنا إليها الضوء على إجراء واحد قوي يمكن للمؤسسات اتخاذه للبدء في معالجة المشكلات الحاضرة في صميم الانقسامات في مجتمعنا الذي يتزايد تفاوتاً، وهو فرض تغييرات هيكلية تجعل ثقافاتها شاملة اجتماعياً بدرجة أكبر لتضم مزيداً من أبناء الفئات قليلة التمثيل، ومنهم الموظفون المنتمون للطبقات الاجتماعية الدنيا. هذا هو الإجراء السليم الذي سيفيد المؤسسات، إذ ستتعلم طرق العمل الجماعي التي تتماشى مع أسلوب أبناء الطبقات الاجتماعية الدنيا في العمل. وبالفعل، كما قال ماك ناب: "ستحقق الشركة إنجازات أكبر بكثير إذا عمل الجميع معاً".