يرى معظم الأفراد أن العمل لحساب الآخرين مقلق ويستنزف الطاقة. على الرغم من أن الالتزام الوظيفي يتصدر قائمة أولويات الرؤساء التنفيذيين، فإن أبحاثنا في أماكن العمل في جميع أنحاء العالم تكشف عن حالة مؤسفة، وهي أن عدد العاملين غير الملتزمين وظيفياً بلغ ضعفي عدد زملائهم الملتزمين، ولكن ما يدعو إلى التفاؤل هو أن ثمة شركات خالفت هذا الاتجاه وقد اكتشفنا كيف تمكنت من ذلك.
على مدى فترة زمنية مدتها خمس سنوات، درسنا 32 شركة لديها ما مجموعه 600 ألف موظف وتتوزع في 7 قطاعات تتضمن الضيافة والخدمات المصرفية والتصنيع والمستشفيات. في هذه الشركات، يفوق عدد العاملين الملتزمين وظيفياً عدد زملائهم غير الملتزمين بنسبة 9 إلى 1، ولنفهم كيف تمكنت من تحقيق هذه الميزة الهائلة بحثنا عن التناقضات بينها وبين مجموعة أكبر بكثير من الشركات التي نعرف أنها تواجه صعوبة في تغيير أماكن العمل الجامدة وغير الملهمة.
توصلنا إلى 7 عناصر تميز الشركات التي تضم موظفين مفعمين بالحيوية وهي العناصر التي تفتقر إليها الشركات الأخرى على نحو ملحوظ. لا تؤدي هذه العناصر في حد ذاتها إلى أداء عالٍ في المؤسسة لكن لا شك في أن توافر بعضها على الأقل يمكن أن يحسّن أداء الموظفين، ونحن نوصي بها بثقة للشركات التي ترغب في خلق التزام وظيفي لدى القوى العاملة.
لديها قادة يتسمون بحب الاستطلاع والمشاركة ويرغبون في التحسين
تؤثر مواقف القادة وأفكارهم وسلوكياتهم بشدة في ثقافات مؤسساتهم. لا يناقش قادة أماكن العمل الرائعة توقعاتهم من صفوف الإدارة فحسب، بل يمثلون أسوة للمدراء في المجالات المطلوبة، ويحسّنون أنفسهم فيها من خلال التمرن كل يوم مع فرقهم. وحينما يُظهر القادة القليل من الضعف ويعملون بصورة ملحوظة على تحسين أنفسهم، فإنهم يشيرون إلى العاملين أن هذا الالتزام هو سبيلهم للتقدم.
لديها مسؤولو موارد بشرية استثنائيون
يتمتع أفضل موظفي الموارد البشرية بالموهبة اللازمة للتأثير في المسؤولين التنفيذيين وتعليمهم ومساءلتهم، وهذا أمر مهم لأن العديد من المسؤولين التنفيذيين يترقّون في المناصب على الرغم من افتقارهم إلى الكفاءة الإدارية اللازمة، يعلّم خبراء الموارد البشرية القادة والمدراء كيفية زيادة قدرات الموظفين وتطويرهم بما يتوافق مع قدراتهم الطبيعية. إذا حظيت بقادة موارد بشرية استثنائيين فتمسك بهم لأنهم نادرون.
تتأكد من استيفاء متطلبات الالتزام الوظيفي الأساسية قبل توقع نجاح رسالتها الملهمة
عندما يعرف الموظفون ما هو متوقع منهم ويحصلون على الأدوات التي يحتاجون إليها لأداء مهامهم، ويكونون ملائمين لأدوارهم، ويتلقون دعم مدرائهم، فسيلتزمون تقريباً بأي هدف تحاول الشركة تحقيقه. وعلى العكس من ذلك، إذا لم تلبَّ هذه الاحتياجات الأساسية، فقد لا يظهرون التزاماً وظيفياً مهما كانت رسالة الشركة سامية، فالأفراد لا يرتبطون بالرسائل أو القيم المعلنة مهما بدت ملهمة للإدارة المركزية.
لا تستخدم الركود ذريعة
تتذرع شركات كثيرة بالحالة الاقتصادية لتفسير تردّي مكان العمل وبأنه في الأوقات التي تتطلب ضغط النفقات، يتراجع التزام الموظفين بدرجة كبيرة. لكن تجربة الشركات النموذجية الاثنتين والثلاثين التي درسناها تدعو إلى التشكيك في هذا المنطق، فمع استثناءات قليلة، اضطرت هذه الشركات أيضاً إلى الاستجابة لثبات إجمالي المبيعات أو انخفاضه من خلال إجراء تغييرات هيكلة، وتسريح العمالة، وتخفيض الأجور الحقيقية والمزايا، ومع ذلك، فإنها لم تحافظ على ثقافاتها الفعالة فحسب، بل عملت على تحسينها أيضاً. تمكنت الشركات من تحقيق ذلك من خلال الانفتاح وإجراء التغييرات بسرعة والتواصل المستمر ومنح الأمل. الحقيقة هي أن الالتزام الوظيفي من الجوانب القليلة التي يمكن للمدراء والقادة التحكم فيها حينما تخرج أمور أخرى عن سيطرتهم، تدرك الشركات الرائعة ذلك وتشرع في إدارة هذا الجانب بالطريقة الصحيحة.
