لماذا لا يتقبل الكثير من الأشخاص فكرة التقاعد؟

3 دقيقة
الصعوبات النفسية للتقاعد
غرانت فينت/ غيتي إميدجيز

ملخص: تشير الأبحاث إلى أن اتخاذ قرار التقاعد يقتضي التعامل مع 3 مسائل نفسية: أولاً، يمكن أن تتعاظم مشاكل الهوية بالنسبة لأي موظف مخضرم ومحترف وتربطه بمهنته علاقة عميقة. ويكفي الابتعاد عن المهنة خطوة صغيرة فقط حتى يجد المرء نفسه يتساءل عن هويته إذا انفصل عنها. ثانياً، يقاوم الكثير من العاملين المحترفين الأكبر سناً ترك عملهم الذي يتضمن مغزى معيّناً بالنسبة لهم. أما المسألة الثالثة فهي الخوف من خسارة العلاقات المتينة التي تراكمت على مدار مسيرة مهنية طويلة وناجحة. تشير الأبحاث الجديدة إلى أن القادة الذين يطورون لديهم وعياً دقيقاً بهويتهم الحقيقية وما تتطلبه منهم وظيفتهم فعلياً، هم أكثر استعداداً للتغلب على العوائق النفسية التي تحول دون التقاعد.

مع انسحاب الرئيس جو بايدن من الانتخابات الرئاسية لعام 2024، أصبح المرشح الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب، أكبر شخص سناً يرشحه حزب سياسي أميركي رئيسي على الإطلاق. وبصرف النظر عن تعقيدات السباق نحو الرئاسة الأميركية، فقد أثار هذا حواراً وطنياً حول العمر، والقيادة، وما يعنيه العمل بالنسبة إلى هوية الأفراد.

وبما أن معظم الأميركيين يتقاعدون في سن الرابعة والستين، قد يتساءل البعض لماذا لم يتقاعد هؤلاء الرجال -أو ربما أي عدد من قادة الأعمال الكبار في السن- منذ فترة طويلة. في دراسة استغرقت عقداً من الزمن وانتهت مؤخراً، عن التقاعد بين المهنيين الأميركيين في قطاع الأعمال، اكتشف فريقي البحثي العوامل المطلوبة لاتخاذ هذا القرار الصعب، وسبب صعوبته بالنسبة إلى الكثيرين.

فقد وجدنا أن اتخاذ قرار التقاعد يقتضي التعامل مع 3 مسائل نفسية: أولاً، يمكن أن تتعاظم مشاكل الهوية بالنسبة لأي موظف مخضرم ومحترف وتربطه بمهنته علاقة عميقة. ويكفي الابتعاد عن المهنة خطوة صغيرة فقط حتى يجد المرء نفسه يتساءل عن هويته إذا انفصل عنها. فقد عبّر أحد المشاركين الذين أجرينا مقابلات معهم عن شعور مزعج بفقدان الهوية ينتابه بعد تقليص أيام العمل الأسبوعية لديه بمقدار يوم واحد فقط، إذ قال: "أشعر بأنني أربعة أخماس مهندس برمجيات. إذاً، هل سيؤدي هذا إلى تغيير هويتي؟". نجح الكثير من المشاركين في الدراسة في اجتياز هذا التحدي من خلال "سد ثغرات الهوية"؛ أي العثور على طريقة للاحتفاظ ببعض الأجزاء الجوهرية من هويتهم المهنية في مرحلة التقاعد، كما فعل قائد شركة عندما تولى منصباً قيادياً في الجماعة الدينية التي ينتمي إليها.

