القائد المستقبلي: من السعي للتأثير بالأداء إلى السعي للتأثير بالعطاء

3 دقيقة
القيادة الطموحة
shutterstock.com/Youimages

لأساليب القيادة دور حاسم في تشكيل العلاقات داخل أي مؤسسة ونجاحها في تحقيق أهدافها، وهي تحدد كيفية تفاعل القادة مع فرقهم واتخاذهم القرارات وتحقيق النتائج المرجوة.

على مر الأجيال، كانت عقلية القائد الطموح الذي يسعى إلى النجاح نموذجاً مثالياً لقيادة الشركات؛ يتميز أصحاب هذه العقلية بطموحهم الشديد وعملهم الدؤوب لتجاوز التحديات وتحقيق أهدافهم الكبيرة، وهم أيضاً نموذج يحتذى به في القيادة ويشكلون موضوعاً للعديد من الدراسات التي تستعرض نجاحهم في قيادة المؤسسات نحو النمو السريع وتحقيق الأرباح.

تُعد القيادة الطموحة غالباً سمة مرغوبة في مجتمعنا، فهي تنطوي على تحديد الأهداف والمبادرة وتحقيق النجاح، لكن ثمة سلبيات محتملة لهذه العقلية ويجب أن ندركها.

تتمثل إحدى هذه السلبيات في الميل إلى إعطاء الأولوية لتحقيق المكاسب الشخصية على حساب احتياجات الآخرين؛ عندما يركز القائد فقط على تحقيق طموحاته الشخصية، فمن الممكن أن يتجاهل تأثير أفعاله على من حوله، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى توتر العلاقات وفقدان ثقة الزملاء وأفراد الفريق.

تتمثل إحدى السلبيات الأخرى لهذه العقلية في التعرض إلى الاحتراق الوظيفي؛ يُعرف الطموحون بدوافعهم الحثيثة وتمتعهم بأخلاقيات العمل، لكن يمكن أن يؤدي الضغط المستمر على أنفسهم دون أخذ فترات راحة أو إعطاء الأولوية للاهتمام بأنفسهم إلى تأثيرات سلبية على صحتهم النفسية والجسدية.

بالإضافة إلى ذلك، فالتركيز على الإنجازات الفردية فقط ربما يقيّد فرص التعاون والعمل الجماعي؛ في عالمنا الحديث، يتطلب النجاح في كثير من الأحيان العمل مع الآخرين لتحقيق الأهداف المشتركة، والتركيز على الإنجازات الشخصية فقط يحرم الطموحين فرصة الاستفادة من الدعم والرؤى الثاقبة القيمة التي يوفرها من يحيطون بهم.

يمكن أن يؤدي الضغط المستمر لتحقيق النتائج المرجوة أيضاً إلى مستويات عالية من التوتر والقلق؛ من الممكن أن يصبح الخوف من الفشل أو عدم تلبية التوقعات عبئاً ثقيلاً عندما يكون تحقيق الطموح والسعي إلى النجاح هو محور حياة هؤلاء الأشخاص.

على الرغم من أهمية الطموح والدافع لتحقيق النجاح، فمن الضروري أيضاً مراعاة السلبيات المحتملة التي تترتب على هذه العقلية. والموازنة بين الطموح والتعاطف ضرورية للقيادة الفعالة التي لا تهدف إلى النجاح الشخصي فحسب بل تنهض بأفراد الفريق الآخرين.

ظهور مفهوم القيادة التعاونية

فرض مفهوم القيادة التعاونية لتحقيق النجاح الجماعي نفسه بقوة بديلاً مناسباً للنمط التقليدي الذي يركز على النجاح الشخصي. فعلى عكس القائد الطموح الذي يتبنى ثقافة السعي إلى النجاح الشخصي، يتبنى القائد المتعاون نهجاً أكثر توازناً لتحقيق النجاح الجماعي. فهو يجمع الفطنة التجارية القوية مع التركيز على المبادئ الأخلاقية والرفاهية المجتمعية. يؤمن هؤلاء القادة بأهمية السلوك الإيجابي لنجاح الشركة، ويركزون على تحقيق النجاح الشامل الذي يعود بالفائدة على الأطراف المعنية جميعها مثل المساهمين والموظفين والعملاء والمجتمعات عموماً.

أهمية إعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين ومصالحهم

في القيادة، تتمثل إحدى الخصائص الرئيسية التي تميز القائد المتعاون في التزامه الراسخ بإعطاء الأولوية لاحتياجات الآخرين ومطالبهم. ربما يبدو هذا التحول في العقلية متناقضاً مع أفكار المجتمع الحالي الذي يقدر الإنجازات الفردية وترويج الذات، ولكن هذا التركيز الدقيق على خدمة الآخرين يسمح للقائد المتعاون بإحداث تأثير دائم وحقيقي، إذ يعمل على تعزيز بيئة تتسم بالثقة والتعاون والدعم من خلال إعطاء الأولوية لاحتياجات المحيطين به، ويدرك أن العمل على رفع مستوى الآخرين ومساعدتهم سيسهم في ارتقائه بنفسه أيضاً. يعزز هذا النهج العلاقات القوية المبنية على التعاطف والاهتمام الحقيقي بأفراد الفريق.

الاستماع الفعال دون وجود أحكام مسبقة ضروري لفهم احتياجات الآخرين، وهو ينطوي على استيعاب وجهات نظر الأفراد والمشكلات التي يواجهونها. من خلال تبني مثل هذا النهج، يمكن للقائد المتعاون تقديم الدعم المناسب الذي يعزز التقدم الفردي والجماعي على حد سواء.

لا يعني تبني عقلية القائد المتعاون بالضرورة تهميش تطلعات الفرد وطموحاته، بل يؤكد أن النجاح الحقيقي يتحقق من خلال مساعدة أفراد الفريق الآخرين والنهوض بهم. يمهد هذا الانتقال إلى نموذج القيادة الخدمية الطريق لتأسيس بيئة تسمح للجميع بالتفوق والتقدم.

وتتمثل النتيجة النهائية في بناء قوة عاملة سعيدة وفرق عمل أكثر تماسكاً وتحسين النتائج للأطراف المعنية جميعها.

أمثلة واقعية على قادة ناجحين يتبنون ثقافة التعاون

في عالم الأعمال الحالي التنافسي والمتسارع، من المهم معرفة قصص أشخاص حقيقيين تبنوا عقلية القائد المتعاون وحققوا نجاحاً كبيراً.

ومن الأمثلة عليهم الرئيس التنفيذي السابق لشركة ستاربكس، هاورد شولتز. كان شولتز يؤمن بأهمية إنشاء ثقافة عمل في الشركة، بحيث تركز على خدمة العملاء والموظفين على حد سواء. ركز شولتز على بناء علاقات قوية مع أفراد فريقه والاستماع إلى أفكارهم ومشكلاتهم وتعزيز قدرتهم على تولي زمام العمل. عزز هذا النهج الولاء بين موظفي ستاربكس وأدى أيضاً إلى توفير خدمة استثنائية للعملاء.

من الأمثلة البارزة الأخرى، الرئيسة التنفيذية لشركة جنرال موتورز (GM)، ماري بارا. عُرفت بارا بأسلوب قيادتها الشامل الذي يركز على التعاون والعمل الجماعي، وهي تحرص على سماع وجهات النظر المتنوعة داخل شركتها وتشجع على التواصل المفتوح والفعال على المستويات كافة. شهدت شركة جنرال موتورز تحت قيادة بارا نمواً كبيراً مع ترسيخها لبيئة العمل التي يشعر فيها كل موظف بالتقدير.

يمكننا أيضاً أن نتحدث عن بيل غيتس بوصفه نموذجاً مثالياً على القائد المتعاون؛ فمن خلال جهوده الخيرية في مؤسسة بيل وميليندا غيتس فاونديشن (Bill & Melinda Gates Foundation)، كرس نفسه لتحسين الوصول إلى الرعاية الصحية في البلدان النامية والقضاء على أمراض مثل شلل الأطفال والملاريا من خلال حملات التطعيم على مستوى العالم.

توضح هذه الأمثلة الواقعية أن تبني ثقافة القائد المتعاون لا يؤدي فقط إلى تحقيق الإنجازات الشخصية، بل يسهم أيضاً في تحقيق النجاح على مستوى المؤسسة بأكملها. من خلال التركيز على التعاطف والتعاون والاهتمام باحتياجات الآخرين، أنشأ هؤلاء القادة إرثاً دائماً يؤثر إيجاباً على شركاتهم والمجتمع عموماً.

يمثل الانتقال من القيادة الطموحة إلى القيادة التعاونية تحولاً جذرياً في طريقة التفكير والسلوك وكيفية قياس النجاح وصياغة الاستراتيجيات وإدارة الفرق وهو يتضمن تغيير العقلية والسلوك، ويشير إلى تحول جذري في طريقة قياس النجاح وصياغة الخطط وقيادة الفرق.

تنويه: يمكنكم مشاركة أي مقال من هارفارد بزنس ريفيو من خلال نشر رابط المقال أو الفيديو على أي من شبكات التواصل أو إعادة نشر تغريداتنا، لكن لا يمكن نسخ نص المقال نفسه ونشر النص في مكان آخر نظراً لأنه محمي بحقوق الملكية الدولية. إن نسخ نص المقال بدون إذن مسبق يعرض صاحبه للملاحقة القانونية دولياً.

جميع الحقوق محفوظة لشركة هارفارد بزنس ببليشنغ، بوسطن، الولايات المتحدة الأميركية 2024 .

المحتوى محمي