تثق بالفرق والمدراء وتسائلهم وتدعمهم باستمرار
التجارب التي تلهم الموظفين وتشجعهم هي التجارب التي يخوضونها بأنفسهم، تُبنى الفرق القوية حينما تعمل بنفسها على تقدير حجم المشكلات التي تواجهها وتتخذ نهجاً عملياً لحلها، وتدعم الشركات المثالية مدراءها بقوة، وتعمل على بناء قدراتهم ومرونتهم، وتحمّلهم المسؤولية عن الثقافات المميزة التي يخلقونها في العمل. (هناك نتيجة بديهية مهمة هنا وهي أن النوايا الحسنة للرئيس التنفيذي يمكن أن تأتي بنتائج عكسية إذا كان يتولى المسؤولية في جوانب الشركة جميعها محاولاً حل المشكلات بنفسه).
تنتهج نهجاً واضحاً وحاسماً لإدارة الأداء
تعرف الشركات التي يحقق موظفوها أعلى مستويات الالتزام الوظيفي في دراستنا كيفية استخدام التقدير محفزاً، في الواقع، السمة المميزة لأماكن العمل الرائعة هذه هي انتشار ثقافة التقدير فيها. ترى هذه الشركات في التقدير وسيلة قوية لتطوير الموظفين وزيادة قدراتهم، ومن ناحية أخرى، فإنها ترفض التسامح مع الأداء المتواضع فكل إجراء أو تقاعس يؤدي إلى نتائج غير مناسبة يزيد خيبة الأمل في مكان العمل ويقوّض الالتزام.
لا تجعل الالتزام الوظيفي هدفاً في حد ذاته
مع تزايد القدرة على قياس الالتزام الوظيفي وتتبّعه بدقة، تصبح تلبية هذا المقياس منطلق الإدارة في الشركات. تركز الشركات الرائعة على النتائج التي يتطلب تحقيقها التزاماً وظيفياً أعلى، أحد أفضل الأمثلة التي يمكننا الاستشهاد بها مستشفى الجراحة الخاصة (Hospital for Special Surgery) في مدينة مانهاتن، إذ منحته صحيفة يو إس نيوز آند وورد ريبورت (U.S. News & World Report) المرتبة الأولى في جراحة العظام على مستوى الولايات المتحدة، ويحتاج هذا المستشفى إلى بيئة عمل مفعمة بالنشاط لتلبية متطلبات المرضى. أخبرتنا النائب الأول لرئيس الرعاية الصحية ورئيسة التمريض في المستشفى، ستيفاني غولدبيرج، بأن المرضى يتوقعون الكثير من طاقم العمل، وبأن الممرضين التابعين لها لا يتقبلون مرور يوم دون أن يقدم المستشفى الاهتمام الكافي للمرضى. جدير بالذكر أن متوسط دوران الممرضين في مستشفى الجراحة الخاصة أقل من متوسط دوران الممرضين في القطاع، فضلاً عن متوسط الدوران في مدينة نيويورك الغنية بالمستشفيات.
كانت هذه إذاً العناصر السبعة الرائعة لتحقيق الالتزام الوظيفي، ويمكنك أن تلاحظ مدى اختلافها عن الأساليب التي تتبعها غالبية الشركات في سعيها لخلق بيئة عمل رائعة. تخطئ شركات عديدة حينما تعطي أولوية للمظاهر الخارجية والجوانب التي يسهل ترتيبها، مثل المكاتب العصرية، وترتيبات العمل عن بُعد، والمزايا المبتكرة على العناصر التي من شأنها تعزيز الروابط العاطفية وربط الموظفين بصورة أكبر بمدرائهم وفرقهم وشركاتهم. أنا أشفق على هذه الشركات، فإن تمكنت من الصمود والمنافسة سيكون ذلك على الرغم من تعاسة موظفيها وارتباكهم.
وأشفق أكثر على هؤلاء الموظفين، يُظهر البحث الذي أجريناه على عيّنة ممثلة من جميع البالغين في العالم تقريباً أن الوظيفة قد تكون إحدى ركائز سعادة الموظف إذا كان ملتزماً بعمله، تحدثت مقالات كثيرة عن كيفية تحقيق هذه الغاية من خلال جعل العمل أكثر متعة، وغير تقليدي، وأيضاً ذا معنى، ولكن الشركات ما زالت تفشل. اكتشفت الشركات المثالية التي درسناها كيفية إنشاء روابط عاطفية مع موظفيها، وعلى الرغم من أن الأمر ليس سهلاً، فإذا ركزت على هذه العناصر السبعة الرائعة، يمكنك أنت أيضاً إنشاء شركة يحب أفرادها عملهم.