ثانياً، يقاوم الكثير من المهنيين المحترفين الأكبر سناً ترك عمل يرونه هادفاً، لأن كل يوم يحمل معه إحساساً بأنه ثمة غاية يسعون إلى تحقيقها، وإحساساً بأنه ثمة إسهام مهم يمكنهم تقديمه، وإحساساً بأنه ثمة تقدم عليهم إحرازه نحو أهداف مهمة، ولا سيما إذا لم يكن لديهم تصور واضح حول الخطوة التالية. وقد استخدم العديد من المشاركين الذين أجرينا مقابلات معهم جملاً من قبيل: "القفز نحو الفراغ" أو "القفز عن جرف مرتفع". وقد قال أحد المشاركين، بعد أن تردد في اتخاذ القرار سنوات عديدة: "لطالما كان يتردد في ذهني السؤال: ما هي الخطوة التالية؟ والآن، أشعر أخيراً بأن الخطوة التالية لا تتعلق بالعمل. لكنني لا أدري بالضبط ما هي هذه الخطوة التالية". يستطيع الأشخاص الذين اتخذوا هذا القرار بسهولة أكبر أن يتخيلوا على الأقل طريقة جذابة لقضاء الوقت بعد التقاعد.

أما المسألة النفسية الثالثة فهي الخوف من خسارة العلاقات المتينة التي تراكمت على مدار مسيرة مهنية طويلة وناجحة. غالباً ما تثير العلاقات من هذا القبيل شعوراً رائعاً لدى المرء بأن المئات أو الآلاف أو حتى الملايين من الأشخاص يحتاجون إليه ويحترمونه. كانت إحدى المشاركات من كبار المدراء في شركة تكنولوجية، وتخلت عن ترقية محتملة إلى منصب رئيسة وحدة الأعمال عندما قررت أن تتقاعد، وقد وصفت لنا صدمة هذا الانتقال قائلة: "لقد انتقلت من حالة كنت فيها مركز الاهتمام وكل شيء بالنسبة إلى الكثير من الأشخاص، ومصدراً للترفيه إلى حد ما أيضاً، إلى حالة أصبحت فيها غير مرئية. إنها قفزة كبيرة".

تكشف دراستنا أن تمكين المرء من اتخاذ هذه القفزة نحو التقاعد في نهاية المطاف يعتمد على 4 جوانب: التوافق والإدراك والإرادة الحرة والقدرة على التكيف (alignment, awareness, agency, and adaptability)، أو "ذا فور أيز" (The 4 As) اختصاراً. يحتاج المرء إلى تقدير التوافق والسعي إلى تحقيقه بين واقع "الذات" -أي ما هو مهم بالنسبة له، ونقاط القوة والضعف الحالية لديه- وواقع "بنية الحياة"، الذي يتضمن كل شيء في حياته، بما في ذلك متطلبات العمل. ومن أجل تقييم التوافق، يحتاج إلى الإدراك؛ أي تكوين تصور واضح عن كل من ذاته وبنية الحياة التي يعيشها. إذا اكتشف المرء وجود مشكلة في التوافق، فيجب عليه أن يستعين بالإرادة الحرة، التي تمنحه القوة لإجراء التغيرات الضرورية بصورة استباقية، بما في ذلك، ربما، إنهاء مسيرته المهنية. وأخيراً، يجب عليه أن يطور قدرته على التكيف مع الأحداث التي لا يستطيع السيطرة عليها، مثل التعرض إلى حادث مدمر، أو التعرض للتسريح قبل أن يتمكن من التقاعد بمحض اختياره.

لا توجد "سن مناسبة" للتقاعد. وقد اكتشفت الأبحاث العلمية وجود تباين هائل في كل من فقدان القدرة الجسدية على التحمل والتدهور الإدراكي مع التقدم في السن. فقد أدرك بعض القادة، مثل المدربة الشهيرة لفريق تينيسي لكرة السلة النسائية، بات سوميت، أنهم يجب أن يتقاعدوا بسبب التدهور الإدراكي لديهم في سن مبكرة نسبياً. أما البعض الآخر، مثل وارن بافيت، والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، والملكة إليزابيث الثانية، فقد أثبتوا أنهم قادرون على العمل بفعالية واضحة في الثمانينيات من العمر، بل وحتى بعد ذلك.

إن القادة الذين يطورون لديهم وعياً دقيقاً بهويتهم الحقيقية وما تتطلبه منهم وظيفتهم فعلياً -في أي وقت كان- هم أكثر استعداداً للتغلب على العوائق النفسية التي تحول دون التقاعد، عندما تحين اللحظة المناسبة. وهذا ينطبق علينا جميعاً.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي